التعليم الديني في البلاد الإسلامية
كثيراً ما نسمع شكوى المصلحين والحادبين يشتكون من السلوكيات
المنحرفة والغريبة على تقاليدنا وقيمنا فـي مجتمعاتنا خاصةً بين
الشباب،وقد سرت فـي جسد المجتمع المسلم كما يسري الداء الخبيث،
ويرجعه كثير من الناس إلى غلبة الشهوات وطغيانها وليت الأمر كان كذلك
إلا أنَّ هذا الانحراف ناشيء عن زيغ العقيدة الذي هو فسادٌ فـي أصل
وهو القلب.
الأزهر الشريف
والفرق بين الشخص الذي تغلب عليه شهوته فيرتكب السيئة يرتكبها وهو
مدركٌ أنه يرتكب خطئاً وهذا يمكن أن يرجع فيتوب، ويمكن إصلاحه إذا
وجد من يرشده ويعظه بالموعظة الحسنة أما الشخص الذي يأتي المنكر وهو
لا يعترف بأنه منكر، فهذا يحتاج إلى إصلاح عقيدته أولا وهذا من اشقِّ
الأمور لأنه يلجأ حينئذ إلى الردِّ وردِّ الردِّ وردِّ ردِّ الردِّ
ويكون الجدال معه عقيماً لا ثمرة له فـي أغلب الأحيان.
إن هذا الخلل الذي نتحدَّث عنه ناشيء عن عدم الاهتمام بالتعليم الديني
السليم للنشء من أبنائنا. لقد اختلفت مذاهب التعليم ومدارسه فـي
بلادنا وتنوَّعت تنوُّعاً كبيراً ونحن نطرح هاهنا أربعة أسباب لهذا
الانحراف.
أوَّلا: المدارس الأجنبية التي يفتحها الأجانب فـي بلادنا باسم العلم
وقد تكمن وراءها مآرب أخرى وهذه المدارس باهظة التكاليف، ومع هذا
فإنَّ إقبال الموسرين عليها إقبال كبير وهم يفتخرون بكون أولادهم
طلاباً لهذه المدارس.فيُسلمون أولادهم وهم على الفطرة السليمة إلى
هؤلاء المعلِّمين الذين هم من ملَّة أهل الكفر فيصبغون هذه الفطرة
بسواد لا يزول أبداً يفصلهم عن الكيان الديني لأمَّتهم وهؤلاء
المعلِّمون تختلف أساليبهم فـي استمالة هؤلاء الصغار إلى مذاهبهم
ولكن يعتمدون أكثر شيء على الكتب التي تصدرها الكنائس وتسمَّى بكتب
الأدب المسيحي وفيها صور السيِّد المسيح والسيدة مريم عليهما السلام
ويحملها الطلاب الصغار وهم معجبون بما فيها من الرسوم والألوان ومعها
الكثير من عقائد أهل الكفر وتلبيساتهم، وقد كتبت مجلَّة العربي عن
هذا باستفاضة فـي أحد أعدادها وسمَّته (السموم اللذيذة) فتجدهم فـي
أحيانٍ كثيرة يدافعون عن صحة عقائد معلِّميهم من أهل النصرانية
ويشكِّكون فـي كثيرٍ من القيم الإسلامية، وهذا ما لجأ إليه الاستعمار
مثلاً فـي التعليم الديني فـي جنوب بلادنا فمنع مناهجنا وفتح الكنائس
لتعليم النشء، لا لتعليمهم التعاليم المسيحية ولكن لبذر الفرقة
والشتات بين أبناء الوطن الواحد، فإن المسيحي الأوروبي لا يعترف
بالإخاء التام بين أبناء الدين الواحد كما هو الحال بين المسلمين، بل
إن الأوروبي لا يؤاخي إلا الأوروبي الذي من جنسه ومن طبقته
الاجتماعية وقد يجتمع عدد من الأوروبيين فـي الكنيسة ويؤدون الصلاة
فإذا انصرفوا لم يعد هناك تعامل إلا بين أبناء الطبقة الواحدة وهذا
شيء لا يخجلون منه، وقد اعترف بعض الكتَّاب المسيحيين بأنه لا يوجد
إخاءٌ فـي المسيحية بالمفهوم الذي يوجد فـي الإسلام، فكيف ينتظر
الأفريقي من الأوروبي الأبيض أن يجعله أخاً له فـي الدين إن هذه
المدارس التي تفتتح باسم العلم والمعرفة تعمل على إفساد عقائد الشباب
وليس وراء ذلك غرض، والقصد من هذا هو بذر الشتات بين أبناء الأمَّة
الإسلامية.
