مولده صلى الله عليه وسلم -
12
خبر الهاتف من الجني الذي تغنى بمقدمه صلى الله عليه وسلم
قالت: ثم انصرفو. فمكثنا ثلاث ليال. وما ندري أين وجه رسول الله صلى
الله عليه وسلم، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة، يتغنى بأبيات من شعر غناء
العرب، وإن الناس ليتبعونه، يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جزى الله ربُّ الناس خير جزائه
رفيقين حلا خيمتَيْ أم معبـــدِ
هما نزلا بالبر ثم تروَّحــــا
فأفلح من أمسى رفيق محمـــد
ليهنِ بنو كعب مكانُ فتاتهـــم
ومقعدها للمؤمنين بمرصـــد
قال ابن إسحاق: وحدثني الزهري أن عبدالرحمن بن مالك بن جعشم حدثه، عن
أبيه، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من
مكة مهاجرا إلى المدينة، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده عليهم.
قال: فبينما أنا جالس في نادي قومي إذ أقبل رجل منا، حتى وقف علينا،
فقال: والله لقد رأيت ركبة ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأراهم محمدا وأصحابه، قال: فأومأت
إليه بعيني: أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان، يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، ثم
سكت. قال: ثم مكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي، ثم أمرت بفرسي، فقيد لي إلى بطن
الوادي، وأمرت بسلاحي، فأُخرج لي من دبر حجرتي، ثم أخذت قداحي التي أستقسم بها، ثم
انطلقت، فلبست لأمتي، ثم أخرجت قداحي، فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره (لا
يضره). قال: وكنت أرجو أن أرده على قريش، فآخذ المائة ناقة. قال: فركبت على أثره،
فبينما فرسي يشتد بي عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي
فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره قال: فأبيت إلا أن أتبعه. قال: فركبت في أثره،
فبينا فرسي يشتد بي، عثر بي، فسقطت عنه. قال: فقلت: ما هذا؟ قال: ثم أخرجت قداحي
فاستقسمت بها، فخرج السهم الذي أكره قال: فأبيت إلا أن أتبعه، فركبت في أثره. فلما
بدا لي القوم ورأيتهم، عثر بي فرسي، فذهبت يداه في الأرض، وسقطت عنه، ثم انتزع يديه
من الأرض، وتبعهما دخان كالإعصار.
قال: فعرفت حين رأيت ذلك أنه قد مُنع مني، وأنه ظاهر.
قال: فناديت القوم: فقلت: أنا سراقة بن جعشم: انظروني أكلمكم، فوالله
لا أريبكم، ولا يأتيكم مني شيء تكرهونه.
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: قل له: وما تبتغي
منا؟ قال: فقال ذلك أبو بكر،� قال: قلت:
تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك.
قال: اكتب له يا أبا بكر
فرح أهل المدينة
قال بن يسارفرح أهل المدينة بقدوم النبي صلى اللّه عليه وسلم فرحاً
شديداً وصعدت ذوات الخدور على الأسطحة. وعن عائشة رضي اللّه عنها، لما قدم رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة جلس النساء والصبيان والولائد يقلن جهراً:
طلع البدر عليـنــــا
من ثنيات الــــوداع
وجب الشكر عليــــنا
مــــا دعـا للّه داع
أيها المبعوث فينــــا
جئت بالأمر المطــاع
مبرك الناقة بدار بني مالك بن النجار
حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار، بركت على باب مسجده صلى الله عليه
وسلم، وهو يومئذ مِرْبد لغلامين يتيمين من بني النجار، ثم من بني مالك بن النجار،
وهما في حجر معاذ بن عفراء، سهل وسهيل ابني عمرو.
فلما بركت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل، وثبت فسارت
غير بعيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت
إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة،�
فبركت فيه، ثم تحلحلت وزمَّت وألقت بجرانها، فنزل عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله، فوضعه في بيته، ونزل عليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا رسول
الله لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه، فاتخذه مسجدا وخرجت
نساء من بني النجار ينشدن
نحن جواري من بني النجار �� ياحبذا
بمحمد من جار
وزاد البيهقي عن أنس فقال النبي أتحببنني؟ قلن نعم يارسول الله.
وزاد الطبراني قال النبي صلى الله عليه وسلم الله يعلم أن قلبي يحبكن
ويحكي الطبري عن تفرق الغلمان والخدم بالطرقات يهللون ويكبرون يامحمد يارسول الله
يا محمد ياحبيب الله
من أدب أبي أيوب
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبدالله اليزني،
عن أبي رهم السماعي، قال: حدثني أبو أيوب، قال: لما نزل عليَّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بيتي، نزل في السفل، وأنا وأم أيوب في العلو، فقلت له: يا نبي الله،
بأبي أنت وأمي، إني لأكره وأعظم أن أكون فوقك، وتكون تحتي، فاظهرْ أنت فكن في
العلو، وننزل نحن فنكون في السفل، فقال: يا أبا أيوب، إنّ أرفق بنا وبمن يغشانا، أن
نكون في سفل البيت.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله، وكنا فوقه في المسكن،
فلقد انكسر حُبّ لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا، ما لنا لحاف غيرها،
ننشف بها الماء، تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه.
قال: وكنا نصنع له العشاء، ثم نبعث به إليه، فإذا رد علينا فضله تيممت
أنا وأم أيوب موضع يده، فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة،� حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له بصلا
أو ثوما، فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر ليده فيه أثر.
قال: فجئته فزعا، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي،
رددت عشاءك، ولم أر فيه موضع يدك، وكنت إذا رددته علينا، تيممت أنا وأم
أيوب موضع يدك، نبتغي بذلك البركة، قال: إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة،
وأنا رجل أُناجَى، فأما أنتم فكلوه. قال: فأكلناه، ولم نصنع له تلك الشجرة بعد.
|