تاريخ المدينة المنورة

الأذان

الـفرقـة النــاجـية - 6

 

تاريخ المدينة المنورة..

المرحلة الأولى من العهد الأموي 41 - 64 هـ��


مسجد قباء بالمدينة المنورة

بدأ العهد الأموي في المدينة سنة 41هـ عندما ألف الله بين المسلمين، فتنازل الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية، وأخذ معاوية البيعة من أهل المدينة وانتقل مركز الخلافة إلى دمشق وأصبحت المدينة إمارة أموية، وعاد إليها أهلها الذين تركوها أيام الحرب بين علي ومعاوية وسكنت النفوس. وزار معاوية المدينة ووزع الأعطيات على وجوه أهلها يتألفهم بها وأحسن إلى الهاشميين وعين مروان بن الحكم أميراً عليها، فقد اهتم مروان بأمورها ومرافقها وأجرى فيها العين الزرقاء لسقاية أهلها وبعض بساتينها وانتعشت الزراعة والتجارة، وظل معاوية حريصاً على تألف وجوه أهل المدينة بالعطاء وخاصة الهاشميين. وفي عام 49هـ عزل مروان وتولى سعيد بن العاص واستمرت ولايته خمس سنوات استمر فيها الهدوء والأمن، فقد كان لين الجانب للناس، ولما بدأ معاوية بأخذ البيعة ليزيد ليكون الخليفة من بعده غضب مروان بن الحكم، فاسترضاه معاوية وأعاده إلى إمارة المدينة سنة 45هـ، ووعده أن يكون ولي عهد يزيد، وبدأ مروان يأخذ البيعة ليزيد وجاء معاوية للمدينة واستطاع بدهائه أن يأخذها من أهل مكة والمدينة خاصة المعارضين له: الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر، ولكن معاوية أوقف الأعطيات عن المدينة واشتد مروان قليلا على الناس وأنشأ مزارع لحسابه وحساب معاوية فضاق الناس به فعزله معاوية ثانية وولى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. وعندما توفي معاوية سنة 60هـ انتهت مرحلة من الاستقرار والطمأنينة استطاع خلالها الخليفة أن يجمع شمل المسلمين ويوجه جهودهم إلى الفتوحات الإسلامية وبدأت مرحلة من الاضطرابات فقد بايع أهل المدينة ليزيد إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وقلة معهم خرجوا إلى مكة مهددين بالانشقاق ولم يستطع أمير المدينة الوليد بن عتبة أخذ البيعة منهم فغضب عليه يزيد وعزله، وعين عمرو بن سعيد الأشدق، وكان شديداً فجعل على شرطته عمرو بن الزبير الذي قسا على كل من ظن أنه يميل للحسين بن علي أو أخيه عبد الله بن الزبير، وعذب الكثيرين ثم خرج على رأس جيش من 700 رجل لقتال أخيه عبد الله في مكة فكانت نهايته واقتص منه عبد الله لما فعله بأهل المدينة، فعزل يزيدالأشدقوأعاد الوليد بن عتبة ثانية. وجاءت الأخبار إلى المدينة باستشهاد الحسين بن علي وكل رجاله في كربلاء فضج أهل المدينة بالبكاء على ابن بنت رسول اللهونقم بعضهم على الأمويين وأصبحوا مهيئين لخلع طاعتهم، وعزل يزيد أمير المدينةالوليد بن عتبةالذي لم يحسن التعامل مع ابن الزبير في مكة وولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان وكان ليناً لا يعرف شيئاً عن شؤون الإمارة، وانتشرت الشائعات حول الخليفة يزيد تتهمه بالفسق وشرب الخمر واللهو بالصيد.