ثانياً: يلجأ كثير من الآباء الموسرين فـي البلاد الإسلامية إلى إرسال أبنائهم
إلى أوروبا، لتلقِّي العلم وهم لم يتعدوا العقد الأوَّل من عمرهم،
فيجد الناشيء نفسه أمام الشبهات التي تطرح حول الإسلام وهو لا يستطيع
الردَّ عليها وقد سألت أحد الأساتذة الذين درسوا فـي أوروبا عن هذه
الظاهرة فقال لي: إنَّ من حسن الطالع أنني ذهبت إلى أوروبا وأنا فـي
أواخر عقد العشرينيات فكان عندي من الثقافة والتربية الإسلامية
الصحيحة على يد شيخي الشيخ محمد عثمان عبده رضي الله عنه ما يجعلني
أدحض تلك الحجج ولكنني لقيت عدداً من الشبَّان السودانيين وغير
السودانيين من أبناء المسلمين فأوَّل ما لاحظت أنهم لايؤدون الصلاة
ولا يصومون رمضان ومن أكثر ما آلمني أنه زارني اثنان من الإخوة
الباكستانيين فـي بيتي فـي رمضان،والباكستانيون هم من أشدِّ الشعوب
تمسُّكاً بالإسلام وكنت أعلم أن أحدهما يعاني من مرضٍ فـي القلب،
فقدَّمت لهما بعض عصير البرتقال فشربا ولم أشرب ومن الأدب أن يشارك
المُضيف ضيفه فـي الشراب، ولما سألاني عن سبب امتناعي عن الشراب
أخبرتها أنَّ هذا هو اليوم الخامس من رمضان وفوجئت أنهما لم يكونا
يعلمان هذا ثمَّ فاجأني أحدهما بالقول: يا أخي هل لا زلت تؤمن بمثل
هذه الأشياء. إنَّ الإقامة الطويلة فـي تلك البلاد قد جعلت منه مسخاً
مشوَّها، وكان أحد الشبَّان السودانيين يجادلني حول شرب الخمر والزنا
ويتساءل: لم حرَّمهما الإسلام بينما نجد أن شرب القليل من الخمر يعدل
المزاج ويساعد على العمل، وأن الشاب والفتاة إذا بلغا الحلم يجب أن
يكون من حقِّهما أن يستمتعا بالجنس فإنَّ الله سبحانه وتعالى لم يخلق
فيهما هذه الشهوة ليكبتاها فإنَّ فـي كبتها ضرراً من وجهة النظر
الطبيَّة الحديثة.ويكون هَمُّ الآباء الذين يرسلون أبناءهم إلى هذه
البلاد أو هذه المدارس محصوراً فـي أن يحصل أبناؤهم على شهادات من
جامعات ذات سمعة عالمية تكفل لهم الرزق الطيِّب أو الوظيفة المرموقة
ولا ينتبه الأبوان إلى أن ابنهما أو بنتهما قد يعود إلى البلاد وهو
يحمل عقيدة فاسدة وينظر إلى أبويه على أنهما يعيشان فـي تخلُّف وضلال
وإلى مجتمعه على أنه مجتمعٌ متخلِّف ضال.وقد حدَّثني بعض الأساتذة
الذين أُتيح لهم أن يدرِّسوا بعض هؤلاء الطلاب الذين درسوا جزءاً من
دراستهم بالخارج ثمَّ جاءوا ليدرسوا عاماً فـي مدارس الإرساليات هنا
بالسودان أنه طلب منهم كتابة موضوع إنشاء عن قضيَّة فلسطين ففوجئ
أنَّ عدداً كبيراً من الطلاب يرون أن اليهود أحق من الفلسطينيين
بالقدس الشريف وساقوا حججاً كثيرة منها ما هو مأخوذ من الإعلام
الغربي وبعضها مما يدسُّه اليهود من أفكار سامَّة فـي هذه البلاد.
