حـادي الأرواح إلى بلاد الأفـراح

وشادي الأشواق في مواكب العشاق

إن ما يفعله الصوفية كعمل مواكب فـي مناسبات إسلامية كثيرة مثل ذكرى هجرته صلى الله عليه وسلم ومولده صلى الله عليه وسلم والإسراء به صلى الله عليه وسلم وموالد أهل بيته الأكرمين وصحابته الغر الميامين ويستخدم فـي هذه المواكب الرايات والأعلام والطبول وأنواع الآلات الموسيقية بغير فحش، وقد علمنا مما سبق فـي الفصول السابقة بحل هذا، وقد قال الشيخ سيدى فخر الدين رضي الله عنه فـي البندار والطاس والصغير والمزمار ما نصه:وأما الطبل والبندار والطار والصفير والمزمار فهو من قبيل الدعاية،، والدعاية أمر الله بها فـي كتابه العزيز والسنة المطهرة.

أما الكتاب العزيز فقوله تعالى: ﴿ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله وفى قوله تعالى ﴿وعظهم وقل لهم فـي أنفسهم قولاً بليغاً، وفى قوله تعالى ﴿يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال يعنى كل كلام فيه تحريض وسجع وبيان لما سيكون فهو دعاية والدعاية إلى الذكر ذكر، والدعاية إلى الخير خير، فمن أراد أن يدعو لذكر الله تعالى فليفعل بكافة طرق الدعاية من القول والإعلان عن ذلك بكافة طرقه وهو من عمل الخير،

هل رأيت مطبلاً أو مزمراً يذكر؟ كلا، بل هم كل مشتغل بما فـي يده ملتفت لإتقانه مع النغم والحركة فهو دعاية للذكر وهو حسن مشجع محرض مهيج وليسوا هم فـي الذكر اللهم إلا أن يقال هم القوم لا يشقى جليسهم وأما بيان السنة فـي نشر الدعاية وتعليم العباد لها فهو كثير وكان يكفينا أمر الله تعالى لحضرته صلى الله عليه وسلم ما وعد الله تعالى به المجاهدين فـي سبيله من النعيم والمقيم فـي الدنيا والآخرة التى أخذت منها جميع الدول فـي العالم وزارة خاصة تتسمى وزارة الدعاية، والدعاية فـي كل شىء بحسبه ولا ينكرها إلا كل جاهل بالكتاب والسنة والإجماع وهى بمعنى الترغيب والتشجيع والتهييج والحث على فعل الخير والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم،

وفى حكم ضرب الدف واستخدام الآلات الموسيقية الأخرى فتوى بليغة لفضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله فـي رمضان 1400هـ - 12 أغسطس 1980م، كما أن هناك كتاب فـي السماع - طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية سنة 1390هـ، 1970م بتحقيق الأستاذ الشيخ أبو الوفا المراغى، وهو كتاب لابن القيسرانى، فننقل هنا لعموم الفائدة نص الفتوى وهى منقولة من موسوعة الفتاوى الإسلامية بالأزهر الشريف برقم 1280الموضوع
 (1280) حكم سماع الموسيقى،المفتى: فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق،رمضان 1400 هجرية - 12 أغسطس 1980.

1- الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق فـي أمور معينة.

2- سماع الموسيقى وحضور بمجالسها وتعلمها أيا كانت آلاتها من المباحات ما لم تكن محركة للغرائز باعثة على الهوى والغواية والغزل والمجون مقترنة بالخمر والرقص والفسق والفجور، أو اتخذت وسيلة للمحرمات أو أوقعت فـي المنكرات أو ألهت عن الواجبات.

