التبرك 2

قوت القلوب - 3

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

 

التبرك 2

بعد أن بينا الآيات فهذه الأحاديث الدالة على التبرك:

أخرج الأمام الطبرانى بإسناده عن عبادة بن الصامت رضى الله عنهم أجمعين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما - وحضر رمضان ـ: (أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيراً فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله عز وجل)، وروي عن سيدنا سلمان رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: (يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر) (رواه بن خزيمة)، روي عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة) (رواه البخاري ومسلم)، وعن العرياض بن سارية رضي الله عنهم قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان فقال: (هلم إلى الغذاء المبارك) (رواه أبو داوود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان).

وأخرج الطبراني بإسناده عن سلمان ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البركة في ثلاثة في الجماعة والثريد والسحور).

تبرك الصحابة برسول الله
صلى الله عليه وسلم

التبرك بجسده: عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن أبيه قال: كان أسيد بن حضيرـ رضي الله عنه ـ رجلا صالحاً ضاحكاً مليحا، فبينما هو عند رســول الله صلى الله عليه وسلم يحدث القوم ويضحكهم طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته فقال: (أوجعتني)، قال صلى الله عليه وسلم: (إقتص)، قال: (يا رسول الله إن عليك قميصاً ولم يكن عليّ قميص)، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه ثم جعل يقبل كشحه فقال: (بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أردت هذا). (رواه الطبراني وقال الحاكم حديث صحيح ووافقه الذهبي ورواه بن عساكر وأبي داوود).

التبرك بدمه: روي الطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خالط دمه دمي لا تمسه النار) (رواه الطبراني وسعيد بن منصور وصححه الهيثمي).

التبرك بجبته: روي الإمام مسلم عن أسماء بنت أبي بكر أنها أخرجت طيالسة كسروانية لها لبنة (بكسر اللام وسكون الباء)، أي رقعة في جيب القميص، ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج وقالت: (هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت عند عائشة رضي الله عنها فلما قبضت قبضتها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها، فنحن نغسلها للمرضي نستشفي بها) (رواه مسلم كتاب اللباس والزينة جـ 3 صفحة 140).

التبرك بهواء يمسكه في يده الشريفة: أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم النسيان لما يسمعه من حديثه الشريف، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أسمع منك حديثاً كثيراً فأنساه، فأحب ألا أنسي)، فقال صلى الله عليه وسلم: (إبسط ردائك)، فبسطه، فقذف صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة من الهواء في الرداء ثم قال: (ضمَّه)، فضمه، قال أبو هريرة: (فما نسيت شيئاً قط) (رواه البخاري في كتاب العلم - باب حفظ العلم).

بركة مسح النبي على ناصية الصحابي: روي الإمام أحمد أنه كان أبو محذورة لا يجذ ناصيته ولا يفرقها لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها (رواه البيهقي والدار قطني والإمام أحمد وبن حبان والنسائي).

التبرك ببصق النبي: روي عن مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي الخزرجي عن أبيه عن جده أبي أسيد وله بئر بالمدينة يقال لها بئر بضاعة قد بصق فيها النبي صلى الله عليه وسلم فهو يشربها يتيمن بها (رواه الطبراني ورجاله ثقاة)...

وللحديث بقية،،

طارق محمود محمد
الإسكندرية

 

قوت القلوب - 3

وحسبنا يا أخي المؤمن لبيان أهمية الزكاة ذكر ما جاء عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه آله وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفره من كفره من العرب قال عمر لأبى بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إ له إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. فقال أبو بكر رضى الله عنه: لأ قاتلن من فرق الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه.

قال عمر رضى الله عنه: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.سنن النسائي، وكذا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث معاذا إلى اليمين فقال: إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى أن يشهدوا أن لااله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن أطاعوك في ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة فـي أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن هـم أطاعوك في ذلك فإياك ودعوة المظلوم فانه ليس لها من دون الله حجاب. سنن الد ارمي.

وأعلم يا أخي المؤمن أننا مطالبون بأن نطهر قلوبنا من آي شئ يدنسها حتى تصبح مؤهلة لتلقي الأنوار الإلهية - وطهارة القلب وتزكية الروح تأتي عن طريق محبة ومودة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم الطيبين الطاهرين:

فمن تزكى بنا زدناه تزكيـة      ومن أراد السوي كالعابد النار

وإما أن تأتي عن طريق الذكر ذكر الاسم الله والصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه آله وسلم مصداقا لقول الله عز وجل {قد أفلح من تزكى v وذكر أسم ربه فصلى}.

