الــزهــد
فـي
الـدنـيـــا
يحكي أحد
تلاميذ أبي
حفص
النيسابوري
فيقول: كنت
أخاف الفقر مع
ما كنت ما
أملك من
المال، فقال
لي يوماً أبو
حفص: إن قضى
الله عليك
الفقر لا يقدر
أحد أن يغنيك،
فذهب خوف
الفقر من قلبي
رأسا. وكان
أبو حفص يقول: الكرم
طرح الدنيا
لمن يحتاج
إليها
والإقبال على
الله
لإحتياجك
إليه. كما كان
يقول: من رأى
فضل الله عليه
في كل حال
أرجو ألا يهلك.
وسُئل رضي
الله عنه: من
الرجال ؟ فقال:
القائمون مع
الله تعالى
بوفاء
العهود، قال تعالى
{رجال صدقوا
ما عاهدوا
الله عليه}. وكان
رضي الله عنه
يقول: ما أعز
الفقر إلى
الله وأذل
الفقر إلى
الأشكال. ويذكرنا الله بافتقارنا إليه
فيقول عزّوجل {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، إن يشاء
يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز}.
ويقول سيدي منصور بن عمار: سبحانه من جعل قلوب العارفين
أوعية الذكر، وقلوب أهل الدنيا أوعية الطمع، وقلوب الزاهدين أوعية التوكل، وقلوب
الفقـراء أوعية القناعة، وقلوب المتوكلين أوعية الرضا.
والزهد عند السادة الصوفية هو ألا تفرح بموجود في
الدنيا ولا تحزن على مفقود فيها عملاً بقوله {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا
بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} وهم يقولون إن المؤمن قد يملك الدنيا ويزهد
فيها، فإذا سألتهم عن الأمثلة قالوا لك انظر إلى الخلفاء الـراشدين أو إلى عمر
بن عبد العـزيز، فهؤلاء ملكوا المشارق والمغارب ولكنهم لم يفتنوا
بمـلك الدنيا، ونظروا إلى الآخرة، وعملوا لها ما وسعهم الجهد
البشـري، فحكموا نفوسهم، ولم تحكمهم نفوسهم، وقد جاء في حكمهم: نفسك كالدابة
إن ركبتها حملتك وإن ركبتك قتلتك.
ويقول شيخي
العارف بالله
سيدي الشيخ
علي عقل في
الهامة
المرتجل
محذراً من هوى
النفس، وكان
أحد الحاضرين
قد سأله أن
يرتجل على وزن
البيت الآتي
وقافيته:
عجباً لها
تهوَى الذي
تهوِي به
دونَ الذي تعلو به في ذاتهـا
فأجاب رضي
الله عنه فوراً
بما يبهر
العقول في وصف
النفس وبما
يؤكد للسامعين
أن إلهامه من
عطاء الله
تعالى لأوليائه:
(عجباً
لها تهوى الذي
تهوى به)
كم عالم قد
ذل مــن
نزعاتـها
تنأى عن الإصلاح طولَ حياتها
وتواصل
الإقبال في
شهواتـهـا
وقفتْ على
الدينار حسنَ
بلائها
فأمالَهـا
عن
هديـِـها
وهداتِها
قد رحَّبت بالسيئاتِ مـريضـةً
وتضجُّ إن
دُعيت إلى
حسناتِـها
والنفس
أعدى صاحبٍ
تُبلى به
قد
أدخلـتنا
النـار من
رغباتِها
إن جنتَ
تنصحُها
تضلُّ
طريقَها
وإذا تركتَ
غرقتَ في
حسراتِها
ومضى يتدفق
رحمه الله إلى
أن قال:
تَرضى تسفُّلَها لكـلِّ نقيصـةٍ
(دونَ
الذي تعلو به
في ذاتِها)
وقد قيل:
ولو كانت
الأرزاق تجري
على الحِجا
هلكن إذن مـن جهلهـنَّ الـهـائـم
ويقول في
هذا المعنى:
كل خلقِ
العباد عندي
سواءٌ
يفعلُ الله
فيه مـــا
يشاء
كم ذكيٌّ قد
عاش وهو فقيرٌ
وغبيٌّ يضفو عليه الثـراءُ
ويقل الشيخ ابن عطاء الله السكندري في صورة الإرشاد:
والذي يوجب لك رفع الهمة عما سوى الله علمك بأنه لم يخرجك إلى مملكته إلا وقد كفاك
ومنحك وأعطاك، فلم يبق لك حاجة عند غيره، كما يقول رضي الله عنه: متى أعطاك أشهدك
بره، ومتى منعك أشهدك قهره، فهو في كل ذلك متعرف إليك، ومقبل بوجود لُطفه عليك.
ويقول كذلك
رضي الله عنه: كفى
بك جهلاً أن
تحسد أهل
الدنيا على ما
أُعطوا وتشغل
قلبك بما
عندهم، فتكون
أجهل منهم، لأنهم
اشتغلوا بما
أُعطوا
واشتغلت أنت
بما لم تعط. ويقول
أيضاً: للزاهد
في الدنيا
علامتان،
علامة في
فقدها، وعلامة
في وجودها،
فالعلامة
التي في
وجودها
الإيثار
منها،
والعلامة
التي في فقدها
وجود الراحة
منها،
فالإيثار شكر
لنعمة
الوجدان،
ووجود الراحة
منها شكر لنعمة
الفقدان. ومن
الحور الطريف
الذي اطلعت
عليه، حوار
جرى بن رجل
وبين الصوفي
الكبير حاتم
الأصم، فقد قال
ذلك الرجل
لحاتم: من أين
تأكل ؟ فقال: من
خزائنه. فقال
الرجل: يلقي
عليك الرزق من
السماء ؟ فقال:
لو لم تكن
الأرض له لكان
يلقي علي
الرزق من السماء.
فقال الرجل: أنتم
تقولون
الكلام، فقال
حاتم: إنه لم
ينزل من
السماء إلا
الكلام. فقال
الرجل: أنا لا
أقوى على
مجادلتك. قال حاتم: لأن الباطل لا يقوم
مع الحق.
رانيا
الشيخ
|