إنَّ الشبَّان الذين يذهبون إلى أوروبا لتلقِّي العلم وقد نالوا حظَّاً
وافراً من التعليم الديني فـي بلادهم يستطيعون دفع هذه الحجج وربَّما
أصبحوا دعاةً للإسلام فـي تلك البلاد، وقد حكى لي بعض الأساتذة أنه
ضمَّه مجلس ذات يومٍ مع رجلٍ انجليزي مسيحي وشابٌّ مسلمٌ مثقَّف من
تنزانيا، وكان الحديث يجري حول الإسلام فقال الإنجليزي للتنزاني يسخر
من تعاليم الإسلام: لو جئت إلى أوروبا وأخبرت الناس بأنه يجوز لهم أن
يتزوَّجوا بأكثر من امرأة ضحك الناس عليك وسخروا منك. فقال التنزاني
فورا: ولو ذهبت إلى تنزانيا وأخبرت الناس بأنَّهم يجب أن يكتفوا
بزوجةٍ واحدة ضحك الناس عليك وسخروا منك. فسكت الإنجليزي ولم يجد
جوابا، إنَّ هذا الشاب الأفريقي لفت نظر هذا الرجل إلى الاختلاف
الكبير بين المجتمعات، وإن الإسلام جاء مراعياً لهذه الفروق، فالزوجة
الأولى فـي أفريقيا كثيراً ما تطلب من زوجها الزواج بأخرى لأنه
كلَّما تعددت الزوجات ارتفع مقام الزوجة الأولى وصارت كأنها أميرة
عليهن.وقد فشلت المسيحية فـي إقناع هؤلاء الأفارقة بالدخول فـي
المسيحية لما تفرضه عليهم من الزواج بامرأة واحدة زواجاً أبديَّاً لا
فكاك منه.إنَّ هذا الشابَّ المثقَّف استطاع الردَّ على هذا المسيحي
وإسكاته بجملةٍ واحدة. وقد دخلت امرأة أوروبية على مولانا الشيخ محمد
عثمان عبده رضي الله عنه وكانت متخصصة فـي الطبِّ البيطري فسألته:
لماذا يحلُّ للرجل أن يتزوَّج بأربعة ولا يحلُّ للمرأة أن تتزوَّج
بأربعة، فروى لها أن أربعة نساءٍ دخلن على الإمام علي كرَّم الله
وجهه وسألنه هذا السؤال فأمر الأولى أن تأتيه بلبن إبل والثانية بلبن
بقرة والثالثة بلبن شاةٍ والرابعة بلبن عنزة، فخلط الألبان الأربعة
فـي إناء ثمَّ أمر كلَّ واحدة أن تأخذ لبنها فعجزن بالطبع عن هذا،
فبيَّن لهنَّ الإمام علي كرَّم الله وجهه أن هذا يؤدي إلا اختلاط
الأنساب، فقالت الطبيبة البيطرية: إن هذا الكلام غير مقنع بالنسبة
لها.فقال: إذا كان الهدف الأول من المعاشرة هو حفظ النسل فإن رحم
المرأة يخرج البويضة فيتمَّ تلقيحها بواسطة حيوان منوي واحد فيتمُّ
الحمل ولا يمكن أن يتكررَّ هذا التلقيح فـي نفس الفترة الزمنية إلا
بعد الوضوع واستعداد الرحم مرَّةً أخرى للحمل، بينما نجد أن رحم أنثى
الكلاب دائري فينتج بويضة فيقوم بتلقيحها كلب أسود، ثمَّ ينتج بويضة
أخرى فيقوم بتلقيحها كلب أحمر وثالثة فيقوم بتلقيحها كلب أبيض فهكذا
فتلد الكلبة سبعة جراء كلُّ واحد له لونٌ مختلف وأب مختلف فتقتضي
الطبيعة تعدد الآباء بينما لا يمكن أن يحدث هذا فـي بني الإنسان
فبواسطة أب واحد يتمُّ الحمل ويحفظ النوع الإنساني فاقتنعت الطبيبة
الألمانية بهذا الكلام العلمي الدقيق كان رضي الله عنه يخاطب كلَّ
إنسانٍ حسب توجُّهه وتخصُّصه.
