الإمـام
عـلـي كـرَّم اللـه وجـهـه - 1
سيد القوم باب مدينة العلم والعلوم، رأس المخاطبات ومستنبط
الإشارات، راية المهتدين ووليُّ المتَّقين، وإمام العادلين أقدمهم
إجابة وإيمانا، وأقومهم قضية وإيقانا، وأعظمهم حلماً وأوفرهم علما،
صاحب القلب العقول واللسان السؤول، عن الحسن بن علي قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم (ادعو لي سيد العرب) يعني علي بن أبي طالب
فقالت عائشة: ألستَ سيِّد العرب؟ قال (أنا سيد ولد آدم وعلي سيد
العرب).
وهو أوَّل هاشميٍّ ولد من أبوين هاشميين أبوه عم النبي صلى الله عليه
وسلم وناصره وحاميه حزن عليه رسول الله لشدَّة حبِّه له، وأمُّه
فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها وهي التي ربَّت رسول الله وهي
التي نزل رسول الله فـي قبرها ودعا لها بأن يقيها الله ضغطة القبر.
لم يجتمع لأيِّ واحدٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من
المزايا ما اجتمع للإمام عليٍّ كرَّم الله وجهه حتى أن الإمام ابن
الأثير تحدَّث عن فضـائل الصحـابة ولما أتـى لسيرة الإمــام علـيٍّ
كـرَّم الله وجـهه قـال: ولكثرة فضائله رأينا أن نفرد كتاباً لها،
وكان من المصائب التي وقعت فـي مجتمع أهل السنة أن بعض الذين جعلوا
أنفسهم أوصياء على عقائد الناس أهملوا سيرته فـي مناهجنا ووسائلنا
الإعلامية، وهو أعظم الصحابة مزيَّة. إن سيرة الإمام علي تكاد تكون
مهملة لأنهم يعتقدون أن الإمام علي كرَّم الله وجهه هو إمام الشيعة
وأنهم إذا تحدَّثوا عن فضائله نصروا المذهب الشيعي
من أسمائه حيدرة وهو الذي قال:
أنا الذي سمَّتني أمي حيدرة
كليثِ غاباتٍ كريه المنظرة
أكيلهم بالسيف كيل السندرة
وكنى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عليَّاً بأبي تراب حين وجده
نائماً هو وعمَّار بن ياسر وقد علق به التراب فأيقظه عليه الصلاة
والسلام برجله وقال: قم يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب.
ولد الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه فـي بيت الله الحرام لما دخلت
السيدة فاطمة بنت أسد رضي الله تعالى عنها البيت لتطوف به فجاءها
المخاض فولدته فـي البيت الحرام فما فتح عينه فـي الدنيا إلا فـي
البيت المحرَّم المعظَّم إرهاصاً لما سيكون عليه حاله وما سيكون له
من عظيم المنزلة عند الله ورسوله. قال العقَّاد: ولد عليٌّ فـي
داخل الكعبة وكرَّم الله وجهه عن السجود لأصنامها، فكأنَّما كان
ميلاده هناك إيذاناً بعهدٍ جديد للكعبة والعبادة فيها.
