حبـيب
الله
دلت
الآيات
القرآنية
الكريمة
والأحاديث النبوية
الشريفة على
أمر لا يستهين
به إلا قصير فهم،
ولا يقف عنده
ويتدبره إلا
سائلا لطريق
النجاة، ولا
نفر هو عامل
به إلا كان
رشيد العقل
وكان آخره عند
الله محمودا،
فكان هذا
الأمر الجلل
هو (توبة
العبد) فتارة
يحثنا المولى
تبارك وتعالى
عليها بقوله
﴿إن
الله يحب
التوابين﴾ وتارة
يأمرنا بها
فيقول
﴿يا
أيها الذين
آمنوا توبوا
إلى الله توبة
نصوحا﴾ فنجد
النص القرآنى
لم يأمرنا بها
فقط وإنما اشترط
نصحها فقال
﴿نصوحا﴾
ومعنى النصوح
أى الخالص لله
تعالى خاليا
عن الشوائب،
فأشارت الآية
الأولى إلى
فضلها والثانية
إلى وجوبها،
ومن معانيها
ترك المعاصى فـي
الحال والعزم
على تركها فـي
الاستقبال وتدارك
ما سبق من التقصير
فـي سابق
الأحوال،
وقيل من
معانيها أيضا
هى الرجوع عن
الطريق
المبعد عن
الله المقرب
إلى الشيطان،
وقيل أن روح
التوبة هو
التندم على ما
سبق والتحزن
عليه، وقال
لقمان لابنه
يا بنى لا
تؤخر التوبة
فإن الموت
يأتى بغته ومن
ترك المبادرة
إلى التوبة
بالتسويف كان بين
خطرين عظيمين
أحدهما أن
تتراكم
الظلمة على
قلبه من
المعاصى حتى
يصير رينا
وطبعا فلا يقبل
المحو.. الثانى أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد
مهلة للاشتغال بالمحو، وفى الحديث (إن الله عز وجل يبسط يده بالتوبة لمسئ الليل إلى
النهار ولمسئ النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) الحديث رواه مسلم من حديث
أبى موسى بلفظ (يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار) الحديث، وفى رواية للطبرانى
(لمسئ الليل أن يتوب بالنهار) الحديث، وبسط اليد كناية عن طلب التوبة، وقال صلى
الله عليه وسلم (لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب الله عليكم) أخرجه
ابن ماجه من حديث أبى هريرة وإسناده حسن بلفظ (لو أخطأتم) وقال (ثم تبتم) وقال أيضا
(إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنة فقيل كيف ذلك يا رسول الله قال يكون نصب عينه
تائبا منه فارا حتى يدخل الجنة) أخرجه ابن المبارك فـي الزهد عن المبارك بن فضالة
عن الحسن مرسلا، ولأبى نعيم فـي الحلية من حديث أبى هريرة (إن العبد ليذنب الذنب
فإذا ذكره أحزنه فإذا نظر الله إليه أنه أحزنه غفر له) الحديث وفيه صالح المرى وهو
رجل صالح لكنه مضعف فـي الحديث، ولابن أبى الدنيا فـي التوبة عن ابن عمر (إن الله
لينفع العبد بالذنب يذنبه) والحديث غير محفوظ قاله العقيلى وقال صلى الله عليه وسلم
(كفارة الذنب الندامة) أخرجه أحمد والطبرانى والبيهقى فـي الشعب من حديث ابن عباس،
وقال صلى الله عليه وسلم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وحكى أن رجلا سأل ابن
مسعود عن ذنب ألم به هل له من توبة؟ فأعرض عنه ابن مسعود ثم التفت إليه فرأى عينيه
تذرفان فقال له: إن للجنة ثمانية أبواب كلها تفتح وتغلق إلا باب التوبة فإن عليه
ملكا موكلا به لا يغلق فاعمل ولا تيأس.
