خطاب مولانا الشيخ محمد لحولية عام
2005
الحمد لله الذي أعطانا فأرضانا وطهر مبتدانا، واصطفي على العالمين
آل عمران وآل إبراهيم ومن آل إبراهيم اصطفانا، وصفانا من الأغيار بعد إذ هدانا،
وأحفظنا كتابه بعد أن اجتبانا، وألبسنا ثوب سنة حبيبه بعد أن جعلت رجانا ومرتجانا،
وصلاة وسلام دائمين متلازمين على المصطفى ممن قد اصطفى منها مصابيح الدجى تشرق إذا
ماالصبح اندحى والليل انمحى.
�يقول
الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله من سورة النحل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿ادْعُ
إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
� وَإِنْ عَاقَبْتُمْ
فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ
لِّلصَّابِرينَ
� وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ
وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ
�إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُون﴾
(النحل
125-128).
من هذه الآيات البينات يتضح السبيل والكيفية في الدعوة إلى الله
سبحانه وتعالى التي لاتتأتى إلا بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن
وفي هذا كله إغلاق الباب إمام الخصومة التي هي ألد أعداء الدعوة إلى سبيل الله جل
وعلا وما رأينا شيئاً أذهبَ للدين ولا أقصَ للمروءة ولا أضيعَ للذة ولا أشغلَ
للقلب من الخصومة. فإن قلتَ: لا بُدَّ للإِنسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه،
فالجوابُ ما أجابَ به الإِمامُ الغزالي أن الذمَّ المتأكّدَ إنما هو لمن خاصمَ
بالباطل أو غيرعلم، ويدخلُ في الذمّ أيضاً مَن يطلبُ حَقَّه لكنه لا يقتصرُ على
قدرِ الحاجة، بل يظهرُ اللددَ والكذبَ للإِيذاء والتسليط على خصمه،وكذلك من خَلَطَ
بالخصومة، كلماتٍ تُؤذي، وليس له إليها حاجة في تحصيل حقه، وكذلك مَن يحملُه على
الخصومة محضُ العِناد لقهر الخصم وكسره، فهذا هو المذموم، وأما المظلومُ الذي ينصرُ
حجَّتَه بطريق الشرع من غير لَدَدٍ وإسرافٍ وزيادةِ لجاجٍ على الحاجة من غير قصدِ
عنادٍ ولا إيذاء، ففعلُه هذا ليس حراماً، ولكن الأولى تركُه ما وجد إليه سبيلاً،
لأنَّ ضبطَ اللسان في الخصومة على حدّ الاعتدال متعذّر فما بالك بضبط اليد،
والخصومةُ تُوغرُ الصدورَ وتهيجُ الغضبَ، وإذا هاجَ الغضبُ حصلَ الحقدُ بينهما حتى
يفرح كل واحد بمساءةِ الآخر، ويحزنُ بمسرّته ويُطلق اللسانَ في عرضه، فمن خاصمَ فقد
تعرّضَ لهذه الآفات، وأقلُّ ما فيه اشتغالُ القلب حتى أنه يكون في صلاته وخاطره
معلقٌ بالمحاجّة والخصومة فلا يَبقى حالُه على الاستقامة، والخصومةُ مبدأ الشرّ،
وكذا الجِدال والمِراء.
�فينبغي أن لا يفتحَ عليه بابَ الخصومة إلا لضرورة
في الدين لا بُدَّ منها، وعند ذلك يُحفظُ لسانَه وقلبَه عن آفات الخصومة، وكذلك فإن
الخصومة تفتح باب النفاق لأن التتابع للأفعال وردودها قد يؤدي إلى الفجور والمغالاة
في معاملة الخصم وقد ورد عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما، أن
النبيَّ صلى اللّه عليه وسلم قال:(أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ مُنافِقاً
خالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ
نِفاقٍ حتَّى يَدَعَها: إِذَا ائتُمِن خانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عاهَدَ
غَدَرَ، وَإِذَا خاصَمَ فَجَر).
