|
انتصار أولياء
الرحمن على أولياء الشيطان
-
10
|
وسمعت الجن تنوح عليه. كما أخرجه أبونعيم وغيره وكسفت الشمس وقت قتله
كسفة أبدت الكواكب نصف النهار واحمرت آفاق السماء ستة أشهر يرى فيها
كالدم. وقد قيل إن الحمرة التي في الشفق من آثار ذلك. وأنها لم تكن
قبل قتل الحسين. قيل وحكمة ذلك أن الغضب يؤثر حمرة الوجه. والحق منزه
عن الجسمية فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق. ومكثت
الشمس سبعة أيام ترى علي الحيطان كالملاحف المصفرة. والكواكب يضرب
بعضها بعضاً وقيل أنه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلا وجد تحته دم
عبيط وكان في عسكرهم ورس فصاروا رماداً ونحروا ناقة في عسكرهم فصاروا
يرون في لحمها مثل الفيران وطبخوها فصارت كالعلقم.
وعن الزهري لم يبق أحد ممن حضر قتل الحسين إلا عوقب في الدنيا قبل
الآخرة، إما بالقتل، أو سواد الوجه، أو تغيير الخلقة، أو زوال الملك،
في مدة يسيرة.
وروى سبط ابن الجوزي أن شيخاً حضر قتله فعمي فسئل عن سببه فقال رأيت
النبي صلى الله عليه وسلم حاسراً عن ذراعيه وبيده سيف وبين يديه نطع
وعليه عشرة ممن قتل الحسين مذبوحين ثم لعنني وسبني ثم كحلني بمرود من
دم الحسين فأصبحت أعمى.
وأخرج أيضاً أن شخصاً علق رأسه الكريم في لبب فرسه فرؤي بعد أيام وجهه
أشد سواداً من القار. فقيل له إنك كنت أنضر العرب وجها فقال ما مرت
عليَّ ليلة من حين حملت ذلك الرأس إلا واثنان يأخذان بضبعي ثم
ينتهيان بي إلى نار تتأجج فيدفعاني فيها وأنا أنكص فتسفعني كما ترى
ثم مات على أقبح حالة.
وأخرج أيضاً عن السدي أنه ضاف رجلاً بكربلاء فتذاكروا أنه ما اشترك أحد
في دم الحسين إلا مات أقبح موتة فكذب المضيف وقال أنا ممن حضر موته
ولم يحصل لي شيء فقام آخر الليل يصلح السراج فوثبت النار في جسده
فأحرقته وهو يتكلم قال السدي فأما والله رأيته كأنه حمة ولما ساروا
بالرأس الشريف يريدون يزيد ونزلوا أول مرحلة جعلوا يشربون الخمر
فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد فكتبت
سطراً بدم.
أترجو أمة قتلت حسيناً شفاعة جده يوم
الحساب
(وروى) ابن خالويه عن
الأعمش عن سهل بن عمرو الأسدي، قال، والله رأيت رأس الحسين حين حمل
وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ {أم حسبت أن أصحاب
الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} فنطق الرأس الشريف بلسان عربي
فصيح فقال جهاراً: (أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي)، ثم إن ابن
معاوية أمر برد أهله رضي الله عنهم إلى المدينة واختلفوا في رأس
الحسين بعد مسيرة إلى الشام إلى أين صار، وفي أي موضع استقر.
فذهبت طائفة إلى أن يزيد أمر أن يطاف برأسه الشريف في البلاد فطيف به
حتى انتهى إلى عسقلان فدفنه أميرها بها، فلما غلب الافرنج على عسقلان
افتداه منهم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمال جزيل، ومشى إلى لقائه
عدة مراحل، ووضعه في كيس حرير أخضر على كرسي من خشب الأبنوس وفرش
تحته المسك والطيب وبنى عليه المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة قريباً
من خان الخليلي وإلى ذلك أشار القاضي في قصيدة مدح بها الصالح.
وذهب آخرون منهم الزبير بن بكار والعلاء الهمذاني إلى أنه حمل إلى أهله
فكفن ودفن بالبقيع عند قبر أمه وأخيه الحسم. وذهبت الإمامية إلى أنه
أعيد إلى الجثة ودفن بكربلاء بعد زربعين يوماً من المقتل واعتمد
القرطبي الثاني والذي عليه طائفة الصوفية أنه بالمشهد القاهري وذكر
بعضهم أن القطب يزور كل يوم بالمشهد القاهري. وقال المناوي في
طبقاته: ذكر لي بعض أهل الكشف والشهود أنه حصل له اطلاع علي أنه دفن
مع الجثة بكربلاء ثم ظهر الرأس بعد ذلك بالمشهد القاهري لأن حكم
الحال بالبرزخ حكم الإنسان الذي تدلى في تيار جار فيطف بعد ذلك في
مكان آخر فلما كان الرأس منفصلاً طفا في هذا المحل من المشهد وذكر
أنه خاطبه منه.
