واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

قصص

لما أفضت الخلافة إلى بني العباس اختفت رجال بني أمية وكان فيمن اختفى إبراهيم بن سليمان بن عبدالملك حتى أخذ له داود بن علي من أبي العباس الأمان وكان إبراهيم رجلا عالما قال له أبو العباس ذات يوم حدثني عما مر بك فـي اختفائك قال نعم يا أمير المؤمنين كنت مختفيا بالحيرة فـي منزل على طريق الصحراء، إذ نظرت ذات يومإلى أعلام سود قد خرجت من الكوفة تريد الحيرة فوقع فـي نفسي وفي روعي أنها تريدني فخرجت من الدار متنكرا حتى دخلت الكوفة ولا أعرف بها أحدا اختفي عنده فبقيت متلددا فإذا أنا بباب كبير ورحبة واسعة فدخلت الرحبة فجلست فيها وإذا رجل وسيم حسن الهيئة على فرس قد دخل الرحبة ومعه جماعة من غلمانه وأتباعه فقال لي من أنت وما حاجتك فقلت رجل مختف يخاف على دمه قد استجار بمنزلك قال فأدخلني منزلة ثم صيرني فـي حجرة تلي حرمه فمكثت عنده وكان يزودني بكل ما أحب من مطعم ومشرب وملبس لا يسألني عن شيء من حالي ويركب كل يوم ركبة فقلت له يوما أراك تدمن الركوب ففيم ذلك فقال لي إن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك قتل أبي صبرا وقد بلغني أنه مختف فأنا أطلبه لأدرك منه ثأري فكثر تعجبي من إدبارنا إذ ساقني القدر إلى الاختفاء فـي شمل من يطلب دمي فكرهت الحياة فسألت الرجل عن اسمه واسم أبيه فخبرني بهما فقلت إني قتلت أباه فقلت له يا هذا قد وجب علي حقك ومن حقك أن أقرب عليك الخطوة قال وما ذاك قلت أنا إبراهيم بن سليمان قاتل أبيك فخذ بثأرك قال أحسب أنك رجل قد مللت الاختفاء فأحببت الموت قلت بل الحق قلت يوم كذا بسبب كذا فلما عرف أني صادق اربد وجهه واحمرت عيناه وأطرق مليا ثم رفع رأسه إليَّ وقال أما أنت فستلقى أبي فيأخذ منك حقه وأما أنا فغير مخفر ذمتي فاخرج عني فلست آمن نفسي عليك وأعطاني ألف دينار فلم أقبلها وخرجت من عنده فهذا أكرم رجل رأيته .

*********

دخل الأحمر بن سالم المري على عبد الملك بن مروان فقال له يا أحمر كيف قلت:

مقل رأى الإقلال عارا فلم يزل���������� يجوب بلاد الله حتى تمولا

فأنشده فأصغى إليه مطرقا فلما فرغ قال له ما حاجتك قال أنت يا أمير المؤمنين أعلى بالجميل عينا فافعل ما أنت أهله فإني لما أوليتني غير كافر فأمر له عبد الله بعشرة الاف درهم وألحقة فـي الشرف فخرج من عند عبد الملك وهو يقول:

بكف ابن مروان حييت وناشني���������� إلهــي من دهر كثير العجائب

فلما أنشد عبد الملك قال أحسنت ويحك يا ابن سالم هل كنت هيأت شيئا مما قلت قبل اليوم قال لا قال ويحك قد أمكنك القول فلا تكثر وقليل كاف خير من كثير غير شاف ثم أمر له بخلعه وأربعة الاف وحمله وقال الزم بابي وإياك وأعراض الناس فإني أرى لك لسانا لا يدعك حتى يوقعك فـي ورطة يوما فاحذر أن يوردك شعرك مورد سوء يصيرك تحت كلكل هزبر أبي أشبل يضغمك ضغما لا بقية بعد ضغمة فيك فلم يلبث الأحمر بن سالم أن قدم العراق فهجا الحجاج بن يوسف وقال :

ثقيف بقايــا مـن ثمـود وما لهـم��������� أب ماجد من قيس عيلان ينسب

إذ انتسبوا فـي قيس عيـلان كذبوا���������� وقالـوا ثمـود جدكم والمغيـب

هــم ولدوكم غير شـــك فيمموا���������� بلاد ثمـود حيث كانـوا وعذبوا

وأنت دعي يا ابــن يوسف فيهـم���������� زنيـم إذا مـا حصـلوا تتذبـذب

فطلبه الحجاج وأجعل فيه وتقدم إلى سائر عماله أن لا يفلتهم فأخذه صاحب هيت ووجه به مقيدا فلما أدخل على الحجاج بن يوسف قال ما جزاؤك عندي إلا أن أعذبك بما اختاره الله لأعدائه من أليم عقابه فأحرق بالنار .

