رحيق  أزهاري

من وحي علموا عني - 1

بالحقائق ناطقين

رحيق  أزهاري

 

الــزهــد فـي الـدنـيـــا

يحكي أحد تلاميذ أبي حفص النيسابوري فيقول: كنت أخاف الفقر مع ما كنت ما أملك من المال، فقال لي يوماً أبو حفص: إن قضى الله عليك الفقر لا يقدر أحد أن يغنيك، فذهب خوف الفقر من قلبي رأسا. وكان أبو حفص يقول: الكرم طرح الدنيا لمن يحتاج إليها والإقبال على الله لإحتياجك إليه. كما كان يقول: من رأى فضل الله عليه في كل حال أرجو ألا يهلك. وسُئل رضي الله عنه: من الرجال ؟ فقال: القائمون مع الله تعالى بوفاء العهود، قال تعالى {رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}. وكان رضي الله عنه يقول: ما أعز الفقر إلى الله وأذل الفقر إلى الأشكال. ويذكرنا الله بافتقارنا إليه فيقول عزّوجل {يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، إن يشاء يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز}.

ويقول سيدي منصور بن عمار: سبحانه من جعل قلوب العارفين أوعية الذكر، وقلوب أهل الدنيا أوعية الطمع، وقلوب الزاهدين أوعية التوكل، وقلوب الفقـراء أوعية القناعة، وقلوب المتوكلين أوعية الرضا.

والزهد عند السادة الصوفية هو ألا تفرح بموجود في الدنيا ولا تحزن على مفقود فيها عملاً بقوله {لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} وهم يقولون إن المؤمن قد يملك الدنيا ويزهد فيها، فإذا سألتهم عن الأمثلة قالوا لك انظر إلى الخلفاء الـراشدين أو إلى عمر بن عبد العـزيز، فهؤلاء ملكوا المشارق والمغارب ولكنهم لم يفتنوا بمـلك الدنيا، ونظروا إلى الآخرة، وعملوا لها ما وسعهم الجهد البشـري، فحكموا نفوسهم، ولم تحكمهم نفوسهم، وقد جاء في حكمهم: نفسك كالدابة إن ركبتها حملتك وإن ركبتك قتلتك.

ويقول شيخي العارف بالله سيدي الشيخ علي عقل في الهامة المرتجل محذراً من هوى النفس، وكان أحد الحاضرين قد سأله أن يرتجل على وزن البيت الآتي وقافيته:

عجباً لها تهوَى الذي تهوِي به       دونَ الذي تعلو به في ذاتهـا

فأجاب رضي الله عنه فوراً بما يبهر العقول في وصف النفس وبما يؤكد للسامعين أن إلهامه من عطاء الله تعالى لأوليائه:

(عجباً لها تهوى الذي تهوى به)             كم عالم قد ذل مــن نزعاتـها

تنأى عن الإصلاح طولَ حياتها          وتواصل الإقبال في شهواتـهـا

وقفتْ على الدينار حسنَ بلائها          فأمالَهـا عن هديـِـها وهداتِها

قد رحَّبت بالسيئاتِ مـريضـةً          وتضجُّ إن دُعيت إلى حسناتِـها

والنفس أعدى صاحبٍ تُبلى به          قد أدخلـتنا النـار من رغباتِها

إن جنتَ تنصحُها تضلُّ طريقَها         وإذا تركتَ غرقتَ في حسراتِها

ومضى يتدفق رحمه الله إلى أن قال:

تَرضى تسفُّلَها لكـلِّ نقيصـةٍ           (دونَ الذي تعلو به في ذاتِها)

وقد قيل:

ولو كانت الأرزاق تجري على الحِجا         هلكن إذن مـن جهلهـنَّ الـهـائـم

ويقول في هذا المعنى:

كل خلقِ العباد عندي سواءٌ         يفعلُ الله فيه مـــا يشاء

كم ذكيٌّ قد عاش وهو فقيرٌ         وغبيٌّ يضفو عليه الثـراءُ

ويقل الشيخ ابن عطاء الله السكندري في صورة الإرشاد: والذي يوجب لك رفع الهمة عما سوى الله علمك بأنه لم يخرجك إلى مملكته إلا وقد كفاك ومنحك وأعطاك، فلم يبق لك حاجة عند غيره، كما يقول رضي الله عنه: متى أعطاك أشهدك بره، ومتى منعك أشهدك قهره، فهو في كل ذلك متعرف إليك، ومقبل بوجود لُطفه عليك.

