قصص
قال الحسين الأنصارى: رأيت فى النوم كأن القيامة قد قامت، وشخص قائم
تحت العرش، فيقول الحق سبحانه: يا ملائكتى من هذا فقالوا الله أعلم، فقال: هذا
معروف الكرخى سكر من حبى فلا يفيق إلا بلقائى، وفى رواية أخرى: هذا معروف الكرخى
خرج من الدنيا مشتاقا إلى الله تعالى فأباح الله عز وجل النظر إليه.
وقال فارس: قلوب المشتاقين منورة بنور الله تعالى، فإذا تحرك اشتياقهم
أضاء النور بين السماوات والأرض، فيعرضهم الله تعالى على الملائكة فيقول: هؤلاء
المشتاقين أشهدكم أنى إليهم أشوق.
ويقول سرى السقطى: الشوق أجل مقام للعارف إذا تحقق فيه، وإذا تحقق فى
الشوق فإنه يلهو عن كل شئ يشغله عمن يشتاق إليه.
قال الأستاذ أبا على الدقاق: بكى شعيب حتى عمى، فرد الله عز وجل بصره
عليه، ثم بكى حتى عمى فرد الله عز وجل بصره عليه، ثم بكى حتى عمى فأوحى الله تعالى
إليه: إن كان هذا البكاء لأجل الجنة فقد أبحتها لك وإن كان لأجل النار فقد أجرتك
منها، فقال لا بل شوقا إليك فأوحى الله عز وجل إليه: لأجل ذلك أخدمتك نبيى وكليمى
عشر سنين.
وقيل أوحى الله تعالى إلى سيدنا داود عليه السلام: قل لشباب بنى
إسرائيل: لماذا تشغلون أنفسكم بغيرى وأنا مشتاق إليكم ما هذا الجفاء
وقيل أيضا: أوحى الله إلى سيدنا داود عليه السلام: لو يعلم المدبرون
عنى كيف انتظارى لهم ورفقى بهم، وشوقى إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إليَّ وانقطعت
أوصالهم من محبتى يا داود هذه إرادتى فى المدبرين عنى فكيف إرادتى فى المقبلين إلى.
وقيل من اشتاق إلى الله تعالى اشتاق إليه كل شئ، وسئل الجنيد من أى شئ
يكون بكاء المحب إذا لقى المحبوب فقال: إنما يكون ذلك سرورا به ووجدا من شدة الشوق
إليه.
*********
وقال أبو بكر محمد الكتانى: جرت مسألة فى المحبة بمكة المكرمة أيام
الموسم، فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد أصغرهم سنا، فقالوا له هات ما عندك يا
عراقى، فاطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه، قائم
بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هويته، وصفا وده من كأس وده، وانكشف
له الجبار من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله وإن نطق فعن الله وإن تحرك فبأمر الله
وإن سكن فمع الله فهو بالله ومع الله.
فبكى الشيوخ وقالوا: ما على كلامك من مزيد خيرك الله تعالى يا تاج
العارفين.
*********
ويقول أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص: ذهب المحبون لله تعالى بشرف
الدنيا والآخرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال المرء مع من أحب فهم مع الله..
وقال هرم بن حيان: المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه وإذا أحبه أقبل
إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه لم ينظر للدنيا بعين الشهوة ولم ينظر إلى الآخرة
بعين الفترة وهى تحسره فى الدنيا وتروحه فى الآخرة.
*********
قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عز وجل العبد قال لجبريل: يا
جبريل إنى أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادى فى أهل السماء: إن الله تعالى قد
أحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يضع له القبول فى الأرض..
ويروى أن سيدنا عيسى عليه السلام مر بثلاثة نفر قد نحلت
أبدانهم وتغيرت ألـوانهم، فقال لهم ما الذى بلغ بكم ما أرى فقالوا: الخوف
من النار، فقال: حق على الله أن يؤمن الخائف.
ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا، فقال: ما الذى
بلغ بكم ما أرى قالوا: الشوق إلى الجنة، فقال: حق على الله أن يعطيكم ما ترجون.
ثم جاوزهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشد نحولا وتغيرا كأن وجوههم
المرائى من النور، فقال: ما الذى بلغ بكم ما أرى قالوا: نحب الله عز وجل فقال أنتم
المقربون أنتم المقربون..
*********
جاء أعرابى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله
متى الساعة قال: وما أعددت لها قال: ما أعددت لها
كثرة صلاة ولا صيام إلا أنى أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم المرء مع من أحب..
نفحات وعبر
اغتسل الإمام الحسن رضى الله تبارك وتعالى عنه وخرج من داره -فى بعض
الأيام- وعليه حلة فاخرة ووفرة ظاهرة ومحاسن سافرة، فعرض له فى طريقه شخص من صغراء
اليهود وعليه مسح من جلود، قد أنهكته العلة وركبته القلة والذلة، وشمس الظهيرة قد
شوت شواه، وهو حامل جرة ماء على ظهره، فاستوقف الإمام الحسن رضى الله تبارك وتعالى
عنه وقال: يا ابن رسول الله سؤال، فقال الإمام: ماهو فقال اليهودى: جدك يقول
الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وأنت مؤمن، وأنا كافر، فما أرى الدنيا إلا جنة لك
تتنعم بها وما أراها إلا سجنا علىّ قد أهلكنى ضرها وأجهدنى فقرها، فلما سمع الإمام
الحسن كلامه قال له: يا هذا لو نظرت إلى ما أعد الله لى فى الآخرة لعلمت أنى فى
هذه الحالة بالنسبة إلى تلك فى سجن.. ولو نظرت إلى ما أعد الله لك فى الآخرة من
العذاب الأليم.. لرأيت أنك الآن فى جنة واسعة.
