حقائــــــقا قـــــد ســـــطروا
بينما نحن فـي ذروة الغوص بين دفات كتب القوم وإذا بكتاب صغير الحجم
مختصر فـي مادته لسيدي العارف بالله أحمد زروق رضي الله عنه الذي نعرف أن
له كتب كثيرة،وعلوم جَّمة ولكننـا لـم نتصــور أبدا أن يوجد فـي المكتبـة
الإسلاميـة مثل هـذا الكتـاب الذي قدَّمْنَا له واسمه
(قواعدُ التصوف)
دون أن ينتبه إليه شارحٌ جيد، أو معلِّــقٌ مُنْصِفُ يزيل عنه أستار
الجلال المانعة من الوصول إلى هذا العلم الغريب القريب العهد من الله،
ويبدوا أننا طرقنا بـاب عزِّه فإذا به فيضُ جودٍ وكرم، ولذلك فإن كثيرا
من قواعده سيشملها هذا البحث فـي غيـر موضعٍ لاسيما تلك التي بدأ بها
كتابه ليُزيلَ الغطاء عن معاني التصوف الجليلة الجميلة وسيتضمن هذا
الباب:
1ـ الكلام عن كتاب قواعد التصوف.
2ـ الرد على من عادى التصوف بدعوى حداثة لفظه.
ويحتوي على:
◘المقصود
من اللفظ هو الأصل لا اللفظ فحسب
◘الدين
القيم ما قام إلا على عاتق الأشخاص المحترمين عند الله فوجب إتباعهم بعد
تحريهم
◘الفرق
بين العقيدتين الصحيحة والفاسدة هو معرفة أهل بيت رسول الله وحبهم
وإتباعهم وهو منحى الصوفية قديما وحديثا.
3ـ
بيان استمدادهم العلوم من باطن الكتاب والسنة المطهرة كسبا ووهبا وفيها:
القلب السليم هو أصل العلم القرآني�
أصل الكشف عند الصوفية
◘
موت النفوس وحياة القلوب أصل الفهم فـي القرآن
◘
التزود بأسلحة الإيمان مقدم على الغوص فـي بحار القرآن
◘الأعداء
الأربعة للإنسان
◘كيف
الإيمان قبل القرآن�إنكارهم
على سيدي محيي الدين كمثال وأقوال العلماء فيه.
وها هي بعض قواعده رضي الله عنه فـي علم التصوف نذكرها بقليل من التعليق
للإيضاح.
القاعـدة الأولــى:
(بتصرف) الكلام فـي الشيء فرع تصور ماهيته وفائدته بشعور ذهني مكتسب أو
بديهي يرجع إليه فـي أفراد ما وقع عليه ردا وقبولا وتأصيلا وتفصيلا ـ
فلزم تقديم ذلك على الخوض فيه إعلاما به وتخصيصا عليه وإيماءاً لمادته ـ
فافهم،يريد أن التعريف بالشئ وفائدته مقدَّم على الخوض فيه فوجب تعريف
ماهية التصوف.
القاعــدة الثــانية:
(خلاصـة تعـاريف التصـوف)
ماهية الشيء حقيقته�� وحقيقته ما دلت عليه جملته وقد حُدَّ التصوف
ورُسِمَ وفُسِّرَ بوجوهٍ تبلغ نحو الألفين مرجع كلها إلى: '' صدق
التَّوجهِ إلى الله تعالى'' وإنما هي وجوهٌ فيه.
القاعــدة الثالثــة:
(كل تعريـف للتصوف يعبر عن حال أو مقام صاحبه).
(الاختلاف فـي الحقيقة الواحدة إن كثُرَ دلَّ على بُعْد إدراك جملتها)
فإذا رجعت الأقوال إلى أصل واحد يتضمن جملة ما قيل فيها كان التعبير عن
ذلك على حسب حالِ قائلِه ونصيبه من الله فيه، ولذلك فإن الحافظَ أبي نعيم
رحمه الله وضع تعريفا للتصوف عند كل ترجمة من تراجم كتابه (الحلية) يناسب
حال صاحب الترجمة من سيدنا أبي بكر الصديق إلى زمنه� ففُهِمَ من ذلك أن
من له نصيب من صدق التوجه إلى الله له نصيب من التصوف.
القاعــدة الرابعــة:
(الإســلام والإيمــان شرطـا التصوف حيث مداره على مقام الإحسان).