ومن الأولى التخلى عن الخصومة والتحلي بالإحسان في الآية الكريمة
وكذلك قول الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه قال،(أمرني ربي بتسع الإخلاص في السر
والعلانية والعدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وأن أعفو عمن ظلمني وأصل
من قطعني وأعطي من حرمني وأن يكون نطقي ذكرا وصمتي فكرا ونظري عبرة)
وكذلك من حديث علقمة بن وائل عن أبيه قال (كنا قعودا عند النبي صلى
الله عليه وسلم فجاء رجل في عنقه نسعة فقال يا رسول الله إن هذا وأخي كانا في جب
يحفرانه فوقع المنقار فضرب به رأس صاحبه فقتله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم
اعف عنه فأبى ثم قام فذكر مثل الكلام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اعف عنه
فأبى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اذهب به فإن قتلته كنت مثله فخرج به حتى
جاوز فناديناه ألا تسمع ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إن قتلته كنت مثله قال نعم أعفو عنه فخرج يجر نسعته حتى خفي
علينا).
ولنا العبرة والعظة من باب مدينة العلم رضي اللَّه عنهُ قالَ في ابن
مُلْجِمٍ بِعْدَ مَا ضَرَبَهُ: أطعموه واسْقُوه وأحْسِنُوا أسَارِه فَإِنْ عِشْتُ
فأنَا وَلِيّ دَمِي أعْفو إنْ شِئْتُ وإنْ شِئْتُ استقدمت وإنْ مت فقتلتُمُوهُ
فَلاَ تُمَثِّلُوا به. ماأروع العفو في ألد الخصومة، وفي معناه ما رواه العسكري عن
الأصمعي قال أتى أعرابي قوما فقال لهم هل لكم في الحق أو فيما هو خير منه؟ قالوا
وما خير من الحق؟ قال التفضل والتغافل أفضل من أخذ الحق كله.وقال الأصمعي تقول
العرب خذ حقك في عفاف وافيا أو غير واف.
قال وأنشدني عمي بأثرهذا:
وقومي إن جهلت فســـائليهم �� �كفى قومي بصاحبهم خبيـرا
هل أعفو عن أصول الحق فيهم ������� إذا
عثرت وأقتطع الصـدورا
وقد قال سيدي فخر الدين مرشدا ومبيننا ماهو أروع في الخصومة من
نسيانها كأن لم تكن لأن تذكرها لايسر ونسيانها لايضروالكلمة الطيبة أقوى من السيوف
والرماح
�ماسر
لو بات المحب مغـاضبا���
�
وعليه جفوة
قاطعي أرحــامي
�ماضر
لو بات المحب وقد عفى�������
إن التظالم بؤرة الإظــــلام
وأماالذين سبقونا بالإيمان فلهم منا التقدير والإحترام لشيبة شابت في
الإسلام وفي الطريق، ورد في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول
اللّه صلى اللّه عليه وسلم:(لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا،
ولاَ تَدَابَرُوا، ولا يَبْغِ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ وكُونُوا عِبادَاللَّهِ
إخْواناً، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا
يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ـ ويشيرِ إلى صدره ثلاثَ مرات ـ بِحَسْبِ امْرىءٍ
مِنَ الشَّرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ
حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ). وفي هذا الحديث ختام لموضوعنا الأول وبداية
لموضوعنا الثاني ألا وهو إحترام الإخوة القدامي الذين عاصروا وناصروا الطريق في
عهده الأول مع سيدي فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني أو في زمن الوالد
الكريم مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنهما وقد نرى البعض يستخدم الحكم الصوفية
في غير محلها كمن يقول (ليس الطريق لمن سبق ولكن الطريق لمن صدق) وليس معنى هذا أن
كل من سبق لم يصدق بل قد يكون قد سبق وصدق، وإن احتج البعض بما عرفوا من الزلات أو
الهفوات فإن التاريخ يعيد نفسه وقد سبق قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
ليحسم مثل هذه الأمور بقوله عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من
حفظني في أصحابي ورد على حوضي ومن لم يحفظني من أصحابي لم يرني يوم القيامة إلا من
بعيد)قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)قال ابن عباس: أمر
الله تعالى بالاستغفار لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم أنهم سيفتنون. وقالت
عائشة: أمرتم بالاستغفار لأصحاب محمد فسببتموهم، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم
يقول:(لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها) وقال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول:(إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعن الله أشركم). وقال
العوام بن حوشب: أدركت صدر هذه الأمة يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى تألف عليهم القلوب، ولا تذكروا ما شجر بينهم فتجسروا الناس
عليهم. وقال الشعبي: تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من
خير أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب
عيسى. وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد، أمروا بالاستغفار لهم
فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا تثبت لهم قدم،
ولا تجتمع لهم كلمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وإدحاض حجتهم.
أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة.
﴿ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا
إنك رؤوف رحيم﴾ أي حقداً وحسداً
﴿ ربنا إنك رؤوف رحيم﴾ الآية
﴿والذين جاؤوا من
بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا
غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾ (10 الحشر)، وقوله تعالى:
﴿والذين جاؤوا من
بعدهم﴾ يعني التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة.
قال ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: المهاجرون، والذين تبوؤوا
الدار والإيمان، والذين جاؤوا من بعدهم. فاجهد ألا تخرج من هذه المنازل. وقال
بعضهم: كن شمسا، فإن لم تستطع فكن قمرا، فإن لم تستطع فكن كوكبا مضيئا، فإن لم
تستطع فكن كوكبا صغيرا، ومن جهة النور لا تنقطع. ومعنى هذا: كن مهاجري. فإن قلت: لا
أجد، فكن أنصاري. فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم، فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما
أمرك الله. وروى مصعب بن سعد قال: الناس على ثلاثة منازل، فمضت منزلتان وبقيت
منزلة، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. وعن جعفر بن محمد بن
علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه، أنه جاءه رجل فقال له: يا ابن بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما تقول في عثمان؟ فقال له: يا أخي أنت من قوم قال
الله فيهم:
﴿للفقراء المهاجرين﴾ الآية. قال لا قال: فوالله لئن لم تكن من أهل
الآية فأنت من قوم قال الله فيهم:
﴿والذين تبوؤوا الدار والإيمان﴾ الآية. قال لا
قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى:
﴿والذين
جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان﴾ الآية. وقد
قيل: إن محمد بن علي بن الحسين، رضي الله عنهم، روى عن أبيه: أن نفرا من أهل
العراق جاؤوا إليه، فسبوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ثم عثمان - رضي الله
عنه - فأكثروا، فقال لهم: أمن المهاجرين الأولين أنتم؟ قالوا ل. فقال: أفمن الذين
تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم؟ فقالوا ل. فقال: قد تبرأتم من هذين الفريقين! أنا
أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل:
﴿والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم﴾� قوموا، فعل الله بكم وفعل.
ونخلص من كل هذا إلى قول بين يقطع الشك باليقين ويبطل الظن ويحسن العمل أن من سبقنا
بالطريق علينا إحترام شيبة شابت في الإسلام وفي الطريق إلى الله ولاتظن أنك أحرص
منه على مصلحة الطريق فإن الراعي واعي وهو مالك أمرها فهيهات أن تظن مهما بلغت بك
الوظائف والرتب في الطريق أنك تملك سهما في حمايتها أو في عطائها وإلا أدخلت نفسك
فيما لايحمد عقباه في هذه الدار أو دار القرار.