ثالثا: إنَّ كثيراً من الحكومات الإسلامية ضُعف فيها روح الاعتزاز بالدين
الإسلامي، فكان حظُّ التعليم الديني فـي هذه البلاد ضعيفاً، فينشأ
الشباب وليس لهم من المعرفة بعلوم الدين ما يمكِّنهم من مدافعة
الشكوك والوساوس التي تختلج فـي صدورهم أو التي تثار حولهم، وقد حكت
لي أستاذة جامعية زارت بلداً عربيَّاً إسلامياً لحضور مؤتمر فـي إحدى
الجامعات، ولاحظت أنَّ فقرات البرامج لا تبدأ بالقرآن الكريم كما هو
الحال فـي البلاد الإسلامية فإنَّ كلَّ برنامج عادة يفتتح بتلاوة
آيات من الذكر الحكيم، فذكرت الأستاذة هذا الأمر للمسؤول عن المؤتمر
وهو عميد كلية عربي مسلم فقال لها: يا سيِّدتي هناك أشياء أهمُّ من
القرآن الكريم يهملونها فـي هذه المؤتمرات، وسكتت الأستاذة فما عسى
أن تقول ! هذا ردُّ رجل من رجال التعليم فـي بلد عربيٍّ مسلم ماذا
تنتظر منه أن يقدِّم قي سبيل إحياء الدين.
إن التعليم الديني فـي معظم المدارس فـي مثل هذه البلاد يكون مجرَّد
آيات وأحاديث تحفظ عن ظهر قلب، وجوائز تمنح للحفظة ولكن أين فقه ما
يحفظون أم أنها عودة للذي يحمل أسفارا.
رابعا: التعليم الديني المتشدِّد الذي تمارسه بعض البلاد الإسلامية، وهذا
النوع من التعليم يرمي إلى تخريج شباب مسلم يتقيِّد مذهب دينيٍّ
معيِّن ويرى كلَّ ما سواه كفرا، ويجعل هذا التعليم كلَّ صغيرة كبيرةً
من الكبائر، وكلَّ مكروهٍ حرام ولا وجود للإسلام ولا للمسلمين خارج
المذهب الذي يدينُ به، فينشأ الشاب وهو ينعت كلَّ شخص من خارج مذهبه
بأنه كافرٌ يستحقُّ الموت وعنده أن المرأة كلُّها عورة والحديث معها
حرام والمشي معها حرام، وتعليمها حرام حتى حُبست المرأة فلا ترى رجلا
ولا يراها رجل فهي قابعةٌ فـي البيت مقيِّدة بقيود لا تجدها فـي
أشدِّ السجون صرامةً! فهل خلق هذا مجتمع الفضيلة الذي أرادوه، كلا
فإن مثل هذه المجتمعات تعجُّ بالشذوذ والفجور وإدمان المخدِّرات
والأمراض النفسية التي تنتج عن هذا الحصار الأخلاقي المُحكم، فإن
الرذيلة لا تعدم سبيلا إلى مثل هذه المجتمعات وهي تتخفى وتتنكر
وتتزيَّا بغير زيِّها وهذا أخطر أنواع الرذيلة. إنَّ الفتى الناشئ
فـي مثل هذه المدارس السلفية المتشددة، ينظر حوله فلا يجد فـي
المجتمع إلا ما ينافـي قِيمَه وتعاليمه فإما أن ينحرف عن مذهبه
ويتحوَّل إلى النقيض كما يحدث لبعض الأشخاص إذ لا يستطيع الصمود أمام
المغريات، وإما أن يتحوَّل إلى شخصٍ مريض يُعادي كلَّ من حوله، ثمَّ