وحكى أيضا أنه كان فـي بنى إسرائيل شاب عَبَدَ
الله تعالى عشرين سنة ثم عصاه عشرين سنة ثم نظر فـي المرآة فرأى الشيب فـي لحيته
فساءه ذلك فقال: إلهى أطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة فإن رجعت إليك أتقبلنى؟
فسمع قائلا يقول ولا يرى شخصا: أحببتنا فأحببناك وتركتنا فتركناك وعصيتنا فأمهلناك
وإن رجعت إلينا قبلناك، وقال ذو النون المصرى رحمه الله تعالى: إن لله عبادا نصبوا
أشجار الخطايا نصب روامق القلوب وسقوها بماء التوبة فأثمرت ندما وحزنا فجنوا من غير
جنون وتبلدوا من غير عى ولا بكم وإنهم هم البلغاء الفصحاء العارفون بالله ورسوله ثم
شربوا بكأس الصفاء فورثوا الصبر على طول البلاء ثم تولهت قلوبهم فـي الملكوت وجالت
أفكارهم بين سرايا حجب الجبروت واستظلوا تحت رواق الندم وقرءوا صحيفة الخطايا
فأورثوا أنفسهم الجزع حتى وصلوا إلى علو الزهد بسلم الورع فاستعذبوا مرارة الترك
للدنيا واستلانوا خشونة المضجع حتى ظفروا بحبل النجاة وعروة السلامة وسرحت أرواحهم
فـي العلا حتى أناخوا فـي رياض النعيم وخاضوا فـي بحر الحياة وردموا خنادق الجزع
وعبروا جسور الهوى حتى نزلوا بفناء العلم واستقوا من غدير الحكمة وركبوا سفينة
الفطنة وأقلعوا بريح النجاة فـي بحر السلامة حتى وصلوا إلى رياض الراحة ومعدن العز
والكرامة.
ويروى
عن الحسن قال: لما
تاب الله عز
وجل على آدم
عليه السلام
هنأته
الملائكة وهبط
عليه جبريل
وميكائيل
عليهما
السلام فقالا:
يا آدم قرت
عينك بتوبة
الله عليك،
فقال آدم عليه
السلام: يا
جبريل فإن كان
بعد هذه
التوبة سؤال
فأين مقامى؟
فأوحى الله
إليه: يا آدم
ورثت ذويك
التعب والنصب
وورثتهم التوبة
فمن دعانى
منهم لبيته
كما لبيتك ومن
سألنى المغفرة
لم أبخل عليه
لأنى قريب
مجيب يا آدم
وأحشر
التائبين من
القبور
مستبشرين
ضاحكين ودعاؤهم
مستجاب.. فيا
بشرى
التائبين،
وكتب أمير
المؤمنين عمر بن
عبد العزيز
إلى الحسن
يسأل أن يعظه
فكتب إليه: أما
بعد.. فإن الهول الأعظم والأمور المفظعات أمامك ولابد لك من
مشاهدة ذلك إما بالنجاة وإما بالعطب واعلم أن من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر
ومن نظر فـي العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل ومن حلم غنم ومن خاف أمن ومن أمن اعتبر
ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم ومن فهم علم فإذا زللت فارجع وإذا ندمت فاقلع وإذا
جهلت فاسأل وإذا غضبت فأمسك.
عصام
مقبول محمد
رحمته
بأحبابه وبمن
عاداه
وكَذّبه
تتجلى
رحمته صلوات
ربى وسلامه
عليه عندما كذّبه
قومه حين أتاه
جبريل عليه
السلام فقال
له: إن الله
تعالى قد سمع
قول قومك لك،
وما ردوا عليك،
وقد أمر ملك
الجبال لتأمره
بما شئت فيهم،
فناداه ملك
الجبال بعد أن
سلم عليه،
وقال: مرنى
بما شئت، وإن
شئت أن أطبق
عليهم
الأخشبين.. وينطق الرحمة المهداه
بقوله الشهير: عسى أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا.
وروى
ابن المنكدر
أن جبريل عليه
السلام قال للنبى
صلى الله عليه
وسلم (إن الله
تعالى أمر
السماء
والأرض
والجبال أن تطيعك)
فقال الرؤوف
الرحيم صلى
الله عليه
وسلم لأؤخر عن
أمتى لعل الله
أن يتوب عليهم.
وعندها قال جبريل عليه السلام صدق من سماك الرؤوف الرحيم.