*********

لما أراد الوليد بن عبد الملك بناء مسجد دمشق احتاج إلى صناع كثير فكتب إلى الطاغية أن وجه إلي بمائتي صانع من صناع الروم فإني أريد أن أبني مسجدا لم يبن من مضى قبلي ولا يكون بعدي مثله فإن أنت لم تفعل غزوتك بالجيوش وخربت الكنائس فـي بلدي وكنيسة بيت المقدس وكنيسةالرها وسائر آثار الروم فـي بلدي فأراد الطاغية أن يفضه عن بنائه ويضعف عزمه فكتب إليه والله لئن كان أبوك فهمها فأغفل عنها إنها لوصمة عليه ولئن كنت فهمتها وغيبت عن أبيك إنها لوصمة عليك وأنا موجه ما سألت فأراد أن يعمل له جوابا فجلس له عقلاء الرجال فـي حظيرة المسجد يفكرون فـي ذلك فدخل عليهم الفرزدق فقال ما بال الناس أراهم مجتمعين حلقا حلقا فقيل له السبب كيت وكيت فقال أنا أجيبه من كتاب الله تبارك وتعالى قال الله تعالى﴿ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما فسري عنهم.

 

نفحات وعبر

قل ولاتقل

لا يُقالُ كأسٌ إلاّ إذا كان فيها شَرَاب، وإلا فهي زُجَاجة

ولا يُقَالُ مائدةٌ إلاّ إذا كان عليها طَعَام، وإلاّ فهي خِوَان

لا يُقالُ كُوزٌ إلا إذا كانَتْ له عُرْوَة، وإلا فهو كُوب

لا يُقالُ قلَمٌ إلاّ إذا كانَ مبريًّا، وإلاّ فهو أُنْبوبَة

ولا يُقالُ خاتَمٌ إلاّ إذا كانَ فيه فَص، وإلاّ فَهُوَ فَتْخَةٌ

ولا يُقالُ فَرْوٌ إلاّ إذا كانَ عَلَيْهِ صُوف، وإلاّ فَهُوَ جِلْد

ولا يُقالُ رَيْطَةٌ إلاّ إذا لم تَكُنْ لِفْقَيْن، وإلاّ فَهِيَ مُلاءَة

ولا يُقال أَرِيكة إلاّ إذا كانَ عليها حَجَلَةٌ، وإلاّ فهيَ سَرِير

ولا يُقالُ لَطِيمة إلاّ إذا كان فيها طِيب، وإلا فهي عِير

ولا يُقال رُمْح إلاّ إذا كانَ عَلَيهِ سِنَان، وإلا فهو قناة.

لا يُقالُ نَفَقٌ إلاّ إذا كان له مَنْفَذ، وإلاّ فهو سَرَبٌ

و لا يُقَالُ عِهْن إلاّ إذا كان مَصْبُوُغاً وإلا فهو صُوفٌ

و لا يُقالُ لحم قديدٌ إلاّ إذا كان مُعالجاً بتوابِل، وإلاّ فهو طَبِيخٌ

و لا يُقالُ خِدْرٌ إلاّ إذا كانَ مُشَتَمِلاً على جارِيَةٍ مُخَدَرَة، وإلاّ فهو سِتْر

ولا يُقالُ مِغْوَلٌ إلاّ إذَا كان فـي جَوفِ سَوْطِ وٍإلاّ فهو مِشْمَل

ولا يُقالُ رَكِيَّة إلاّ إذا كانَ فيها ماء، قَلَّ أوْ كَثُرَ، وإلاّ فهي بئرٌ

و لا يُقال مِحْجَن إلاّ إذا كان فـي طَرفِهِ عُقّافَة وإلاّ فهو ر عَصًا

ولا يُقالُ وَقُود إلاّ إذا اتَّقدَتْ فيهِ النارُ، وإلاّ فهو حَطَب

ولا يًقالُ سَيَاعٌ إلاّ إذا كانَ فيهِ تِبْن وإلاّ فهو طِين

ولا يُقالُ عَوِيلٌ إلاّ إذا كانَ مَعَهُ رَفع صَوْت، وإلاّ فهو بُكَاء

ولا يُقالُ مُورٌ للغُبَارِ إلاّ إذا كان بالرِّيح، وإلاّ فهو رَهَجٌ

و لا يُقالُ ثَرًى إلاّ إذا كان نَدِيًّا، وإلاّ فهو تُراب

ولا يُقالُ مَأْزِق ومأْقِط إلا فـي الحَرْب، وإلاّ فهو مَضِيق

ولا يُقالُ مُغَلْغَلَةٌ إلاّ إذا كانتْ مَحْمُولةً منْ بَلدٍ إلى بَلدٍ، وإلاّ فهي رِسالة

ولا يُقَالُ قراحٌ إلا إذا كانتْ مُهيّأَةً للزِّرَاعةِ وإلاّ فهي بَرَاح

لا يُقالُ لِلْعبْدِ ابِق إلاّ إذا كانَ ذهَابُهُ مِن غَيْرِ خَوْفٍ ولا كَدِّ عَمَل، وإلاّ فهو هارِب

لا يُقالُ لِماءِ الفَمِ رُضاب إلاّ ما دام فـي الْفَم، فإذا فارقَهُ فهو بُزَاق

لا يُقالُ للّشجاع كَمِيّ إلا إذا كان شاكيَ السِّلاح، وإلاّ فهو بَطَل.

