حـديـث الـثـقـلـيـن

كلمة العدد

أزهارٌ بين  أنهار

شــراب الـوصــل

 

حـديـث الـثـقـلـيـن

 قد ورد فى جواهر مانطق به سيدى فخرالدين شئُ جليل كبير الخطر فى حديث الثقلين المروى فى العديد من الصحاح ومنها صحيح مسلم حين روى عن سيدنا زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه قال: قام رسول الله صلى الله علية وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم يوشك أن يأتينى رسول ربى عز وجل - يعنى الموت - فأجيبه وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله عز وجل وخذوا به وأهل بيتى، أذكركم الله فى أهل بيتى (ثلاثا) وفى رواية: (إنى تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتى).

والحديث كما قدمنا مروى فى الصحاح وغيرها من كتب الحديث ومرموز له بالصحة والحسن سندا ورواية ومعنى ثم ذكر سيدنا فخرالدين رضي الله عنه حديثا آخر فى مسألة (الثقلين) وهو حديث اشتهر على السنة العوام والخواص وتناقلته الألسنة والآذان بالقبول مستسلمين بصحته مطلقا وهو حديث (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى) ولا جدال فى أن هذا الحديث غلب ذكره على كل حديث حتى أنهم يصدرون به خطبهم ومجالسهم تيمنا وتبركا وحثا للناس على لزوم الكتاب والسنة الشريفة وهو مالا يعترض عليه مسلم أومؤمن ولكن سيدى فخرالدين رضي الله عنه عندما تعرض لحديث الكتاب والعترة عرج على حديث الكتاب والسنة فقال إنه منسوخ وناسخه بطبيعة الحال هو حديث العترة.. وذاع الخبر وانتشر على ألسنة مريديه وكلما قال بذلك قائلهم انبرى له الناس عالمهم وجاهلهم يدلى بدلوه فى قضية هولامحالة صاحب الحق فيها وهو أعلم بالمهتدين وانشغلنا بهذا الأمر سنين طوالا على هامش حياتنا حتى جاء نظم الامام فخرالدين ليصدق على ماقاله قبل ذلك نثرا فقال:

قضتْ سنةُ المولى العظيمِ عليه       فراحوا ثلاثا فوق سبعين شُعبةِ

فلم تنجُ إلا فرقةُ لوقوفـــها       بأعتاب آل البيتِ أهلِ الحمايةِ

 ولقد عوَّد مريديه أن يقفوا أمام علومه وفنونه موقف المتبصِّر لا المقلد فلا بأس أن يستسلم المريد لكلام شيخه بحسن العقيدة والقبول ولكن لابأس أيضا بأن يوثِّق ماسمعه بإسناده إلى ماتيسر له من الأدلة الصحيحة من باب قوله تعالى على لسان خليله (ع): ولكي يطمئنَّ قلبى فبدأنا رحلة البحث فى الحديثين ناسخهما ومنسوخهما اطمئنان للقلب وخطابا لعقول أهل العقول واحتراما لأمة النبى صلى الله عليه وسلم ورحمةً بجاهلهم قبل عالمهم لعل الله أن يرحمنا ويتوفانا مسلمين ويلحقنا بالصالحين.

كم كانت الدهشة عندما تبين بالبحث الدقيق والتحقيق أن حديث الكتاب والسنة حديث خلت منه كتب الصحاح الستة المشهورة وكم كانت الدهشة أعظم عندما تبين أن حديث أهل البيت هو من الصحيح الذى يبلغ مبلغ المتواتر وحسبك ذكره فى صحيح مسلم وذكر معناه فى حديث آخر عند البخارى وهو قول سيدنا أبى بكررضي الله عنه فى حق أهل البيت:(ارقبوا محمدا فى أهل بيته) وهو أيضا بروايات عدة عند النسائي والترمذي ومعجم الطبرانى الكبير مرموز إليه بالصحة والحسن وفـي روايات عده فـي مسند الإمام أحمد وكم أخرجه الإمام السيوطي والحافظ الهيثمي والحافظ العسقلاني والإمام القسطلاني وبالإضافة إلى كل هؤلاء أن محمد بن عبد الوهاب اعتمده فـي كتابه أصول الإيمان ولم يعتمد حديث كتاب الله وسنتي

وهنا يجب أن نقف عند قول سيدى فخرالدين:

ياأيُّها الناسُ أهلُ العلـمِ أيـن همُ         وأينَ من يَصطلى قلباً بإعصارى

وقوله:

من عجيبِ العُجاب فـي أهلِ عصري       أن من يجهلُ النصيحةَ يُسدى

ووجه الدهشه والغرابة والتعجب هو:

تلك اللهجة الموهمة التى يسرى بها حديث: (كتاب الله وسنتى) حيث يظن السامع إلى اليوم ظن اليقين أن هذا الحديث من الاحاديث الصحيحة لا محالة بحيث إذا سألته تخريجا له أو سندا أو رواية جزم بأنه مرويٌّ فى صحيح البخارى ومسلم دون الرجوع إليهما من فرط ماسمعه من أهل العلم والدين فى هذا الزمان، ثم ترى العكس تماما إذا ما ذكرت عنده حديث (كتاب الله وعترتي) فتجد الناس مابين مصدق ومكذب ثم تجد المصدق مابين مؤتلف ومتَهم وأغلب الظن أن يرموك بالتشيع لأنه يحض على حب أهل البيت وهذا ولاشك من علامات الساعة التى عدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أن يصير العلم جهلا والجهل علما وأن يصير الحق باطلا والباطل حقا ولاحول ولاقوة إلا بالله، والمتأمل فى قول سيدى فخرالدين بأنه حديثٌ منسوخ أي (كتاب الله وسنتى) يرجع وكأن سيدى فخـرالدين يدعو الناس إلى وقفة تشم منها رائحة سؤال معناه: من صنع هذا بحديث صحيح فى شأن أهل البيت؟ الحق الذى لاشك فيه أنها طريقة من طرق أعداء الدين وأعداء الله ليحرِّفوا الكلم عن مواضعه وليدلُّوا فى أحاديث رسول الله سماعا ورواية وكتابة وليوهموا الناس فيصرفوهم عن الخير ويكفروا بنعمة الله التى أنعم بها على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم ويضيعوا حديث بحديث وآية بآية فتنتصرأهواؤهم بالباطل والعياذ بالله.

ولنرجع إلى تخريج الحديث ـ أي حديث الكتاب والسنة ـ فهو بأى حال ليس بالموضوع ولكنَّه أيضا ليس فى تخريجه وسنده بالدرجة التى وقع بها فى قلوب الأمة من الصحة أو الحسن فقد علَّق الإمام السيوطى عليه مرة وسكت عنه مره مما يشعرك بالاضطراب فى تخريجه ثم ذكره الحاكم فى المستدرك وذكر أن فى رواته منكر الحديث:

وكل هذا ولاشك يدلك على أصل له موجود ولكنه مفتقر إلى قوة درجة صحة أو ضعف لا قبول أو رد،وهنا يظهر لكل ذى لب مدى فائدة الرجوع إلى قول سيدى فخرالدين رضي الله عنه ليتبين له نظرته الثاقبة وحكمه الدقيق وغرفه من بحر النبوة الغراء فالعلم كل العلم والصواب كل الصواب أن النبى صلى الله عليه وسلم نطق بلسانه الشريف حروف هذا الحديث وكلماته وعباراته ليعلم الناس قدر القرآن ومثله ثم لما علمه ربه بالوحى أنه لن يتم حفظ السنة بطريق السطور فتح الله عليه بنعمة أهل بيته فتم له حفظ سنته فى الصدور وصدق سيدى فخرالدين إذيقول:

العلم كنزٌ والصدورُ منازلٌ         وبغيرِه تبدو الصدورُ قِفارا

فنسخت العترةُ السنةَ والأمر هوهو فإن اعترض جاهل بأن النسخ هدم للحديث علمناه أن النسخ سنة إلهَية نبوية ليس فى معناه الهدم أو العدم فالقرآن كلام الله ومع ذلك فهو ملئٌ بالمنسوخ من الآيات التى نعيد تلاوتها آناء الليل وأطراف النهار ولا مطعنَ فى ذلك بلا خلاف.

فالحمد لله الذى أوصانا رسوله صلى الله عليه وسلم بأن نجعل أهل بيته فـي مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس ولاتهتدى الرأس إلا بالعينين فانتبهوا ياأمة الحبيب وانفضوا الغبار عن هذا الحديث الصحيح إحياءً لسنةِ سيِّد الكونين صلى الله عليه وسلم ورضى الله تبارك وتعالى عن ولد ولده الإمام فخرالدين الذى قال:

آل بيتِ المصطفى أهلِ الحِمى       لودعا الداعى إلى شئٍ نكرْ

سعيد أمين

 

 كلمة العدد

إن المساجد قد جعلها الله تعالى ليذكر فيها اسمه ويُسبَّح له فيها بالغدوِّ والآصال، وليجتمع فيها المؤمنون ليتذاكروا أمور دينهم ودنياهم، وليتعاونوا على البر والتقوى فيما فيه نفعهم. ولكن واأسفاه فقد اتخذت الجماعات الإسلامية المتطرّفة من المساجد أوكارا تدبِّر فيها مخططاتها الإجرامية، فأدَّى هذا بأولي الأمر فـي كثير من الدول الإسلامية ـ وهم غير ملومين ـ إلى إصدار الأوامر بإغلاق المساجد عقب الصلوات، وألا يُسمح بالمكوث فيها إلا بمقدار ما تؤدَّى فيه الصلوات المفروضة، وشددوا المراقبة على مُرتاديها، حتى صار كثير من الشبان يجتنبون ارتياد المساجد خوفاً من الوقوع فـي الشبهات، وهكذا تكون هذه الجماعات قد تسبَّبت فـي أن يفقد المجتمع المسلم أهم مؤسسة تعليمية تربوية تعبر نواةً لمجتمع المسلم.