وإما أن تأتى عن طريق الأنفاق في سبيل الله مصداقا لقوله تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سمع عليم}. ويستفاد من هذا إن الأنفاق في سبيل الله سبب لطهارة القلب والبدن وسبب لتزكية الروح وسبب للسكينة والطمأنينة التي تعقب صلاة المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم على المنفق والسكن يعنى الرحمة كما قال سيدنا ابن عباس رضى الله عنه كما أن صلاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد عن حذيفة لتدرك الرجل وولده وولد ولده. ابن كثير - تفسير الآية السابقة أعلم يا أخي أن قوام الطريق على الحب والطاعة فإذا وجدت المحبة وجب وجود الطاعة وإن لم يكن هناك طاعة فلا ادعاء بوجود المحبة وقد قال الحق سبحانه وتعالى في كتابة الكريم {يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني) أخرجه البخاري عن أبى هريرة رضى الله عنه

قوام طريق القوم حب وطاعـة      وكل مقام قام بالاستقامــــة

فطاعة إبراهيم إن رمتـم الهدى      كمال عطائي بل نجاح المقاصد

يا سعد لقنهم حلاوة طاعـــة      كم كل فيها النصح والإرشــاد

من هذا يبدو جليا أنه إذا كان هناك حب لله ولرسوله صلى عليه وآله وسلم ولسادتنا الأكرمين رضوان الله عليهم أجمعين لابد وأن يقترن هذا الحب بالطاعة.فإذا كان المولى عز وجل قد أمرنا بالإنفاق في سبيله ورغبنا فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحثنا عليه مولانا الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضى الله عنه وذلك من خلال دروسه ومن خلال ما جاء في الدستور والمنهج الذي أرساه لنا حيث قال:

تلك الوصايا إنها دستوركم       حقب تمر ووجهها وضـاء

وقال رضى الله عنه:

ماذا عساكم فاعلين بـنـفـحـتـي        ولها قطوف قـد دنـت فـتـدلـت

وليس مريدي من عشي عن كلامنا             ولا قائل للنفس يـــا نفس مـالك

 

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

في الكلام والقول

الحمد لله الظاهر في المظاهر والباطن في البواطن ولذا كان لكل ظاهر باطن حتى الأماكن والمواطن فالكلام هو الموضوع بغير صوت ولاحرف فهوباطن القول الذي هو ظاهره بالصوت عند البهائم والطير والهوام والحرف عند البشر والأنام فالقرآن كلام الله وقول رسول كريم الذي كان يأتيه الوحي كصلصلة جرس إذا انفصم عنه وعاه أوعلى صورة رجل يكلمه به كلاما والكلام خفيّ على السامع جليّ للسميع مثل ما أن الروح خفيّة عن المبصر جلية للبصير {لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} وكل من تخلى فتجلى عليه الله بصفاته قد تجلى أي أن كل من تخلى عن الصفات النفسية الظاهرة وتحلى بالصفات الربانية الباطنة عليه الله بأسماء الصفات تجلى فصار سامعا سميعا ومبصرا بصيرا أوكما قال الحق في حديثه القدسي (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به) ونحن على أعتاب شراب الوصل لسيدي فخر الدين رضي الله عنه نقف عند قوله واصفا مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنه:

في جناحيه رحمتي ولديـه        عوض الوالدين يلقى اللطيم

في يمينيه قوتي ومراسـي         بلسانيه عالـم وعـلـيـم

وهذه الأبيات تنم عن جمع المتضادات للموصوف وجمع المتضادات أي الجمال والجلال وهذا ما يتم به الكمال، والجناحان للعزة والذلة (أعزة على الكافرين) (أذلة للمؤمنين) والرحمة صفة بلاغية هي أم للرحمانية والرحيمية فالرحمانية هي الرحمة الممزوجة بعذاب كالعمليات الجراحية لإنقاذ حياة الإنسان، ومنها القسوة على الأبناء لإصلاح اعوجاجهم وتربيتهم وتعليمهم

وقسا ليزدجروا ومن يك راحما        فليقسوا أحيانا على من يرحـم

ولما أراد وصفه بأنه صاحب بصر وبصيرة استخدم أسلوبا غير مباشر للإخبا بذلك فقال في يمينيه، ولكن ما علاقة اليدين بالبصيرة، نقول أن تحديد تلك اليد باليمنى والأخرى باليسرى جاء لأن الإنسان يبصر بوجهه من عينيه فتكون إحدى يدك يمنى والأخرى يسرى ولكن صاحب البصيرة يرى من خلفه كما يرى من أمامه قتكون يسراه يمنى.

ذات لها في نفسها وجهـان        للسفل وجه والعــلا للثاني

إن قلت واحـــدة صدقت        وإن تقل إثنان حقا إنه إثنان

أماقوله بلسانيه عالم وعليم فشدة تبيين بالمترادفات اللفظية ولكي نقترب من الفهم لابد من معرفة معنى العالم والعليم فبعض الناس يرون أن العليم صيغة للمبالغة في سعة العلم، ولكن العالم هو من انتفت عنه صفة الجهل بالكلية وبدا العلم كأنه غريزة فيه أي أنه صار في كل دروب العلم الظاهر في كل المظاهر، أما العليم فهو الذي يتحدث بباطن العلم وهي الحكمة كما قال صلى الله عليه وسلم (أنا مدينة العلم وعلى بابها) وقال أيضا (أنا دار الحكمة وعلى بابها)، وليس لدينا ما نشرح به مراد الشيخ في أبياته من مناقب مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنهما حينما وصفه في موطن آخر بقوله

فذانك إبراهيم بيتي ومعبدي         ومعدن فضلي وابن أم المعابد

وذانك إسم إشارة للإثنينية وهنا يقف البيان عاجزا عن التبيين، وصلاة وتسليما لسيد المرسلين.

د. الوسيلة درار