يتحوَّل إلى خارج على القانون يعتدي على كلِّ من يخالفه لا يقيم
للحياة البشرية وزناً يقتل الناس فـي المساجد وهم يصلُّون مقيمين
شعائر الله وهو يحسب أنه يحسن صنعا.ونحن نضرب مثلا هنا بالذين اعتدوا
على مسجد أحد الأولياء الصالحين وأحرقوا المسجد وحاولوا أن يحرقوا
الضريح، وإذا أسقطنا كلَّ شيء من حسابنا فأين حرمة الميِّت التي
يعترف بها المسلم والكافر، إنَّ بعض الذين يمارسون مثل هذه الأشياء
قد يكونون مرضى نفسيين فـي الأصل يجدون فـي التزيي بزيِّ الدين
قناعاً يختفون حوله، ويجدون فـي مثل هذه الأعمال التخريبية تنفيساً
للعنف الكامن فـي دخل نفوسهم وليس لتعاليم الإسلام مهما اختلفت مذاهب
أصحابها علاقة من قريب أو بعيد بمثل هذه الأشياء.
خامسا: غياب الآباء معظم ساعات النهار عن البيت خاصة فـي البيوت التي تعمل
فيها الأم فـي وظيفة خارج المنزل، فيمكث الأطفال مع المربيَّات
والشغالات أو مع أقرانهم أو وحدهم والناظر فـي القضايا التي تعجُّ
بها المجلات مما تقوم به الشغالات والمربيات من أعمال منافية للأخلاق
مع النشء أو تعرُّض الأطفال للحوادث المنزلية يجب أن يلفت انتباهنا
إلى ضرورة وجود أحد الأبوين دائما فـي البيت، والغريب فـي الأمر أنه
رغم ما نشر حول هذه الحوادث والاعتداءات نجد أن الآباء يتجاهلون هذه
الأمور ويحسبون أن زيادة الدخل أهمُّ من سلامة أطفالهم ورعايتهم.إن
المؤتمرات تقام فـي كلِّ عام فـي كلِّ مكان وتخرج بالتوصيات من
الحادبين على النشء المسلم وأورد هاهنا مثالاً لمثل هذه التوصيات
التي اطَّلعت عليها فـي بعض هذه المؤتمرات:
إنَّ نظرتنا للمناهج التعليمية يجب أن تراجع ويراعى فيها الآتي:
أوَّلا: إنَّ الدين ليس مادَّةً تدرَّس وتحفظ فحسب ولكنَّه تهذيبٌ
للنفس وغرسٌ للفضائل وتدريبٌ على آداب السلوك.
مسجد السيدة زينب رضي الله عنها في القاهرة،
حيث تعقد الكثير من حلقات الذكر ودروس تحفيظ القرآن
ثانياً: يجب أن يكون المعلِّم قدوة حسنة وأن يوصل دروس الدين بالحياة
العامةَ حتى لا يبدو الدين مادة لا علاقة لها بالواقع. وأن يعنى
المدرِّسون بالحياة الدينية التي تغرس فـي التلاميذ حبَّ الدين
والتمسُّك بآدابه والتحلِّي بالأخلاق الكريمة.
ثالثاً: أن ينشأ فـي كلِّ مدرسةٍ مصلَّى، ويتعلَّم التلاميذ كيف
يهتمُّون بنظافته.
رابعا: أن تكون هناك دروسٌ تثقيفيةٌ حول ما تبثُّه الفضائيات من برامج
وتبصير الطلاب بما تحمله من فكرٍ غربي يحرص على تزيين المنكرات
ويفرِّغ محتوى برامـجه من كلِّ قيمة أخلاقية.
