بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن
الكون وماحواه من مخلوقات من إنسان وغيره من المخلوقات الأخرى.
فقد خلقها الله تعالى فـي أفضل صورة وعلى أكمل وجه، شكلا ومضمونا� إذا
نظر الإنسان لنفسه وللكون من حوله من سماء وأرض ونبات وحيوان وغيره من
المخلوقات يتحقق ويتأكد من قدرة الخالق فهو على كل شئ قدير.
ولكن قد يتبادر إلى ذهنه ثمة سؤال: ماهى الغاية من كل ذلك الخلق البديع،
الجمال الرفيع، الكون العميق، الدين المجيد، الدنيا وملذاتها والآخرة
وأبديتها، الحياة والموت؟
وإذا تمعنا وتفكرنا جيدا فالإجابة بسيطة وهى أن المغزى من كل هذا
هى العبادة لله الواحد الأحد� وكى تتحقق العبادة بمعناها الحقيقى لابد
لها أن تكون فـي المسار الصحيح.
بما أن العبادة هى لله فهى تعتبر سير إلى الله عن طريق العبادة الصحيحة
التي تكون على يد خبير سالك عارف متحقق حتى يقودنا إلى أعلى الدرجات�
والسير إلى الله عموما هو نوعين نوع يسمى بالسير الطبيعى ويسيره كل إنسان
طوعا أو كرها� أما النوع الثانى فهو السير الإختيارى.
السير الطبيعي إلى الله: هو السير الذي لا إختيار لبشر فيه وهو ترحل
وتنقل الكائنات من طور إلى طور كما قال تعالى ( خلقناكم أطوارا) فالإنسان
مثلا ينتقل من صلب أبيه إلى رحم أمه ثم ينتقل إلى الدنيا فيشب ويترعرع
فيحبوا ثم يمشى ويتكلم وينتقل من طور إلى طور فمن حالة الطفولة إلى
الفتوة، إلى الشباب، إلى الرجولة، إلى الكهولة، إلى الهرم هذا إذا
قدر الله أن يحيا ويمر بكل هذه الأطوار كما قال تعالى ( ومنكم من يتوفـي
ومنكم من يرد إلى أرذل العمر) فإذا حان أجله يتوفاه الله تعالى فينتقل من
الدنيا إلى العالم الآخر� فهذا الترحل من طور إلى طور، ومرحلة إلى مرحلة
يعتبر سفر إلى الله بمعنى سير إلى الله طوعا وكرها.
السير الإختيارى إلى الله: وهو سير الإنسان إلى الله تعالى طائعا مختارا
بموافقة الكتاب والسنة وهدىَ الشريعة الغراء فـي صحبة خبير متحقق عالم
بالطريق ومسالكه ممن ينطبق عليه قوله تعالى {الرحمن فاسأل به خبيرا}.
والسير إلى الله على يد خبير (الولى المرشد) يكون بكثرة الذكر والصلاة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمداومة على ذلك.
عن هذا الموطن قال
الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:
وأذكر إسم الحبيب مارمت وصلا وتبتــل بذكـــره تبتيــلا
والسير إلى الله درجات وأنواع وقد أوضحها المولى فـي عدة آيات من القران
الكريم قال تعالي: (يا ايها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)
والكدح هو السير زحفا.
وقال فـي آية أخرى (إنى ذاهب إلى ربى) والذهاب أعلى درجة من الكدح� كذلك
وضح الله تعالى درجات السير إليه فـي الحديث القدسى الذي يقول: (من تقربَ
اليَّ شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلىَ ذراعا تقربت إليه باعا ومن
أتانى ماشيا أتيته هرولة���) كل هذه درجات متنوعة من السير إلى الله
بالعبادة الصحيحة الخالصة لله تعالى على يد أهل الله.
وعن
سير المجتهدين قال تعالى: {والسابقون السابقون} وقال: {ففروا إلى الله
إنى لكم منه نذير مبين} وهذا النوع من أعلى الدرجات� ومراتب السير إلى
الله قال عنها الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:
بنىَ فروا إلى الله الذي ملئت
خزائن الجود من إرفاده مننا
وقال جلَّ وعلا مخبرا عن أعلى مراتب السير {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى}.
عندما يسير العبد إلى الله بالعبادة الصحيحة القوية يصل إلى درجات ترقى
عالية.
وتوجد درجة تسمى بدرجة العتق يصلها السائر إلى الله سواء كان سيره
بالعبادات النفلية والإجتهاد فيها، أو سيره على يد الشيخ الخبير العارف
السالك المتحقق� بالنسبة للسالك من العبادات النفلية فهو بعد سماعه لنداء
العتق يرجع فرحا مسرورا.
أما بالنسبة للسالك صاحب الأوراد المنظمة على يد الخبير ( من حيث
المراقبة الصحيحة،الذكر الصحيح، والمحبة الصادقة والعقيدة الصحيحة).
فأصحاب هذه الأوراد لا يكتفون بالعتق بل يطلبون الدخول والترقى والسير
إلى ما وراء العتق� يتضح من كل هذا أن العبادة الصحيحة هى السير إلى الله
والسفر إليه� السير إذا كان على يد خبير سالك يعرف المسار الصحيح إلى
الله يقودنا إلى العلياء.
أما إذاكان المسار خطأ فقد يهوى بنا إلى حافة
الهاوية.
فلا بد من السير إلى الله فهو مبتدانا ومنتهانا ولا بد من
التزود اللازم على يد الخير العالم.
هادية الشلا
لى
|