وتتجلى
رحمته فـي
عفوه عن
المسيئين يوم
فتح مكة وفى
ذلك يقول الإمام
فخر الدين رضي
الله عنه:
قلتم
كريما يوم مكة
إننــى أعفو
وأصفح
والسبيل
يُضاءُ
وفى صفة
أمته صلى الله
عليه وسلم
أنها (أمة
مرحومة) فقد
قال تعالى
فيهم
﴿وتواصوا
بالصبر
وتواصوا
بالمرحمة﴾ أى
يرحم بعضهم
بعضاً، فبعثه
ربه تعالى
رحمة لأمته
ورحمة
للعالمين،
ورحيماً بهم،
ومستغفراً
لهم، وجعل
أمته مرحومة،
ووصفها بالرحمة
وأمرها صلى
الله عليه
وسلم بالتراحم
فقال(لإن الله
يحب من عباده
الرحماء) وقال
(الراحمون
يرحمهم
الرحمن) وأيضا
(ارحموا من
فـي الأرض
يرحمكم من فـي
السماء)، وأما
إحسانه
وإنعامه على
أمته فقد
جاءنا به القرآن
فـي أوصاف
الله تعالى له
من رأفته بهم
ورحمته لهم وهدايته
إياهم وشفقته
عليهم
واستنقاذهم
به من النار،
وأنه
بالمؤمنين
رؤوف رحيم
ورحمة للعالمين
ومبشراً
ونذيراً
وداعياً إلى
الله بإذنه
وسراجاً
منيراً
ويتلوا عليهم
آياته ويزكيهم
ويعلمهم
الكتاب
والحكمة
ويهديهم إلى صراط
مستقيم.. فأى إحسان أجل قدراً وأعظم من إحسانه
إلى جميع المؤمنين؟ وأى أفضال أعم منفعة وأكثر فائدة من إنعامه على كافة المسلمين،
إذ كان ذريعتهم إلى الهداية ومنقذهم من العماية، وداعيهم إلى الفلاح، ووسيلتهم إلى
ربهم، وشفيعهم والمتكلم عنهم والشاهد لهم والموجب لهم البقاء الدائم والنعيم
السرمد.
فقد
استبان لك أنه
صلى الله عليه
وسلم مستوجب للمحبة
الحقيقية
شرعاً بما
قدمناه من
صحيح الآثار،
وعادة
وجبلةً،
لإفاضته
الإحسان، فإذا
كان الإنسان
يحب من منحه
فـي دنياه
مرةً أو مرتين
معروفا، أو
استنقذه من
هلكة أو مضرة
ومدة التأذى
بها قليل
منقطع.. فمن
منحه ما لا
يبيد من
النعيم ووقاه
ما لا يفنى من
عذاب الجحيم
أولى بالحب،
وإذا كان يحب
بالطبع ملك
لحسن سيرته،
أو حاكم لما
يؤثر من قوام
طريقته، أو
قاص بعيد
الدار لما
يشاد من علمه
أو كرم شيمته.. فمن
جمع هذه الخصال على غاية مراتب الكمال أحق بالحب، وأولى بالميل، وقد قال الإمام على
كرم الله وجهه ورضى الله عنه فـي صفته صلى الله عليه وسلم (من رآه بديهةً هابه ومن
خالطه معرفةً أحبه) وقد ذكر عن بعض الصحابة أنه كان لا يصرف بصره عنه محبةً فيه.
وفى هذا
يقول من أعطى
كمال المحبة
وتمامها الإمام
فخر الدين رضي
الله عنه:
هو من
عليه الله صلى
قدر ما لا تعلم
الأكوان كم
أهــواه
أشرف
عيد
شعاع من
بني النور
في حجب
أنوار
الفرائد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على
سيد المرسلين وعلى آله وصحبه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، إليك
سبحانك يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح ترفعه وتباركه وليس أطيب من كلم يشرق بحبك
ويتعطر بذكرك ويدور حول رضاك وهداك وليس أزكى من عمل يقصد به وجهك الكريم ويستهدف
به عزة هذه الأمة التي ارتضيتها واخترتها لقرآنك وباركتها بنبيك صلى الله عليه وسلم
ولا يصلح أمرآخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وإن
التصوف
الإسلامي له
مدارس اعتصمت
بالكتاب
والسنة
واتخذت من سيد
المرسلين
عليه الصلاة
والسلام
إماماً وقدوة
وجعلت من
أشواق الحب
الإلهي ومن
إلهامات
الروح ومن
مثاليات الخلق
المحمدي
منهجا فـي
المعرفة
وطريقا فـي السلوك
ومعراجاً
للوصول فقدمت
هذه المدارس
للعالمين
أروع وأقوى
روحانية
إيـمانية معتصمة
مهتدية مشرقة