(تنبيه) قال المناوي في
طبقاته رزق الحسين من الأولاد خمسة وهم علي الأكبر وعلي الأصغر وله
العقب وجعفر وفاطمة وسكينة المدفونة بالمراغة بقريب نفيسة. وكذا في
طبقات الشعراني وزاد أن علياً الأصغر هو زين العابدين وقال كثيرون
أولاده ستة وزادوا عبدالله فأما علي الأكبر فقاتل بين يدي أبيه حتى
قتل وأما علي الأصغر زين العابدين فكان مريضاً بكربلاء ورجع مريضاً
إلى مكة وستأتي ترجمته وأما جعفر فمات في حياة أبيه دراجا وأما
عبدالله فجاءه سهم وهو طفل فقتله بكربلاء وأما فاطمة فتزوجت بابن
عمها الحسن المثنى ثم بعبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان وولدت لكل
منهما وأما سكينة فستأتي في ترجمتها.
وقال الشيخ كمال الدين طلحة كان الحسين من الأولاد الذكور ستة ومن
الإناث ثلاث فأما الذكور فعلي الأكبر وعلي الأوسط وهو زين العابدين
وعلي الأصغر ومحمد وعبدالله وجعفر ثم ذكر أن المقتول في كربلاء
بالسهم وهو طفل علي الأصغر وأن عبدالله قتل مع أبيه شهيداً ثم قال
وأما البنات فزينب وفاطمة وسكينة.
* * * * * *
السيد: أحمد الكبير الرفاعي (رضي الله عنه)
مولده
ولد رضي الله عنه في قرية حسن بالبطائح، من أعمال واسط العراق سنة
512
هجرية وفي السابعة من عمره توفي أبوه في بغداد، فكفله السيد منصور
الرباني البطاحي فأحسن تربيته.
نسبه الشريف من جهة أمه
السيد أحمد الرفاعي بن السيدة فاطمة الأنصارية (وتتصل من جهة أمها
السيدة رابعة بنت السيد عبدالله الطاهر إلى الإمام الحسين بن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه) بنت الشيخ يحيى البخاري من جهة أمه أيضاً.
وهو يحيى بن علويه- ويقال: عاليه- بنت الحسن اللاع، بن محمد، بن
يحيى، بن الحسين ملك اليمن ومكة، بن القاسم، أبي محمد الرسي، بن
إبراهيم طبا طبا، بن إسماعيل بن إبراهيم - الغمر بن حسن المثنى بن
الإمام الحسن السبط، بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه: فإنه يتصل نسبه أيضاً بأمير
المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه، من جهة جده الإمام جعفر
الصادق لأن أم الإمام هي فروة بنت القاسم، بن محمد، بن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه.
نشأته العلمية ومشايخه رضي الله عنهم
درس القرآن العظيم وأتم حفظه وترتيله على الشيخ الورع المقرئ الشيخ
عبدالسميع الحربوني بقرية حسن (من واسط العراق)، وكان له من العمر
سبع سنين: وفي هذه السنة توفي أبوه في بغداد، وبعد وفاة والده كفله
خاله الباز الأشهب الشيخ منصور البطائحي، ونقله ووالدته وإخوته إلى
بلده نهر دقلي (من أعمال واسط). وأدخله على الإمام العلامة الفقيه
المقرئ المفسر المحدث الواعظ الصوفي الكبير الشأن الشيخ أبي الفضل
علي الواسطي رضي الله عنه، فتولى أمره، وقام بتربيته وتأديبه
وتعليمه. فبرع بالعلوم النقلية والعقلية وأحرز قصب السبق على أقرانه.
وكان يلازم درس خاله إذ الشيخ أبي بكر شيخ وقته وسلطان علماء زمانه.
كما كان يتردد على حلقة خاله الشيخ منصور الرباني. ويتلقى بعض العلوم
عن الشيخ عبدالملك الحربوني. حفظ كتاب التنبيه (فقه الشافعي) للإمام
أبي إسحق الشيرازي على ظهر قلب. وشرحه شرحاً جليلاً (يقال أنه ضاع في
واقعة التتر). واستغرق أوقاته بجمع المعارف الدينية. وقد أفاض الله
عليه من لدنه علماً خاصاً حتى رجع مشايخه إليه، وتأدب مؤدبوه بين
يديه.
وفي العشرين من عمره أجازه شيخه الشيخ أبوالفضل علي محدث واسط وشيخها
إجازة عامة بجميع علوم الشريعة والطريقة. وألبسه خرقته المباركة.
وأعظم شزنه، ولقبه: أبا العلمين (الظاهر والباطن) وانعقد عليه في
حياة مشايخه الإجماع، وافتقت كلمتهم على عظم شأنه ورفعة قدره. (من
كتاب البرهان المؤيد للإمام السيد أحمد الرفاعي الكبير- طبعة مكتبة
الحلواني دمشق- صفحة 4).