ولم يتحقق أهل المدينة من صحة تلك الشائعات. ووقعت حادثة دفعت بعض أهل المدينة إلى خلع طاعة الأمويين فقد كانت في المدينة ضائقة لقلة الغلال وتأخر القوافل وحاول الموكل على مزارع معاوية في المدينة أن يخرج الغلال منها ويرسلها إلى الشام فمنعه بعضهم وطلب الموكل بالمزارع حمايته من الأمير فأرسل إليه بعض شرطة الإمارة فاصطدم الناس بهم وطردوهم جميعاً وأعلنوا خلع الطاعة للأمويين وطردوا الأمير عثمان وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل وعبد الله بن مطيع. وبدأت الفتنة تشتد وأحس العقلاء بخطأ الاندفاع وراءها ورفضوا المشاركة فيها وفي مقدمتهم علي بن الحسين زين العابدين وعبد الله بن عمر ووافق هذه الثورة في المدينة اشتعال ثورة عبد الله بن الزبير في مكة فاشتد الأمر على يزيد وخشي أن تتمزق أوصال الدولة الإسلامية إذا بقي أهل الحرمين ثائرين عليه فأرسل النعمان بن بشير يفاوض أهل المدينة على العودة للطاعة مع عهد الأمان والعطاء وما يريدونه وفشلت المفاوضات فأرسل يزيد جيشاً لإخماد الفتنة في المدينة ومكة بقيادة مسلم بن عقبة 63هـ فيه حوالي 12 ألف مقاتل وتفاقمت الأمور في المدينة عندما بلغهم الخبر وطرد الثائرون جميع الأمويين المقيمين فيها وأخذوا في تحصين المدينة والإعداد لمعركة لايعلم مداها إلا الله وأعيد حفر الخندق. وصل الجيش في 25 من ذي الحجة 63هـ وطلب من أهل المدينة العودة للطاعة باذلاً الأمان والعطاء، وأمهلهم ثلاثة أيام ولكن دون جدوى، فاشتعلت المعركة واقتحم الجيش المدينة من الحرة الشرقية، وقتل قادة الثائرين وأعداداً كبيرة من أبناء المهاجرين والأنصار ونهب الجنود المدينة ثلاثة أيام وأذل مسلم بن عقبة الكثيرين منهم وطلب منهم بيعة ذليلة وقتل من تردد في إعطائها، وهكذا قاست المدينة أفظع موقعة دموية في تاريخها سميت موقعة الحرة خسرت فيها المئات من أبنائها واستبيحت أموالها وأذل الكثيرون من أهله.

حاول يزيد أن يمسح جراح وقعة الحرة فأرسل الأعطيات والطعام لجميع أهل المدينة، وتولى روح بن زنباع إمارتها ولكن وفاة يزيد لم تتح المجال لمزيد من الإصلاح فقد عادت جيوشه إلى الشام، وأعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة في مكة وبايعه أهل المدينة فبدأت مرحلة جديدة في حياتها السياسية، وتولى إمارتها أخوه عبيد الله بن الزبير وتولى مروان الخلافة تسعة أشهر ثم مات دون إحكام قبضته على الحجاز، والذي سعى لإعادة المدينة بقيادة حبيش بن دلجة.

معجم البلدان للحموي بتصرف

الأذان

يعد الأذان من خصائص الأمة المحمدية، والإقامة مثله فى ذلك.. وقد كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة؛ ليس ينادى لها، فتكلموا يوما فى ذلك فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل اليهود والنصارى، وقال بعضهم: بل بوقا مثل قرن اليهود.

فقام النبى صلوات ربى وسلامه عليه مهموما بذلك.. وكما قال أنس بن مالك اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة: كيف يجمع الناس لها، قيل له: أنصب راية فإذا رآها الناس أذن بعضهم بعض.. فلم يعجبه ذلك، فذكر له القـبع (أى شبور اليهود) فقال: هو من أمر اليهود، فذكر له الناقوس فقال: هو من أمر النصارى.. وكأنه كرهه أولا ثم أمر بعمله إلى أن كان من أمر عبد الله بن زيد الأنصارى الذى بات ليلته مهموما باهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك - وكما روى عن ابنه محمد قال حدثنى أبى (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بى وأنا نائمٌ رجلٌ يحمل ناقوسا فى يده، فقلت: يا عبد الله؛ أتبيع الناقوس قال: وما تصنع بهفقلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على ما هو خيرٌ من ذلك فقلت له: بلى، فقال: تقول الله أكبر، فذكر الأذان مثنى مثنى، قال: ثم استأخر عنى غير بعيد ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة: فذكر الإقامة مفردة، فلما أصبحت أتيت رسول الله فأخبرته بما رأيت فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله؛ فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك)، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو فى بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذى بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى! فقال (فلله الحمد). ويروى لنا يحيى بن سعيد فيقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ليجتمع الناس للصلاة فأرى عبد الله بن زيد الأنصارى: خشبتين فى النوم.

فقال: إن هاتين لنحوٌ مما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: ألا تؤذنون للصلاة ! فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله بالأذان، والخشبتين هما الناقوس؛ فهو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها فيخرج منهما صوت. وكما يؤيد ذلك موافقة الرؤيا للوحى الذى نزل فى ذلك لما روى عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين، أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحى قد ورد بذلك؛ فما راعه إلا أذان بلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: سبقك بذلك الوحى.

وقد جزم ابن المنذر بأنه كان يصلى بلا أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة المنورة وإلى أن وقع التشاور فى ذلك على ما جاء فى حديث ابن عمر المتقدم ثم فى حديث عبد الله بن زيد. وقال أبو الحسن المالكى: الأذان وإن كان أصله المنام فيحتمل أن يكون الوحى نزل عليه صلى الله عليه وسلم إذ ذاك -كما روى عن ابن عمير بذلك- فكانت الرؤيا موافقة له.

