خـطـاب مـولانـا الـشـيـخ إبـراهـيـم
حوليــة
۲۰۰۳
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الوهاب الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء وهو
على كل شئ قدير القائل في محكم التنزيل {ولقد كتبنا في الزبور من بعد
الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون
� إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين
�
وما أرسلناك إلا رحمـة للعالمين} اللهم صل وسلم وبارك على حبيبك
ونبيك المبعوث رحمة للعالمين من السابقين والحاضرين واللاحقين، صلاة
تليق بك منك بما هو أهله الهادي البشير والسراج المنير وعلى آله
وأصحابه الطيبين الطاهرين، ورضي الله تبارك وتعالى عن سائر الأولياء
الصالحين حملة مشاعل النور المحمدي قلوبهم مصابيح الدجى يخرجون من كل
غبراء مظلمة وهذه هي حكمة الخلاق العليم.
فأول قبلة السجاد طـيـن عليه أشعة النور العلي
تولته العناية بعد جـهـلٍ على علمٍ فأنعِم مِن ولي
وداود الخليفة مـِن هُداها
وعلمناه صنعة كل شئ
وفهّـمنا سليمان اقتضاها
وعلّمناه منطِق كل شئ
ولم تُكشَف ولم تعَلم ولكن
تجلَت في نبيٍ أو ولي
اخوانى اخواتى .. ابنائى وبناتى فى الطريقة البرهانية الدسوقية
الشاذلية
الاخوة والاخوات الحضور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - وكل عام وانتم بخير
ها نحن نلتقي في الحولية العشرين لسيدي فخر الدين الشيخ محمد عثمان
عبده البرهاني ونستكمل سوياً من هديه رضي الله عنه ما استشكل علينا
من أمور الدين والدنيا، وكنا قد أشرنا في خطابنا السابق من العام
الماضي الى داء العصر ودواؤه وكان مجمل القول في خطورة الفكر الوهابي
الذي أخذ الناس بعيداً عن كل ما هو صحيح في العقيدة الإسلامية
السليمة وركّزوا على العبادات والمعاملات بحجة أنها الشيء النافع
الوحيد في الدنيا والآخرة وان كل ما سواها بِدع وخرافات وقللوا بل
همّشوا بل أماتوا العقائد في حب النبي . وآل بيته الطيبين الطاهرين
وقالوا أن ذلك شِرك بالله وقصروا العقائد على لا إله إلا الله ونسـوا
أن سيدنا محمد رسول الله هـي الجزء المتمم للشهادة حتى أن الإمام
الشافعي رضي الله عنه قال (لو نطق الإنسان أشهد أن محمدا رسول الله
بصوت منخفض عن النطق بلا إله إلا الله لا تصح له شهادة) وفى هذا
المقام يقول سيدي الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:
أما عن الإسلام فاعلم أنه بيت الأمان وموئل التبيان
فشهادة لله ثم لأحمـــد من غير تثنية، فما الإثنان
ومن قال أن دور رسول الله قد انتهى بانتقاله إلى الرفيق الأعلى فقد
ضلّ ضلالاً بعيداً والعياذ بالله، ونحن هنا نذكِّر الأمة ببعض وظائف
الحبيب التي وردت في آية واحدة من الذكر الحكيم الذي نزل إجماله
وتفصيله على الحبيب ومن أجل الحبيب إذ يقول عز من قائل {إنا أرسلناك
شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً} فالشاهد
على الأمة كيف تصِح شهادته على أمته وقد انقطعت صلته بموته، ومن قال
أن السراج المنير الذي يستمد نوره من النور الإلهي يطفأ والله مُتـِم
نوره ولو كره الكافرون، وأدهى من ذلك وأمر من ينهي عن زيارة الحبيب
مع فريضة الحج مدّعياً أنه شرك بالله، ونحن نقول هنا أن فقه العبادات
وفقه المعاملات قد ملأ الكتب والصِحاف ولابد لنا من العناية بفقه
العقائد لإصلاح المفاسد والضلالات التي ملأت الكتب والصحف والإذاعة
المسموعة والمرئية وفي هذا يقول سيدي فخر الدين:
إني براء من الدعوى وقد كثُرت
بلا حيــــاء وإن الله منجيني
ولذا نعود لنكرر أن سيدي فخر الدين رضي الله عنه لم يهتم بالتأليف
والكتابة إلا في العقائد فأتى كتابيه تبرئة الذمة وانتصار أولياء
الرحمن خير ناصح للأمة للخروج من دياجير الجهل والظلام إلى نور البدر
التمام صلوات الله وسلامه عليه.