من ظن أني قد أضن فإنـــه
يرمي بنقص في العطاء الأكمل
من قال أني لست مـالك أمرها
تبت يـــداه بكربة لاتنجلي
ومن هذه الأبيات ننطلق إلى مايلي من المهام التي أخبر الله عزوجل عنها
في مستهل القرآن من سورة البقرة
﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي
جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي
أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون﴾ (30البقرة) وهذه الآية توضح أن الأمر في يد أمينة
واحدة لاتقبل التثنية ونحن نرى البعض قد أطلق يده في التصرف في أمور الطريقة دون
الرجوع إلينا قي شخصنا وهذه شراكة لايقبلها الحق تبارك وتعالى تحت أيّ مسمى فالبعض
قد اتخذ المرشد شيخا في أمور دينه ودنياه ونحن لاننكر حق المرشد فحقه كما أوضحه
شيخنا وقدوتنا الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي الله عنه هو كحق الوالد من
التعزير والتوقير والإحترام والطاعة فيما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على
أن لايكون حجابا بين المريد وشيخ الطريقة الواحد المعتمد من السلسلة.
كما أن البعض قد اتخذ من أهل البيت وسيلة ليرتقي بها رقاب الناس وقصر
مفهوم أهل البيت الوارد في الكتاب والسنة على أهل بيت الشيخ وهذا مخالف لما ورد في
الكتاب الكريم والسنة المطهرة فقد أخرج ابن أبي شيبه وأحمد والترمذي وحسنه وابن
جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه. أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها إذا خرج إلى صلاة
الفجر ويقول (الصلاة يا أهل البيت الصلاة)
﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهير﴾، وأخرج مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه. أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال (أذكركم الله في أهل بيتي، فقيل: لزيد رضي الله عنه: ومن أهل
بيته، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم
الصدقة بعده آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس) فهذا هو المفهوم الصحيح لكلمة
أهل البيت، ومع كل الإحترام والتقدير لكل آل البيت الطاهرين المكرمين فإنه ليس من
حق أي من المرشدين أو المسؤلين أو أهل البيت التصرف في أي أمر من أمور الطريقة دون
الرجوع إلينا شخصيا وذلك غير المسموح به في الإرشاد العام من الأوراد والحضرة
حمانا الله وإياكم من التفرق والشتات لدى بضع وسبعين وعموما فإن الطريقة بيد قوية
وأمينة ولكنها لم تتخذ الترهيب وسيلة لتخويف الناس أوإجبارهم على فعل مالايريدون
طريقي في كل الطرائق مأمن � ������� وماعرفت ترهيب صيد بصـائد
وكل فتى لوأم داري يحتمـي ����� ��� يطيب بها عيشا وماخاب قاصدي
اخواني.. اخواتي..
تحدثنا العام الماضي عن التحديات التي تواجه منطقتنا العربية
والإفريقية وعلى رأسها المخططات الأجنبية، ولعل الساحة الإسلامية على وجه العموم
ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، بدأت تشهد تطبيق مراحل متقدمة من تلك المخططات
التي ظلت تقف خلف معظم ما يجري في العالم الإسلامي.
والسودان لم يكن بمعزل عما يجري، فقد تسارعت فيه الأحداث بصورة كبيرة،
فبينما تنفس الناس الصعداء بوقف الحرب في جنوبنا الحبيب، إذا بالأوضاع تتفجر غرباً
وشرقا، لتدخل البلاد في مرحلة غاية في الخطورة، تزايدت فيها فعالية الاستراتيجيات
الأجنبية في تشتيت وإنهاك الجبهة الوطنية .
أخواني.. اخواتي..
لقد ظل مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنه، وعبر خطاباته السنوية يضع
الركائز الأساسية لمواجهة تحديات العصر، وقد ظل يعمل لتوسيع المدارك والفهوم
للتعامل ليس مع المخططات الأجنبية فحسب، وإنما أيضاً العبور من خلالها نحو إرساء
دعائم الهدي النبوي الشريف في أرجاء العالم باعتباره البلسم الشافي لأدواء العصر
والحل الناجع لمشكلاته.
