العد د الثاني  (آذار)
 

زاوية الطريقة البرهانية في بيروت

بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن


زاوية الطريقة البرهانية في بيروت

هذه هى عرمون ، جملة اعترت أذنى وأنا أفيق من إغفاءة بالسيارة التى توقف محركها ونزل صديقى وقائدها ليفتح لى الباب وهو مستمر فى الحديث الذى بدأه عند ركوب السيارة وأغلب الظن أنه لم ينتبه لإغفاءتى بالسياره - إلا بعد قراءة هذا المقال - وهو يقص عليَّ كيف تحول الحلم إلى حقيقة بأن تكون هنا فى بيروت زاوية برهانية ،ولكن هذا الواقع أجمل كثيرا من الحلم الذى سبقه ،فنحن على سفح هضبة تطل على بيروت إطلالة عاشق ويكتنفنا شاطئ البحر الأبيض اكتناف محب وله والبناية تطل على كل الاتجاهات لاتحجب عنها شمس فى شروق أو غروب يغازلها النسيم من كل صوب وحدب مع أنها لم تستكمل ارتداء ثوبها الخارجى من نقوش وزخرفة ،وصعدت درجات السلم إلى الطابق الثانى حيث تواجهك لافتة أنيقة بألوان الزى البرهانى الأخضر والأصفر والأبيض لتنبيك عن وصولك إلى باب الزاوية الذى يوحى لك بأن من فكر فى صنعه لايمكن أن يكون نجارا فهو بلا شك جواهرجى غندور لأنه باب خزانة من الحديد الصلب ليصون به جواهر العلوم ونفائس الأوراد ، يقبع خلفه مدخل أنيق مفروش بسجادة فاخرة تحتم عليك أن تخلع نعليك طواعية بغير أمر لتضعها على يسارك على الأرفف المعدة لذلك ومع هذا عليك التأكد من نظافة الحذاء حرصا على جمال الأرفف ، وإن كنت من ذوى المعاطف والقبعات فإن لهما عندنا مكانا فهذا المشجب الدقيق الرقيق الأنيق يستطيع حمل معطفك ولو كان ثقيلا ، وبعد استدارتى سرت الهوينا فى هذا المدخل لأجد فى مواجهتى صالون الدرس والحضرة وعلى يسارى ممر طويـل متعدد الأبواب على كلى جانبيه فدخلت إلى الصالون الذى تفترش السجاجيد أرضيته فى هدوء وانسجام مع ألوان الكراسى والأرائك التى تجلس فى أدب جم بجوار الحوائط يعلوها نافذة تطل على الجبل وأخرى تطل على الشارع المؤدى إلى المدخل الرئيسي ثم تفسح الأرائك مكانا واسعا للباب المؤدى إلى الشرفة الكبيرة التى تطل عبر جيرانها على الأبيض المتوسط  وهذه الشرفة تصل الصالون بغرفة المكتب التى سوف نصلها بعد قليل وعموما فإن عرض الصالون يسمح بإقامة الحضرة فى سعة وطمأنينة وكذلك الدرس وفى نفس الوقت وبعد انصراف الناس تتحول الأريكة إلى سرير يحمل فى طياته زوج من البطاطين، اخرج معى إلى الممر ليصادفك أول باب على يسارك لدورة مياه وحمام جعلت لخدمة رواد الصالون الكبير.

ثم يصادفك من جهة اليمين باب المكتب الذى يوحى لك بأهميته قبل دخوله وإذا جلست على كرسيه الدوار المتحرك وأمامك المكتب ذو الأدراج أسفله والكمبيوتر أعاليه وأمامه مقعدين من الجلد لجلسائك وعلى يمينك المكتبة ذات الزجاج الفيميه فعليك أن تحذر إن كنت قد تخلصت من الأنفس السبعة أن تعود إليك ثمانية ولذا عليك بالهروب مسرعا من الباب لتجد باب الشيخ أمامك فتستأذن بالدخول وعلى الله القبول ،غرفة فسيحة مريحة وبها كل لزوم المعيشة من استقبال ضيوف أو مكان للمائدة ومكان للنوم وأشياء لحفظ الملابس كما يوجد بها دورة مياه مستقلة مجهزة للإستعمال الخاص ، كما أن بالغرفة باب إلى الشرفة المنفصلة المطلة من سفح الهضبة المترامى إلى شاطئ البحر الذى تلمحه العين ملتحما بالأفق فلا ينسى سناءها ولايقاوم سحرها.

ونعود إلى الممر وإلى جوار المكتب نجد غرفة الضيوف مجهزة بالأسرة وحافظات الملابس  وبها أيضا نافذتان إذا فتحتهما لايجرحك جيران غيرشمس الأصيل عندما إلى الغروب تميل وتخدم هذه الغرفة دورة مياه ثالثة مجهزة كمثيلاتها فتجهزت للصلاة وخرجت من دورة المياة لأجد نفسى أمام الممر الطويــــــل من الجهة الأخرى فامتطيته إلى الصالون فإذابى أرى بابا لم ألحظه عند دخولى فقد كان على يمينى قبل الدخول إلى الصالون وهو باب المطبخ ،المربوع الهيئة والملحق به شرفة والمجهز بالرخام والأرفف وبه ثلاجة تحمل مالذ وطاب بدأ  باللحوم ونهاية بالأعناب والأرطاب والحمد الله أنى لم أره حين الدخول وإلا كنت نسيت الصوم، وذكرنى الصوم بالصائم فى المهد صاحب المقولة:

(تعم المشرقين طريقتى)

محمد صفوت جعفر


بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

الكون وماحواه من مخلوقات من إنسان وغيره من المخلوقات الأخرى. فقد خلقها الله تعالى فـي أفضل صورة وعلى أكمل وجه، شكلا ومضمونا� إذا نظر الإنسان لنفسه وللكون من حوله من سماء وأرض ونبات وحيوان وغيره من المخلوقات يتحقق ويتأكد من قدرة الخالق فهو على كل شئ قدير. ولكن قد يتبادر إلى ذهنه ثمة سؤال: ماهى الغاية من كل ذلك الخلق البديع، الجمال الرفيع، الكون العميق، الدين المجيد، الدنيا وملذاتها والآخرة وأبديتها، الحياة والموت؟  وإذا تمعنا وتفكرنا جيدا فالإجابة بسيطة وهى أن المغزى من كل هذا هى العبادة لله الواحد الأحد� وكى تتحقق العبادة بمعناها الحقيقى لابد لها أن تكون فـي المسار الصحيح. بما أن العبادة هى لله فهى تعتبر سير إلى الله عن طريق العبادة الصحيحة التي تكون على يد خبير سالك عارف متحقق حتى يقودنا إلى أعلى الدرجات� والسير إلى الله عموما هو نوعين نوع يسمى بالسير الطبيعى ويسيره كل إنسان طوعا أو كرها� أما النوع الثانى فهو السير الإختيارى.

السير الطبيعي إلى الله: هو السير الذي لا إختيار لبشر فيه وهو ترحل وتنقل الكائنات من طور إلى طور كما قال تعالى ( خلقناكم أطوارا) فالإنسان مثلا ينتقل من صلب أبيه إلى رحم أمه ثم ينتقل إلى الدنيا فيشب ويترعرع فيحبوا ثم يمشى ويتكلم وينتقل من طور إلى طور فمن حالة الطفولة إلى الفتوة،  إلى الشباب، إلى الرجولة، إلى الكهولة، إلى الهرم هذا إذا قدر الله أن يحيا ويمر بكل هذه الأطوار كما قال تعالى ( ومنكم من يتوفـي ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) فإذا حان أجله يتوفاه الله تعالى فينتقل من الدنيا إلى العالم الآخر� فهذا الترحل من طور إلى طور، ومرحلة إلى مرحلة يعتبر سفر إلى الله بمعنى سير إلى الله طوعا وكرها.

السير الإختيارى إلى الله: وهو سير الإنسان إلى الله تعالى طائعا مختارا بموافقة الكتاب والسنة وهدىَ الشريعة الغراء فـي صحبة خبير متحقق عالم بالطريق ومسالكه ممن ينطبق عليه قوله تعالى {الرحمن فاسأل به خبيرا}. والسير إلى الله على يد خبير (الولى المرشد) يكون بكثرة الذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمداومة على ذلك. عن هذا الموطن قال الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:

   وأذكر إسم الحبيب مارمت وصلا               وتبتــل بذكـــره  تبتيــلا

والسير إلى الله درجات وأنواع وقد أوضحها المولى فـي عدة  آيات من القران الكريم قال تعالي: (يا ايها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) والكدح هو السير  زحفا. وقال فـي آية أخرى (إنى ذاهب إلى ربى) والذهاب أعلى درجة من الكدح� كذلك وضح الله تعالى درجات السير إليه فـي الحديث القدسى الذي يقول: (من تقربَ اليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلىَ ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتانى ماشيا أتيته هرولة���) كل هذه درجات متنوعة من السير إلى الله بالعبادة الصحيحة الخالصة لله تعالى على يد أهل الله.

وعن سير المجتهدين قال تعالى: {والسابقون السابقون} وقال: {ففروا إلى الله إنى لكم منه نذير مبين} وهذا النوع من أعلى الدرجات� ومراتب السير إلى الله قال عنها الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:

   بنىَ فروا إلى الله الذي ملئت                 خزائن الجود من إرفاده مننا

 وقال جلَّ وعلا مخبرا عن أعلى مراتب السير {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}.

 عندما يسير العبد إلى الله بالعبادة الصحيحة القوية يصل إلى درجات ترقى عالية. وتوجد درجة تسمى بدرجة العتق يصلها السائر إلى الله سواء كان سيره بالعبادات النفلية والإجتهاد فيها، أو سيره على يد الشيخ الخبير العارف السالك المتحقق� بالنسبة للسالك من العبادات النفلية فهو بعد سماعه لنداء العتق يرجع فرحا مسرورا. أما بالنسبة للسالك صاحب الأوراد المنظمة على يد الخبير ( من حيث المراقبة الصحيحة،الذكر  الصحيح، والمحبة الصادقة والعقيدة الصحيحة).

فأصحاب هذه الأوراد لا يكتفون بالعتق بل يطلبون الدخول والترقى والسير إلى ما وراء العتق� يتضح من كل هذا أن العبادة الصحيحة هى السير إلى الله والسفر إليه� السير إذا  كان على يد خبير سالك يعرف المسار الصحيح إلى الله يقودنا إلى العلياء. أما إذاكان المسار خطأ فقد يهوى بنا إلى حافة الهاوية. فلا بد من السير إلى الله فهو مبتدانا ومنتهانا ولا بد من التزود اللازم على يد الخير العالم.   

هادية الشلا لى