الحسن محمد المكي

 

الـفرقـة النــاجـية - 6

ثم قِسْ على هذا رجلاً مِن أمة النبي صلى الله عليه وسلم فاتت أيام عمره دون أن يَعلم مِن حديث رسول الله هذا شيئا، فلقي ربَّه جاهلاً بأهل بيت نبيّه أو معادياً لسبيلهم بطريقٍ أو بآخَر !!

أوَ ليس يمكن أن نضرب بهذا مَثَلاً لابن نوح الذي لَعِب الوهم برأسه فطاش عقله وأَعرَضَ عن سبيل النجاة !

هكذا صوَّر لنا رسول الله حال مَن أَعرضَ ونأى بجانبه جاهلاً بقدْر أهل بيته الطاهرين.

9ـ جعْلُهم مكان الرأس مِن الجسد ومكان العينيْن مِن الرأس..

واقرأ إن شئتَ ما روي عن سيدنا أبي ذر الغفاري

حيث قال : سَمِعْتُهُ يَقُول (اجْعَلُوا أَهْلَ بَيْتِي مِنْكُمْ مَكَانَ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَد، وَمَكَانَ الْعَيْنَيْنِ مِنَ الرَّأْس، وَلاَ تَهْتَدِي الرَّأْسُ إِلاَّ بِالْعَيْنَيْن)..

وهنا يريد لك رسولك الحبيب النجاةَ بأيسر سبيل وأَقوَم منهاج، فيجعل مِن أهل بيته أعلى مكان ومكانة في جسد الأمة، تماماً كالرأس مِن الجسد، فهو يَحمل الرأسَ فوقه، ثم يريد لِهذا الرأس أن يكون مهتدياً لا ضالاولا مُضِلا، ولا يكون ذلك إلا بموضع النظر في الرأس وهو العينان، فإذا أبصرت كانت الهداية..

فإذا أردتَ الهداية فاجعلهم ـ أي أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما علَّمَك النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان هذا إلا لِلسر المودَع مِن الله ورسوله في هذه الذرية الطيبة الطاهرة النقية المصطفاة.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة ﴿فَذَكِـّرْ إِن نَّفَعَتِ الذّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى. سورة الأعلى الآيتان 9، 10

رابعاً : وجوب محبتهم وفضائل محبيهم عند الله ورسوله

أَخرَج البخاري قول رسول الله(لِكُلِّ شَيْءٍ أَسَاس، وَأَسَاسُ الإِسْلاَمِ حُبُّ صَحَابَتِي وَأَهْلِ بَيْتِي)

وأَخرَج الديلمي مرفوعا (إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ فَاطِمَةَ لأَنَّ اللَّهَ فَطَمَهَا وَمُحِبِّيهَا مِنَ النَّار).

وأَخرَج ابن أبي عاصم والطبراني وابن منده والبيهقي بألفاظ متقاربة فيما صح أن بنت أبي لهب لَمّا هاجرَت إلى المدينة قيل لها : لَنْ تُغْنِيَ عَنْكِ هِجْرَتُكِ ؛ أَنْتِ بِنْتُ حَطَبِ النَّار، فذكَرَت ذلك لِلنبي فاشتد غضبه، ثم قال على المنبر (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُؤذُونَنِي فِي نَسَبِي وَذَوِي رَحِمِي ! أَلاَ وَمَنْ آذَى نَسَبِي وَذَوِي رَحِمِي فَقَدْ آذَانِي، وَمنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّه).

وروى الطبراني وابن عساكر أنه قال (أَنَا وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ نَجْتَمِعُ وَمَنْ أَحَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ حَتَّى يُفَرِّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْعِبَاد).

وصحّ أن العباس شكا إلى رسول الله ما تفعل قريش مِن تعبيسهم في وجوههم وقَطْعِهم الحديثَ عند لقائهم فغضب غضباً شديداً حتى احمر وجهه ودرّ عِرق بين عينيه وقال (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِه).

وروى أحمد مرفوعا (مَنْ أَبْغَضَ أَهْلَ الْبَيْتِ فَهُوَ مُنَافِق).

وأَخرَج ابن مردويه عن علي كرَّم الله وجهه أن رسول الله لَمّا نزلَت آية ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئنُّ الْقُلُوب سورة الرعد مِن الآية 28 قال (ذَاكَ مَنْ أَحَبَّ اللَّهَ وَرَسُولَه، وأَحَبَّ أَهْلَ بَيْتِي صَادِقاً غَيْرَ كَاذِب، وَأَحَبَّ الْمُؤْمِنِينَ شَاهِداً وَغَائِبا، أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ يَتَحَابُّون).

وأَخرَج أيضاً عن أبي ذر قال : قَالَ رَسُولُ اللَّه (لِجَهَنَّمَ بَابٌ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِلاَّ مَنْ أَخْفَرَنِي فِي أَهْلِ بَيْتِي وَأَرَاقَ دِمَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِي).

د.إبراهيم دسوقي- مصر