ثمَّ شاء له الله تعالى أن يكون ربيب رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين أخذه رسول الله من والده أبي طالب ليُربِيَه فكان عند
النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه يطعمه ويقوم بأمره
لأنَّ قريشاً كان قد أصابه قحطٌ شديد، وكان أبو طالب رضي الله عنه
كثير العيال فقال رسول الله لعمِّه العبَّاس:إنَّ أبا طالب كثير
العيال والناس فيما ترى من الشدَّة فانطلق بنا فلنخفف من
عياله،تأخذ واحداً وأنا واحدا فجاءا إليه فقالا: إنا نريد أن
نخفِّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما: إذا
تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما فأخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم عليَّاً فضمَّه إليه وأخذ العباس رضي الله تعالى عنه جعفراً
فضمَّه إليه فلم يزل عليٌّ مع رسول الله. قال كَرَّم الله وجهه:
ولقد علمتم مكانتي من رسول الله بالمنزلة الخصيصة والقرابة القريبة
أخذني فـي حِجره وأنا وليد يكنفني فـي فراشه ويضمُّني إلى صدره
ويُشمُّني عرفه ويُمسَّني جسده وكان يمضغ الشيء ثمَّ يُلقمنيه،
ولقد كنتُ اتَّبعه اتَّباع الفصيل أثر أمِّه، يرفع لي فـي كلِّ
يومٍ من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور كلَّ
سنةٍ بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولقد سمعتُ رنَّة الشيطان حين نزل
عليه الوحيُ فقلت يا رسول الله ما هذه الرنَّة. فقال: هذا الشيطان
قد أيس من عبادته إنَّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنَّك لستَ
بنبيٍّ ولكنَّك وزير وإنَّك لعلى خير. وفـي خصائص العشرة للزمخشري
(أنَّ النبيَّ ما شاء الله عزَّ وجلَّ. تولَّى تسميته بعلي وتغذيته
أياما بريقه المبارك بمصِّه لسانه فعن فاطمة بنت أسد أم علي رضي
الله تعالى عنه أنها قالت: لمَّا ولدته سمَّاه عليَّاً وبصق فـي
فيه، ثمَّ إنَّ ألقمه لسانه فما زال يمصُّه حتى نام، فلما كان من
الغد طلبنا له مرضعة فلم يقبل ثدي أحد فدعونا ه محمداً فألقمه
لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله عزَّ وجلّ).
ولقد كنتُ معه صلى الله عليه وسلم لما أتاه الملأ من قريش فقالوا له يا
محمد إنَّك قد ادَّعيت عظيماً لم يدَّعه آباؤك ولا أحدٌ من بيتك
ونحن نسألك أمراً إن أنت أجبتنا إليه وأريتناه علمنا أنَّك نبيٌّ
ورسول وإن لم تفعل علمنا أنَّك ساحرٌ كذَّاب فقال صلى الله عليه
وسلم: وما تسألون؟ قالوا تدعو لنا هذه الشجرة حتَّى تنقلع بعروقها
وتقف بين يديك فقال: إنَّ الله على كلِّ شيءٍ قدير فإن فعل الله
لكم ذلك أتؤمنون وتشهدون بالحق؟ قالوا: نعم. قال: فإني سأريكم ما
تطلبون وإني لأعلم أنَّكم لا تفيئون إلا إلى خير وإنَّ فيكم من
يطرح فـي القليب ويحزِّب الأحزاب ثمَّ قال صلى الله عليه وسلم يا
أيَّتها الشجرة إن كنتِ تؤمنين بالله واليوم الآخر، وتعلمين أني
رسولُ الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بينَ يديَّ بإذن الله، فوالذي
بعثه بالحقِّ انــقلعت بعروقها وجاءت ولها دويٌّ شديد، وقصف كقصف
أجنحة الطير، وقفت بين يدي رسول الله مرفرفة، وألقت بغصنها الأعلى
على رسول الله وببعض أغصانها على منكبي وكنت عن يمينه، فلمَّا نظر
القوم إلى ذلك قالوا علوَّاً واستكبارا: مرها فليأتك نصفها ويبقى
نصفها فأمرها بذلك فأقبل عليه نصفها كأعجب إقبال وأشدِّه دويَّا
فكادت تلتفُّ رسول الله، فقالوا كفراً وعتوَّا فمر هذا النصف
فليرجع إلى نصفه كما كان، فأمره فرجع، فقلت أنا، لا إله إلا الله
أنا أوَّل مؤمنٍ بك يارسول الله وأوَّل من أقرَّ بأنَّ الشجرة فعلت
ما فعلت بأمر الله تعالى تصدِّقاً بنبوَّتك، وإجلالاً لكلمتك، فقال
القوم كلُّهم بل ساحر كذَّاب عجيب السحر خفيفٌ فيه وهل يصدِّقك فـي
أمرك إلا مثل هذا يَعنونني وإني لمن قومٍ لا تأخذُهم فـي الله
لومةُ لائم.