نسبه
منسوب إلى بني رفاعة قبيلة من العرب وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن
مات بها رحمه الله تعالى. وكانت انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق،
وشرح أحوال القوم، وكشف مشكلات منازلاتهم، وبه عرف الأمر بتربية
المريدين بالبطائح، وتخرج بصحبته جماعة كثيرة، وتتلمذ له خلائق لا
يحصون. ورثاه المشائح والعلماء وهو أحد من قهر أحواله، وملك أسراره،
وكان له كلام عال على لسان أهل الحقائق.،
وهو الذي سئل عن وصف الرجل المتمكن، فقال: هو الذي لو نصب له سنان على
أعلى شاهق جبل في الأرض، وهبت الرياح الثمان ما غيرته. وكان رضي الله
عنه يقول: الكشف قوة جاذبة بخاصيتها نور عين البصيرة إلى فيض الغيب،
فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية، حال مقابلتها المنيع
إلى فيضه. ثم يتقاذف نوره منعكساً بضوئه على صفاء القلب، ثم يترقى
ساطعاً إلى عالم العقل، فيتصل به اتصالاً معنوياً، له أثر في استفاضة
نور العقل على ساحة القلب. فيشرق نور العقل على إنسان عين السر، فيرى
ما خفي عن الأبصار موضعه، ودق عن الأفهام تصوره، واستتر عن الأغيار
مرآه. وكان رضي الله عنه يقول: الزهد أساس الأحوال المُرضِية،
والمراتب السنية. وهو أول قدم القاصدين إلى الله عز وجل، والمنقطعين
إلى اللّه، والراضين عن الله، والمتوكلين على الله. فمن لم يحكم
أساسه في الزهد لم يصح له شيء مما بعده.
وكان رضي الله عنه يقول: الفقراء أشراف الناس. لأن الفقر لباس
المرسلين، وجلباب الصالحين، وتاج المتقين، وغنيمة العارفين ومنية
المريدين، ورضا رب العالمين وكرامة لأهل ولايته، وكان يقول: الأنس
بالله لا يكون إلا لعبد قد كملت طهارته، وصفا ذكره، واستوحش من كل ما
يشغله عن الله تعالى. فعند ذلك آنسه الله تعالى به وأراده بحق حقائق
الأنس، فأخذه عن وجد طعم الخوف لما سواه. وكان رضي الله عنه يقول:
المشاهدة حضور بمعنى قرب مقرون بعلم اليقين، وحقائق حق اليقين.
وكان رضي الله عنه يقول: التوحيد وجدان تعظيم في القلب، يمنع من
التعطيل والتشبيه، وكان يقول: لسان الورد يدعو إلى ترك الآفات. ولسان
التعبد يدعو إلى دوام الاجتهاد. ولسان المحبة يدعو إلى الذوبان
والهيمان. ولسان المعرفة يدعو إلى الفناء والمحو. ولسان التوحيد يدعو
إلى الاثبات والحضور. ومن أعرض عن الإعراض أدباً، فهو الحكيم
المتأدب.
وكان رضي الله عنه يقول: لو تكلم الرجل في الذات والصفات، كان سكوته
أفضل. ومن خطي من قاف إلى قاف كان جلوسه أفضل وكان رضي الله عنه
يقول: لما مررت وأنا صغير على الشيخ العارف بالله تعالى عبدالملك
الخرنوتي أوصاني وقال لي يا أحمد احفظ ما أقول لك فقلت نعم فقال رضي
الله عنه:
ملتفت لا يصل، ومتسلل لا يفلح. ومن لا يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته
نقصان فخرجت من عنده وجعلت أكررها سنة، ثم رجعت إليه وقلت له: أوصني
فقال ما أقبح الجهل فخرجت من عنده وجعلت أكررها سنة، ثم رجعت إليه
وقالت له: أوصني فقال ما أقبح الجهل بالأولياء، والصلة بالأطباء،
والجفاء بالأحباء، ثم خرجت وجعلت أرددها سنة فانتفعت بموعظته. وكان
رضي الله عنه يقول: أكره للفقراء دخول الحمام، وأحب لجميع أصحابي
الجوع والعري والفقر والذل والمسكنة. وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك.
وكان يقول الشفقة على الإخوان مما يقرب إلى الله تعالى وكان رضي الله
عنه يقول: إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكله ذو كبد فاسألوني الدعاء
أدع لكم فإني حينئذ لي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشيخ
يعقوب رضي الله عنه لخادمه نظر سيدي أحمد رضي الله عنه إلى النخلة
فقال يا يعقوب انظر إلى النخلة لما رفعت رأسه جعل الله تعالى ثقل
حملها عليها، ولو حملت مهما حملت وانظر إلى شجرة اليقطين لما وضعت
نفسها ألقت خدها على الأرض جعل ثقل حملها على غيرها، ولو حملت مهما
حملت، لا تحس به. وكان رضي الله عنه يقول: الصدقة أفضل من العبادات
البدنية، والنوافل.
وكان رضي الله عنه يقول: أخوك الذي يحل لك أكل ماله بغير إذنه. هو الذي
تسكن نفسك إليه وتستريح.
وكان إذا رأى على فقير جبة صوف يقول له يا ولدي انظر بزي من تزييت وإلى
من قد انتسبت قد لبست لبسة الأنبياء، وتحليت بحلية الأتقياء هذا زي
العارفين فاسلك فيه مسالك المقربين وإلا فانزعه.
السابق
التالي
|