خامسا: أن تناسب الدروس الدينية نوع المدرسة وتخصُّصها فيدرَّس فـي
المدارس الصناعية مثلا التشريعات الإسلامية فـي فقه المعاملات.
ونحن لسنا فـي حاجةٍ إلى وضع المناهج فـي التربية الإسلامية فقد سبق
إلى هذا كثيرٌ من علماء المسلمين كالإمام الغزالي والإمام أبو طالبٍ
المكي رضي الله تعالى عنهما وهما صاحبا المنهج الصوفـي المتكامل فـي
التربية الإسلامية التي تتخذ من النهج الصوفـي قاعدةً لها ونودُّ أن
نتعرَّف هنا على منهج الإمام الغزالي الذي لخَّصه فـي كتابه أيها
الولد وكتابه إحياء علوم الدين والاقتصاد فـي الاعتقاد وغيرها من
كتبه النافعة. إنَّ التربية فـي المنهج الصوفـي تقوم على ربط العلوم
بالأخلاق الفاضلة فالعلم بلا أخلاق لا خير فيه، وهذا العلم هو الذي
ينتفع به الإنسان فـي الدنيا ويجد الجزاء عليه فـي الآخرة وكلُّ علم
أو عملٍ يجب أن يكون مداره على التقرُّب من الله عزَّ وجلَّ. وقد
سيطر الجانب الديني على منهج الإمام الغزالي بصورةٍ واضحة خاصَّةٍ
فـي تقسيمه للعلوم وإعلائه للعلوم الدينية. وتأكيده على تطهير النفوس
واهتمامه بالجوانب الأخلاقية.يقول الإمام الغزالي: مهما كان الأب
يصون ولده من نار الدنيا فليصنه من نار الآخرة أولى، وصيانته بتأديبه
وغرس الأخلاق الفاضلة فـي نفسه وتعوُّده على فعل الخير. وقد كان
اهتمام الإمام الغزالي بالتربية الدينية نسبةً لذلك الانحلال الخلقي
الذي كان يسود عصره ولتشابه الحالين مع تلوُّن الفساد الخلقي فـي
عصرنا وتعدد صوره وألوانه واختفائه وراء الأقنعة المختلفة فـي هذا
العصر نجد أنفسنا أحوج ما نكون إلى الإفادة من مثل هذا المنهج وفـي
نظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا بنيَّ احفظ الله
يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن
بالله واعلم أن الأمة إذا اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم يكتبه الله
لك لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضرُّك
بشيءٍ لم يضرُّك إلا بشيء.) وقد أورد الغزالي فـي رسالته (أيُّها
الولد) الحديث الذي دار بين حاتم الأصم والبلخي حيث سأله البلخي عن
فوائد ما تعلَّم فأجاب الأصم أنه حصل على ثمانية فوائد وهي:
*
العمل الصالح وهو الرفيق فـي القبر.
*
مجاهدة النفس وترك الهوى حتى تتمَّ الطاعة الكاملة لله.
*
إنَّ ما يملكه الإنسان ينفد وما عند الله هو الذي لا ينفد.
* التقوى هي مقياس الأفضلية
لقوله تعالى {إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم}.
*
القناعة بما قسمه الله للإنسان، ولا ينظر الإنسان إلى ملك غيره
فيتولَّد فـي نفسه الحسد
*
عدم معادة الناس وليكن الشيطان هو العدو.لقوله تعالى {إنَّ الشيطان
لكــم عدوٌّ فاتخذوه عدوَّا}
*
عن الرزق لا يأتي إلا من عند الله. {وما من دابةٍ فـي الأرض إلا وعلى
الله رزقها}
*
التوكُّل على الله فـي كلِّ أمر لقوله تعالى {ومن يتوكَّل على الله
فهو حسبه إنَّ الله بالغ أمره قد جعل الله لكلِّ شيءٍ قدرا}.