وصفه كرَّم الله وجهه
جاء فـي الإصابة لابن حجر والاستيعاب لابن عبد البرِّ أنه كان
ربعةً أميل إلى القصر، شديد السمرة، أصلع الرأس، ثقيل العينين فـي
دعجٍ وسعة، حسن الوجه واضح البشاشة، أغيد كأنَّما عنقه إبريق فضة،
عريض المنكبين، له مشاش عظام كمشاش السبع الضاري، لا يتبيَّن
عضده من ساعده قد أدمج إدماجا، كبير البطن، يميل إلى السمنة من غير
إفراط، ضخم عضلة الساق دقيق مستدَّقها، ضخم عضلة الذراع، شثن
الكفَّين يتكمفَّأ فـي مشيته على نحوٍ يقارب مشية رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، مقدامُ فـي الحرب يُقدِم مهرولاً لا يلوي على
شيء.
فضله كرَّم الله وجهه
سبق إلى الإسلام وهو لم يبلغ الحلم وهو القائل:
سبقتكمو إلى الإسلام طرَّاً صغيراً ما بلغتُ أوانَ
حلمي
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: سُبَّاق الأمم ثلاثة لم يكفروا
بالله طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجَّار صاحب يس وعلي
ابن أبي طالب وهو أفضلهم. وعن مجاهدٍ عن ابن عبَّاسٍ رضي الله
تعالى عنهما: ما أنزل الله آيةً فيها: يا أيها الذين آمنوا إلا
وعليٌّ رأسها وأميرها.
جاء فـي صحيح ابن ماجة: أنا عبد الله وأخو رسول الله، وأنا
الصدِّق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذَّاب، صلَّيت قبل الناس سبع
سنين. وفـي مسند الإمام أحمد أنَّ ابن مسعودٍ كان يقول: أوَّل شيءٍ
علمته من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قدمتُ مكَّة مع
عمومةٍ لي فأرشدنا إلى العبَّاس ابن عبد المطَّلب، فانتهينا إليه
وهو جالسٌ إلى زمزم فجلسنا إلى جانبه، فبينا نحن عنده إذ أقبل رجلٌ
من باب الصفا أبيض تعلوه حمرة له وفرةٌ جعدة إلى أنصاف أذنيه، أقنى
الأنف برَّاق الثنايا، أدعج العينين، كثُّ اللحية، دقيق المسربة،
شثن الكفَّين والقدمين، عليه ثوبان أبيضان كأنه القمر ليلة البدر،
يمشي على يمينه غلام أمرد، حسن الوجه مراهقٌ أو محتلم، تقفوزه
امرأةٌ قد سترت محاسنها فقصد الحجر واستلمه وفعل ذلك الغلام
والمرأة وطافا معه، فقلنا يا أبا الفضل،؛ ما هذا الذي لم نكن نعرفه
فيكم، أوَشيءٌ حدث؟ فقال: هذا ابن أخي محمد بن عبد الله والغلام
الذي معه علي بن أبي طالب والمرأة هي زوجته خديجة بنت خويلد، أما
والله ما على وجه الأرض من أحدٍ نعلمه يعبد الله بهذا الدين غيرُ
هؤلاء الثلاثة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عليُّ أخصمك
بالنبوَّة ولا نبوَّة بعدي، وتخصم الناس بسبعٍ ولا يحاجُّك فيها
أحدٌ من قريش، أنتَ أوَّلهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله،
وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويَّة وأعدلهم فـي الرعيَّة،
وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مرزية.، وعن أبي سعيدٍ الخدري
قال: يا عليُّ لك سبع خصال لا يحاجُّك فيهنَّ أحدٌ يوم القيامة أنت
أوَّل المؤمنين بالله إيمانا وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر
الله، وأرفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعلمهم بالقضية، وأعظمهم
عند الله مزية.وقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرَّم الله وجهه:
مرحباً بسيِّد المسلمين، وإمام المتَّقين. فقيل لعليٍّ: فأي شيءٍ
كان من شكرك؟ قال: حمدت الله تعالى على ما آتاني، وأن يزيدني مما
أعطاني. وعن أنس بن مالك: قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى
إلى أبي برزة الأسلمي فقال له وأنا أسمع: إنَّ ربَّ العالمين عهد
إليَّ عهداً فـي عليِّ بن أبي طالب؛ فقال: إنه راية الهدى، ومنار
الإيمان، وإمام أوليائي، ونورُ جميع من أطاعني، يا أبا برزة علي بن
أبي طالب أميني غداً فـي القيامة، وصاحبُ رايتي فـي القيامة على
مفاتيح خزائن ربي.
