انتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان  - 9

افهموا وتفقهوا

 

انتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان  - 9

الباب الثاني

مولانا الإمام الحسين رضي الله عنه

فهو رضي الله عنه أبوعبدالله، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته.

مــولــده

ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع علي الأصح، وكانت فاطمة قد علقت به بعد ولادة الحسن بخمسين ليلة. وحنكه صلى الله عليه وسلم بريقه، وأذن في أذنه، وتفل في فمه، ودعا له وسماه حسينا، يوم السابع، وعقَّ عنه، كان شجاعاً مقداماً من حين كان طفلاً.

(وهذه جملة من الأحاديث والآثار الواردة في حقه زيادة على ما سبق) أخرج الحاكم وصححه عن يحيى العامري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(حسين مني وأنا من حسين، اللهم أحب من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط)، وروى ابن حبان وابن سعد وأبويعلى وابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى الحسين بن علي) وروى خيثمة بن سليمان عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في المسجد، فقال أين لُكَعْ، فجاء الحسين يمشي حتى سقط في حجره، فجعل أصابعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتح صلى الله عليه وسلم فاه أي الحسين فأدخل فاه في فيه، ثم قال: (اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه) وروى الحسن بن الضحاك عن أبي هريرة، قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتص لعاب الحسين كما يمتص الرجل الثمرة، وكان ابن عمر جالساً في ظل الكعبة، إذ رأي الحسين مقبلاً فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم، وجاء رجل إلى الحسن يستعين به في حاجة فوجده معتكفاً في خلوة فاعتذر إليه فذهب إلي أخيه الحسين فاستعان به فقضى حاجته وقال لَقَضَاءُ حاجة في الله عز وجل أحب إليَّ من اعتكافي شهراً.

ومن كلامه رضي الله عنه

اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا من تلك النعم، فتعود نقماً، واعلموا أن المعروف يكسب حمداً، ويعقب أجراً، فلو رأيتم المعروف رجلاً، لرأيتموه رجلاً جميلاً يسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رجلاً، لرأيتموه رجلاً قبيح المنظر تنفر منه القلوب، وتغض دونه الأبصار، ومن كلامه: من جاد ساد، ومن بخل ذل، ومن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم على ربه غداً، ومات ابن له فلم تُرَ عليه كآبة فعوتب في ذلك فقال (إنا أهل بيت نسأل الله فيعطينا، فإذا أراد ما نكره فيما نحب رضينا).

والتزم يوماً ركن الكعبة، وقال : (إلهي نعمتني فلم تجدني شاكراً، وابتليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر، ولا أدمت الشدة بترك الصبر، إلهي ما يكن من الكريم إلا الكرم).

كانت إقامته رضي الله عنه بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة، فشهد معه مشاهده، وبقي معه إلى أن قتل، ثم مع أخيه إلى أن انفصل، فرجع إلى المدينة واستمر بها حتى مات معاوية، فأخرج إليه يزيد من يأخذ بيعته فامتنع وخرج إلى مكة، وأتت إليه كتب أهل العراق بأنهم بايعوه بعد موت معاوية، فأشار إليه ابن الزبير بالخروج، وابن عباس، وابن عمر بعدمه، فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فأخذ بيعتهم وأرسل إليه يستقدمه، فخرج الحسين فأرسل إليه ابن عمه مسلم بن عقل فأخذ بيعتهم وأرسل إليه يستقدمه، فخرج الحسين من مكة قاصداً العراق، ولم يعلم بخروجه ابن عمر، فخرج خلفه فأدركه على ميلين من مكة، فقال ارجع فأبى فقال إني محدثك حديثاً إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم، فقال إن معي حملين من كتب أهل العراق ببيعتهم، فقال ما تصنع بقول قتلوا أباك وخذلوا أخاك فأبى إلا المضي فاعتنقه وبكى وقال استودعتك الله من قتيل ثم سافر فكان ابن عمر يقول غلبنا الحسين بالخروج ولعمري لقد رأى في أخيه وأبيه عبرة وكلمه في ذلك أيضاً من وجوه الصحابة جابر بن عبدالله إني لأظنك لتقتل بين نسائك وأبنائك وبناتك كما قتل عثمان فلم يقبل فبكى وقال أقررت عين ابن الزبير فلما رجع قال لابن الزبير قد جاء ما أحببت خرج الحسين وتركك والحجاز فعلم يزيد بخروج الحسين فأرسل إلى عبيد الله بن زياد واليه على الكوفة يأمره بطلب مسلم وقتله فظفر به فقتله ولم يبلغ حسيناً ذلك حتى صار بينه وبين القادسية ثلاثة أميال ولقي الحر بن يزيد التميمي فقال له ارجع فإني لم أدع لك خلفي خيراً وأخبره بالخبر ولقي الفرزدق فسأله فقال قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء فهم أن يرجع وكان معه أخوه مسلم فقالوا لا ترجع حتى نصيب بثأره أو نقتل فساروا وكان ابن زياد جهز أربعة آلاف وقيل عشرين ألفاً لملاقاته فوافوه بكربلاء فنزل ومعه خمسة وأربعون فارساً ونحو مائة راجل وكان أمير الجيش عمرو بن سعد بن أبي وقاص وكان ابن زياد ولاه الرأي وكتب له به أن حارب الحسين وارجع فلما التقيا وأرهقه السلاح قال له الحسين اختر مني إحدى ثلاث إما أن ألحق بثغر من الثغور أو أن أرجع إلى المدينة وإما أن أضع يدي على يد ابن معاوية فقبل ذلك عمرو منه وكتب به إلى ابن زياد فكتب إليه لا أقبل منه حتى يضع يده في يدي فامتنع الحسين فتأهبوا لقتاله وكان أكثر مقاتليه الكاتبين إليه والمبايعين له فلما أيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال نزل من الأمر ما ترون وإن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها وانشمرت حتى لم يبق مها إلا كصيابة الإناء وإلا خَسيسُ عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون الحق لا يعمل به والباطل لا يُتَنَاهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله عز وجل وإني لا أري الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا جرماً فقاتلوه إلا أن قتل رضي الله عنه وذلك يوم الجمعة يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق ما بين الحلة والكوفة قتله سنان بن أنس النخعي وقيل غيره وقتل يومئذ مع الحسين من أهل بيته ثلاثة وعشرون رجلاً كما قيل.