صدقُ التوجه إلى الله (أي التصوف) مشروط بأن يكون فـي رضا الحق وبما
يرضاه ؛ ولايصح مشروط (أي التصوف) دون شرطه (ولا يرضى لعباده الكفر)
فلزم أنه يرضى لعباده الإيمان (وأن تشكروا يَرْضَهُ لكم) فلزم العمل
بالإسلام.
إذن فالتصوف شرطه الأول العمل بالإسلام، والثاني تحقيق الإيمان فلا تصوف
إلا بفقه والعكس.
ومنها قول الإمام مالك:(من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف
فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق).
القــاعدة الخامســة:
(تأصيل الشئ ينفي إنكـاره)
إسناد الشئ لأصله يدفع قول من أنكر عليه، وأصل التصوف مقام الاحسان لقوله
(أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ومعـاني صدق التوجه
إلى الله تعالى ترجع إلى هذا الأصل ؛ وهو دوام المراقبة فالحضُّ عليه
واجب، كما أن الحضَّ على الفقه واجب فـي مقام الإسلام، والحضَّ على علم
الأصول واجبٌ فـي مقام الإيمان.
القــاعدة الســادسة:
(شروط وضع الإصطلاح أصلاً)
الاصطلاح للشئ لاوجه لإنكاره إذا اجتمعت فيه شروط هــي:
1- إذا دل على معناه. 2- اشعر بحقيقته.
3- ناسب موضوعه. 4-عين مدلوله من غير
لبس أو مخالفة أو إخلال لقاعدة شرعية، ومن ثم فاسم التصوف من ذلك لأنه
عربيٌّ مفهومٌ تامُّ التركيب غيرُ مُوهِمٍ وسنحقق هذا الموضوع بإسهاب فـي
غير موضع.
القــاعدة السابعــة:
(أصل اصطلاح التصوف)
ذَكَرَ رضي الله عنه اشتقاق كلمة تصوف وتوسع فيها، ولكننا وقفنا عند واحد
منها ورجحناه ترجيحا دون إنكار على ماعداه وهو قول أبي الفتح
الـبُـسْـتِـي:
تنازع الناس فـي الصوفـي واختلفـوا
وظنـه البعـض مشتـقا من الصـوف
ولـست أمنح هـذا الأسـم غيـر فتىً
صافـي فصُوفـي حَتَّى سُمىِّ الصوفـي
وهو من أدق وأرق اشتقاقات لفظة تصوف أو صوفـي ولأنها لاتعارض تعريف سيدي
أحمد زروق السابق، والمعروف أن العرب يدخلون الألف واللام على مايوجبون
له العَلَمِيَّة حتى وإن كان فعلا ؛ وكثير من ذلك فـي علم الصرف ولهجات
العرب وتطورها. مثل تسميتهم الشخص بلفظ
الفعل مثـل: فلان بن يُخَامِرْ وكذلك تَحَوُّرُ بعض الألفاظ فـي لهجات
العرب لتصل إلى شكل غير قياسي فـي اللغة.
وعندما سئل سيدي فخر الدين عن الصوفية قال:
الصوفية هم أهل الله� قلت (فلا تعبأ باللفظ فـي حد ذاته وليكن شغلك حالهم
ومآلهم)
وعندما سئل عن أصل أو مدار أعمالهم قال:
الذكر والصلاة على النبي .
تلك بعض قواعد التصوف لسيدي أحمد زروق قدمناها بشيء من التصرف ليسهل
تقريبها، ولولا الإطالة لنقلنا الكتاب نقلا وشرحناه شرحا فعليك أيها الأخ
الكريم بالرجوع إليه والصبر عليه ففيه فوائد عظيمة.
الرد على من عــادى التصــوف بدعـوى حداثـةِ لفظه
وأمر الاختلاف على التصوف لا يخفى على مسلم وجلُّ الخلاف ناشئٌ عن
استحداث اللفظ نفسه ولنرد على من قــال بذلك نقول:
العبرة دائما بالمقصود من الاصطلاح لا بمنطوقه فحسب.
