الغرفة المنيفة فـي مقام صاحب الفضيلة
استدارت عينى فى هذه الغرفة.. بل استنار قلبى بما رأيته.. هل هذا حلم
أم حقيقة.. إننى داخل الحجرة المباركة كما يطلقون عليها- إننى داخل حجرة الآثار
النبوية الشريفة بمقام مولانا الإمام الحسين رضى الله تبارك وتعالى عنه.. وإذ بى
أرى من الصناديق أربعة وقد صنعت من الفضة وعليها ديباج أخضر مطرز بخيوط من الفضة
المطلية بالذهب.. وتلمح عينى بل يهوى قلبى الشغوف إلى الصندوق الأول.. ماذا به وأى
شئ بداخله.. وإذ بى أرى مكحلته الشريفة.. المكحلة التى صنعت أيضا من الفضة، ويهمس
فى أذنى من يقول لى إنها (فضة عقيق) والتى كان يستخدمها صلوات ربى وسلامه عليه
وآله وصحبه وسلم عند النوم ثلاثا فى كل عين.. يالها من نظرة عبر الزمان لترى بعين
قلبك ما لا يدركه عقلك..ويأخذ القلب خفقان وأى خفقان ويتوق لمعرفة ما بداخل
الصندوق الثانى.. ترى ما به.. أيها السادن أسرع لقد قاربت روحى الخروج من جسدى
لتلحق ما بداخله.. ويفتح غطاؤه الصغير وإذ بى برائحة لم أشم مثلها وكأنه طيب الجنة
وترمق عينى قطع من ملابسه الشريفة.. إنه قميصه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
والتى صنعت من القطن والكتان.. بيضاء خالية من الزخارف.. هل هذا هنا فى مصر ولا
ندرى عنه شئ. وقدر ما سكن جسدى لسكون روحى أمام هذا الصندوق ولكننى شغوف لمعرفة ما
بداخل الصندوق الثالث.. وأحرك قدمى وكأنه ثقل لا يتحرك لكى أصل إليه ويقترب السادن
منه ثم يفتحه لأنظر ما به لأجد قطعة من عصا من الصنوبر (قضيب صغير) وهو الذى
استخدمه صلى الله تعالى عليه وسلم يوم فتح مكة وكان يشير به إلى الأصنام وهى
تتهاوى وهو يقول� (جاء الحق وزهق الباطل)..
وإلى هاهنا ويصمت الجميع وكأنه على رؤوسهم الطير.. ماذا حدث ولماذا هذه السكتة
المفاجئة.. ماذا فى الأمر.. إن السادن أجده فى حالة غير حالته.. وأجد نفسى فى حالة
لا أستطيع حتى الكلام ولكن شدة الموقف جعلتنى أتسآل ولكن بداخلى ماذا يحدث حولى
وما بداخل الصندوق الرابع وما هذه الهالة التى أخذتنا ويزحف لسانى من داخل فمى
ليتفوه بكلمة ولا يستطيع ولكن السادن قد قرأها فى عينى ليهمس لى كل ما رأيته شئ
وهنا شئ آخر.. إننا رأينا أشياء تخص الحبيب.. وهنا أشياء من الحبيب.. ويتمتم
الحاضرون وينقبض الصدر على ما بداخله حين يمد السادن يده على غطاء الصندوق الرابع..