ولما قتل حزوا رأسه وأتوابه إلى ابن زياد فأرسله ومن معه من أهل بيته إلى يزيد ومنهم علي بن الحسين وعمته زينب فسر سروراً كثيراً وأوقفهم موقف السبي وأهانهم وصار يضرب الرأس الشريف بقضيب كان معه ويقول لقيت بغيك يا حسين وبالغ في الفرح ثم ندم لما مقته المسلمون على  ذلك وأبغضه العالم وفي هذه القصة تصديق لقوله صلى الله عليه وسلم (إن أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً وإن أشد قوم بغضاً بنو أمية وبنو مخزوم) رواه الحاكم.

وما ذكر من أن الضارب لرأس الحسين بالقضيب يزيد هو ما في طبقات المناوي لكن نقل في الصواعق أنه ابن زياد وأنه كان عنده أنس فبكى وقال كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي وغيره وروى ابن أبي الدنيا أنه كان عنده زيد بن أرقم فقال له أرفع قضيبك فو اللّه لطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ما بين هاتين الشفتين وبكى فأغلظ له ابن زياد القول فأغلظ له زيد الجواب وكان بالمجلس رسول قيصر فقال متعجباً إن عندنا في خزانة في دير حافر حمار عيسى ونحن نحج إليه كل عام من الأقطار ونعظمه كما تعظمون كعبتكم فأشهد أنكم على باطل.

ويمكن الجمع بأن هذا الفعل وقع أولاً من ابن زياد ثم وقع ثانياً من يزيد، وكان للحسين يوم قتل ثمان وخمسون سنة وقضى الله تعالى أن قتل عبيد الله بن زياد وأصحابه يوم عاشوراء سنة سبع وستين جهز إليه المختار بن أبي عبيد جيشاً فقتله إبراهيم بن الأشتر في الحرب وبعث برأسه إلى المختار إلى ابن الزبير فبعثه ابن الزبير إلى علي ابن الحسين.

وروى الترمذي أنه لما جئ برأسه ونصب في المسجد مع رؤوس أصحابه جاءت حية فتخللت الرؤوس حتى دخلت في منخره فمكثت هنيهة ثم خرجت فعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً وكان نصبها في محل نصب رأس الحسين.

وقد ورد ومن طرق عديدة أن جبريل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحسين يقتل وأراه الأرض التي يقتل بها فأخرج له من يده تربة حمراء وفي بعض الروايات التصريح بأنها كربلاء وفي بعض الروايات أنها أرض النجف، وفي بعض الروايات أنه يقتل بشاطئ الفرات، ولا تعارض بينها لأن الفرات يخرج من آخر حدود الروم، ثم يمر بأرض النجف وهي من بلاد كربلاء، كذا في طبقات المناوي (ويروى) أن قاتل الحسين لما قتله وأتى إلى ابن زياد قال:

أوقر ركابي فضة وذهبا        إني قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا       وخيرهم إذ يذكرون نسبا

فغضب ابن زياد وقال إذا علمت ذلك فلم قتلته والله عليه لا نلت مني خيراً أو لألحقتك به ثم ضرب عنقه وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه وقال الذهبي في التلخيص على شرط مسلم عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم أني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإني قاتل بابن بنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً.

وقال الحافظ ابن حجر ورد من طريق رواه عن عليّ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل النار).

وأخرج أبويعلى عن أبي عبيدة مرفوعاً (لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط حتى يكون أول من يلثمه رجل من بني أمية يقال له يزيد) وأخرج الروياتي مرفوعاً (أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد)، وقد قال الإمام أحمد بكفره، وناهيـك به ورعاً وعلماً تقتضيان أنه لم يقـل ذلك إلا لما ثبت عنده من أمور صريحة وقعت منه توجب ذلك. ووافقـه على ذلك جماعة كابن الجـوزي وغيره، وأما فسقه فقد أجمعوا عليه، وأجاز قوم من العلماء لعنه بخصوص اسمه وروي ذلك عن الإمام أحمد.