1-
اعلم أيها المقبل على الله أن الكثير من العلوم المصنفة والتي يدرسها
طالبوا العلم قديما وحديثا
. بعد عصر تابعى التابعين - انما هي أيضا مستحدثة
أسماؤها مثل إطلاق الفقه على أحكــام الدين، والعبادات، والمعاملات، ومثل
علوم التوحيد والأصول، ومصطلح الحديث والتفسير، وهي لم تكن كذلك تفصيلا
فـي زمن المصطفى والصحابة ؛ وذلك لأجل حضور النبى الكامل الجامع
لكل العلوم بين ظهرانيهم، ومع ذلك فقد ظهرت أصولها كلها فـي مواقفه
مع صحابته تـشُـمُّ شَـذَاهَـا فـي طىِّ أحاديثه الـشـريفة سيما إذا نظرت
بناظر القلب ونور الفطرة الزكية النقية الصافية فها هو فـي إحدى خطبه
يقول عن أبي طالب المكي فـي قوت القلوب يقول: (طوبي لمن شغله عيبُه عن
عيوب الناس وأنفق من مالٍ اكتسبه من غير معصيةٍ وخالط '' أهل الفقه
والحكمة '').
أنظر وتأمل وافهم العبارة الأخيرة.
فما
هــو الفقــــه ؟
وما هــي الحكمــة ؟
لاشك أن هذا ماسماه العلماء بعد ذلك واصطلحوا عليه الشريعة والحقيقة أو
الفقه والتصوف فأن قال قائل ولِمَ لَمْ يُسَمِّ القومُ أنفسهم (أهل
الحكمة) بدلا من الصوفية ؟ نقول هم كذلك أهل الحكمة إلا أنه لايخفى عليك
أيها اللبيبُ مافـي تسمية ''أهل الحكمة'' من رفعةٍ وعلو قدرٍ والقومُ
أبعدُ ما يكونون عن تزكيةِ أنفسهمْ لوقوفهم عند قوله تعالى (فلا تزكُّوا
أنفسكم هو أعلمُ بمن اتقى) ولايَخْفي عليك أيضا من أن تسمية التصوف أقربُ
اشتقاقاً من معاني خشونة العيش والزهد فـي الدنيا وزخارفها وإن فعلوا ذلك
فقد تشبهوا بمن سموا أنفسهم ''الناجـون من النـار'' فلا يضمن لنفسه
الجنــة أو النجــاة من النـار إلا مغترٌّ بالله تعــالى، وظهور
المصطلحات والاسماء المستحدثة أبداً لايضر لأنه من مقتضى الأحوال
والأذواق وقد تُحبُّ إماما فتحبُّ ترديدَ كلمةٍ يُكثرُ تردَيدَها
فَتَسْرِي عبرَ العصور والدهور على ألسنة العام والخاص.
أما الذي يضُرُّ فهو إنكارُ المصطلح دون درايةٍ بمحتواه وفَحْوَاه ولذلك
فقد نَبَّه المصطفى فقال: (الحكمة ضالة المؤمن) الترمذى عن زيد بن
أسلم. ومعروف إن الحكمة هي جوهر العلم أي
مضمونه فأبحث عنها وخذها فربما لن تجدها بعد ذلك.
ونبَّه فقال:(إن الله لاينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى
قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم، فلا تقف عند ظاهر لفظة دون معرفة باطنها
فأنت أيها الأخ المقبل على الله مكلَّفٌ بألاَّ تقف عند اسم التصوف فحسبْ
بل عليك أن تغوص بحره فإن أخذ الله بيدك فأنت على شاطئ بحر الحقيقة وعما
قليل ستكون سبُّاحاً ثم غواصاً تلتقط الدُّرَّ الثمين من بحر المصطفى
وإن أنت رفضته اسما قبل ذلك فقد يفوتك اللؤلؤ والمرجان والعبقرىُّ الحسان.