*********
ذات يوم كان الإمام الحسن جالس.. فأتاه رجل وسأله أن يعطيه شيئا من
الصدقة، ولم يكن عنده ما يسد به رمقه، فاستحيا أن يرده، فقال رضى الله تبارك
وتعالى عنه: ألا أدلك على شئ يحصل لك منه البر فقال الرجل: ماذا تدلنى عليه ، فقال
الإمام: اذهب إلى الخليفة فإن ابنته توفيت وانقطع عليها وما سمع من أحد تعزية،
فعزه بهذه التعزية يحصل لك بها الخير. فقال الرجل: حفظنى إياه.
قال: قل له الحمد لله الذى سترها بجلوسك على قبرها ولا هتكها بجلوسها
على قبرك.
فذهب إلى الخليفة وعزاه بهذه التعزية فسمعها فذهب عنه الحزن، فأمر له
بجائزة وقال: بالله عليك أكلامك هذا قال: لا بل كلام الإمام الحسن سبط رسول الله
صلوات ربى وسلامه عليه.
فقال الخليفة: صدقت فإنه معدن الكلام الفصيح وأمر له بجائزة أخرى.
*********
قال أبو رزين العقيلى يا رسول الله ما الإيمان فقال�� أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وفى
حديث آخر لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .
وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمحبة فقال أحبوا الله لما
يغذوكم به من نعمة وأحبونى لحب الله..
*********
وفى الخبر المشهور أن سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت إذ
جاءه لقبض روحه: هل رأيت خليلا يميت خليله فأوحى الله تعالى إليه هل رأيت محبا
يكره لقاء حبيبه فقال خليل الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: يا ملك
الموت الآن فأقبض.. وهذا لا يجده إلا عبد يحب الله بكل قلبه فإذا علم أن الموت سبب
اللقاء انزعج قلبه إليه ولم يكن له محبوب غيره حتى يلتفت إليه..�
أمثال
وحكم
قاضي القضاة
أحمد بن أبي دؤاد
يروى أن أبا العيناء الهاشمي وكان بينه وبين ابن أبي دؤاد صلة فتوجه
إليه يشكو إليه بعض الناس. فقال له: إن قوما تضافروا عليّ قال ابن أبي دؤاد
﴿يد
الله فوق أيديهم﴾ الفتح (10). قال أبو العيناء: إنهم كثير قال
﴿كم من فئة غلبت فئة
كثيرة بإذن الله﴾البقرة (249). قال أبو العيناء إن لهم مكرا قال
﴿ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
﴾�
فاطر(43).
*********
ويروى في ذلك أيضا ما قصه أبو العيناء الهاشمي من أن أحمد بن أبي دؤاد
كان البعض يحسدونه على مكانته من الخليفة الواثق، ويحاولون الدس في حقه للخليفة.. وذات
يوم دخل ابن أبي دؤاد على الخليفة العباسي الواثق بالله فابتدره الخليفة قائلا: ما
زال القوم في ثلبك ونقصك ! قال ابن أبي دؤاد متمثلا بآي القرآن الكريم: يا أمير
المؤمنين
﴿لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم﴾ النور
11. ثم أكمل قائلا والله ولي جزائه. وعقاب أمير المؤمنين من ورائه. وما ذل من كان
أمير المؤمنين ناصره. ولا ضاع من كان حافظه. ثم قال: فماذا قلت لهم يا أمير
المؤمنين؟ قال: قلت لهم (متمثلا ببيت شعر لكُثَيّر) :
و سعى إلى بعيب عزة نسوة
جعل الإله خدودهن نعــالا
*********
جود سعيد بن العاص
قدم سعيد بن العاص إلى الكوفة واليا عليها فكانت له موائد يتوجه إليها
الأشراف والقراء وكان من بينهم قارئ أصابته أزمة طاحنة، فقالت له زوجته: ويحك! إن
سعيد بن العاص مشهور بالجود وقد فنيت أرزاقنا فاسأله. فتوجه إليه وظل باقيا حتى
انفض المجلس، فقال له سعيد أرى أنك تحتاجني في شيء فتكلم، فحاول الرجل أن يتكلم
فتردد وسيطر عليه الحرج، فأشار سعيد إلى الخدم أن يخرجوا ثم قال للرجل ها قد
أصبحنا ولا أحد معنا فقل ما في نفسك، فلم يستطع، فقام سعيد فأطفأ المصباح وقال
له ها أنت لا تراني ولا أراك، فقال الرجل أنه في ضائقة مالية كبيرة. قال
إذا من الصباح فالق وكيلي وفي الصباح قابل وكيله فقال له الوكيل
أعندك من يحمل؟ قال لا والله. وانصرف منقلبا إلى بيته وقد لام زوجته قال إنه
يريد من يحمل فلا بد أنه أمر لي بتمر ولو كان مالا لسلمه لي يدا بيد.
وبعد يومين جاءه الوكيل وقال له أين أنت لقد عرفنا بيتك بجهد
بالغ ثم سلمه ثلاثة عبيد مع كل صرة من المال وكساء فوضعوا هذه الأشياء وجلسوا
قال فيم جلوسكم وأعطاهم بعض المال قالوا إن الأمير إذا بعث عبدا لأحد صار ملكا له.
|