الإسـراء والمعـراج

من وحي علموا عني - 6

بالحقائق ناطقين

 

الإسـراء والـمعـراج

قصة الإسراء

قال محمد بن إسحاق: وكان فيما بلغني عن أمرأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، واسمها هند، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها كانت تقول: ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي، نام عندي تلك الليلة في بيتي، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى الصبح وصلينا معه، قال: يا أم هانىء، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين، ثم قام ليخرج، فأخذت بطرف ردائه، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية، فقلت له: يا نبي الله، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك، قال: والله لأحدثنهموه.

قالت: فقلت لجارية لي حبشية: ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعي ما يقول للناس، وما يقولون له. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أخبرهم، فعجبوا وقالوا: ما آية ذلك يا محمد؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط، قال: آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة، فندَّ لهم بعير، فدللتهم عليه، وأنا موجَّه إلى الشام.

ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء، ثنية التنعيم، يقدمها جمل أورق، عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والآخرى برقاء. قالت: فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم، وسألوهم عن الإناء، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه، ولم يجدوا فيه ماء. وسألوا الآخرين وهم بمكة، فقالوا: صدق والله، لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر، وندّ لنا بعير، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه، حتى أخذناه.

قصة المعراج

الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد إلى السماء الأولى (حديث الخدري عن المعراج)

قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أُتي بالمعراج، ولم أر شيئا قط أحسن منه، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر، فأصعدني صاحبي فيه، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء، يقال له: باب الحفظة، عليه ملك من الملائكة، يقال له: إسماعيل، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك - قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث: وما يعلم جنود ربك إلا هو - فلما دُخل بي، قال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا محمد. قال: أوقد بعث؟ قال: نعم. قال: فدعا لي بخير.

فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق: ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما بلغني: أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها: من هذا يا جبريل؟ فيقول: محمد، فيقولون: أوقد بعث إليه؟ فيقول: نعم، فيقولون: حياه الله من أخ وصاحب ! حتى انتهى به إلى السماء السابعة، ثم انتهى به إلى ربه، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم

موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأقبلت راجعا، فلما مررت بموسى بن عمران، ونعم الصاحب كان لكم، سألني كم فُرض عليك من الصلاة؟ فقلت: خمسين صلاة كل يوم، فقال: إن الصلاة ثقيلة، وإن أمتك ضعيفة، فارجع إلى ربك، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك. فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي، فوضع عني عشرا. ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك، فرجعت فسألت ربي، أن يخفف عني وعن أمتي، فوضع عني عشرا. ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك، فرجعت فسألت ربي، فوضع عني عشرا. ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك، كلما رجعت إليه، قال: فارجع فاسأل ربك، حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة. ثم رجعت إلى موسى، فقال لي مثل ذلك، فقلت: قد راجعت ربي وسألته، حتى استحييت منه، فما أنا بفاعل.

فمن أَدَّاهنّ منكم إيمانا بهن، واحتسابا لهن، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة.

إثبات رؤية النبي لربه

من شرح سنن الترمذي

قوله: (أخبرنا محمد بن عمرو) هو ابن علقمة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف. قوله: عن ابن عباس في قول الله {ولقد رآه نزلة أخرى} قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم) كذا روى الترمذي هذا الحديث بهذا اللفظ ورواه ابن جرير في تفسيره بعين سند الترمذي هكذا عن ابن عباس في قول الله: {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى} قال {دنا ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى}. قال قال ابن عباس قد رآه النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (قال رآه بقلبه) أي قال ابن عباس رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه. قال الواحدي: وكذا قال أبو ذر وإبراهيم التيمي رآه بقلبه. قال وعلى هذا رأى ربه بقلبه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصرة في فؤاده أو خلق لفؤاده بصراً حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين انتهى. وقال الحافظ: جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة وأخرى مقيدة أي بالفؤاد فيجب حمل مطلقها على مقيدها، قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن جرير في تفسيره وأخرجه مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس قال: {ما كذب الفؤاد ما رأى} {ولقد رآه نزلة أخرى}. قال رآه بفؤاده مرتين.

ـ قوله: (فقال نور أني أراه) وفي رواية لمسلم فقال رأيت نورا، وقوله صلى الله عليه وسلم رأيت نورا قال وروى أخبرنا نور أنى أراه (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم.

وقال بن جرير لما سئل عكرمة عن رؤية النبي لربه قال (نعم قد رآه ثم قد رآه حتى ينقطع النفس)

 

من وحي علموا عني - 6


يقول الحق تبارك وتعالى {ألا لله الدين الخالص}.. ولا يكون الدين خالصا إلا إذا تم إستيفاء مراتبه .. كما أن البناء لا يكون خالصا أو تاما إلا بعد إتمام بناء جميع طوابقه.

فالدين كالبناء هيئة واحدة ومراتبة متعددة، ومراتب الدين منها ما يرتبط بظاهر العبد وما يرتبط بقلب العبد ومنها ما يرتبط بروح العبد لإن الله يحب الذاكرين ولا يحب الغافلين،فإذا كانت عبادة الإنسان بدنية وقلبة غافل كان فى غفلة وإذا كانت طاعاته قلبـيه وقلبه ذاكر وروحه غافلة فهـو ما زال فى غفلة فلا بد أن تكون روحه ذاكره ويكـون ذاكرا بكلياته ظاهره وباطنه.

فهذا هو المقصود من العـبد لإنتقاء الغفلة، وعليه فلا يكون الدين خالصا إلا إذا وفى الإنسان الطاعات البدنية والطاعات القلبيه والروحية، ولإيضاح ما سبق ذكره يقول الحق سبحانه وتعالى لسيدنا موسى عليه السلام {إننى أنا الله لا إله إلا أنا فأعبدنى} ففى قوله (إننى) مطالبة بالعبادة الروحية وفى قوله(أنا) مطالبة بالعبادة القلبية وفى قوله (الله) طالبة بالعبادة البدنية، ومفهوم الدين عند أهل الله الصالحين هو (الدَين) والله سبحانه وتعالى هو الدائن والخلق هم المدينين له سبحانه وتعالى يقول صلى الله عليه وسلم (البر لا يبلى والذنب لا يقضى والـدّيان لا يموت) والـّديان هو الله سبحانه وتعالى وأنت المَدين .. والـَدين لا يكون خالصا إلا إذا قام المَدين بسداد ديَنة بتمامه،(بالبدن والقلب والروح).

ومما يوضح هذا المعنى بأن الدين معناه الدَين أن صحابيا ذهب إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له ان أبى إدخر مالا يجعله عند حد الإستطاعه لحج بيت الله الحرام ولكنه وافته المنية ولم يحج وسأله صحابى آخر أن أبى قد مات وكان يصلى يوما ويقطع عن الصلاة يومين وسأله صحابى ثالث فقال يارسول الله لقد مات أبى قبل أن يقضى ما فاته من فرض الصيام وكان كل منهم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل اؤدي عنه ديَنه؟ وكان يسكت فى كل مرة عن الجواب.

ثم قال صلى الله عليه وسلم (أرأيتم إذا كان لأ با أحدكم مالا فمن الذى يرثه؟) قالوا نحن يا رسول الله .

فقال صلى الله عليه وسلم (وإذا كان على أبا أحدكم دين فمن يؤديه؟) قالوا نحن يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم (ديَن الله أحق أن يؤدى) وقد ورد فى مذهب الإمام مالك رضى الله عنه أنه يجوز للإنسان أن يقوم بسداد ديَن أبيه من صلاة أو صيام أو زكاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلى على أحد مات إلا بعد أن يتأكد من سداد ديونه والسادة الصوفية رضوان الله عليهم هم وحدهم القائمون بأمر الدين دون سواهم لإنهم أصحاب المناهج الصحيحة والمسالك القوية وهم الخبراء بمقومات هذه المسالك.

فالتصوف حقيقـةً هو رأس الدين لأنه عمل بجميع مراتبه من الإسلام والإيمان والإحسان، فإذا ظن ظان إنه من الممكن أن يتعرف على معنى آية قرآنية أو حديث شريف وهو واقف عند حد ظاهر العبادات فقد خاب ظنه لأنه لا يمكن للإنسان أن يتعرف على دقائق الأحكام الشرعية إلا إذا تخلص من أمراض القلب فإذا تخلص منها وصفا قلبه بصفاء الهمة وثاقب الفهم لأى آى من كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف تأويلها ومفـهومها ومد لولها ومًيز مرتبتها.

بالحقائق ناطقين

العلم والمعرفة

كنت أتصفح في كتاب علموا عني لسيدي فخر الدين رضي الله عنه وعشت معه في القول عن العلم والمعرفة اللذان كانا شيئا واحدا في مخيلتي قبل القراءة في الكتاب وإذا أردت تبسيط ما فهمت فالفرق بينهما هو التفصيل مابين الألهية والربوبية فالمعارف إلهية والعلوم ربانية.

كما قال سيدنا عبـد الله بن عباس (كونوا ربانيين علماء فقهاء) أي ربوا أفكاركم بصغار العلوم ثم تبحروا وكما قال الحبيب المصطفى صلـى الله عليه وسلم (إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم) أي أن الإنسان يبدأ بالعلم كي يصل إلى المعرفة ومقصود كلامي عن علم الظاهر لأن هناك من العلوم القلبية مالا يستفاد إلا بالتلقي عن المشايخ والأولياء كما قالوا:

وما كل علم يستفاد دراسـة       ولاسيما علمنا الزاهر الوهبي

أما المعارف فهي إلهية لأنها لاتدرس ولكن يتم تحصيلها من المشاهدة كما مثال أن تقول هذا الرجل علمت عنه الكثير وذلك قبل أن تراه ولكن في حال مشاهدته والعيش معه تقول هذا الرجل أعرفه ولذلك كل من أدرك أنوار الأسماء الإلهية يسمى (العارف بالله) وليس العارف لله لأن الله جل أن يعرف ولكن يعرف بالله أي بأنوار وتجليات الأسماء يعرف المخلوقات كما تعرف سيدنا آدم على الملائكة بأنوار الخلع الإلهية للأسماء الحسنى.

فصـار عارفـا بالله وتلك درجة المعرفـة، ولكن كل هذا الكلام مربوط بترتيب وتنسـيق ليس بالـوهم أو التخيل وذلك كما أوضح الأمام علي كرم الله وجهه بقوله (من عبد الله بالعلم دون المعـرفة فقـد أخـطأ في حق المعرفة ومن عبد الله بالعلم والمعرفة دون الحقيقـة فقـد أخـطأ في حق الحقيقة ومن عبد الله بالعـلم والمعرفة والحقيـقة دون الشـريعة فقد أخطأ في حق الشريعـة ومن عبد الله بالعلم والـمعرفة والحقيقة والشريعة دون الأستاذ فقد ضل) إذا المعول على العلوم والمعارف هو الأستـاذ ومن ليس له أستاذ يبصره ويعلمه ويؤدبه ويعــرفه فليس له سبيل آخر غير المكابرة بغير الحق والتـمادي في الضـلال والإضلال ونعوذ بالله من ذلك.

هاديه الشلالي