من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني - 16

افهموا وتفقهوا

 

من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني - 16

وأوردت التخلف سنة من السنين فرأيت سيدي أحمد رضي الله عنه ومعه جريدة خضراء وهو يدعو الناس من سائر الأقطار والناس فقال الوجع لا يمنع المحب؟ ثم أراني خلقاً كثيراً من الأولياء وغيرهم الأحياء والأموات من الشيوخ والزمني بأكفانهم يمشون ويزحفون معه يحضرون المولد ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الافرنج مقيدين مغلولين يزحفون علي مقاعدهم فقال انظر إلى هؤلاء في هذا الحال ولا يتخلفون فقوي عزمي على الحضور فقلت له إن شاء الله تعالى نحضر فقال لا بد من الترسيم عليك فرسم علي سَبعين عَظيمين أسودين كالأفيال وقال لا تفارقاه حتى تحضرا به فأخبرت بذلك سيدي الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه فقال سائر الأولياء يدعون الناس بقصادهم وسيدي أحمد رضي الله يدعو الناس بنفسه الى الحضور ثم قال إن سيدي الشيخ محمد السروي رضي الله عنه شيخي تخلف سنة عن الحضور فعاتبه سيدي أحمد رضي الله عنه وقال موضع يحضر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معه وأصحابهم والأولياء رضي الله عنهم ما تحضره فخرج الشيخ محمد رضي الله عنه إلى المولد فوجد الناس راجعين وفات الاجتماع فكان يلمس ثيابهم ويمر بها على وجهه انتهى. وقد اجتمعت مرة أنا وأخي أبوالعباس الحريثي رحمه الله تعالى بولي من أولياء الهند بمصر المحروسة. فقال رضي الله عنه ضيفوني فإني غريب وكان معه عشرة أنفس فصنعت له فطيراً وعسلاً فأكل فقلت له من أي البلاد فقال من الهند فقلت ما حاجتك في مصر فقال حضرنا مولد سيدي أحمد رضي الله عنه فقلت له متى خرجت من الهند فقال خرجنا يوم الثلاثاء فنمنا ليلة الأربعاء عند سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وليلة الخميس عند الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه ببغداد وليلة الجمعة عند سيدي أحمد رضي الله عنه بطنطا. فتعجبنا من ذلك. فقال الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله تعالى عز وجل واجتمعنا به يوم السبت انفضاض المولد طلعت الشمس فقلنا لهم من عرفكم بسيدي أحمد رضي الله عنه في بلاد الهند فقالوا يالله العجب أطفالنا الصغار لا يحلفون إلاببركة سيدي أحمد رضي الله عنه بطنطا. فتعجبنا ذلك. فقال الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله تعالى عز وجل واجتمعنا به يوم السبت انفضاض المود طلعت الشمس فقلنا لهم من عرفكم بسيدي أحمد رضي الله عنه في بلاد الهند فقالوا يالله العجب أطفالنا الصغار لا يحلفون إلا ببركة سيدي أحمد رضي الله عنه وهو من أعظم إيمانهم وهل أحد يجهل سيدي أحمد رضي الله عنه، إن أولياء ما وراء البحر المحيط وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده رضي الله عنه وأخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه أن شخصاً أنكر حضور مولده فسلب الإيمان فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام فاستغاث بسدي أحمد رضي الله عنه فقال بشرط أن لا تعود فقال نعم، فرد عليه ثوب إيمانه. ثم قال له وماذا تنكر علينا قال اختلاط الرجال والنساء فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه ذلك واقع في الطواف ولم يمنع أحد منه ثم قال وعزة ربي: ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته.

وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار وأحميهم من بعضهم بعضاً أفيعجزني الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي؟ وحكى لي شيخنا أيضاً أن سيدي الشيخ أبا الغيث ابن كتيلة أحد العلماء بالمحلة الكبرى وأحد الصالحين بها كان بمصر فجاء إلى بولاق فوجد الناس مهتمين بأمر المولد والنزول في المراكب فأنكر ذلك وقال هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيهم صلى الله عليه وسلممثل اهتمامهم بأحمد البدوي فقال له شخص سيدي أحمد ولي عظيم فقال ثم في هذا المجلس من هو أعلى منه مقاماً، فعزم عليه شخص فأطعمه سمكاً، فدخلت حلقه شوكة، تصلبت فلم يقدر على نزولها بدهن عطاس ولا بحيلة من الحيل، وورمت رقبته حتى صارت كخلبة النحل، تسعة شهور، وهو لا يلتذذ بطعام ولا شراب ولا منام، وأنساه الله تعالى السبب، فبعد التسعة شهور ذكره الله بالسبب، فقال احملوني إلى قبة سيدي أحمد رضي الله عنه، فأدخلوه فشرع يقرأ سورة يس فعطس عطسة شديدة فخرجت الشوكة مغمسة دماً، فقال تبت إلى الله تعالى يا سيدي أحمد وذهب الوجع والورم من ساعته وأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية إبيار بالغربية، حضور أهل بلده إلى المولد، فوعظه شيخنا الشيخ محمد الشناوي فلم يرجع فاشتكاه لسيدي أحمد فقال ستطلع له حبة ترعى فمه ولسانه فطلعت من يومه ذلك وأتلفت وجهه ومات بها. ووقع ابن اللبان في حق سيدي أحمد رضي الله عنه فسلب القرآن والعلم والإيمان فلم يزل يستغيث بالأولياء فلم يقدر أحد أن يدخل في أمره فدلوه على سيدي ياقوت العرشي فمضى إلى سيدي أحمد رضي الله عنه وكلمه في القبر وأجابه وقال له: أنت أبو الفتيان رد على هذا المسكين رسماله فقال بشرط التوبة فتاب ورد عليه رسماله وهذا كان سبب اعتقاد ابن اللبان في سيدي ياقوت رضي الله عنه وقد زوجه سيدي ياقوت ابنته ودفن تحت رجليها بالقرافة رحمه الله تعالى. ووقعة ابن دقيق العيد وامتحانه لسيدي أحمد رضي الله عنه مشهورة. وهو أن الشيخ تقي الدين أرسل إلى سيدي عبدالعزيز الديريني رضي الله عنه. قال له امحن لي هذا الرجل الذي اشتغل الناس بأمره عن هذه المسائل فإن أجابك عنها فهو ولي الله تعالى فمضى إليه سيدي عبدالعزيز وسأله عنها فأجاب عنها بأحسن جواب. وقال هذا الجواب مسطر في كتاب الشجرة فوجدوه في الكتاب كما قال وكان سيدي عبدالعزيز إذا سئل عن سيدي أحمد رضي الله عنه يقول هو بحر لا يدرك قرار. وأخباره ومجيئه بالأسرى من بلاد الأفرنج، وإغاثة الناس من قطاع الطريق. وحيلولته بينهم، وبينهم وبين من استنجد به، لا تحويها الدفاتر رضي الله عنه قلت وقد شاهدت أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيراً على منارة سيدي عبدالعال رضي الله عنه مقيداً مغلولاً وهو مخبط العقل فسألته عن ذلك فقال بينما أنا في بلاد الأفرنج آخر الليل توجهت إلى سيدي أحمد فإذا أنا به فأخذني وطار بي في الهواء فوضعني هنا فمكثت يومين ورأسه دائر عليه من شدة الخطفة رضي الله عنه.

السيد أبوالحسن الشاذلي رضي الله عنه

نسبه

إنه قطب الزمان والحامل في وقته لواء أهل العيان. وهو الشيخ الإمام حجه الصوفية، علم المهتدين، زين العارفين، أستاذ الأكابر والمنفرد في زمانه بالمعارف السنية، والمفاخر، العالم بالله، والدال على الله، زمزم الأسرار، ومعدن الأنوار، والقطب الغوث الجامع تقي الدين أبوالحسن علي بن عبدالله بن عبدالجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن ورد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عرف بالشاذلي. منشؤوه بالمغرب الأقصى، ومبدأ ظهوره بشاذلة (بلدة على القرب من تونس وإليها نسب) حيث ولد سنة 395هـ له السياحات الكثيرة، والمنازلات الجليلة، والعلوم الغزيرة، لم يدخل في طريق الله حتى كان يعد للمناظرة، في العلوم الظاهرة، ذا علوم جمة،ذكره الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور رضي الله عنه في كتابه، وأثنى عليه الثناء الكبير، وذكره الشيخ قطب الدين القسطلاني رضي الله عنه. في جملة من لقيه من المشايخ. وأثنى عليه، وذكره الشيخ أبوعبدالله بن النعمان. وشهد له بالقطبانية، وذكره الشيخ عبدالغفار بن نوح رضي الله عنه، في كتابه الوحيد، وأثنى عليه لم يختلف في قطبانيته ذو قلب مستنير، ولا عارف بصير، جاء في هذا الطريق بالعجب العجاب، وشرع من علم الحقيقة الأطناب، ووسع للسالكين الرحاب. حتى لقد سمعت الشيخ الإمام مفتي المسلمين تقي الدين محمد بن علي القشيري رحمه اللّه يقول: ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه وأخبرني الشيخ العارف مكين الدين الأسمر رضي الله عنه أنه قال: حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشـيخ الإمام مفتي الأنام عز الديـن بن عبدالسلام. والشيخ مجد الدين بن تقي الدين علي بن وهب القشيري المدرس، والشيخ محيي الديـن بن سـراقة. والشيخ مجد الدين الأخميمي، والشيخ أبوالحسن الشاذلي رضي الله عنهم. ورسالة القشيـري تقرأ عليهم. وهم يتكلمون والـشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم فقالوا يا سيـدي نريد أن نسمع منك. فقال أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم. فقالوا لا بد أن نسمع منك. قال فسكت الشيخ ساعة. ثم تكلم بالأسرار العجـيبة والعلوم الجليلة فقام الشيخ عز الدين وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه وقال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله.