ولكننا بدورنا نكشف الستار هذا العام عن ضلالة أخري يروج لها
المبطلون ألا وهي إظهار الأحاديث النبوية التي يرون أنها تخدم
عقائدهم الفاسدة وتضعيف الأحاديث الأخرى ونضرب المثال بحديثين للحبيب
المصطفى عليه الصلاة من الله وأزكى السلام وكلاهما صحيح وهما (تركت
فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي .. كتاب الله وسنتي) وهذا الحديث
لم يروه إلا الحاكم في المستدرك، أما الحديث (تركت فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلوا بعدي.. كتاب الله وعترتي أهل بيتي) فقد رواه مسلم
في الصحيح ورواه الإمام الترمذى في السنن والإمام أحمد بن حنبل في
المسند حتى أن محمد بن عبد الوهاب جعله من أهم الأحاديث التي أعتبرها
أصول التوحيد في كتابه (أصول الإيمان) المطبوع بالرياض وبالمقارنة
من حيث الإخراج والإسناد فإن حديث (عترتي أهل بيتي) أصح سنداً وأكثر
إخراجاً ولكن كل المتحدثين بلسان الإسلام آثروا الحديث الأول عليه
إتباعاً للهوى وإضلالاً الناس عن مكانة أهل البيت وضرورة الإقتداء
بهم وحبهم والولاء لهم، فكان الحديث كلمة حق أريد بها باطل وفي هذا
يقول سيدي فخر الدين رضي الله عنه:
تبوأ بعضهم في الجهل دركاً وفي تحصيلهم حتى أغـان
إذا مـا ضل أبناء النـبـي
ترى من للهداية بعدُ كــانَ
فهل أبناء طه غيـرَ قــومٍ
يطهرنا الذي كان اصطفانـا
ليذهب كل رجسٍ أيُ رجسٍ فهل تكفيرنا يرضي أبانــا
وبالرغم من أن الحديث الأول(كتاب الله وسنتي) به دلالة قوية على أن
الدين كاملاً هو النبي . لأن المقصود بالكتاب هو القرآن الكريم،
والسيدة عائشة أم المؤمنين لما سُئِـلت عن أخلاق النبي . قالت (كان
قرآنا يمشي) ومن هذا فالنبي . هو القرآن، وان السنة المطهرة ما هي
إلا قوله وفعله وإقراره صلوات الله وسلامه عليه.. ومن أراد فصل
أحدهما عن الآخر إنما هو صاحب معول لهدم الديــن حتى ولو تسمى باسم
(الإسلامي أو السني)
لعل الله يُحدِث بعد هذا أموراً حيث أهلَ العِلمِ حاروا
فإن النار للموصولِ نور وإن النورُ للمقطوعِ نـــار
ويقولون بعدم زيارة قبور الصالحين والتقبيل وما شابه ذلك لسد الذرائع،
وهو قول مردود لأنة لو كانت القاعدة عامة، لم يحِل لنا استقبال
الكعبة وهى من الحجارة والطين ولا الطواف حولها ولا تقبيل الحجر
الأسود ولا مس الركن اليمانى ولا رمى الجمار وهى حصى. ولا السعى بين
الصفا والمروة وهما جبلان. لأن ذلك أيضاً ربما يؤدى إلى الشرك
بالمفهوم الخاص بهم فالذى فرض علينا ذلك هو الذى سنّ لنا الزيارة
وسنّ لنا التوسل وسنّ لنا التقبيل وسنّ لنا التبرك.. كذلك فإن الحق
أمرنا بتعظيم واحترام كل شعيرة. وشعائر الله عبارة عن أمكنة مقدسة
مباركة يتضاعف فيها الثواب، وأعتقد أنهم لا يستطيعون أن ينكروا هذه
الأمور فلماذا أذن توقفت البركة والاحترام والتعظيم عند الصالحين..
