أبو سـَلـمَـة رضي الله عنه

الـمـحـبـة

أولياء الله على أرض مصر

 

أبو سـَلـمَـة رضي الله عنه

ابن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب السيد الكبير أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وابن عمته(برة بنت عبد المطلب) وأحد السابقين الأولين، هاجر إلى الحبشة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً ومات بعدها بأشهر، وله من الأولاد صحابة كعمر وزينب وغيرهما ممن ولدتهم له أم سلمة بالحبشة، مات أبو سلمة كهلاً في سنة ثلاث من الهجرة عليه رضوان الله.

قال أبو اسحاق: إن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى الحبشة ولنترك أم سلمة تروي لنا قصة هذه الهجرة فتقول: لما ضاقت مكة وأشتد الأذى بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وافتن المشركون في ألوان فتنهم ليفتنوهم عن دينهم، ورأى أصحاب رسول الله عليه صلوات الله أنه لا يستطيع دفع الأذى عنهم وإن كان هو في منعة من قومه ومن عمه، قال لهم الرسول الحكيم: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده، حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه، قالت أم سلمة: فخرجنا إليها إرسالاً حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار آمنين على ديننا ولم نخش فيها ظلما، فلما رأت قريش أنا قد أصبنا داراً وأمنا غاروا منا وبعثوا إلى النجاشي عمرواً بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة يحملان الهدايا إليه ليردنا عليهم، فلما أدخلا عليه وقدما إليه الهدايا قالا له: إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد جئنا إليك لتردهم على عشائرهم فغضب النجاشي ثم قال: لا لعمر الله لا أردهم عليهم حتى أدعوهم فأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجئوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أخل بينهم وبنيهم، فلما دخلوا عليه سلموا ولم يسجدوا له فقال: أيها الرهط ألا تحدثوني ما لكم لا تحيوني كما يحييني من أتانا من قومكم؟ (يعني بالسجود) فأخبروني: ماذا تقولوا في عيسى وما دينكم؟ أ نصارى أنتم؟ قالوا: لا، قال: أفيهود أنتم؟ قالوا لا، قال: أفعلى دين قومكم؟ قالوا لا،قال فما دينكم؟ قالوا الاسلام، قال وما الإسلام؟ قالوا نعبد الله لا نشرك به شيئا،قال من جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل من أنفسنا قد عرفنا وجهه ونسبه بعثه الله إلينا كما بعث الرسل إلى من قبلنا وأمرنا بالبر والصدقة والوفاء وأداء الأمانة، ونهانا أن نعبد الأوثان وأمرنا بعبادة الله وحده لا شريك له فصدقناه وعرفنا كلام الله وعلمنا أن الذي جاء به من عند الله، فلما فعلنا ذلك عادانا قومنا وعادوا النبي الصادق وكذبوه وأرادوا قتله وأرادونا على عبادة الأوثان ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا، قال النجاشي: والله إن هذا لمن المشكاة التي خرج منها أمر موسى، قال جعفر: وأما التحية فإن رسول الله أخبرنا أن تحية أهل الجنة السلام وأمرنا بذلك، فحييناك بالذي يحيى بعضنا بعضا، وأما عيسى بن مريم فعبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وابن العذراء البتول، فأخذ النجاشي عودا وقال: والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود فقال عظماء الحبشة ممن حضر، والله لئن سمعت الحبشة لتخلعنك فقال: والله لا أقول في عيسى غير هذا أبداً وما أطاع الله الناس فيّ حين رد عليّ ملكي أفأطيع الناس في دين الله؟ معاذ الله من ذلك. وقد روى ابن هشام هذه القولة الأخيرة عن النجاشي وفيها بعض الزيادة والتغيير: فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليّ ملكي ولا أطاع الناس في فأطيع الناس فيه.هذا ولما تعالم الناس أهل مكة أسلموا عند نزول سورة النجم، أسرع أبو سلمة وعثمان بن مظعون في العودة إليها فما رأيا كما سمعا وتهددهما المشركون بالتعذيب والقتل لولا أن أجار الوليد بن المغيرة وهو على شركه عثمان بن مظعون، وأجار أبو طالب أبا سلمة وما أسرع ما رد ابن مظعون على الوليد جواره وقال:

أحببت ألا استجيـر بغير الله       فإنه أعز وأقدر من يستجار به

وكان آخر من عاد من الحبشة بعد الهجرة إليها جعفر بن أبي طالب، قدم على رسول الله يوم فتح خيبر فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه والتزمه وقال: ما أدري بأيهما أنا أسر، بفتح خيبر أم بقوم جعفر؟