وقد اهتمَّ الإمام الغزالي فـي منهجه التعليمي بالنواة الأساسية فـي
المنهج التعليمي وهي المعلِّم والمتعلِّم ووضَّح ما يجب على كلِّ
واحدٍ منهما فجعل من صفات المتعلّم الزهد والطهارة والتواضع إلى جانب
ما ذكره من جميل الأخلاق، وإذا كان الإمام الغزالي قد قسَّم العلماء
إلى علماء الدنيا وعلماء الآخرة أما علماء الدنيا فهم الذين يعظون
الناس وينسون أنفسهم ويجالسون الأمراء ومجالسة الأمراء فيها مفسدة إذ
يميلون فـي أقوالهم وأفعالهم إلى هوى الأمراء وإذا كان الإمام
الغزالي قد ذمّ هذا النوع من العلماء المسلمين فكيف بمن يسلمون
أولادهم إلى النصارى والملاحدة ليعلِّموهم. أما علماء الآخرة فهم
الذين صحبوا الدنيا بأبدانهم منشغلين بتقوية اليقين واليقين يورث
الخشية والأخلاق الحميدة وعلماء الآخرة يعرفون بسيماهم فـي السكينة
والتواضع وحسن الخلق وإيثار الآخرة يتعلَّمون القرآن للعمل لا
للرآسة.
ومن أنجع الأساليب التي كانت متَّبعة فـي التدريس فـي الإسلام هي
الطريقة المسجدية.
قام الأزهر عبر القرون بدورٍ تربوي وتعليمي متميِّز وكان التعليم فيه
يتَّبع نظام الحلقات، ثمَّ اتخذ معهداً للدراسة المنتظمة منذ عهد
الخليفة العزيز بالله، وكان الطلاب يدخلون الأزهر مختارين بلا قيد أو
شرط، لهم الحرية المطلقة فـي الدراسة على من يريدون، وكان الأساتذة
يعقدون حلقاتهم حول أعمدة المسجد والطلبة حولهم على شكل حلقات، وكانت
الدراسة على شكل نقاش وحوار بين الطلبة والأساتذة، ولم يكن هناك
امتحان شهري ولا سنوي وكلٌّ له اجتهاده الشخصي فـي استيعاب الدروس.
وعلى هذا النهج كان يسير جامع الزيتونة الذي أسس عام 411 هـ ومن
أوَّل يوم أسس فيه كان مكاناً لنشر المعرفة ويرجع إليه الفضل فـي
بقاء ونشر مذهب الإمام مالك. وللمسجد دورٌ تربويٌّ كبير يمكن أن
نجمله فـي الآتي:
أوَّلا: للمسجد دورٌ فـي نشر المعرفة فإنَّ الشخص المواظب على الحضور
للمساجد وحضور حلقات الدرس يجد أنه يتعلَّم الكثير من أمور دينه
ودنياه من الكتاب والسنة.
ثانيا: للمسجد دورٌ كبير فـي تقوية الأخوَّة الإيمانية وبهذا يتيح
للإنسان التعرُّف إلى أهل الخير من روَّاد المسجد، ويفتح باب الإخاء
ولتعاون بين أفراد المجتمع المسلم.
ثالثا: للمسجد دورٌ كبير فـي النهي عن الفواحش والمنكرات حيث يجتمع
الناس فيه على ذكر الله سبحانه وتعالى {إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر}
إنَّ دور المسجد الآن لم تعد له أهمية كما كانت فـي السابق، وقد
اتخذَّت الجماعات الإسلامية المتطرِّفة من المساجد أوكاراً لقلب
الحكومات واغتيال الرؤساء وعمليات التخريب التي
تنشر الرعب في المجتمعات. فاضطرت الكثير من الدول الإسلامية، إلى
إغلاق المساجد عقب الصلوات مباشرة و مراقبة مرتاديها مما حدا بكثير
من المسلمين إلى اجتناب المساجد خوفا من الوقوع في الشبهات.
د. عبد الله محمد أحمد |