وهول الموقف لا نرى فيه شئ ليصل العجب أشده.. ويقربنى السادن أكثر إلى الصندوق
لأجد قارورة.. وتأخذنى قشعريرة ولا أرى شئ.. ثم يدنينى السادن أكثر لأرى بداخلها
شعيرات.. إنها شعيرات منه.. يا حبيبى يا حبيب الله إنه شعر قد نبت بلحيته الشريفة
صلوات ربى وسلامه عليك يا سيدى يا مولاى يا قرة عينى يا نور قلبى.. حق.. لولا
هواهم فى الحشا ما ذاق قلب لذة الإيمان.. حق.. بهم استبان الحق حقا وانجلى عن كل
مكروب هموم العانى.. وهنا لا تستيطع أقدامى على حمل جسدى لقد أحسست بجسدى يهوى
ولكنى تماسكت بل حاولت التماسك، ويدرك السادن حالتى فيسندنى برفق وهوادة ويأخذنى
إلى تابلوه زجاجى ليقتلنى بكلماته وهو يقول هذا أحد سيوف الحبيب المختار وجدته
داخل جرابه.. ترى ما لونه وما شكله.. ولكننى أبصرت الجراب وسبحت روحى إلى ما
بداخله..ويأخذنى السادن إلى دولاب زجاجى به مصحف ضخم ومكتوب بكلمات يصعب على
القارئ التنبؤ بواحدة منه.. وأحاول أن أستمع إلى السادن وهو يشرح ويقول هذا مصحف
سيدنا ومولانا الإمام عثمان بن عفان رضى الله تبارك وتعالى عنه.
الرحلة المباركة وننظر عبر الزمان ونبحث عن حقيقة هذه الآثار وكيف وصلت إلى هن.. ونطرق
باب التاريخ ليخبرنا بأنها كانت فى حوزة الوزير تاج الدين حمد من أسرة كانت تسكن
مدينة ينبع بأرض الحجاز ثم نقلها إلى مصر وبنى لها مكانا هو الآن الجامع المعروف
باسم� أثر النبى� وبعد فترة من الزمان تم نقلها إلى قبة الغورى فى
أوائل القرن العاشر الهجرى واستمرت فيه ثلاث قرون وبعدها تم نقلها إلى مسجد عقيلة
آل البيت السيدة زينب رضى الله تبارك وتعالى عنها وكان ذلك فى عام
1275 هجرية. وبعد فترة ليست طويلة تم نقلها إلى خزائن الأمتعة بالقلعة ومنها إلى
ديوان الأوقاف فى عام
1304 هجرية ولم يمض عام حتى تم نقلها إلى قصر عابدين فى عام
1305
هجرية وأخيرا سكن ركب الآثار بجوار أحب خلق الله إليه إلى ريحانته وزينة عرش
الرحمن إلى عبد الله الإمام الحسين.. لقد بنيت حجرة خاصة داخل المقام الشريف لتسكن
الآثار فى خير جوار داخل مقام مولانا الإمام الحسين رضى الله تبارك وتعالى عنه.
رحلة خاصة أما شعر اللحية الشريفة فله رحلة خاصة.. حيث يوجد فى العالم بأسره 8
شعيرات للنبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. منها أربعة فى الهند، وأربعة فى
تركيا، فأما الأربعة التى فى تركيا فقد حدث أن حاكم مصر التركى خسر معركة وحزن
لخسران هذه المعركة حيث تم غرق أول أسطول بحرى فى الاسلام� تركى�
وكان مجهزا تجهيزا دقيقا وجيدا، واشتد به الألم حتى أن حاكم تركيا أراد أن
يخفف عن حاكم مصر همه فأجزل له العطاء من المال دون جدوى، ولم يجد بد فى تخفيف
آلامه سوى أن يمنحه شعيرة بل اثنان من شعيرات اللحية الشريفة للحبيب المحبوب صلوات
ربى وسلامه عليه، ففرج عنه كربه، ووضع واحدة منهن بمقام مولانا الإمام الحسين وأما
الأخرى فقد وضعها بمقام السيد أحمد البدوى، ثم التى فى مقام مولانا الإمام الحسين
قد انقسمت الى اثنين، والتى فى مقام السيد البدوى كما هى.
نظرة علمية ومعجزات حسية يتحدث العلم وعلماؤه عن العمر الافتراضى لشعر الإنسان ويقررون -علميا-
بأن انفصال الشعر عن الجسد يمكث قرابة خمسون عاما كحد أقصى وقد أشار البعض بأن
المدة تتراوح ما بين
30 إلى
50 سنة. ولكن شعره الشريف يتحدى العلم بل سائر العلماء ويمضى أكثر من ألف سنة
عبر الأجيال.. وكيف لا وهو القائل صلوات ربى وسلامه عليه إنى لست كهيئتكم إنى أبيت
عند ربى يطعمنى ويسقينى وانظر يا رعاك الله إلى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لست
كهيئتكم.أما العصا الشريفة وهى من الصنوبر وقد انقرض هذا النوع بالذات من الأخشاب
وعمره الافتراضى ما يقرب أيضا من خمسون عاما ليقف المتحير فى حيرة أكثر. أما عن مصحف سيدنا عثمان فهو من جلد الغزال وعمره الافتراضى يدنو من
المائتين عاما ولكنه صامد على مر العصور.