ولماذا قُـيِـدَت البركة فى الأحجار التى جعلها الله لنا شعائر وجب
تعظيمها، إيهما أقرب للشرك تقبيل الركن اليمانى أم تقبيل يدِ نبىِ أو
ولى. ثم لننظر ونتأمل قول الحق سبحانه وتعالى{يخرج من بطونها شراب
مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} فالذى وضع البركة والشفاء فى العسل هو
الذى وضعها فى المؤمن الصالح.. وكذلك قميص سيدنا يوسف سبباً فى رد
بصر سيدنا يعقوب، فليس الأمر أمر تقبيل حجر من كونه حجر ولكن لأمر
آخر أسمى وأعلى وراء هذه المظاهر، وهذا هو الإمام فخر الدين الشيخ
محمد عثمان عبده البرهانى ينفى بحقٍ وتحقيق هذه.. عن أتباعه ومحبيه
فيقول فى أحد قصائده من ديوان شراب الوصل وهى أيضاً لكل من يقف على
طريق الحق :
يا أيها الناس حج البيت للسارى
وميتُ القلبِ لا تشجيه اوتارى
الحج لله فـى مـجلاه مكرُمـة
وبيتُه بيتُه من غـيرِ إظهـارِ
ولم يكن بيته طيـنا ولا لبـِنـًا
وليس مقصود قومى لثم أحجارِ
وهذا هو الإمام احمد يسأله ابنه سيدنا عبد الله عن الرجل يمس منبر
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبركاً بمسه وتقبيله ويفعل بالقبر
الشريف مثل ذلك رجاء ثواب الله. فقال الإمام أحمد لا باس به.
اخونى.. اخواتى .. أبنائى وبناتى الاخوة والاخوات الحضور
لقد حان الوقت لاقف بكم قليلاً عنــد معنى الشرك فى أمة النبى صلى الله
عليه وآله وسلم.. أخرج الطبرانى عن سيدنا أنس.. قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم (أتخوف على أمتى الشرك والشهوة الخفية.. قال
سيدنا انس. أتشرك أمتك من بعدك قال أجل إلا إنهم لا يعبدون شمساً ولا
قمراً ولا وثناً ولا حجرا وإنما يُراءون بأعمالِهم.. والشهوة الخفية
إن يصبح المرء صائما فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه) فالشرك
كما وصفة الحديث هو الرياء.. يرآءون أى يقصدون الرياء بأعمالهم
متظاهرين أمام الناس بأنهم على الهدى أو أنهم محسنون
فاعلموا أن القول باللسان والعمل بالجوارح إذا لم يتوفر بحضور القلب مع
كل حرف وكل فعل فيكون كالسراب.. من أجل هذا كان اهتمام الصالحين
الزاهدين بتطهير قلوب محبيهم لأن تطهير القلب وتزكيته من أساسيات
الدين.. فالحق سبحانه وتعالى علّق النجاة على سلامة القلب.. قال
تعالى {يومَ لا ينَفعُ مال ولا بنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم}
وخصه النبى بالذكر فقال صلى الله عليه وآله وسلم (ألا وأن فى الجسد
مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب)
فالقلب محل نظر الله.. وتعظيم شعائر الله مرتبطة كل الارتباط بتقوى
القلوب فإذا تعلق القلب بالِسوَى ومحبة الغير فهى عبودية لغير الله،
وقال عليه الصلاة والسلام (تعِسَ عبد الدنيا تعِسَ عبد الدرهم تعِسَ
عبد الخميصة تعِسَ عبد القطيفة تعِسَ وأنتكس). فلا بد من تحرر
الإنسان من عبودية الأشياء..
وقد أشار الشيخ محمد عثمان عبده إلى هذا المعنى فقال:
تعســاً لِعبدِ الفهمِ بِئس إنـاؤة
مِن ناضحٍ بالرى للظمــآنِ
تعسا لعبدِ الوهمِ ضلّ وما أهتدى
ضل
الطريق وباءَ بالخُسرانِ
يـابِئس عبدُ المالِ مالت رحلـه وبَنَت غَشَاوتُه بِـناءً
فـانى
وهذا هو نبى الله سيدنا عيسى يمر على قوم يعبدون الله فسألهم ماذا
تفعلون قالوا نعبد الله قال لماذا.. قالوا طمعاً فى جنته وخوفاً من
ناره.. فقال لهم مخلوقاً طمِعتم ومخلوقاً خِفتم، فما كان طمعهم فى
الله ولا خوفهم من الله
.
