بـالـحـقـائـق
نـاطـقـيـن
تبركا بحبهم وشوقهم
مازلنا نواصل السياحة فى السفر الجليل (انتصار أولياء الرحمن على
أولياء الشيطان) فى مسيرة السير إلى الله وكان قد استوقفنا المسير فى
المرات الفائتة فى مبحث التوسل والوسيلة. وكنا قد تزوَّدنا بها فى
مسيرنا إلى الله وندعم مسيرنا اليوم بالتبرُّك بساداتنا ووسيلتنا إلى
الله الأولياء الصالحين مع أن هنالك الكثير من الناس ينكرون التبرك
بآثار الصالحين ولم يقفوا عند هذا الحد بل ذهبوا الى أبعد من ذلك
وأنكروا التبرك حتى بالنبى وأهل بيته والأ نبياء والصحابة مع أن
المولى جلَّ وعلا قد أجاز التبرك بهم وأصبحت سنةً سنَّها سيدنا رسول
الله وهنالك الكثير من الآيات والأحاديث ومواقف السيرة التى سوف
نستشهد بها فى صحة وجواز التبرك بآثار الصالحين وآل البيت فى الأعداد
القادمة. ومنها على سبيل المثال لا الحصرحادثة الإسراء والمعراج وقصة
قميص سيدنا يوسف مع أبيه وتبرك الإمام أحمد بن حنبل بشيخه الإمام
الشافعى، واليوم وندعوكم دعوة صادقة كى تشاركونا التبرك بأيام الفرح
المباركة بالذكرى السنوية لحولية سيدى الإمام فخرالدين الشيخ محمد
عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه حبا وشوقا له. ونحيا معاً فى ظل
هذا العبق الروحى والنشوة الصادقة بمحبته حيث تجتمع الجموع الغفيرة
من كلِّ حدب وصوب من كافة أرجاء المعمورة مجتمعين تحت لواء الشيخ
الأب الروحى مولانا الشيخ ابراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى
رضى الله عنه تبركا وحبا وشوقا لهم رضى الله عنهم أجمعين مرددين
مقولة الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:
أنعم سويعات الوصا ل ويا لها أيامَ سعدٍ ليلُهنَّ صباح
فكل مظاهر الابتهاج والفرح التى نراها ما هى إلا صورة من صور التبرك
لمعنى من معانى المحبة وفى هذا الموطن قال الشيخ محمد عثمان عبده
البرهانى فى كتاب الانتصار (يجب على كل مؤمن أن يعتقد أن الله تعالى
خالق المعانى والصور وقد جعل سبحانه وتعالى لكل معنى صورة فى الخارج
تدل عليه) ونستنتج من هذا أن الحب معنى فى القلب وصورته فى الخارج
التى تدل عليه أنواع متعددة أقلها التقبيل ومنها التبرك والتوسل وبما
أننا اتفقنا أن هذا الجمع الغفير تجمَّع بالمحبة فالحولية تعتبر صورة
تبرك وتوسل صادقة لمعنى الحب والشوق الروحى لسيدنا فخر الدين رضى
الله عنه لأن حب الولى لا يكون إلا صورة عظيمة وقيِّمة لحب الله
تعالى لأن الله تعالى يحبه فهيا يا اخوتى معا ننعم ببركة سويعات
الوصال الروحى.
هادية محمد الشلالي
الـنِعـم فـي ســطـور
الحمد لله الذي اصطفانا وشرَّفنا وعظَّمنا بأن نكون من خير أمة أخرجت
للناس وزادنا نعمةً بأن نكون من أبناء السيد إبرهيم الدسوقي رضي الله
عنه:
يامريدي والدٌ أنعمْ به
من ودودٍ مالهُ أمُّ الولدْ
وأكرمنا بإرشاد صفوة أهل زمانه الشيخ محمد عثمان عبد البرهاني رضي الله
عنه الذي أمرنا في تائيَّته بقتل النفوس حيث يقول:
إني أذكِّركم وقد أنذرتكم
قتل النفوس وأخبرت همزيَّتي
وبفضل إرشاده رضي الله
عنه استطاع المريد أن ينتقل من الأمَّارة إلى اللوَّامة:
أمَّارةٌ بالسوء بئس شرابها
فهو الزعاف وقمَّة البلواء
في قتلها نعم الثواب لقاتلٍ
عنكم أماط مصادر الإيذاء
فالنفس الأمارة كالغدَّة التي تفرز السمَّ فإذا أهملت سمَّمت الروح
والجسد. ثمَّ يذكر رضي الله عنه النفس الثانية وهي اللوّامة:
من بعــدها لوَّامة بدهائها
للناس بين تقــاربٍ وتناءِ
في خيرها شرٌّ وشرٌّ ضرُّها
ليت المحبَّ يفوز الإصغاء
ومن صفاتها العجب والكبر
وهما سببان للغضب، لأنَّ الغضب نار مستكنَّة فالمظهِر لهذا الغضب هو
الكبر وهي صفة في النفس تنشأ من رؤية النفس لذاتها وهي حقيقة العجب،
وهذا هو الغضب المذموم وهو من النار التي خلق منها الشيطان وإذا
تحمّله الإنسان مرَّةً بعد مرَّة تخلَّق بالحلم، وقد قال رسول الله
:(إنما العلم بالتعلُّم والحلم بالتحلُّم ومن يَتحرَّ الخير يُعطه
ومن يتوقَّ الشرَّ يوقه ويتفرَّع منه الحقد ويتفرَّع من الحقد
الحسد) وقد ذمَّه الشيخ رضي الله عنه في قوله:
فليس لحسَّاد المنائح مهربٌ
بأرضٍ أقلَّت أو سماءٍ أظلَّت
ويتفرَّع منه أيضاً حبُّ الرئاسة ولو تخلَّص منه السالك ترقَّى إلى
المقام الثالث وهي النفس الملهمة ويتعذَّر هذا إلا على يد شيخٍ واصل.