*********

عبيد الله بن عباس

روى أيضا أن عبيد الله بن عباس إذ كان في فناء داره جاءه الحاجب فأخبره أن أعرابيا بالباب يزعم أن له عندك يد. فأذن له.فلما أقبل صعد عبيد الله نظره فيه فلم يعرفه، فقال له ما يدك عندنا ؟قال رأيتك واقفا بزمزم وغلامك يغترف لك من مائها فظللت عليك بطرف ثوبي لأقيك الشمس. قال عبيد الله، نعم إني لأذكر ذلك تماما ثم نادى غلامه فقال له كم عندنا من مال؟ قال مائتا دينار وعشرة آلاف درهم، قال ادفعها إليه وما أراها تفي بحق يده عندنا.

 

 

 

أمثال وحكم

من أمثال العرب
أَثْقَلُ مِنَ الْكَانُونِ

حكى المفضل عن الفراء أن من كلامهم (قد كَنْوَنْتَ علينا) أي ثَقُلْتَ علينا، وحكى عن الأصمعي أن الكانون هو الذي إذا دخل على القوم وهو فـي حديثٍ كَنَوْا عنه، قال: ولا أعرف هذه العبارة ما معناها، وحكى عن أبي عبيدة أنه فاعول من كَنَنْت الشيء إذا أخفيته وستَرْته، قال: ومعناه أن القوم يَكْنُون حديثَهم عنه، وأنشد للحطيئة فـي هجاء أمه وكان من العَقَقَةِ:

جَزَاكِ اللّه شَرًّا من عـَجُوز         ولَقَّاكِ الْعُقُوقَ مــن البَنِينَا

تَنَحَّيْ فاقْعُدِي منــي بعيدا          أراحَ اللّه منكِ العــالَمِينَا

أغـرْبَالاً إذَا اسْتُودِعْتِ سِرًّا          وَكانُونَا عَلــَى المتحدِّثينا

ألم أظهِرْ لكِ الشَّحْناء مِنـِّي        ولكـــن لا إخَالُكِ تَعْقِلينَا

حَيَاتُكِ ما علمتُ حيَاةُ سُوءٍ          وَمَوْتُكِ قد يَسُرُّ الصالحينا

وقال الطبري: قولهم أثقل من كانون فيه وجهان، أحدهما: أن الكانون عند الروم الشتاءُ، ويحتاج فيه إلى النفقة ما لا يحتاج إليه فـي الصيف، فهو ثقيل من هذه الجهة، قال الشاعر:

لعنة اللّه والرسُولِ وأهل الــــ         أرْضِطُرًّا على بَنـــِي مَظْعُونِ

بِعْت في الصيف عندهم قُبَّةَ الخَيْـ            شِوبِعْتُ الكانون فــي الكانُونِ

والثاني أن الكانون ثقيل فإذا وضع لم يُحَرك ولم يَرْفَع إلى آخر الشتاء، فقيل لكل ثقيل: يا أثْقَلَ من كانون.

*********

عن الحسن قال لما قدم أبان بن سعيد بن العاص على رسول الله فقال يا أبان كيف تركت أهل مكة فقال تركتهم وقد جبذوا يعني المطر وتركت الإذخر وقد أعذق وتركت الثماد وقد خاص قال فاغرورقت عينا رسول الله وقال أنا أفصحكم ثم أبان بعدي

*********

يحكي الزهري أنه كان عند عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين فأراد أن يقوم فأجلسه ثم قدمت المائدة فلما فرغوا من الأكل قدموا البطيخ فقال الزهري يا أمير المؤمنين حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه قال سمعت بعض عمات النبي تقول سمعت النبي يقول البطيخ قبل الطعام يغسل البطن غسلا ويذهب بالداء أصلا فقال له عبد الملك بن مروان لو أخبرتني يا ابن شهاب قبل هذا لفعلنا كذلك ثم دعا بصاحب الخزانة فساره فـي أذنه فذهب ثم رجع ومعه مائة ألف درهم فأمره فوضعها بين يدي الزهري .

*********

قال بن ربيعة الصيرفـيسمعت عبد الملك بن عمير يقول خرجت يوما من منزلي نصف النهار والحجاج جالس بين يديه رجل موقف عليه كمة من ديباج والحجاج يقول أنت همدان مولى علي تعال سبه قال إن أمرتني فعلت وما ذاك جزاؤه رباني صغيرا واعتقني كبيرا قال فما كنت تسمعه يقرأ من القرآن قال كنت اسمعه فـي قيامه وقعوده وذهابه ومجيئه يتلو ﴿فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين﴾ قال فابرأ منه قال أما هذه فلا سمعته يقول تعرضون على سبي فسبوني وتعرضون على البراءة مني فلا تبرؤا مني فإني على الأسلام.