ولقد أشرنا العام الماضي للركيزة الأولى إلا وهي البناء الأخلاقي
للأفراد وتسليحهم بسلاح الإيمان وتزكية النفوس وصبغها بالقيم الإسلامية السمحاء،
لتشكل في نهاية الأمر الفرد المسلم الصالح الذي يشكل ركيزة النهضة الإسلامية.
كما سلط رضي الله عنه الضوء على مسئولية الدعوة باعتبارها ركيزة من
تلك الركائز، حيث أوضح أن المولى عز وجل لم يحدث أن ترك أمر دينه يوماً من الأيام
لاجتهاد البشر وما يعنيه ذلك من احتمالات الوقوع في الخطأ، بل أرسل الرسل
والأنبياء، وأوضح أن عهد الولاية قـد بدأ بنهاية عهد الرسالات، وقد ربط مولانا رضي
الله عنه بين ما يجري على الساحة الدولية من فساد واضطراب وفتن وتطرف، بالخلل في
اتجاهين رئيسيين، أولهما الاجتهاد البشري في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، الذي
ساد العالم في المرحلة الماضية وكانت أهم نتائجه ذلك الغلو والتطرف الديني الذي
اصبح يهدد العالم بأسره، مشيراً لمدخل الحل المتمثل في الحديث (صلاح آخر هذه الأمة
بصلاح أولها علمائها وأمرائها). وثانيهما الخلل في النظام العالمي الذي لم يستصحب
قيم العدل والعلم والخير والمساواة خاصة فيما يتعلق بالدول الضعيفة أو النامية،
داعياً لتأسيس نظام عالمي يؤسس لشراكة بين الدول الكبرى والصغرى، يقوم على أسس
العلم والعدل وقيم الخير.
وقد نبه مولانا رضي الله عنه إلى أهمية التدبر في تلكم الحقائق مشيراً
إلى أن المأذون بالدعوة إلى الله هو المصطفى صلى الله عليه وسلم
﴿وداعـياً إلى
الله بإذنه وسـراجاً منير﴾ (46 الأحزاب)، منبهاً لمسئولية الأولياء والائمة
المعتمدين من بعده
﴿ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا
وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك
هو الفوز العظيم﴾ (يونس62-64) الذين يدعون إلى ربهم على بصيرة ودراية وليس اجتهاد
معرض للخطأ أو الصواب
﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ (من
الآية
108 يوسف)
﴿الرحمـن فسئل به خبير﴾ (من الآية
59 الفرقان) (كنت سمعه الذي
يسمع به وبصره الذي يبصر به) الحديث..
اخواني.. اخواتي..
إن التدبر في ما قاله مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنه يقود إلى
مرافئ الحل، ولنتناول ذلك من خلال الحديث الشريف (الإيمان ما وقر في القلب وصدقه
العمل) وهو يشير إلى حقيقة بسيطة ولكنها ذات دلالات عميقة، ألا وهي أن الإيمان إذا
ما وقر في القلب فإن العمل الصالح يكون هو المرادف الطبيعي لذلك، ولعل النظر إلى
الفساد الذي استشرى في مجتمعنا الإسلامي يجب أن يقودنا إلى الوقوف للتأمل في هذا
الحديث الذي يحدد الأمور بشكل قاطع شأنه شأن المعادلات الرياضية التي لا تحتمل
الإلباس، فوجود الإيمان في القلب يرادفه العمل الصالح، وبالتالي فإن الفساد لا يمكن
أن يكون مرادفاً للإيمان.
اخواني.. اخواتي..
قال تعالى في محكم تنزيله
﴿وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمن..﴾ (55 النور).. وقال أيضاً
﴿الذين آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون﴾��
(82 الأنعام ).