وعـن أبـي برزة: إنَّ الله عهد إليَّ عهدا فـي علي فقلتُ ياربِّ بيِنه
لي، فقال: إنَّ عليَّـاً راية الهدى، وإمام أوليائي ونور من
أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتها المتَّقين، من أحبَّه أحبَّني،
ومن أبغضه أبغضني، فبشِّره بذلك فبشَّــرته، فقال لي: يا رسول الله
أنا عبد الله وفـي قبضته، فإن يعذِّبني فبذنبي، وإنْ يتمَّ الذي
بشرتني به فالله أولى بي.
لعلي: يا علي إنَّ الله أمرني أن أدنيك وأعلِّمك لتعي.
وأنزلت هذه الآية {وتعيها أذن واعية} قيل هي أذن علي بن أبي طالب. وقال
كرَّم الله وجهه:والله ما نزلت آيةٌ إلا وعلمت فيم أنزلت، وأين
أنزلت، إنَّ ربي وهب لي قلباً عقولا، ولساناً سؤولا. وعن عمَّار بن
ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: يا
عليُّ إنَّ الله زيَّنك بزينة لم تزيَّن العباد بزينةٍ أحبَّ إلى
الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عزَّ وجل، الزهد فـي
الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا، ولا ترزأ الدنيا من شيئاً.
نحن شجرة النبوَّة، ومحطُّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن
العلم، وينابيع الحكم، ناصرنا ومحبُّنا ينتظر الرحمة، وعدوُّنا
ومُبغضنا ينتظر السطوة. وقال: أنا وعلي كنَّا نورين بين يدي القديم
الأزلي ننتقل من صلب طاهرٍ إلى رحم طيِّب حتى ظهرتُ فـي عبد الله
وظهر فـي أبي طالب،وفـي المرفوع عن سلمان أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: أوَّل هذه الأمَّة وروداً على الحوض أوَّلها إسلاماً علي
بن أبي طالب، ولما استُشهد الإمام علي كرَّم الله وجهه قام ابنه
الحسن بن علي رضي الله فقال: لقد فارقكم رجلٌ بالأمس لم يسبقه
الأوَّلون ولم يدركه الآخرون بعلم، كـان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يبعثه فيعطيه الراية فلا يرتدَّ
د.
عبدالله محمد احمد
أولياء الله على أرض مصر
سيدي البوصيري رضي الله عنه
هو رضي الله عنه شرف الدين أبوعبدالله محمد بن سعيد بن حماد بن عبدالله
بن محسن بن عبدالله بن صفهاج بن هلال الصنهاجي.
ولد رضي الله عنه يوم الثلاثاء أول شوال عام 608هـ بقرية دلاص وتوفي
عام 696هـ بالإسكندرية وهو يبلغ من العمر 88 عاماً.
وكان والد سيدي البوصيري من (دلاص) وأمه من (أبوصير) وهما قريتان من
قرى بني سويف بمصر، فأصبحت نسبة الإمام البوصيري منهما، فقيل
(الدلاصيري) وبمرور الوقت عرف (بالبوصيري).
في القرن السابع الهجري ألف رضي الله عنه بردة المديح التي قال عنها
الإمام البوصيري:
صاحبني شلل أبطل نصفي ففكرت في عمل قصيدتي هذه فعملتها واستشفعت بها
إلى الله تعالى في أن يعافيني وكررت إنشادها ودعوت وتوسلت
ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح وجهي بيده
الشريفة المباركة وألقى على
بردته، فانتبهت ووجدتني في نشاط.
إشراف
الشيخ دسوقي الشيخ إبراهيم
السابق |
|