ويقول كذلك رضي الله عنه: كفى بك جهلاً أن تحسد أهل الدنيا على ما أُعطوا وتشغل قلبك بما عندهم، فتكون أجهل منهم، لأنهم اشتغلوا بما أُعطوا واشتغلت أنت بما لم تعط. ويقول أيضاً: للزاهد في الدنيا علامتان، علامة في فقدها، وعلامة في وجودها، فالعلامة التي في وجودها الإيثار منها، والعلامة التي في فقدها وجود الراحة منها، فالإيثار شكر لنعمة الوجدان، ووجود الراحة منها شكر لنعمة الفقدان. ومن الحور الطريف الذي اطلعت عليه، حوار جرى بن رجل وبين الصوفي الكبير حاتم الأصم، فقد قال ذلك الرجل لحاتم: من أين تأكل ؟ فقال: من خزائنه. فقال الرجل: يلقي عليك الرزق من السماء ؟ فقال: لو لم تكن الأرض له لكان يلقي علي الرزق من السماء. فقال الرجل: أنتم تقولون الكلام، فقال حاتم: إنه لم ينزل من السماء إلا الكلام. فقال الرجل: أنا لا أقوى على مجادلتك. قال حاتم: لأن الباطل لا يقوم مع الحق.

رانيا الشيخ

 

من وحي علموا عني - 1

فراسة المؤمن فى الصدر مصباح ألا وهو القلب {المصباح فى زجاجة} النور 35 ، الزجاجة هذه إذا أنشغل الإنسان بالدنيا تسمى (هم)، وإذا إتبع إبليس تسمى (هوى)، وإذا إتبع ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسمى (همة)، (وعلو الهمة من الإيمان)، وإذا إنصبغ القلب بنور الإسم الله تسمى(فراسة)، (إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) صدقت ياسيدى يارسول الله . . أخرجه الترمزى ـ ويوضح ذلك باقى الآيه، {يوقد من شجرة مباركة زيتونة} ولو كانت فعلا زيتونة لكانت توصف بالشرقية والغربية لأن أشجار الزيتون تنبت هناك، ولكن الله سبحانه وتعالى نوه عن التقيد بالجهات، فقال (لاشرقية ولا غربية).ولا يمينية ولا شمالية ولا فوقية. . الخ. يعنى غير مقيد بجهة، {يكاد زيتها يضئ} من شدة نورها ولو لم تمسسه نار إنما هى {نور على نور}، ثم للمؤمنين العباد يقول سبحانه {يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شئ عليم} . ثم فى بيوت، أى قلوب إنظر إلى قوله (ما وسعنى أرضى ولا سمائى ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن) ونستكمل.{ فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال v رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة} والمقصود هنا هو ذكر القلب. وقال جل جلاله {رفيع الدرجات ذو العرش يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده} غافر 15، لكى {ينذر يوم التلاق} أى يؤذن له بالإرشاد، أى يخدم فى دين سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم ويهدى الضالين.

بعد الإشارة إلى نور الله الذى ينظر به والذى يطلق عليه الفراسة. فهناك من السير والأمثله الكثير، ومنها بينما سينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا عمر رضي الله عنه فى طريقهم، إذا بسيدنا عمر يقول: يارسول الله دعنى أضرب عنق هذا، ويشير إلى رجل بالطريق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك، لماذا؟، قال رضي الله عنه: أرى أثار الزنا بين عينيه. قال رسول الله: أوحى بعد الرسل يا عمر رضي الله عنه: قال: لا يا رسول الله إنما هى فراسة مؤمن. فقال رسول الله (إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)، والإشاره هنا إلى نور الإسم الله، ومنها أن سيدنا جبريل كان يخبر سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم بالآية الخاصة بالتكوين الفطرى. . . نطفه، علقه، مضغه ثم سكت سيدنا جبريل برهة، سيدنا عثمان رضي الله عنه قال مباشرة: {فتبارك الله أحسن الخالقين}. . . وبعد ذلك سيدنا جبريل يخبر سيدنا النبىبتكملة الآية {فتبارك الله أحسن الخالقين}، سيدنا النبى صلى الله عليه وسلم قال لسيدنا عثمان رضي الله عنه: أوحى بعد الرسل ياعثمانفقال: لا يارسول الله إنما هى فراسة مؤمن، فقال سيدنا رسول الله (إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)، ومنها القصة الشهيرة بسيدنا عمر رضي الله عنه وهو يخطب الجمعة إذ قطع الخطبة وقال بصوت مرتفع ياسارية الجبل، وتعجب من بالمسجد. وكان يعرف القصة، عندما عاد سيدنا سارية من موقعة كان هو قائد الجيش فيها، وكاد المسلمون أن ينهزموا، لولا أنه لجأ إلى الجبل بعد أن سمع صوت سيدنا عمر يأمره بالتوجه إلى الجبل، وبعد أن توجه إلى الجبل تمكن من الأعداء وتحقق النصر للمسلمين، فبأى نور رأى سيدنا عمر ؟ سيدنا سارية ؟ والجيش والمعركة، وهم على مسافة الاف الأميال وهو داخل المسجد، أنه نور الله.