ومرّ على قوم يعبدون الله فسألهم ماذا تفعلون.. قالوا نعبد الله..
قال لماذا.. قالوا حباً فى الله.. فقال أنتم أولياء الله وأمِرتً أن
أكون معكم..
فالرياء على قسمين أحدهما الرياء بالعمل لأجلِ غيرِ الله وهذا نوع من
الشرك، والثانى أن ترَ لِنفسك عملاً وتقول أنا عابد مجتهد.. قال
تعالى {قل هل نُنَبِئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضلّ سعيهم فى الحياة
الدنيا وهم يحسَبون أنهم يُحسِنون صنعا} وقال أيضاً {مثل الذين
أتخذوا من دونِ الله أولياء كَمَثلِ العنكبوت إتخذ بيتاً وأن أوهن
البيوتِ لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون} فالأولياء فى الآية ولاية
باطل وعلو غير حقيقى كعلو فرعون {أنا ربكم الأعلى} فليس هذا بِعِلو
ولكن انظر إلى عُـلو سيدنا موسى فهو عُـلو تحقيق {إنك أنت الأعلى}
هكذا قال الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى فالولاية
فى الآيـة ليست ولاية تحقيق لأنها ولايـة دون الله.. أما ولاية
التحقيق فهى بالله.. كما أن الآية ليس المعنى فيها مقتصر على من يعبد
الصنم والشمس والقمر وغير ذلك، بل إذا ركن الإنسان على نفسه أو ماله
أو هواه فقد اتخذ من دون الله أولياء، فهؤلاء الولاة مثل بيت
العنكبوت فيظن انه اعتمد على شئٍ ثابت وهو لا شئ، فلو اتكل الإنسان
على عمله حتى ولو عمل عملاً لم يعمله أحد وعبَـد عبادة الأنبياء
والأولياء واتكل عليه فقد أتخذ من دون الله أولياء، لأنه ظن أن عمله
ينجيه كمثل العنكبوت اتخذ بيتاً فهل يقيه من الحر والبرد ؟ والحديث
(لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله فقالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا
أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمة منه وفضل).. والحق سبحانه وتعالى يقول
{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} صدق الله
العظيم... وقال بعض الصالحين لبعضهم بِمَ تلقَ الله قال بفقرى
وفاقتى.. قال تلقاه إذاً بالصنم الأعظم.. قال فبِمَ ألقاه.. قال
ألقَـهُ بِه.. فهو سبحانه وتعالى الجوّاد الكريم يعطى عبده فوق ما
يظن به.
وأخرج القرطبى عن مجاهد.. أن رجلاً جاء إلى النبى صلى الله عليه وآله
وسلم فقال إنى أتصدق واصِل الرحِم ولا أصنع ذلك إلا لله تعالى.. فقال
فيذكر ذلك منى واُحمد عليه فيسرنى ذلك وأعجب به.. فسكت النبى ولم يقل
شيئا فنزل قوله تعالى {فمن كان يرجوا لقاء ربه فيعمل عملاً صالحاً
ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.
وأخرج القرطبى ايضاً عن شهر بن حوشب.. كان عبادة بن الصامت وشّداد بن
اوس جالسين فقالا: إنا نتخوف على هذه الأمة من الشرك والشهوة الخفية
فأما الشهوة الخفية فمن قِبـَل النساء. وقالا سمعنا رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول من صلى صلاة يرائى فيها فقد أشرك ومن صام
صيام يرائى فيه فقد أشرك.. ثم تلا قوله تعالى. {فمن كان يرجوا لقاء
ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}.
وهاهو الاشعث بن قيس وقد صلى فخفف فقيـل له خففت الصلاة .. فقال انه لم
يخالطها رياء.. فسبحان من قرّب أقوام لحضرته وحَجَبهم عنِ الأغيار
وابعد آخرين فضربهم بسيفِ البُعد.. فكم من أناس صلوا وملئوا المساجد
بالعبادات فلم ينفعهم ما جمعوا.. قطعوا أيامهم فى الشهوات فوقعوا فى
شباك الغفلة فحُجِـبَت عنهم أنوار الأيمان.