من الحقائق الثابتة في القرآن الكريم ارتباط الإيمان بالعمل الصالح
فلا يأتي الإيمان إلا ويتبعه العمل الصالح، ولا يأتي موضع لنصر الله إلا سبقته
أسباب وتوكل وإيمان وعمل صالح، وهناك الكثير من قصص الأنبياء على نبينا وعليهم
الصلاة والسلام، التي تشير لذلك، فلا نجد نصاً في القرآن فيه انتصار لمن هو غير
مؤمن أو مفسد، وهناك العشرات من الآيات الكريمة التي تشير إلى ذلك. ولعلنا بالتدبر
في خطابات مولانا الشيخ نكتشف انه ظل يؤسس لصلاح الدنيا والآخرة من خلال ترسيخ
الإيمان في القلوب ليتبعها العمل الصالح كمرادف طبيعي له، وذلك عبر النهج النبوي
الشريف في إصلاح القلوب والسمو بها بين مراتب الدين بواسطة الخبراء
المختصين المتمثلين في الأولياء الصالحين والائمة المعتمدين..
اخواني اخواتي..
قال تعالى
﴿ولينصرن الله من ينصره إن الله قوي عزيز﴾ (من الآية
40
الحج)، وقال أيضاً
﴿الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم
مهتدون﴾
(82 الأنعام).. وقال أيضاً
﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون﴾
(117هود).
إننا ندرك جميعاً أن تحديات العصر المطلوب منا مواجهتها من غزو فكري
ومخططات أجنبية إنما تنطلق مسنودة بعناصر القوة الاستراتيجية (سياسياً واقتصادياً
واجتماعياً وعسكرياً)، في وقت ظلت تعمل فيه تلك المخططات على استكمال عناصر الضعف
في عالمنا الإسلامي، ولعل هذا الوضع يجعل الأمة أحوج ما تكون لتصحيح المسار، وان
ذلك يتطلب اتخاذ خطوات استراتيجية جريئة، لا يمكن أن تكتمل ولا الشروع فيها، إلا
باستيفاء العناصر الإيمانية التي أشار إليها مولانا الشيخ رضي الله عنه،
والتي تقود لرضاء المولى والحصول على نصرته ومدده، فما يحدث في ارض المسلمين
أمر لا يمكن مواجهته بمعزل عن دعم السماء، ولقد حكى القرآن عن الإمداد الإلهي لرسول
الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده حتى أقاموا تلك الدولة العظيمة
التي تمتد من أوربا حتى مشارف الصين في سنوات قليلة، وحكى كيفية تنزل النصر من عند
الله ليعوض الفارق بين الإمكانات المادية بين المسلمين من ناحية والفرس والروم من
ناحية أخرى، كما حكى التاريخ قصة سيدنا عمر بن عبد العزيـز رضي الله عنه، الذي أنجز
عملاً لا يمكن إتيانه بالمعايير الطبيعية، حيث اثبت التاريخ أن تطبيقه للعدل الصرف
ومخافة الله في عباده، قد انزل النصر والمدد فأمطرت السماء بعد جفاف، ونبت الزرع
وامتلأ الضرع، وحدث تحول اقتصادي عظيم حيث انتقلت الدولة خلال اقل من عامين من دولة
سمتها العامة شعب من الفقراء إلى دولة يسعى عمال زكاتها طوال النهار ولا يجـدون من
يأخذ الزكاة.
إن التدبر في هذا وغيرها من الأمثلة التي وردت في القرآن، يشير إلى أن
الاستنصار بالله يتطلب الأخذ بالأسباب والإيمان والعمل الصالح ومن ثم التوكل على
الله والعكس صحيح.
واليوم ونحن نحتفل بالذكرى الثانية لمولانا الشيخ إبراهيم فإن الأمة
الإسلامية أحوج ما تكون إلى التدبر بعمق فيما قاله رضي الله عنه حتى نؤسس لعالم
تسوده المحبة والعدل والسلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاح آخر هذه الأمة بصلاح
أولها علمائها وأمرائها).
وقال المولى عز وجل في محكم تنزيله
﴿ولله غيب السماوات والأرض وإليه
يرجع الأمر كله، فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون﴾ (123هود)� صدق الله العظيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى
آله وأصحابه وسلم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب
العالمين.
وكل عام وانتم بخير
والسلام عليكم
ورحمة الله تعالى وبركاته.
|