قال ابن الجوزي صنف القاضي أبو يعلى كتاباً فيمن يستحق اللعنة، وذكر منهم يزيد.. وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز إذا لم يثبت عندهم ما يقتضيه إذ حقيقة اللعن الطرد من رحمة الله تعالى، وهو لا يكون إلا لمن علم موته على الكفر كأبي جهل وأضرابه.

وأما جواز لعن من قتل الحسين أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به من غير تسمية فمتفق عليه، كما يجوز لعن شارب الخمر وآكل الربا ونحوهما إجمالاً. لأن ذلك لعن على الوصف وهو محمول على الإهانة والطرد عن مواطن الكرامة لا على حقيقته من الطرد عن رحمة الله. وصح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول لو كنت ممن قاتل الحسين ثم أدخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى إلى وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم وروى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر أنه سأله رجل عن دم البعوض طاهر أم لا وفي رواية أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذاب ماذا يلزمه إذا قتله؟ فقال له ممن أنت فقال من أهل العراق قال انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وفي روايته الثانية، عن قتل الذباب مع حقارته وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الحسنان ريحانتاي من الدنيا)، وقال ابن عباس رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام نصف النهار أشعث أغبر بيده قــارورة فيها دم. قلت يا رسول الله ما هذا؟ قــال دم الحسين أرفعه إلى الله عز وجل، فجاء الخبر بعد أيام أنه قتل في ذلك الـيوم. وفي تلك الساعة.  رواه البيهقي.

السابق

 

افهموا وتفقهوا

من مسائل النكاح

خلصنا فـي العدد الماضي إلي بعض الأنكحة الفاسدة وذكرنا منها النكاح فـي العدة وكذلك لايجوز نكاح المتعة إجماعا وهو النكاح إلي أجل خاصة بغير وليٍّ وبغير صداق وبغير شهود كما يفعل فـي زماننا هذا ويسمونه الزواج العرفـي وقال بعضهم: حتى لو كان بشهود وبوليٍّ وبصداق إنما فَسَد لضرب الأجل ويفسخ أبدا بغير طلاق ويعاقب فيه الزوجان ولا يبلغ بهما الحد ويلحق به الولد وعليها العُدَّة كاملة ولا صداقَ لها إن كان الفسخ قبل الدخول ولها صداق المثل إن كان الفسخ بعد الدخول لأن فساده فـي عقده، وكذلك لايجوز النكاح على الغرر فى العقد ولا النكاح علي الخيار أى التجربة والغرر فـي الصداق كالبعير الشارد أو المال المفقود ولاعلى محرَّم بيع كالخمر والخنزير وهذه الأنكحة الفاسدة لاتحل بها المطلقه ثلاثا لمن طلقها ولايُحصَن به الزوجين لأن من شروط الإحلال والإحصان صحة العقد وحرم الله على الرجال من النساء سبعا بالقرابة وسبعا بالرضاع والصهر فقال عزَّ وجل: {حُرِّمت عليكم أمهاتكم} وهي أصل تشمل كل من ولدتك وإن علت وأم الأم وأم الأب وأم الجد للأب وللأم وبناتكم وهي أصل تشمل كل من ولدتها وإن بعدت وأخواتكم وتشمل كل إمرأة شاركتك فـي صلب أو رحم أو فيهما وعماتكم وتشمل كل امرأة اجتمعت مع أبيك فـي صلب أو رحم وخالاتكم وتشمل كل إمرأة إجتمعت مع أمك فـي صلب أو رحم وبنات الأخ وإن بعدت وبنات الأخت وإن بعدت فهؤلاء السبعةمن القرابة.

أما السبعة من الرضاعة والصهر فأشار اليها المولي بقوله: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} سواء أكانت المرضعة بكرا أو ثيبا{وأخواتكم من الرضاعة} إن كان الرضاع فـي زمن واحد أو فـي أزمنة مختلفة ولم يذكر من الرضاع إلا الأم وهي أصلٌ والأخت وهي فرع ويشمل هذا كلَّ الأصول وكلَّ الفروع، وأمهات نساءكم كل إمرأة لها على زوجتك ولادة فهى أم إمراتك وإن علت وجمهور العلماء على أنها عامةٌ فيمن دخل بها ومن لم يدخل بها فالعقد على البنت يحرِّم الأم وكذا تحرم أم الزوجة بالرضاعة وربائبكم وهي بنت الزوجة فالربيبة تحرم على من دخل بأمها وكذلك تحرم الربيبة بالرضاعة أما بمجرد العقد لاتحرم الربيبة إلا بالدخول على أمها لقوله تعالي: {اللاتي دخلتم بهنَّ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم} وهي بنت الابن وإن سفل دخل بها أو لم يدخل وتحرم أيضا حليلة الابن من الرضاعة وأن تجمعوا بين الأختين ولاتنكحوا ما نكح آباؤكم دخل بها الأب أو لم يدخل فبالعقد تحرم على الابن وكذلك زوجة الجد.

وللحديث بقية..

محمد الحسن ود الفكي