النفس الملهمة: سميت ملهمة لأن الله تعالى خاطبها بهذا {ونفسٍ وما
سوَّاها. فألهمها فجورها وتقواها. قد أفلح من زكاها. وقد خاب من
دسَّاها}
قال رضي الله عنه:
من بعدِها نجـدُ الفجور لمبعدٍ
نجدُ التُّقى لملائكِ الأسماءِ
قد أفلح السَّاري إلى نجدِ التقى
خاب الذي ما فاز بالإسراءِ
هي ملهمة للفجور والتقوى لذا فهي قريبةٌ من مقام الحيوان وليس في
مقدورها التمييز بين الجلال والجمال و تعرف ماهية ما ألقي عليها أهو
من الله أم من الشيطان، فإن غفل الذاكر هوى إلى المقام الأوَّل
(الأمَّارة) ويصير شيطاناً ضالاً لاحت له خيالات شيطانية يظنُّها
تجليَّاتٍ ربانية،فإذا حدثتك نفسك بأنك خير من أحد فأنت في حاجة إلى
الشيخ المرشد ليهذِّب روحك بآداب الطريق حتى يصل بها إلى النفس
المطمئنة التي ذكرها المولى عزَّ وجلَّ في قوله {يا أيَّتها النفس
المطمئنة} قال الشيخ رضي الله عنه:
والمطمئنةُ في عظيمِ فضولِها
هي فتنةٌ تمشي على استحياءِ
لا يفارق صاحبها الأمر التكليفي ولا يتلذَّذ إلا بأخلاق المصطفى ولا
يطمئن إلا باتبَّاع أقواله وهو مقام التخلص من الصفات الذميمة
ويتلذّذ بأعين الناظرين وأسماع السامعين حتى أنه لو تكلَّم طول الدهر
لا يملُّ كلامه لأنَّه يترجم عما ألقاه الله تعالى في قلبه ويكون في
خطر لأنَّ نفسه تطمئنُ إلى هذا وتميل نفسه إلى حب الكرامة والكرامة
ليست شيئاً قبيحاً ولكنَّ الميل إليها هو القبيح ولهذا قال: هي فتنةٌ
تمشي على استحياء. وفيه إشارةٌ لقصة سيدنا موسى عليه السلام وجاءته
إحداهما تمشي على استحياء.أقبلت الدنيا عليه في أبهى صورها عندما
جاءته ابنة نبيِّ الله شعيب عليه السلام فتمثَّلت له عندما سارت
أمامه وضربتها الريح فبدت محاسنها فأعرض عنها، وقال سيري خلفي فجعل
الدنيا تبعاً له ولم يجعل نفسه تبعاً لها وتجلَّت ليوسف عليه السلام
في صورة السيدة زليخة امرأة العزيز وقالت هيت لك قل: معاذ الله فعاذ
بعظيم منها ولا تطمئن حتى ترتقي إلى المقام الخامس.
النفس الراضية {ارجعي إلى ربِّك راضية مرضية} قال رضي الله عنه:
والراضيات إذا العزائم ثبِّطت
رضيت بسيرٍ ثمَّ باستبقاءِ
قال الشيخ إنها ترضى
بالقليل وترضى بالكثير وبالعظيم وبالدنيءٍ ليس عندها رفض وهي راضية
دائما ويصعب التعرُّف على صاحبها في الظاهر أما في الباطن فهو محلُّ
الأسرار وسميت راضية لأن الحقَّ تعالى رضي عنها فأحدث لها فناءاً عن
محو الصفات البشرية والتهييء للببقاء فقد اقترب من استبدال الصفات
البشرية بالصفات الإلهية ، وليس لها وارد لأن الوارد لا يكون إلا مع
الصفات البشرية ، ودعوته لا تردُّ ولا ينطق لسانه بالدعاء حباً
لربِّه وأدباً معه وحبُّ الخلق له قهريٌّ قال الشيخ رضي الله عنه:
ويرى عليه إذا رؤي وكأنه
لا شيء فيه مكانة ومكانة
واحذر فتنة الخلق تصل إلى المقام السادس.
النفس المرضيَّة: مثل الراضية والترحُّل فيها معنوي وأعطاك الله فيها
العلوم ومن شأن الكرام الوفاء، تجد الكامل منهم ينفق الكثير إذا ما
صادف محلَّه حتى يظنَّ الجاهل أنه مسرف وهو الآن مهيَّأٌ للدخول في
مقام (من عرفَ نفسَه فقد عرَف ربَّه) ويطلعك الحقُّ على سرِّ قوله
{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}
النفس الكاملة، يقول رضي الله عنه:
ثمَّ التي قُــبلتْ على علاَّتها
في نحرها يبدو أجلُّ فداءِ
من بعدها يحيا المريد بفطرة
ذاك العطاء وذا أتمُّ عطاءِ
صاحب هذا المقام إذا رؤي
ذكر المولى عزَّ وجلَّ لرؤيته لأنه وليٌّ لله تعالى بل هو وليٌّ من
المقام الرابع وهو مقام الأولياء العوام والخامس مقام الخواص والسادس
خواص الخواص، وصاحبه ليس فيه كراهية لمخلوق ولكن يُظهرها لمن
يستحقُّها،
واعلم ان هذا سير الى الله و بعده سير في الله و بعده سير من الله.
معتز سر الختم |