يعبدون الله خوف من لظى
فلظى قد عبدوا لا ربنا
ولدار الخُـلدِ صلّوا لا له
مثل قومٍ يعبدون الوثنا
اخوانى.. اخواتى.. ابنائى وبناتى.. الاخوة الحضور ..
قصدت من حديثى هذا وما سبقه من حديث فى خطابى العام الماضى ان اذكر
الامة بعددٍ من الحقائق التى تجسد جوهر الدين واساسه، والتى كان
لمجافاتها ومخالفتها ما ظل يعانى منه عالم اليوم عموماً والامة
الاسلامية خصوصا.. عسى ان يعود بعضنا الى الرشاد والطريق المستقيم
وان تعود الامة الاسلامية موحدة راسخة البناء قوية العقيدة .
إن الفوضى سادت عالم اليوم ونزعة السيطرة اصبحت هى سمته الرئيسية فيما
اصبح العالم الاسلامى هو الهدف الرئيسى لقوى الاستعمار.. وما يواجهه
العراق الآن من قبل امريكا، واصرارٍ عنيد على اشعال الحرب بسبب او
بدونه يؤكد ما ذكرت.. وان ما يجرى على الساحة الدولية الآن هو
استهداف واستباحة للامة الاسلامية بالدرجة الاولى يتم من خلاله تحقيق
اهداف استعمارية تسعى للسيطرة على موارده الطبيعية واهداف اخرى تسعى
لاطفاء نورِ الله .. والله مُتـِم نوره ولو كرِه الكافرون.. ويمكرون
ويمكر الله.. والله خير الماكرين ..
إن الامة الاسلامية تواجه العديد من المخاطر ذكرت منها خطر العولمة
الثقافية فى خطابى اليكم العام الماضى وها نحن نشهد الآن مرحلة عملية
لتنفيذ مخططات اجنبية متقنة لن تتوقف.. وان النظرة البعيدة المتجذرة
لعلاج ومواجهة تلك المخاطر هو توحيد الامة الاسلامية وفق اسس سليمة
تبدأ قبل كل شئ بتصحيح العقائد والمفاهيم الخاطئة التى ظلت تسود جانب
من عالمنا الاسلامى.. واتباع المنهج الصحيح فى الدعوة والارشاد
والرجوع الى من اختصهم الله لهذه المهمة من الاولياء والصالحين.. وقد
تحدثت عنها فى خطابى العام الماضى واكملتها اليكم اليوم..
اخوانى.. اخواتى.. ابنائى وبناتى ..
إن دورنا فى المرحلة القادمة بالغ الاهمية.. وان كل منا مسئول بحمل
الرسالة.. رسالة التصحيح.. تصحيح العقائد والمفاهيم.. ومن هنا فإننى
اوجه لجان وادارات الطريقة بكافة انحاء العالم لبذل المزيد من الجهود
فى المرحلة المقبلة لتحقيق هـذا الهدف العظيـم .. كـما اوجه اللجنة
الدولية للاعلام ولجـان الاعلام والشئون الخارجية بالدول المختلفة
للاضطـلاع بجهد اكبر فى سبيل تحقيقه، والتنسيق مع لجنة الارشاد
والمركز الدولى للبحوث والدراسات الاستراتيجية بالمانيا..
كما يحدونا أمل كبير فى ان تعطى الحكومات العربية والاسلامية دوراً
اكبر ومزيدا من التسهيلات للطرق الصوفية حتى تتمكن مـن الاضطلاع
بدورها بصورة افضل فى تحقيق هـذه الرسالة.. رسالة التصحيح وبناء
الفرد المسلم على نموذج الهدى القرآنى السليم .. واذا كانت منظمات
المجتمع المدنى فى دول اوربا والولايات المتحدة تتقاسم الادوار مع
حكومات دولها لتحقيق مصالحها الوطنية وتمرير وتنفيذ مخططاتها، فما
بالنا نقيد منظماتنا المدنية وعلى رأسها الطـرق الصوفية وهى الاكثر
شيوعاً وانتشاراً فى بلاد العالم، والاقرب الى وجدان الناس ، اما آن
الاوان لأن يتم تقاسم الادوار بين حكومات الدول الاسلامية والعربية
والطرق الصوفية لمواجهة العصر القادم بكل تحدياته ومخاطره ..