السابق  التالي 

 

افهموا وتفقهوا

الوضــوء

جعل الإسلام من شرط صحة الصلاة الوضوء، وهو طهارة بالماء يتعلق بأعضاء معينة، وقد جاء الأمر به واشتراطه للصلاة في الكتاب والسنة قال الله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) سورة المائدة آية 6. وروى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ). وقد أجمع المسلمون في كل أجبالهم على مشروعية الوضوء وأنه شرط لصحة الصلاة، وبذلك يصبح الوضوء أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.

حكمته شرع الإسلام الوضوء لمقاصد كثيرة يصلح بها الجسم وتستقيم النفس، فهو عبارة لها آثارها العظيمة في حياة الفرد والمجتمع. فالوضوء في ذاته نظافة متكررة تقي الإنسان كثيراً من الأمراض وتعوده التطهر والنقاء من الأرجاس المادية، وتنشطه وتدفعه إلى العمل والمثابرة.

كما أنه طهارة روحية ترمز إلى أن يتخلص المتوضئ من آثامه وأن يباعد نفسه عن الدنس والخطيئة. وهذا مغزى الحديث الشريف الذي يصور أن الوضوء يغسل الخطايا ويكفر الذنوب، فهو عمل إرادي يوجه المسلم إلى تطهير نفسه وجسمه.

يقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: (إذا توضأ العبد فمضمض خرجت الخطايا من فيه، فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظافر يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظافر رجليه، ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة) رواه مالك والنسائي وابن ماجة والحاكم.

وهو تصوير جميل لتطهير الوضوء للنفس والجسم حتى ليصبح في ذاته عبادة لها أجرها أثرها. وفي حديث آخر يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه: (وطهور الرجل لصلاته يكفر الله بطهوره ذنوبه وتبقى صلاته له نافلة) رواه أبو بعلي والبزار.

بل أن الوضوء سمة من سمات الأمة الإسلامية وخصيصة من خصائصها، وهو علامة لها يوم القيامة. وفي هذا يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه عن أمته: (.. فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض) أي سابقهم إليهم.

ولهذا جعل الإسلام الوضوء بين يدي كل أمر عظيم كقراءة القرآن والطواف بالبيت وغير ذلك من العبادات والقربات.

فرائض الوضوء حدد القرآن الكريم فرائض الوضوء وبينت السنة النبوية ما يضاف إليها مما يفهم من الآية أيضاً:

(1) فأول الفرائض النية، وهي شرط في كل عمل يجب على المكلفين لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى). ومحل النية القلب ولا يشترط التلفظ بها، بل هو غير مشروع، لما قد يؤدي إليه من الخطأ في اللفظ أو الوسوسة. وعلى المسلم أن يستشعر النية في قلبه ويتجه إلى العمل فيكفيه ذلك.

(2) والفرض الثاني غسل الوجه مرة واحدة، والمقصود بالغسل إسالة الماء عليه حتى يعمه من كل حدوده أعلى وأسفل ويميناً وشمالا.

(3) غسل اليدين إلى المرفقين، ويدخل المرفقان فيما يجب غسله، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

(4) مسح الرأس، والمقصود إصابة جزء منه بالبلل والأكمل مسح الرأس كله.

(5) غسل الرجلين مع الكعبين، لما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

(6) الترتيب بين الفرائض على الوجه المذكور، لأنها جاءت في الآية مرتبة، وعلى ذلك كان هدف النبي صلى الله عليه وسلم.

تلك هي الفرائض التي لا يصح الوضوء إلا بفعل جميعها فإذا ترك منها فرض بطل الوضوء.

أما سنن الوضوء فهي التسمية في أوله، والسواك، وغسل الكفين ثلاثاً في أول الوضوء، والمضمضة ثلاثا، والاستنشاق والاستنثار ثلاثا، وتخليل اللحية بالماء، وكذلك الأصابع، أي غسل ما بينها، وتثليث الغسل، والبدء بغسل اليمين، والتدليك وهو إمرار اليد على العضو مع الماء أو بعده، والمتابعة بين الأعضاء في الغسل ومسح الأذنين.

وهذه سنن لا يلزم فعلها ولا يعاقب تاركها، ولكنها مستحبة استكمالاً للطهارة ومتابعة للرسول في هديه الكريم.

محمد الحسن ود الفكى