آثار عبر الزمان لقد حدث فى أثناء أعمال الترميم بالحجاز أنهم قد عثروا على حجر عليه
آثار أقدام النبى المصطفى صلى عليه وآله وصحبه وسلم وكذلك حجر آخر عليه آثار
يديه الشريفة، فتم نقلها إلى حاكم مصر التركى انذاك، فقال الحاكم أن هذه آثار
أهل البيت ولا يصح الاحتفاظ الشخصى بها ويجب أن تحفظ بمساجد المسلمين للمنفعة
العامة، فتم وضع آثار القدم الشريف فى مقام السيد البدوى وآثار اليد الشريفة فى
مقام سيدى إبراهيم الدسوقى. أشرف مصطفى
سيدى ابن عطاء الله السكندري يقص سيدى ابن عطاء الله السكندرى قصة صلته بأبى العباس فيقول: كنت
لأمره� أى لأمر الشيخ أبى العباس� من المنكرين، وعليه من المعترضين، لا لشئ سمعته
منه، ولا لشئ صح نقله، ولكن جرت المخاصمة بينى وبين أصحابه، فقلت فيهم قولا عظيما،
ثم قلت فى نفسى:� دعنى أذهب أنظر هذا
الرجل؛ فصاحب الحق له أمارات لا يخفى شأنه�
فأتيت إلى مجلسه فوجدته يتكلم فى الأنفاس ومسألة درجات السالكين إلى الله
ومدى معرفتهم به وقربهم منه، فقال:� الأول
إسلام وهو درجة الانقياد والطاعة والقيام بمراسيم الشريعة، وثانيها الإيمان وهو
مقام حقيقة الشرع بمعرفة لوازم العبودية، وثالثهما الإحسان وهو مقام شهود الحق
تعالى فى القلب، وإن شئت قلت الأول عبادة والثانى عبودية والثالث
عبودة، وإن شئت قلت الأول شريعة والثانى حقيقة والثالث تحقق� فما يزال يقول�
وإن شئت قلت وإن شئت قلت وإن شئت قلت�
إلى أن بهر عقلى وسلب لبى، فعلمت أن الرجل إنما يغترف من فيض بحر إلهى ومدد
ربانى، فأذهب الله ما كان عندى. ثم أتيت تلك الليلة إلى المنزل فلم أجد شيئا يقبل الإجتماع بالأهل على
عادتى، ووجدت معنى غريبا لا أدرى ما هو، فانفردت فى مكان أنظر إلى السماء
وكواكبها، وما خلق الله فيها من عجائب قدرته، فلمس قلبى أشياء لم أعرفها من قبل،
فحملنى ذلك على العودة إليه مرة أخرى، فأتيت إليه، فإستؤذن لى عليه، فلما دخلت قام
قائما وتلقانى ببشاشة وإقبال حتى دهشت خجلا، واستصغرت نفسى أن أكون أهلا لذلك.فكان
أول ماقلت له:� يا سيدى، أنا والله
أحبك� فقال: أحوال العبد أربع لا خامس لها:سالنعمة
والبلية والطاعة والمعصية .فإن كنت فى النعمة فمقتضى الحق منك الشكر. وإن كنت فى البلية فمقتضى الحق منك الصبر.وإن كنت فى الطاعة فمقتضى
الحق منك شهود منته عليك.وإن كنت فى المعصية فمقتضى الحق منك وجود الإستغفار. فقمت
من عنده وكأنى كانت الهموم والأحزان ثوبا نزعته.. ثم سألنى بعد ذلك بمدة� كيف حالك��
فقلت� أفتش عن الهم فلا أجده �فقال:
وظلامه فـى الناس سارى
ونحن فى ضوء النهــار
ليلى بوجهك مشـــرق
والـناس فى سدف الظلام ولازم سيدى ابن عطاء الله أستاذه ثم كان من بعده شيخ الطريقة
الشاذلية، كما قال سيدى أبو الحسن الشاذلى عن الإمام الكبير سيدى أبى العباس
المرسى� إنه أعلم بطرق السماء منه بطرق الأرض� وقال فيه�
هذا أبوالعباس منذ عرف الله لم يحجب عنه، ولو طلب الحجاب لم يجده. ناهد حسان عبد الباري