قـــرآن
البيـــــان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وعلى آله
وأصحابه الطاهرين مازلنا نغوص فـي بحار علوم شيخنا رضى الله عنه لنستخرج
لكم الجواهر التي تنير العقول والقلوب وتشرب منها الأرواح وها نحن أمام
حديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم (من عرف نفسه فقد عرف ربه) قال رضى
الله عنه لما الواحد عاوز ربنا يعرفه إنت إعرف نفسك إذاعرفت نفسك ربك
عرفك لما تعرف حقيقة نفسك هى معرفة ربك فالمعرفه المذكوره فـي الحديث
مربوطه بحاجه معها وهى معرفة النفس وذلك لأن الانسان عباره عن كون صغير
فيه حقيقة هذا الكون الكبير ولذلك قالوا:
فيك
معانى تحار فيــه
أفكار أرباب ذى المعانى
حروفها العجم ليس تقرا
إلا
لمعرب القلب والبيانى
ففى
سمـاء الغيوب تبدو أنوار أقمارها الحســانى
شمس
علــم وبدر فهم
فـي
فلك العقل يجريـانى
وأنت أم الكتاب ففيـها
جميع ماكان فـي المـكـان
فمعرفة الرب مربوطه بمعرفة النفس عرفت نفسك عرفت ربك عرفت ربك معناه عرفت
نفسك� وعندما سُئَلَ الشيخ محمد عثمان عن الحديث الشريف (أنا أعرفكم
بالله وأنا أخوفكم منه) قال رضي الله عنه هذه معرفة ثانية غير معرفة الرب
لأن معرفة الرب للنبى صلى الله عليه واله وسلم مثل معرفة احتياجاتك أنت
لكن فـي الأول المعرفه ربوبيه لأن معرفة الربوبيه هى معرفة الكون والكون
يعنى سبع سموات سبع أراضين سبع بحار سبع رياح وهذا كله فيك أنت فيك
الرياح فيك السموات فيك البحار فيك البروج الإثنى عشر فيك الكواكب
السبع السياره لكن أنت تريد معرفة الآفاق يعنى الأمر الذي خرج عنك
(سنريهم آيتنا فـي الأفاق وفـي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكن
يكف بربك أنه على كل شى شهيد) فالمعرفه الربانيه معرفة الكون أما مسمى
الله أنا أعرفكم بالله فهو أحرى بالذات وبكل الاسماء وهذه أحديه لا تقبل
الكثره وكل واحد فـي الوجود له من الله حاجه أواكثر لكن يستحيل أن
يكون له الكل فانسلاخ الاسم كلية لا يمكن ولايجوز.
أنا أعرفكم بالله وأنا أخوفكم منه معرفة ثانية وهذه المعرفة شاقة لا
تتأتى إلا بالمجاهدة والمصابرة على الطاعه فإذا تخلص الإنسان من كل
الأغيار وتخلص من الأنفس حتى إذا إطمانت نفسه يقال لها إرجعى إلى ربك
راضيه مرضيه فادخلى فـي عبادى والعباد هنا كل عبد عرف ربه ادخلى فـي
عبادي وادخلي جنتي وإذا دخلت جنتك دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفه إخرى غير
المعرفه التي عرفتها حين عرفت ربك فتكون صاحب معرفتين معرفة به من حيث
أنت نفسك ومعرفه أخرى به بك من حيث هو لا من حيث أنت {سنريهم آياتنا فـي
الآفاق} ماخرج عنك وهذه معرفه ثانيه به بك من حيث هو وفـي أنفسهم وهوأنت
فمعرفة النفس شى ومعرفة الآفاق شي آخر ولما ربنا يقول {اقر كتابك كفى
بنفسك اليوم عليك حسيبا} إقرأ كتابك كتاب الكون كتاب نفسك فإذا لم تستطيع
أن تقرأه كله فاقرأ ماتيسر منه.
أما قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وأنا أخوفكم منه) الخوف عادة على
قدر المعرفه فلا يمكن أن يكون هناك خوف إلا على قدر المعرفه
خوف الأنبياء يختلف عن خوف الصالحين وخوف الصالحين يختلف عن العوام وهكذا
فخوف النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليس خوف من النار ولكن خوف تعاظم
وإجلال.
العامه يخافون من النار الخاصه يخافون من السلب بعد العطاء خاصة الخاصة
رهبانيه وعظمه.
كأنما الطير حقا فوق أرؤسهم
لاخوف مكر ولكن خوف إجلال
فخوف النبى صلى الله عليه وآله وسلم خوف خاصة الخاصة.
ولكن يجب أن تفهم أن القصه كلها فـي الإنسان فمن أنت ومن أين أتيت واسمع
لقول أحد الصالحين:
رأيت ربى بعـين قلبى
فقـلت لاشـك أنت أنت
أنت
الذي حزت كل أين بحيـث لاأيـن ثـم أنـت
فليس للأين منـك أيـن
فيعرف الأيـن أيـن أنت
وليس للكيف منك كيـف
فـيعـرف
الكيف كيف أنت
أحطـت علـيَّ بكل شئ
فـكـل شـئ أراه أنـت
وفـي فنائى فنى فنـائى
وفـي فنـائى رأيت
أنـت
|