وكما كان أبو سلمة في طليعة المهاجرين إلى الحبشة كان كذلك في طليعة المهاجرين إلى المدينة فله الفخر كل الفخر أن يعد في كتاب الله من السابقين الأولين من المهاجرين وهذه أم سلمة تروي قصة الهجرة الثانية كما روت قصة الهجرة الأولى فتقول: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه وجعل معي ابني سلمة في حجري ثم خرج يقود بي بعيره فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوني منه، وجاء بنو عبد الأسد رهط أبي سلمة ونزعوا ولدي مني وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة وحده نحو المدينة، بعد إذ فرقوا بينه وبين زوجه وابنه، قالت أم سلمة: فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريباً منها، حتى مر بي رجل من بني عمي(أحد بني المغيرة) فرأى ما بي فرحمني فقال لبني المغيرة:ألا تخرجون من هذه المسكينة؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ قالت فقالوا لي: الحقي بزوجك ان شئت، فقالت: فرد بنو أسد إلى عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة وما معي أحد من خلق الله حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة فقال: إلى أين يا ابنة أبي أمية؟ قلت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أو ما معك أحد؟ قلت: ما معي أحد إلا الله وبني هذا، فقال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فو الله ما صحبت رجلاً من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه ولا أعف ولا أشرف، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأجر عني حتى إذا نزلت استأجر ببعيري فحط عنه ثم قيده في الشجر ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ثم استأخر عني وقال اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينزل بي فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية، وكان أبو سلمة بها نازلا، فادخليها على بركة الله ثم انصرف راجعاً إلى مكة، فكانت أم سلمة تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحباً قط كان أكرم من عثمان بن طلحة، وقد هاجر عثمان هذا بعد إسلامه عام الحديبية مع خالد بن الوليد عليهما رضوان الله. ولما اختار الله أبا سلمة إلى جواره سنة ثلاث من الهجرة وانقضت عدة زوجه أم سلمة نالت شرف زواجها من رسول الله عليه صلوات الله، كانت أم سلمة تروي عن زوجها أبي سلمة القول عند المصيبة ثم تقول: من خير أبي سلمة، وما ظنت أن الله يخلفها في مصابها به بنظيره، فلما فتح الله عليها بسيد البشر اغتبطت أيما اغتباط.

روى الرواة عن أم سلمة أن رسول الله قال: إذا حضرتم الميت فقولوا خيراً فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون. قالت أم سلمة فلما مات أبو سلمة قلت: يا رسول الله كيف أقول؟ قال: قولي اللهم أغفر له، وأعقبنا منه عقبى صالحة، فأعقبني الله خيراً منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكذلك قالت أم سلمة: قال رسول الله: إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك احتسبت مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني خيراً منها فلما احتـضر أبو سلمة قلت ذلك وأردت أن أقول: وأبدلني خيراً منها، فقلت: ومن خير من أبي سلمة؟ فلم أزل حتى قلتها، فلما انقـضت عدتي خطبني أبوبكر فرددته وخطبني عمر فرددته ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرحباً برسول الله عليه صلوات الله.

وقد روى بعض الرواة أن أبا سلمة لم يشهد بدراً وحدها بل شهد أحداً بعدها، وقد جرح بها وأقام شهراً يداوي جرحه ثم خرج في سرية عقد لواؤها ولما عاد إلى المدينة انتفض جرحه فمات سنة أربع، وقيل سنة ثلاث، عليه وعلى جميع المؤمنين من عباد الله صلوات ورحمات من الله.

 

الـمـحـبـة

عند ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترتبط كلمة الحبيب باسمه وشعورنا نحوه وهذا ليس فقط لحبنا له ولكن لأنه هو حبيب الله وكليمه الذي أتى بالرسالة الخاتمة للأمة جمعاء وكان أساسها (الحب والترابط والإخاء) لأن مع الحب يأتي التسليم فيكون قلب المحب لمن يحب واسعاً كبيراً، ويصبح مثل الإناء قد تهيّأ لأنْ يمتلئَ بالعلوم المحمدية والحقيقة الأحمدية العظيمة لتظهر بعد ذلك فيوضات وتجليات هذه العلوم على الروح البشرية لتزيل من عليها أعباء الدنيا الفانية فتنشرح الروح حتى تصبح كثيرة التأمل والتفكر في الخالق الأعلى ومعجزاته الإلهية بقدر كبير من الحيرة والعجز من الوصول إلى خبايا هذا الخلق العظيم فيصبح لزاما علينا الاجتهاد للاستيعاب والاجتهاد في هذا الموطن لا يكون لمحو المعاضي والسيئات ولا خوفاً من البارئ جلّ وعلا بل يريد حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلَّم أن نعبد الله مخلصين له الدين، محبة فيه وأن نداوم على المشاهدة والمراقبة، وهذه هي أعلى مراتب الدين ألا وهي مرتبة الإحسان، وهذه المرتبة لا نصلها ولن نصلها إلا بمحبة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهنا نذكر قول سيدنا أبي بكر الصديق عن ذكر محبته لرسول الله الجليل:

مـَرِضَ الحبيبُ فـزرتــه        فمَرِضْتُ من أسـفي عـليـه

شفـي الحبيبُ فـزارنــي         فشفيتُ من نظـــري إليـه

ومن الحب تأتي الطاعة والتسليم كي يقال (إن المحب لمن يحب مطيع) والطاعة هي التخلق بأخلاق النبي الكريم عليه أتم الصلاة وأفضل التسليم فإنه لما كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم هي مرتبة الإحسان وإن الاقتداء والتأسي به فرض على أهل ملته كان أشد الناس حباً له وأحرصهم على الإقتداء به هم أهل الله وأولياؤه الصالحون ومن ضمن هذه الصفوة المختارة الوارثة لهدى سيدنا محمد كان إمامنا ومولانا العالم العارف بالله الشيخ محمد عثمان عبده البرهان، المكنى بفخر الدين والذي خلفه من بعد ذلك حبيبنا الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني ثم أتى من بعد ذلك الوزير النائب الشيخ محمد الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني.

وجبتُ بلاد الله شرقاً ومغـربـــاً       بذرتُ بأقطار الأعاجم حنـطـتـي

دخلتُ قلوباً لم تــر الله خـالـقـاً       فصارت بفضل الله من أهل وحدتي

وإن قلوب المشركين بـربـِّهــم         إذا قلتُ بســم الله لله حـنــتِ

فأصبح للطريقة البرهانية عدد من الزوايا في مختلف أنحاء العالم وتنوعت الوفود وتشكلت ليست عربية فقط بل عربية وأجنبية يأتون في كل سنة للاحتفال بذكرى الإمام العارف بالله سيدي فخر الدين وخليفته الشيخ إبراهيم، فيكون في هذا اليوم جمع لشمل العالم المتفكك فيجلس كل الإخوة البرهانية أبيض وأسود وأصفر وأحمر، من الشرق ومن الغرب، الكل يجلس في هذا اليوم العظيم جنباً إلى جنب يحتفلون بذكرى شيخهم الجليل وهم مجردون من كل القيود والعقد الاجتماعية والطبقية المفروضة بين الشعوب والمجتمعات، ليكون التواصل بينهم هو المحبة والإخاء، المحبة التي اجتمعوا عليها كلهم محبة مشايخهم وأئمتهم الأجلاء ومحبة الرسول وآل بيته الكرام هذا الحب وهذه المحبة هي وحدها التي توصل الناس إلى محبة الله سبحانه وتعالى، إذن فإنًّ أساس هذا الجمع الكبير هو المحبة والطاعة كما قال سيدي فخر الدين في هذا الموطن:

قوام طرق القوم حبٌ وطاعةٌ      وكل مقـامٍ قــام بالاستقامة

رانيا الشيخ حمد

 

 

أولياء الله على أرض مصر

سيدي أحمد بن حجر العسقلاني رضي الله عنه

فهو رضي الله عنه أحمد بن علي محمد بن حجر العسقلاني الأصل المصري المولد، ولد على أرجح الأقوال في الثالث والعشرين من شعبان سنة 773هـ، وكان رضي الله عنه مرجع العلماء وحجة الفقهاء ولسان الحكماء وتهفو النفوس إلى مجالس وعظه.

وقد لُقب بالعسقلاني نسبة إلى أرض عسقلان مسقط رأس أجداده بفلسطين، وقد استقر أجداده في مصر بعد انتقالهم من عسقلان بأرض فلسطين في زمن السلطان صلاح الدين الأيوبي.

فقد أبويه وهو لا يزال صغيراً، وقد حفظ كتاب الله وهو في التاسعة من عمره، وله رضي الله عنه مؤلفات تربو على مائة وخمسين مصنفاً منها فتح الباري في شرح صحيح البخاري. توفي رضي الله عنه سنة 852هـ بمنزله بباب الشعرية وعمره 79 عاماً وكان يوم جنازته يوماً مشهوداً، وقد صلى عليه جمع غفير وحضر الصلاة عليه السلطانودفن في مقامه الحالي بناحية

الإمام الشافعي رضي الله عنهم أجمعين.

إشراف
الشيخ دسوقي الشيخ إبراهيم

السابق    التالي