قال تعالى
﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم
يستغفرون﴾ جعل سبحانه رتبة الاستغفار فى الأمن من العذاب، وللاستغفار صيغ عديدة
نأخذ منها على سبيل المثال استغفار سيدنا آدم عليه السلام حيث كان استغفاره (أستغفر
الله العظيم) فلما توسل بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تلقى من ربه كلمات. فقال المولى سبحانه
﴿فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب
الرحيم﴾ وهذه الكلمات كما قال عنها أهل التحقيق تتضمن ثلاثة أسماء إلهية وهى (هو،
التواب، الرحيم) فأضافها سيدنا آدم فى استغفاره فأصبح استغفاره (أستغفر الله العظيم
هو التواب الرحيم). ولقد روانا الحبيب صلوات ربى وسلامه عليه من عذب حديثه عن فضائل
الاستغفار.. منها: ما أخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجة عن الحبيب المحبوب صلوات ربى
وسلامه عليه من أكثر من الاستغفار جعل الله عز وجل له من كل هم فرجا ومن كل ضيق
مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب. ويحدثنا سيدنا حذيفة رضوان الله تعالى عليه فيقول:
كنت ذرب اللسان على أهلى فقلت يا رسول الله لقد خشيت أن يدخلنى لسانى النار فقال (
أين أنت من الاستغفار فإنى أستغفر الله فى اليوم مائة مرة). وفيما أخرجه الإمام أحمد عن سيدنا أبى هريرة رضى الله تبارك وتعالى
عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم (إن الله سبحانه وتعالى ليرفع الدرجة للعبد فى
الجنة فيقول يارب أنى لى هذه فيقول عز وجل: باستغفار ولدك لك). وقد أخرج الإمام
مسلم فى صحيحه عن الأعرج المدنى قال، قال صلى الله عليه وسلم (يا أيها الناس توبوا
إلى الله فإنى أتوب إلى الله فى اليوم مائة مرة). وللبخارى أيضا فى صحيحه عن السيدة عائـشة قالت قال صلى الله
عليه وسلم (إن العبد إذا اعترف بذنبه إلى الـله تاب الله عليه). وعن أبى أمامة الباهلى قال، قال صلى الله عليه وسلم (صاحب اليمين أمير
على صاحب الشمال فإذا عمل العبد حسنة كتب له صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة فأراد
صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين أمسك عنه، فيمسك عنه ست ساعات من النهار أو
سبعا، فإن استغفر الله تعالى منها لم يكتب عليه شيئا وإن لم يستغفر كتب عليه
واحدة). �وعن
سيدنا مولانا الإمام الحسن رضى الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم (ليس من عبد
إلا عليه ملكان وصاحب اليمين أمير على صاحب الشمال فإذا عمل العبد سيئة قال له صاحب
الشمال أكتبها فيقول له صاحب اليمين دعه حتى يعمل خمس سيئات، فإذا عمل خمس سيئات
قال صاحب الشمال أكتبها فيقول صاحب اليمين دعه حتى يعمل حسنة، فإذا عمل حسنة قال له
صاحب اليمين قد أخبرنا بأن الحسنة بعشر فتعال حتى نمحو له خمسا بخمس ونثبت له خمسا
من الحسنات، قال فيصيح الشيطان عند ذلك يقول متى أدرك ابن آدم). سناء بدر الدين |
|