مبينة فيها
هدى ونور يرسم
الطريق
المستقيم
المضيء طريق
المتبتلين المخبتين
الذين أحالوا
الكون بحارا
للمناجاة
والطاعات
وجعلوا من
مشاهده صفحات
ناطقات ملهمات
الطريق
المضيء
الصاعد إلى
رضوان الله وقربه
وأنسه وحبه
وهداه وعلمه
وفيضه،
مدرستان هما
قلب التصوف
ولسانه
وبيانه
وإليها
الفتوى والفيصل
فـي منهاجه
وقواعده
وسلوكه
ومعارجه، مدرستان
تميزتا
بالمعرفة
الكاملة
الصادقة النابعة
من الكتاب
والسنة، إن
الذكر
المتواصل مدرسة
تتعلم منها
كيف الوصول
إلى الله
سبحانه
وتعالى وهو
الذي يُرقيك
إلى أن تصل
إلى المراتب
العليا فإن
صفاء الذكر
صفاء القلب
واللسان وهنا
تظهر
التجليات
الروحانية
وتنكشف من
ضمائر القلوب
الخواطر
النفسانية،
فقد ذكر
الإمام اليافعي
رضي الله عنه
فـي (كفاية
المعتقد
وكناية
المنتقد) قال: سُئل
بعضهم عن
الفراسة أي (فراسة
المؤمن) قال: أرواح
تتقلب فـي
الملكوت
فتشرق على
معاني الغيوب
فتنطق على
أسرار الخلق
نطق مشاهدة
وعيان لا نطق
ظن وحسبان،
الفرق بين
الفراسة
والظن؟ قال: العلامة
شمس الدين بن
القيم: أن
الفرق بين
الفراسة
والظن أن الظن
يخطئ ويصيب
ويكون مع ظلمة
القلب ونوره
وطهارته
ونجاسته،
ولهذا أمر
الله بإجتناب
كثير منه
وأخبر أن بعضه
إثم أما
الفراسة
فأثنى على أهلها
ومدحهم فـي
قوله تعالى:
﴿إن
فـي ذلك لآيات
للمتوسمين﴾ سورة
الحج، وقال
ابن عباس
وغيره
للمتفرسين، وقال
تعالى:
﴿يحسبهم
الجاهل
أغنياء من
التعفف
ولتعرفنهم بسيماهم﴾،
وقال تعالى:
﴿ولو
نشاء
لأريناكهم
فلعرفتهم
بسيماهم ولتعرفنهم
فـي لحن القول..﴾.
فالفراسة
الصادقة
للقلب قد
تطهره وتنزه
من الأدناس
وقرب من الله
فهو ينظر بنور
الله الذي جعله
فـي قلبه، ومن
أحاديث
الترمذي
وغيره من الأحاديث
من حديث أبي
سعيد قال: قال
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم: (أتقوا
فراسة المؤمن
فإنه ينظر
بنور الله)،
وهذه الفراسة
نشأت له من
تقربه إلى
الله فإن
القلب إذا
تقرب من الله
انقطعت عنه
معارضات السوء
المانعة من
معرفته عز
وجل، وإدراكه
له ما لم يراه
البعيد
المحجوب عن
ذكره كما ثبت
فـي صحيح حديث
أبي هريرة رضي
الله عنه عن
النبي صلى
الله عليه
وسلم فيما
يروي عن رب العزة
والجلالة أنه
قال: (ما تقرب
إليّ عبدي
بمثل أداء ما
افترضته عليه ولا
يزال عبدي
يتقرب إليّ
بالنوافل حتى
أحبه فإذا
أحببته كنت
سمعه الذي
يسمع به وبصره
الذي يبصر به
ويده التي
يبطش بها
ورجله التي
يمشي بها فبي
يسمع...الخ)،
فإذا تقرب
العبد إلى ربه
صار قلبه
كالمرآة الصافية
تبدو فيها
صورة الحقائق
على ما هي عليه
فلا يكاد تخطئ
له فراسة، فإن
العبد إذا
أبصر بالله
أبصر الأمر
على ما هو
عليه وإذا سمع
بالله سمع ما
هو عليه وليس
هذا من علم
الغيب بل علام
الغيوب قذف
الحق فـي قلب
هذا المؤمن
بنوره غير
مشغول بنفوس
الأباطيل والخيالات
(والوساوس) التي
تمنعه من حصول
صور الحقائق
فيه وإذا غلب على
القلب النور
فاضت الأركان
وبادر من القلب
إلى العين
فانكشف له
الأمر بعين
بصره بحسب ذلك
النور، كان
صلى الله عليه
وسلم يرى
أصحابه فـي
الصلاة وهم
خلفه كما
يراهم أمامه
وهذا حال
الأولياء
ورثة الأنبياء،
إذاُ الفراسة
هي نور يقذفه
الله فـي القلب
فيخطر له
الشيء فيكون
كما خطر له
وينفذ إلى
العين فيرى ما
لا يراه غيره....وإلى
لقاء مع المدرسة الثانية.�
غادة
سليمان الزين
|