اخوانى.. اخواتى.. ابنائى وبناتى ..
لا يمكننا ان نتحدث عن التغيير والتصحيح دون ان نخص بالذكر مصر الحسين
قلب الامة الاسلامية وضميرها وكيف لا.. وهل للجسد ان يعمل دون قلب ،
ولعل فى كلامى هذا رسالة خاصة الى ابنائى وبناتى فى مصر الحسين
للاضطلاع بدورهم الطليعى والطبيعى فى قيادة حركة التصحيح .. وقد قمت
بحمد الله تعالى بزيارة مصر الشهر الماضى وان كان ذلك قد تم بعد طول
غياب فعزاؤنا ان ذلك كان من امر القـدَر وان مقبل الايام لن تلـِد
إلا ما فيه خير مصر والسودان والاسلام.. وقد قمت بفضل الله تعالى
بزيارة سيدنا ومولانا الامام الحسين والسيدة زينب وسيدى ابراهيم
الدسوقى وكوكبة من آل البيت الاتقياء الاطهار.. والتقيت بالآلاف من
احبابنا الذين كانت تسبقهم الاشواق الينا ويشدنا الحنين اليهم ..
وسوف اعود اليها مرة اخرى بعد المولد الشريف بإذن الله تعالى لقضاء
وقت ارحب وتنظيم العمل وترتيب البيت ..
اخوانى.. اخواتى.. ابنائى وبناتى ..
شهدت بلادنا فى الفترة الماضية العديد من الاحداث والفتن آخرها ما جرى
بدارفور وما يجرى بمناطق اخرى من السودان.. وقد آن للسودان ان ينعم
بالامن والسلام والطمأنينة وتحقيق نهضته الشاملة.. ومن هنا فإننى
وانطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف التى لا تنحاز الى لون او جنس او
قبيلة، ادعوا ابناءنـا فى دارفور وكافة قطاعات حزام السافنا للعمل
جميعاً لاطفاء نار الفتنة وإفشال كافة المخططات الاجنبية التى ظلت
ولا زالت تزرع الفتن بين ابناء الوطن الواحد فى سبيل تحقيق مآربهم
الطمعية والاستغلالية.. واذا كانت تلك المخططات فى طى السر والكتمان
ردحاً من الزمان، فإن ما يشهده العالم اليوم من ممارسات قد كشف عن
الاقنعة الحقيقية واظهر بوضوح المآرِب الحقيقية لتلك المخططات، واذا
كنا قد ادركنا ذلك فانه جدير بنا ان نلتقى على رؤية وطنية نحدد من
خلالها مصالحنا ونجهض بها فتن الاستعمار الجديد ونزعات العصبية
والمصالح الشخصية ونحقن بها دماء الابرياء ونعبر من خلالها فوق كل
سلبيات واخطاء واحزان وآلام وضغائن الماضى نحو مستقبل زاهر بعون الله
نحتكم فيه الى منهج العلم ولغة المنطق يكون اساسه العدل والشورى
والمساواة.. وإننا نستبشر كثيراً بالاتفاق الوطنى الاستراتيجى الذى
جمع مؤخراً بين مؤتمر وادى النيل والمؤتمر الوطنى باعتباره خطوة
واسعة تجاه ما ندعوا له، وان ما حواه من رؤى ومرتكزات فكرية
واستراتيجية تجعل منه نواة لعمل وطنى كبير يمكـن ان يوحد الامة على
اسس متينة ويقودها الى بر الامان ويحقق مصالحها ويحمى ارضها، وإننا
ندعوا كل الأُسـر السودانية الكبيرة للالتقاء حوله والعمل على دعمه
وتطويره .
قال رسول الله :
(انى والله ما أخاف عليكم أن تشركوا من بعدى ولكن أخاف عليكم أن
تنافسوا الدنيا ). أخرجه البخارى ومسلم واحمد والطبرانى..
اللهم افتح بيننا بالحق وانت خير الفاتحين .. آمين ..
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |