أئمة الـديـن

أمير الجيوش

سابق العناية الإلهية

 

أئمة الـديـن

وأئمة الدين الكرام بجمعنـا        كل ينادى يا نبى يا نبــى

الشافعى مع الثلاثة أجمعـوا       أن الصلاة بضاعة للراغب

كما اختار له الحق سبحانه صحبته واختار له خلفائه من بعده فاختار له أيضا من يقومون بأمر شريعته على مر الزمان، فأقاموا قواعده بل وغمروا الآفاق والبلدان بشريعة النبى العدنان.

ليس إلى هذا الحد فحسب بل أن الله خلقهم فى الأزل من نوره صلوات ربى وسلامه عليه وآله كما قال أنا من نور الله والمؤمنين من رشحات نورى إنهم أئمة الشريعة الأربعة والذى بشر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مجيئهم فقال فى حق الإمام مالك: عالم المدينة الذى تضرب إليه أكباد الإبل.


مسجد الإمام الشافعي القاهرة

وفى حق الإمام الشافعى: عالم قريش الذى يملأ طباق الأرض علم.

وكان أولهم زمانا الإمام الكوفى أبى حنيفة النعمان، ثم أتى من بعده الإمام الأصبح مالك بن أنس رفيع الشان، ثم من بعده ابن عم الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه الشافعى المتصل نسبه بجد النبى العدنان، ثم بعده الإمام أحمد بن حنبل الذى سلك بعلمه الطريق الأحمد فى السر والإعلان، فهؤلاء أئمة الشريعة الذين حملوا لوائها، نفعنا الله بهم وبعلومهم على مر الزمان:

فالشافعى له علوم تشــــرق          بين الورى وله ثناء يعـــبق

ولمالك نشرت علوم مالهـــا           حد كبحر زاخر يتدفـــــق

ولأحمد تعزى العلوم لأنـــه           يروى الحديث وصدقه متحـقق

وأبو حنيفة سابق فلأجـــل            ذا آثاره وعلومه لا تسبـــق

فهم الأئمة خصهم رب العـلا             بالفضل منه فشأنهم لا يلحـق

وأئمة الدين الكرام أربعة لا خامس لهم كما أن ملائكة الله أربعة وأولو العزم من الرسل أربعة وخلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشدين أربعة وأئمة التصوف أربعة.. فهذا ترتيب إلهى نبوى لحكمة اقتضاها المولى لخدمة هذا الدين إلى يوم يبعثون، كما بعثوا فى خيرة القرون وقد أجمع علماء الأمة على أن الاستنباط من الكتاب والسنة والإجماع قد انتهى إليهم. لذ..كانوا هم المرجع فى دين الله والحجة فى الشريعة من أحكامها وفروعها وصار الأمر هكذا إلى قيام الساعة، أربعة مذاهب لأربعة أئمة كرام، لا جدل ولا جدال حولهم. فاعلموا أيها الأحباب الكرام أن كلٌ منهم قد صاحب من هو قبله وتقابل مع من بعده وكل منهم قد أخذ عن الآخر بل وشهد لصاحبه بالفضل والعلم. وقد كان الإمام أحمد آخرهم زمنا وعاصر الإمام الشافعى وأخذ عنه وكان يقول للناس عن علمه:

هذا الذى ترونه كله أو أغلبه من الشافعى.وكان يقول لابنه عبد الله: يا بنى إن الشافعى مثل الشمس للدنيا ومثل العافية للبدن. وأورد العلامة ابن حجر فى كتابه الخيرات الحسان فى مناقب الإمام أبى حنيفة النعمان: أن الإمام الشافعى أيام هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبى حنيفة بأن يجئ إلى ضريحه يزوره فيسلم عليه ثم يتوسل إلى الله تعالى به فى قضاء حاجاته.فهؤلاء الأعلام الأربعة انتهت إليهم أمور الشريعة ووقف التقليد عندهم فى سائر الأقطار والأمصار، ذلك لأن مشيئة الله قد اقتضت أن يظهر بعد عهد الصحابة جماعة من حملة العلم فى قرن من خير القرون، لذا جمعوا كل ما يعرض على المسلم فى أمور دينه ودنياه وآخرته فى العقائد والعبادات والمعاملات ففسروا ودونوا وعلموا فجزاهم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين.كما بذلوا كل جهد فى توضيح الدلائل واستنباط الأحكام وشيدوا بنيان الإسلام، فكان اتفاقهم فرض وقولهم حق واختلاف مذاهبهم رحمة، فالسعادة فى تقليدهم والشقاء فى مخالفتهم.قال بعض الصالحين: رأيت فى النوم كأنى دخلت الجنة ورأيت فى وسطها عمودا من نور ورأيت أمة يجرونه بأربعة سلاسل من نور من جهاته الأربعة وهو ثابت لا يتغير من مكانه فقلت يا للعجب لو جره هؤلاء من جهة واحدة لكان أسهل عليهم، فسألت بعض الملائكة عن ذلك فقال لى: هذا العمود هو دين الإسلام وهذه الأربع سلاسل هى المذاهب الأربعة وهؤلاء الذين يجرونه هم أئمة الإسلام الشافعى وأحمد وأبو حنيفة ومالك رضى الله عنهم أجمعين، فاتفاقهم فرض وقولهم حق واختلافهم رحمة للمسلمين. فكل واحد منهم جمع ما وفقه الله إليه من أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم ومن رحمة الله بنا أن الأمر الواحد له عدة أحكام، فكل منهم أخذ بحكم غير الآخر، وهذا ليس بخلاف ولكنه عين الرحمة ومن التيسير على الخلق فجميعهم على الحق، والحق واحد لا خلاف فيه أو عليه ولكننا مجازا نسمى الأخذ بعدة أحكام فى الأمر الواحد (خلاف) فجزاهم الله عن الأمة المحمدية خير الجزاء.. ولنا معكم عدة لقاءات فى الحديث عن كل واحد منهم.

للحديث بقية

محمد عثمان حامد العقيلى

أمير الجيوش

أدت السياسة التى اتبعها خلفاء الدولة الفاطمية إلى خلق تنافس مستمر بين الأجناس المختلفة آنذاك، وإذا كان خطر تلك السياسة لم يظهر فى عهد الخلفاء الأقوياء إلا أنه ظهر واضحا جليا عندما بدأت البلاد تتعرض للأخطار الخارجية، ومما زاد الحالة سوء تلك المجاعة التى بدأت بانخفاض النيل سنة 457 هـ واستمرت سبع سنين مما أدى إلى قلة الأقوات بمصر والقاهرة وغلت الأسعار حتى بلغ ثمن الرغيف من الخبز أربعة عشر درهما وأردب القمح ثمانين دينارا والبيضة الواحدة دينارا، وكان ذلك فى عهد الخليفة المنتصر بالله، حتى عرفت تلك الأزمة باسم الشدة المنتصرية.

إزاء تلك الظروف جميعها اضطر الخليفة المنتصر سنة 466 هـ أن يبعث إلى بدر الجمالى والى عكا يطلب منه القدوم ليتولى شئون الدولة فى مصر ويصلح ما فسد منها، فاشترط أن يحضر معه من يختاره من جنوده وعساكره بالشام حتى يستغنى تماما عن طوائف الجند المتنافسة التى تكون جيش الخلافة بمصر، ولما قبل الخليفة شرطه بل رحب به، أبحر بدر الجمالى من عكا ومعه جند كثير من بنى بلدته من الأرمن وغيرهم ونزل مع جنده بدمياط ثم واصل سيره إلى قليوب، وهناك بعث إلى المنتصر يقول له: أنه لن يدخل القاهرة إلا بعد قتل القائد التركى الذى كان سببا فى إثارة كثير من المتاعب والشغب، فوافقه الخليفة على طلبه.

وبدر الجمالى الملقب بأمير الجيوش هو أبو النجم بدر الجمالى، كان مملوكا أرمنيا لجمال الدولة بن عمارة، لذلك عرف بالجمالى، ومازال يأخذ بالجد والهمة والعزم فى كل ما يوكل إليه ويباشره وينتقل فى الخدم من درجة إلى أخرى حتى ولى إمارة دمشق من قبل المنتصر سنة 455هـ ثم تقلد نيابة عكا سنة 460هـ فلما كانت الشدة بمصر من شدة الغلاء وكثرة الفتن والأحوال بحاضرة الدولة قد فسدت، كتب إليه المنتصر كما سبق القول يستدعيه ليكون المتولى لتدبير أمر دولته. ويصف المقريزى رحلة بدر الجمالى البحرية من مكة إلى مصر بشئ من التفصيل ليبين أنه كان حسن الحظ دائما حتى فى مواطن الهلاك فيقول: وركب البحر من عكا وصار بمائة مركب بعد أن قيل له أن العادة لم تجر بركوب البحر فى الشتاء لهيجانه ولخوف التلف، فأبى عليهم وأقلع فتمادى الصحو والسكون مع الريح الطيبة مدة أربعين يوما حتى كثر العجب من ذلك وعد من سعادته فوصل إلى تنيس ودمياط واقترض المال من تجارها ومياسيرها، وقام بأمر ضيافته وما يحتاج إليه من الغلال سليمان اللواتى كبير أهل البحيرة، وسار إلى قليوب فنزل بها وأرسل إلى المنتصر يقول: لا أدخل مصر حتى تقبض على (بلدكوش) وكان أحد الأمراء الأتراك، فقبض عليه المنتصر واعتقله بخزانة البنود. ويسير المقريزى فى سرد قصة مجئ بدر الجمالى إلى مصر حتى ينتهى إلى وصف كيفية تمكن بدر من التخلص من الأمراء والقواد المشاغبين فى أول ليلة وطئت فيها أقدامه القاهرة فيقول: فتهيأ له أن قبض على جميع أمراء الدولة وذلك أنه لما قدم لم يكن عند الأمراء علم باستدعائه فما منهم إلا من أضافه وقدم إليه، فلما انقضت نوبتهم فى ضيافته استدعاهم إلى منزله فى دعوة صنعها لهم، وبيت مع أصحابه أن القوم إذا أجنهم الليل فإنهم لابد يحتاجون إلى الخلاء فمن قام منهم يقتل هناك، ووكل بكل واحد واحدا من أصحابه وأنعم عليه بجميع ما يتركه ذلك الأمير من دار ومال وضياع وغيره. ويصف المقريزى مظاهر الحفاوة والكرم التى استقبل بها بدر الأمراء بداره بحارة برجوان (حى الجمالية بالقاهرة الآن) حتى يجئ إلى كيفية القضاء عليهم فيقول: فصار الأمراء إليه وظلوا نهارهم عنده وباتوا مطمئنين، فما طلع ضوء النهار حتى استولى أصحابه على جميع دور الأمراء وصارت رؤوسهم بين يديه فقويت شوكته وعظم أمره وخلع عليه الخليفة المستنصر بالطيلسان المقور وقلده وزارة السيف والقلم، فصارت القضاة والدعاة وسائر المستخدمين من تحت يده وزيد فى ألقابه (أمير الجيوش كافل قضاة المسلمين وهادى دعاة المؤمنين) ويصف ابن تغرى بردى حالة الخلافة فى وزارة بدر الجمالى فيقول: وقد تحكم فى مصر تحكم الملوك ولم يبق للمستنصر معه أمر، واستبد بالأمور فضبطها أحسن ضبط، وكان شديد الهيبة وافر الحرمة مخوف السطوة، قتل من مصر خلائق لا يحصيها إلا خالقها إلا أنه عمر البلاد وأصلحها بعد فسادها وخرابها باتلاف المفسدين من أهلها، وكانت له محاسن منها أنه أباح الأرض للمزارعين ثلاث سنين حتى ترفهت أحوال الفلاحين واستغنوا فى أيامه، ومنها حضور التجار إلى مصر لكثرة عدله بعد انتزاحهم منها فى أيام الشدة، ومنها كثرة كرمه. ولعل من أهم آثار بدر الجمالى التى ماتزال باقية بالقاهرة والتى تشهد له بالقوة والجبروت الأبواب الثلاثة الباقية من السور الثانى الذى أقامه حول القاهرة وهى باب النصر وباب الفتوح فى الشمال وباب زويلة فى الجنوب.ويحدثنا المقريزى عن سور القاهرة فيقول أن القاهرة منذ أسست عمل سورها ثلاث مرات: الأولى وضعه القائد جوهر والمرة الثانية أمير الجيوش بدر الجمالى فى أيام الخليفة المستنصر، والمرة الثالثة بناه الأمير الخصى بهاء الدين قرقوش الأسدى فى سلطنة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.

ويفصل فى وصف السور الثانى فيقول: بناه أمير الجيوش فى سنة 480 وزار فيه الزيادات التى فيما بين بابى زويلة وباب زويلة الكبير، وفيما بين باب الفتوح الذى عند حارة بهاء الدين، وباب الفتوح الآن، وزاد عند باب النصر أيضا جميع الرحبة التى تجاه جامع الحاكم إلى باب النصر الآن، وجعل السور من الطوب اللين وأقام الأبواب من الحجارة.

وتوفى بدر الجمالى فى سنة 487 وكانت مدته بمصر احدى وعشرين سنة وهو أول وزراء السيوف الذين حجروا على الخلفاء بمصر، وقد اختلف المؤرخون فى تحديد مكان قبره، فبعضهم قال أنه دفن بزاويته بسفح جبل المقطم، ولكن الغالبية العظمى ينفون ذلك ويؤكدون دفنه فى مقبرة خارج باب النصر.

لجنة التراث - عصام مقبول

سابق العناية الإلهية

نعت الأماجد كالنجوم ونورها       بهم اهتدى من ضل فى الوديان

لنبدأ بسم الله مجراها ومرساها، نسبح فى كل كتاب فى علوم الهداة مؤلف، نرسو على جودى أقوالهم وأفعالهم بما يفتح قلوبا غلفا وأعينا عميا وآذانا صما، نرتع فى روضة من رياض الجنة، فبذكرهم تتنزل الرحمات، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم، فدخول روضتهم بسابق عناية من الله، نطوف بأرواحنا فى أقوالهم وأفعالهم، لتقر العيون بما وقع عليه نظر واحد من أئمة الهداة ثم ارجع البصر متفكرا ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير.

بينما الإمام أبى حنفية النعمان رضى الله عنه فى مجلس علمه بين تلاميذه إذا به يقوم بين الحين والحين دون سبب ظاهر، فتعجب تلاميذه من ذلك وسألوه: يا إمام رأيناك تقوم من المجلس على غير عادتك فما سبب ذلك قال: يا أبنائى رأيت طفلا شريفا يلعب مع الصبيان، فكلما وقعت عينى عليه استحييت أن يمر عليّ ولد من ذرية النبى صلى الله عليه وآله وسلم دون أن أقوم تعظيما لجده، فالولد قطعة من أبيه. والأعجب من ذلك أن يقوم شيخ عارف لمن لم يخرج إلى الوجود ولكنه فى صلب أبيه والنظر بعد انتقاله من صلب أبيه إلى رحم أمه حتى يكون خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين.. هذا ما كان من الشيخ الكبير محمد بن هارون، لاحظ عليه أصحابه أنه كلما رأى سيدى أبا المجد عبد العزيز قام له وعجبوا منه لشدة تكريمه إياه، حتى سألوه عن السبب فقال لهم: إن فى ظهره وليا يبلغ صيته المشرق والمغرب، ورأوه بعد مدة قد ترك القيام. فسألوه عن ذلك فقال: ما كان القيام له بل كان لبحر فى ظهره وقد انتقل لزوجته. فلما وضعته أمه فى ليلة الشك من شهر شعبان قال ابن هارون: انظروا هذا الصغير هل رضع فى هذا اليوم فأخبرت والدته أنه من الآذان فارق ثديه ولم يرضع، ولم يقصد ابن هارون أن يثبت بذلك دخول شهر رمضان فإن الصوم لا يصح شرعا إلا بثبوت رؤية هلال شهر رمضان ولكنه قصد من ذلك تعريف الناس بولادة ذلك القطب وهو الأستاذ السيد الولى العارف بالله تعالى سيدى إبراهيم القرشى الدسوقى رضى الله تبارك وتعالى عنه، وقد سؤل هل شعرت بصومك فى المهد فقال الأستاذ: وهل يتقبل ممن يعبد الله على جهل كما خلق الله التمييز لعيسى عقب ولادته فنادى أمه مريم ألا تحزنى إلى آخر ما قص الله علين.

محمد محمود الجعلي