واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

 

قصص

صدق الطلب وثمرته

حُكي أن عارفاً من أولياء الله تعالى قصد الحج وكان له ابن فقال له ابنه: إلى أين تقصد؟ فقال: إلى بيت الله. فظن الغلام أن من يرى بيت الله يرى رب البيت. فقال: يا أبي لما لا تحملني معك؟ فقال: أنت لا تصلح لذلك. فبكى الغلام فحمله معه. فلما بلغا إلى الميقات أحرما ولبيا ودخلا الحرم، فلما شاهدا البيت تحير الغلام عند رؤيته فخر ميتا. فدهش والده وقال: أين ولدي وقطعة كبدي؟ فنودي من زاوية البيت: أنت طلبت البيت فوجدته، وهو طلب رب البيت فوجد رب البيت، فرُفع الغلام من بينهم، فهتف هاتف: إنه ليس في القبر ولا في الأرض ولا في الجنة، بل هو في {مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مُقتدر} (القمر: 55).

إبراهيم بن أدهم ومحاورة
مع أعرابي

حُكي عن إبراهيم بن أدهم أنه كان يسير إلى بيت الله راجلاً فإذا أعرابي على ناقة فقال: يا شيخ إلى أين؟ فقال إبراهيم: إلى بيت الله. قال: كيف وأنت راجل لا راحلة لك؟ فقال: إن لي مراكب كثيرة. فقال: ما هي؟ قال: إذا نزلت عليَّ بليَّة ركبت مركب الصبر، وإذا نزلت عليَّ نعمة ركبت مركب الشكر، وإذا نزل بي القضا ركبت مركب الرضا، وإذا دعتني النفس إلى شئ علمت أن ما بقي من العمر أقل مما مضى. فقال الأعرابي: أنت الركب وأنا الراجل.

رفع الأذى من الطريق ودفع الأذى عن الناس

حُكي أن أبا منصور بن ذكير كان رجلاً زاهداً صالحا، فلما دنت وفاته أكثر البكاء فقيل له: لم تبكي عند الموت؟ قال: أسلك طريقاً لم أسلكه قط. فلما توفي رآه ابنه في المنام في الليلة الرابعة فقال: يا أبت ما فعل الله بك؟ فقال: يا بني إن الأمر أصعب مما تعد - أي: تظن - لقيت ملِكاً عادلاً أعدل العادلين، ورأيت خصماء مناقشين، فقال لي ربي: يا أبى منصور قد عمرتك سبعين سنة فما معك اليوم؟ فقلت: يا رب حججت ثلاثين حجة. فقال الله تعالى: لم أقبل منك. فقلت: يا رب تصدقت بأربعين ألف درهم بيدي. فقال: لم أقبل منك. فقلت: ستون سنة صمت نهارها وقمت ليلها. فقال: لم أقبل منك. فقلت: إلهي غزوت أربعين غزوة. فقال: لم أقبل منك. فقلت: إذاً هلكت. فقال الله تعالى: ليس من كرمي أن أعذب مثل هذا يا أبا منصور، أما تذكر اليوم الفلاني نحَّيت المدرة عن الطريق كيلا يعثر بها مسلم فإني قد رحمتك بذلك، فإني لا أضيع أجر المحسنين.

قال في (روح البيان): فظهر من هذه الحكاية أن دفع الأذى عن الطريق إذاً كان سبباً للرحمة والمغفرة، فلأن يكون دفع الأذى عن الناس نافعاً للدفاع يوم الحشر خصوصاً عدم الأذية للمؤمنين وخصوصاً للأهل والعيال.

ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).

حكاية في إصلاح المجرمين

قيل إن أحد الملوك كان متخفياً ليتفقد أحوال رعيته فرأى ثلاثة هاله أمرهم، فسألهم من أنتم؟ قالوا: نحن السارقون، وتقاسمنا الأيمان على حسن العشرة، ولكل منا مزية لا يدخل أحد معنا ما لم يكن له مثل مزايانا. قال: هاتوا ما عندكم. قال أحدهم: أنا أفري الحديد والخشب والحجر. وقال الآخر: وأنا أسحر الشرطة والأعوان فلا يروننا. وقال الثالث: وأنا أجر الأثقال وأحملها. فقال الملك: وأنا أخلصكم من كل شدة وورطة تقعون بها.

فأدخلوه معهم وذهبوا لسرقة خزينة الملك. فأتى فاري الحديد ففرى الحديد والأبواب والأحجار حتى وصلوا لمرادهم. وأما الآخر فسحر أعين الشرطة والحرس فلم يرهم أحد. ووجدوا طعاماً فاخراً فأكلوا منه حتى شبعوا. ثم ذهبوا ولم يسرقوا شيئا، فقال لهم الملك: ويلكم هذه خزينة الملك ولم لا نأخذها؟ فانهالوا عليه ضرباً وقالوا له: أيها الخائن أكلت طعام الملك ثم تخونه ! فلما انصرفوا عاد الملك لعمله، وأرسل من أحضرهم، واستخرج منهم سائر سرقاتهم ثم حكم عليهم بالإعدام ورجع لاستخفائه معهم، فقالوا: لقد حكم علينا الملك بالإعدام كما ترى، وقد نجوت أنت لأنك جديد فكيف تستعمل مزيتك وتخلصنا؟ قال: نعم، فخلا برئيس الشرطة والأعوان فأراه علامة الملك فخلى سبيل الجميع. ثم إن الملك أضمر في نفسه استعمالهم في أعماله، لما رأى من وفائهم، فسار يستعملهم واحداً بعد واحد، حتى أخذهم كلهم ثم كاشفهم بأمره فتابوا وكانوا أعوان خيرٍ وسلام. رضي الله عن أمثال هؤلاء الحكام.

 

نفحات وعبر

الإيثـار عنـد الأوليــاء

حُكي أن غلام الخليل سعى بالصوفية إلى خليفة بغداد، وقال: إنهم زنادقة فاقتلهم، ولك ثواب جزيل، فأحضرهم الخليفة وفيهم الجنيد والشبلي والنوري فأمر بضرب رقابهم، فتقدم أبو الحسين النوري. فقال السياف: أتدري إلامَ تبادر؟ فقال: نعم. فقال: وما يعجلك؟ فقال: أوثر أصحابي بحياة ساعة. فتحير السياف وأنهى الأمر إلى الخليفة، فتعجب الخليفة ومن عنده من ذلك فأمر بأن يختبر القاضي حالهم، فقال القاضي: يخرج إليَ واحد منهم حتى أبحث معه. فخرج إليه أبو الحسين النوري، فألقى إليه القاضي مسائل فقهية، فالتفت عن يمينه ثم التفت عن يساره، ثم أطرق ساعة، ثم أجابه عن الكل، ثم أخذ يقول: وبعد، فإن لله عباداً إذا قاموا قاموا بالله، وإذا نطقوا نطقوا بالله. وسرد كلاماً أبكى القاضي. ثم سأله القاضي عن التفاته فقال: سألتني عن المسائل ولا أعلم لها جوابا، فسألت عنها صاحب اليمين فقال: لا علم لي، ثم سألت عنها صاحب الشمال فقال: لا علم لي، فسألت قلبي فأخبرني قلبي عن ربي فأجبتك بذلك. فأرسل القاضي إلى الخليفة: إن كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الأرض مسلم.

طلب معرفة اسم الله الأعظم

حُكي أن بعضهم جاء إلى بعض المشايخ وخدمه وقال له: أريد أن تعلمني الاسم الأعظم. فقال له: وفيك أهلية له؟ قال: نعم. قال: اذهب إلى باب البلد ثم أخبرني بما جرى فيه. فذهب وجلس على باب البلد، فإذا بشيخ حطَّاب معه حطب على حمار فضربه جندي وأخذ حطبه ظلما. فلما رجع الرجل إلى الشيخ وأخبره بالقصة قال له الشيخ: لو كنت تعلم الاسم الأعظم ماذا تصنع بالجندي؟ قال: كنت أدعو عليه بالهلاك. فقال له الشيخ: أعلم أن الحطاب هو الذي علمني الاسم الأعظم، واعلم أن الاسم الأعظم لا يصلح إلا لمن يكون على هذه الصفة من الصبر والرحمة على الخلق والشفقة عليهم.

طلب الحسن وتجارة علي وتفسير النبي

رُوي أن فاطمة أعطت قميصها علياً ليشتري لها ما اشتهاه الحسن، فباعه بستة دراهم، فسأله سائل فأعطاه إياها، فاستقبله رجل ومعه ناقة، فاشتراها علي على المدة بستين دينارا، ثم استقبله رجل فاشترى منه الناقة بستين ديناراً وستة دراهم ثم طلب بائع الناقة ليدفع له ثمنها فلم يجده. فعرض القصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: أما السائل فرضوان، وأما البائع فميكائيل، وأما المشتري فجبريل.

أمثال وحكم

من فصاحة الإمام علي  رضي الله عنه

مما يروى من فصاحة الإمام علي (كرم الله وجهه) أن رجلاً من أعدائه جاءه وهو في مجلسه فأراد إحراجه فقال له: يا أمير المؤمنين، ما بال الناس اختلفوا عليك، ولم يختلفوا على أبي بكر وعمر؟ فرد في الحال قال: نعم، لأن أبا بكر وعمر كانا خليفتين عليَّ وعلى أمثالي، أما أنا فخليفة عليك وعلى أمثالك! فكأنه ألقم الرجل حجراً!.

وجاء يهـودي إثر وفاة النبي صلى الله عليـه وسلموقد سمع باختلاف المهاجرين والأنصار حول من يختار خليفة في ثقيفة بني ساعدة، فقال للإمام ما بالكم ما كدتم تدفنون نبيكم حتى اختلفم عليه؟ فقال في الحال: إننا اختلفنا عنه وليس عليه أو فيه، أما أنتم فما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم لنبيكم {اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون}.

كما روي أيضاً أنه إثر وفاة رسول الله >مباشرة جاء بعض الأنصار الإمام علي >رضي الله عنه< وقالوا له وجهة نظرهم أن يكون الخليفة منهم، فقال لهم: هلا ذكرت الأنصار قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا عن الأنصار (نقبل من محسنهم ونتجاوز عن سيئهم) فكيف تكون الوصاة بهم، ثم يكون الأمر إليهم؟!.

وهكذا أبناء علي كرّم الله تعالى وجهه وأحفاده. فقد كان بعض خلفاء بني العباس على بغض لأبناء علي رغم أنهم أبناء عمومتهم، وكان ذلك البغض للتخوف من أحداف الإمام علي، وذلك لحب الناس لأحفاد علي وإحاطة الكثيرين بهم، فكانوا يتخوفون على الخلافة منهم.

*********

موعظة عبد لسيده

قيل إن عبداً صالحاً كان عند سيدٍ سئ، فأراد أن يـعظه. فأمره سيده أن يزرع قمحاً فزرع شعيرا، فرآه وقت حصاده فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: زرعته شعيراً على ظن أن يخرج حنطة. فقال: يا أحمق أو يكون هذا؟ فقال العبد: فكيف أنت تعصي الله وترجو رحمته؟

*********

من الأجوبة الحكيمة للأحنف بن قيس

قال رجل للأحنف بن قيس وهو في مجلسه: بأي شيء سدت قومك بني تميم، ولست أكثرهم جوداً، ولا أغناهم مالاً، ولا أشجعهم إقداماً، ولا أجملهم منظراً؟.

فهمّ الموجودون به ولكن الأحنف منعهم وأقبل على الرجل وقال له: سدتهم يا أخي بخلاف ما أنت فيه، قال وما هو؟ قال بتركي من أمور الناس لما لا يعنيني، كما عناك من أمري لما لايعنيك.

عذب الحديث

وحُطَّت به الأوثـانُ عنه ونـزّهت         نواحيهِ عن تلك الدِّمـاء الصـوائكِ

وحجَّتهَ أقـوامٌ أقـاموا بشـــرعِه        ونـورِ هــداهُ ما له من منـاسكِ

يلبـُّون شعثــاً مُحــرمين كأنَّما         أتـوا من قبـورٍ باللـّوى والدّكادكِ

عليـهم شعــارٌ من سكينةِ دينـِهم        تعمُّـهمُ مـا بين لاهٍ وناســــكِ

كأنَّـهمُ فـي البعثِ لا فـرقَ بينهم         يُـرى بـين ممـلوكٍ هنـاك ومالكِ

ولا بـين بادٍ جـاءَ يَسعى وعاكفٍ            ولا بـين أربـابِ الغنى والصّعالكِ

تسـاووا به فـي قصدِهم وتفاضَلوا        بـإخلاصِــهم لا بالغِنى والممـالكِ

ولولاهُ ما طابَ السُّـرى نحو طيبةٍ       ولذَّ الكرى فـوق الذُّرى والحـواركِ

ولا نـازعتْ أيـدي الرُّقادِ جفونَهم       فمـن آخذٍ منه وآخـــرَ تــاركِ

ولا ادَّرعـوا ثوبَ الدُّجى وتوسَّدوا       وسـائدَ أيــدي عيسِـهم في المباركِ

ولا قُلِّـدت أجيــادُ كلِّ تنــوفة       فرائـدَ سـلكِ الأدمــعِ المُتهــالكِ

ولا هجــروا بـردَ الظلالِ وطيبِها      وأفيـاءَها هجـرَ الغوانـي الفـَوارك

الشهاب محمود الحلبي