لطفى عيد

بالحقائق ناطقين

الصراع بين جيلين

البيت العربي الآن يجمع بين نقيضين؛ ممثلون وممثلات للجيل القديم وممثلون وممثلات للجيل الحديث والصراع على أشدِّه بين من ولدوا في مطلع القرن العشرين وبين من ولدوا في أواخره، بين من ركبوا القطار البخاري ومن ركبوا الطائرة، بين من عاشوا أعمارهم في القرى النائية ومن زاروا أمريكا وأوروبا بين من لم يعرفوا غير الراديو ومن يقضون الساعات الطوال يطالعون صفحات الإنترنت، بين خريجي الكتاب والخلاوي وبين خريجي الجامعات الأميركية ؛ كلٌّ يريد أن يفرض أسلوبه في الحياة، لم يعد لفارق السن معنى وسقط توقير الكبير. لكلٍّ منهم أسلوبُ حياةٍ يريد أن يفرضه على الآخر.

فيم الخلاف ؟

لنقصر اهتمامنا هاهنا على الجنس اللطيف فبين الجدة والأم من جانب والابنة والحفيدة من جانب آخر حرب طاحنة، بين الأكمام الطويلة والقصيرة صدام، الشعور الطويلة والشعور القصيرة صراع بين الحجاب وبين الميني الجيب نزاع، كل شيءٍ صار موضع خلاف: الملابس، الطعام، أماكن النزهة، برامج القنوات الفضائية، العلاقة بين الجنسين معارك ليس لها آخر.

كــلٌّ يؤيــِّد دينـَــه       ياليتَ شعري ما الصحيح؟

أين علماء النفس وعلماء الاجتماع من كلِّ هذا؟ كيف يفسِّرون هذه الظواهر ولمن يقدِّمون النصح ؟

إن الدين والعرف والتذمم يقضي علينا أن نراعي خاطر الكبار فتوقير الكبير واجب ديني بغيره يخرج الإنسان عن دائرة المجتمع المسلم (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقِّر كبيرنا) فالكبار لهم اليد العليا فهم الذين أرضعوا وهم الذين ربوا وعلموا وشابوا في سبيل التنشئة والتربية فطاعتهم واجبة شرعاً وعُرفاً.

والخطاب موجَّهٌ لكلِّ شابَّةٍ ؛ إنَّ الطفرة محال ولا يمكن لإنسان مهما بلغت قدراته وقناعته بمعتقداته أن يغيِّر مجتمعا نشأ ودرج على أعرافٍ وتقاليد سادت عليه الحقب الطوال فهناك حلقةٌ مفقودة بين الجيلين لا بدَّ من إيجادها أولا وقد قيلَ: لا جديد لمن لا قديم له، فلتفهمي أوَّلا مكوِّنات هذا المجتمع من أعراف وعادات وتقاليد وتدرسيها جيِّدا، ثم ابني عليها إن شئتِ ولا ترفضيها جملة واحدة فهذا من المحال ولن تفلحي، يمكنك أن ترفضي القيم والأخلاق وتسيري في الأسواق كاسية عارية ناشرة شعرك مائلةً مميلةً قد وضعتِ يدك في يد شاب، قد تتحلين حينئذٍ بالجرأة التي يتحلَّى بها الخارج على القانون ولكنك أيضاً تشعرين بالوحشة التي يشعر بها لمفارقته الجماعة.

والنصح مقدَّم لكلِّ والدٍ ألا يشغله الركض وراء المعايش عن الجلوس مع أبنائه ومناقشة آرائهم وتقديم النصح لهم، وعلى الآباء ألا يفرطوا في ثقتهم بأبنائهم كما يدَّعي البعض فيرسلونهم إلى البلد الغربية وحدهم يدَّعون أنَّ أبنائهم يملكون القوَّة على مواجهة التيَّار، والنصيحة موجَّهةٌ لكلٍّ أبٍ وأم أن يتلطَّفوا في توجيه كلِّ من يظهر شذوذاً وتمرُّدا على أعراف الأسرة أو على أعراف المجتمع فالعنف مرفوض والرفق والموعظة الحسنة أجمل وبالصبر والملاينة يردُّ الراعي الشاة القاصية إلى القطيع.

إن البعد المفقود بين هذين الجيلين يمكن أن يرتق بإيجاد قاعدة مشتركة يرتضيها كلٌّ من الطرفين وهذه القاعدة بالطبع لا يمكن إلا ان تكون قاعدةً روحية أساسها العقيدة والمحبة المتبادلة التي هي أصل الدين.

هادية محمد الشلالي