أسرة التحرير

أزهارٌ بين  أنهار

عـيـوب الـنـاس

قال سيدي عبد الوهاب الشعراني فـي لواقح الأنوار: أُخذ علينا العهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نُطلقَ أبصارنا فـي عيوب الناس ولا نسأل قط عن تحقيق ما سمعناه فـي حقِّهم من التهم ونحفظ أسماعَنا وأبصارَنا عن مثل ذلك فمن شقَّ جيب الناس شقوا جيوبه، ومن كان عليه دينٌ قديمٌ قضاه لا محالة وكان الحسن البصري رضي الله عنه يقول: والله لقد أدركنا قوماً كانت عيوبهم مستورة وتحدثوا عن عيوب الناس فأظهر الله عيوبهم ورأيت أقواماً ليس لهم عيوب فبحثوا عن عيوب الناس فأحدث الله لهم عيوباً قال: ولقد عيَّرتُ رجلاً مرة بذنب فلحقني ذلك الذنب بعد خمسة عشر عاما،يا أخي إيَّاك والتجسس على عيوب أحد فإن هذا العهد قد قلَّ العمل به فـي غالب الناس فلم يزل الواحد منهم يتجسس على معرفة عيوب الناس وغاية أمره احتقار الناس وازدراؤهم، ويحتاج العامل بهذا العهد إلى سلوك الطريقة على يد شيخ مرشد حتى يصير يحترم الوجود كاملاً ويعظمه لكونه من شعائر الله من الوجه الشرعي وأيضاً فانه صنعة الله تعالى وصنعته كلُّها حسنة والقبيح إنما هو عارض عرض من حيث الصفات لا الذوات وجميع ما أمرنا الله تعالى بمعاداته إنما هو من حيث الصفات فلو أسلم اليهوديُّ وحسن إسلامه فما زالت منه إلا صفة الكفر وذاته لم تتغير، وقال سيدنا على كرم الله وجهه(ومن إكرام الله وإكرام رسوله صلى الله عليه وسلم إكرام جميع المسلمين) وروى الترمذي وابن حيان فـي صحيحه (أن النبيَّ صلى اله عليه وسلم صعد المنبر فنادى بصوت رفيع:يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تزدروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو فـي جوف رحله).

عصام مقبول

شــراب الـوصــل

العلم كنزٌ والصُّدورُ منازل      وبغيرِه تَبْدو الصدورُ قفارا

جاء تفسير العلم بالكنز فـي قوله تعالى {وكان تحته كنزٌ لهما} قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان علماً فـي صحفٍ مدفونة. وعنه أيضا: كان لوحاً من ذهب مكتوبا فيه بسم الله الرحمن الرحيم، عجبتُ لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، عجبتُ لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، عجبتُ لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبتُ لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبتُ لمن يؤمن بالدنيا وتقلُّبها بأهلها كيف يطمئنُ لها، لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله.والعلم اللدني موطنه القلب وإنَّما أراد الشيخ بالصدر القلب {فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فـي الصدور} ومنه قوله صلى لله عليه وسلم: (إنَّ من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل ا لمعرفة بالله ولا يعترض عليه إلا أهل الاغترار بالله فلا تحقِّروا عالما آتاه الله علماً فإنَّ الله لم يحقره إذ آتاه إياه). وشبِّهت العلوم بالدر والكنوز قال القوم: يغوص غوَّاص الفكر على درر المعاني فـي بحر القلب فيخرجها إلى ساحل الصدر فيقذفها إلى ترجمان اللسان وقولهم:

كشفوا الرموز عن الكنوز الخافية        فتلألأت دررُ المـعاني الصافية

هي إشارة إلى علوم الحقيقة.

وقول الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني (وبغيره تبدو الصدور قفارا) والقلب الخالي من العلم اللدني كالأرض القفر التي ليس فيها ماءٌ ولا نبات، فقد شبَّه القوم علوم الحقيقة أيضاً بالماء كما فـي قولهم:

لوقطرةٌ ممـا شربتُ تدَّفقـت        فوق الجبالِ الشمِّ ذابت غالية

وقولهم:

 سَقَوني وقالوا لا تغنِ ولو سَقَوا      جبالَ شرورى ما سُقيتُ لغنَّتِ

وقول الشيخ رضي الله عنه:

واشربْ بماءٍ من منابعِ سرِّنا        إذ كلُّ ماءٍ ليس بالماءِ المهينْ

وقد شبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الهدى والعلم الذي جاء به بالماء أخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضا فكانت منها بقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه فـي دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم ينفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).

د. عبد الله محمد أحمد