سئل بالكتاب الوارد من مجلة منبر الإسلام المقيد برقم 217 لسنة 1980 باستطلاع الحكم الشرعى فـي الموسقى منفردة معزولة عن أى لون من ألوان الفنون التى تصاحبها عادة بعد أن أثير هذا فـي الندوة التى عقدها المجلس فـي هذا الشأن واختلف الندويون بين محرم ومبيح،أجاب: نقل ابن القيسرانى فـي كتابه السماع (ص 31 وص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى) قول الإمام الشافعى الأصل قرآن وسنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد فيه فهو سنة والإجماع أكبر من خبر المنفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل الحديث معانى فما أشبه منها ظاهرة أولاها به، فإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادا أولاها وليس المنقطع بشىء ما عدا منقطع ابن المسيب وفى هذا الكتاب أيضا (ص 31 وص 63 وهو طبع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية 1390 هجرية - 1970 م تحقيق الأستاذ أبو الوفا المراغى) وأما القول فـي استماع القضيب والأوتار ويقال له التغيير،ويقال له الطقطقة أيضا فلا فرق بينه وبين الأوتار إذ لم نجد فـي إباحته وتحريمه أثرا لا صحيحا ولا سقيما، وإنما استباح المتقدمون استماعه لأنه ما لم يرد الشرع بتحريمه فكان أصله الإباحة،وأما الأوتار فالقول فيها كالقول فـي القضيب، لم يرد الشرع بتحريمها ولا بتحليلها، وكل ما أوردوه فـي التحريم فغير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صار هذا مذهبا لأهل المدينة، لا خلاف بينهم فـي إباحة استماعه، وكذلك أهل الظاهر بنوا الأمر فيه على مسألة الحظر والإباحة،وأما القول (المرجع السابق ص 71 وما بعدها) فـي المزامير والملاهى فقد وردت الأحاديث الصحيحة بجواز استماعها، كما يدل على الإباحة قول الله عز وجل ﴿وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين الجمعة11، وبيان هذا من الأثر ما أخرجه مسلم فـي باب الجمعة عن جابر بن سمرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما، فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفى صلاة) وعن جابر بن عبد الله (أنه كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام، فأنفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا فأنزلت هذه الآية) وأخرج الطبرى هذا الحديث عن جابر وفيه (أنهم كانوا إذا نكحوا تضرب لهم الجوارى بالمزامير فيشتد الناس إليهم ويدعون رسول الله صلىالله عليه وسلم قائما)،فهذا عتاب الله عز وجل بهذه الآية،ثم قال ابن القيسرانى (ص72 من المرجع السابق) والله عز وجل عطف اللهو على التجارة وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه وبالإجماع تحليل التجارة، فثبت أن هذا الحكم مما أقره الشرع على ما كان عليه فـي الجاهلية، لأنه غير محتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم حرمه ثم يمر به على باب المسجد يوم الجمعة، ثم يعاتب الله عز وجل من ترك رسوله صلى الله عليه وسلم قائما، وخرج ينظر إليه ويستمع ن ولم ينزل فـي تحريمه آية، ولا سن رسول الله صلىالله عليه وسلم فيه سنة، فعلمنا بذلك بقاءه على حاله، ويزيد ذلك بيانا ووضوحا ما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها زفت امرأة من الأنصار إلى رجل من الأنصار فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم (أما كان معكن من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وهذا الحديث أورده البخارى (شرح عمدة القارىء على صحيح البخارى 146/20 هامش المرجع السابق) فـي صحيحه فـي كتاب النكاح،وقد عقد الغزالى فـي كتاب إحياء علوم الدين (ص 1150 ج- 6 لجنة نشر الثقافة الإسلامية 1356 هجرية) الكتاب الثامن فـي السماع وفى خصوص آلات الموسيقى قال إن الآلة إذا كانت من شعار أهل الشرب أو الخنين وهى المزامير والأوتار وطبل الكوبة فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة كالدف وإن كان فيه الجلاجل وكالطبل والشاهين والضرب بالقضيب وسائر الآلات ونقل القرطبى فـي الجامع الأحكام القرآن (ج - 14 ص 54) قول القشيرى ضرب بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم (دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن نحن بنات النجار حبذا محمد من جار ثم قال القرطبى وقد قيل إن الطبل فـي النكاح كالدف والكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن رفث (أحكام القرآن لابن العربى ج - 3 ص 1494) ونقل الشوكانى فـي نيل الأوطار (ج - 8 ص 104 و105) فـي باب ما جاء فـي آلة اللهو أقوال المحرمين والمبيحين وأشار إلى أدلة كل من الفريقين، ثم عقب على حديث (كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه ورميه عن قوسه) بقول الغزالى قلنا قوله صلى الله عليه وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم، بل يدل على عدم الفائدة ثم قال الشوكانى وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح، وساق أدلة أخرى فـي هذا الصدد من بينها حديث (ج - 8 ص 106 المرجع السابق) من نذرت أن تضرب بالدف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ورده الله سالما من إحدى الغزوات وقد أذن لها عليه صلوات الله وسلامه بالوفاء بالنذر والضرب بالدف، فالإذن منه يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية فـي مثل ذلك الموطن، وأشار الشوكانى إلى رسالة له عنوانها إبطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع،وفى المحلى (ج - 9 ص 60) لابن حزم أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى) فمن نوى استماع الغناء عونا على معصية الله تعالى فهو فاسق، وكذلك كل شىء غير الغناء، ومن نوى به ترويح نفسه ليقوى بذلك على طاعة الله عز وجل وينشط نفسه بذلك على البر فهو مطيع محسن وفعله هذا من الحق، ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلى بستانه متنزها،وفعوده على باب داره متفرجا،وعقد البخارى فـي صحيحه (ج - 9 ص 171 فـي آخر كتاب الاستئذان،المطبعة الأميرية سنة 1305 هجرية على هامشه صحيح مسلم) بابا بعنوان كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله،وعقب فـي الرشاد السارى على هذا العنوان بقوله ولو كان مأذونا فيه، كمن اشتغل بصلاة نافلة أو تلاوة أو ذكر أو تفكر فـي معانى القرآن حتى خرج وقت المفروضة عمدا،وفى الفقه الحنفى جاء فـي كتاب البدائع (ج - 6 ص 269) للكاسانى فيمن تقبل شهادته ومن لا تقبل وأما الذى يضرب شيئا فـي الملاهى فإنه ينظر إن لم يكن مستشنعا كالقضيب والدف ونحوه لا بأس به ولا تسقط عدالته وإن كان مستشنعا كالعود ونحوه سقطت عدالته، لأنه لا يحل بوجه من الوجوه،وفى مجمع الأنهر (ج - 2 ص 198) فـي ذات الموضع أو يلعب بالطنبور لكونه من اللهو، والمراد بالطنبور كل لهو يكون شنيعا بين الناس احترازا عما لم يكن شنيعا كضرب القضيب فإنه لا يمنع قبولها، إلا أن يتفاحش بأن يرقصوا به فيدخل فـي حد الكبائر،وجاء مثل هذا فـي كتاب الدر (ج - 4 ص 398) المختار للحصكفى وحاشية رد المحتار لابن عابدين وفى المغنى لابن قدامه (ج - 10 ص 240 و242) الملاهى على ثلاثة أضرب محرم وهو ضرب الأوتار والنايات والمزامير كلها والعود والطنبور والمعزفة والرباب ونحوها، فمن أدام استماعها ردت شهادته، وضرب مباح وهو الدف فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف) أخرجه مسلم، وذكر أصحابنا وأصحاب الشافعى أنه مكروه فـي غير النكاح وهو مكروه للرجال على كل حال،وأما الضرب بالقضيب فمكروه إذا انضم إليه محرم أو مكروه كالتصفيق والغناء والرقص، وإن خلا عن ذلك كله لم يكره، لأنه ليس بآلة طرب ولا يطرب ولا يسمع منفردا بخلاف الملاهى، ومذهب الشافعى فـي هذا الفصل كمذهبنا،وفى لسان العرب اللهو ما لهوت به ولعبت به وشغلك من هوى وطرب ونحوهما، والملاهى آلات اللهو، وفيه القصب كل نبات ذى أنابيب، والقاصب الزامر، والقصاب الزمار، وفى المصباح المنير وأصل اللهو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة، وألهانى الشىء شغلنى، وفى فتوى للإمام الأكبر (ص 375 - 385 فتاوى الشيخ شلتوت طبعة 1379 هجرية - 1959 م الادارة الثقافية بالأزهر) المرحوم الشيخ محمود شلتوت فـي تعلم الموسيقى وسماعهاان الله خلق الإنسان بغريزة يميل بها إلى المستلذات والطيبات التى يجد لها أثرا فـي نفسه، به يهدأ وبه يرتاح وبه ينشط وتسكن جوارحه، فتراه ينشرح بالمناظر الجميلة كالخضرة المنسقة والماء الصافى والوجه الحسن والروائح الزكية، وأن الشرائع لا تقضى على الغرائز بل تنظمها، والتوسط فـي الإسلام أصل عظيم أشار إليه القرآن الكريم فـي كثير من الجزئيات، منها قوله تعالى ﴿يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا الأعراف،31 وبهذا كانت شريعة الإسلام موجهة الإنسان فـي مقتضيات الغريزة إلى الحد الوسط، فلم تترك لا نتزاع الغريزة فـي حب المناظر الطيبة ولا المسموعات المستلذة وإنما جائت بتهذيبها وتعديلها إلى مالا ضرر فيه ولا شر،وأضاف الإمام الأكبر فـي هذه الفتوى أنه قرأ فـي الموضوع لأحد فقهاء القرن الحادى عشر المعروفين فيه بالورع والتقوى رسالة هى (إيضاح الدلالات فـي سماع الآلات) للشيخ عبد الغنى النابلسى الحنفى قرر فيها أن الأحاديث التى استند بها القائلون بالتحريم على فرض صحتها مقيدة بذكر الملاهى وبذكر الخمر والقينات والفوسق والفجور ولا يكاد حديث يخلو من ذلك، وعليه كان الحكم عنده فـي سماع الأصوات والآت المطربة أنه إذا اقترن بشىء من المحرمات أو اتخذ وسيلة للمحرمات أو أوقع فـي المحرمات كان حرامات، وأنه إذا سلم من كل ذلك كان مباحا فـي حضوره وسماعه وتعلمه،وقد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن كثير من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء أنهم كانوا يسمعون ويحضرون مجالس السماع البريئة من المجون والمحرم، وذهب إلى مثل هذا كثير من الفقهاء وانتهت الفتوى إلى أن سماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آلة وإنما يحرم إذا استعين به على محرم أو اتخذ وسيلة إلى محرم أو ألهى عن واجب ونخلص من هذه النقول من كتب فقه المذاهب وأحكام القرآن واللغة إلى أن الضرب بالدف وغيره من الآلات مباح باتفاق على الحداء وفى تحريض الجند على القتال وفى العرس وفى العيد وقدوم الغائب وللتنشيط على الأعمال الهامة، وأن الاختلاف الذى ثار بين الفقهاء وجرى فـي كتبهم كان فـي حل أو عدم حل الاشتغال بالموسيقى سماعا وحضورا وتعلما إذا صاحبها محرم كشرب الخمر أو غناء ماجن أو غزل أو كانت الموسيقى مما يحرك الغزائز ويبعث على الهوى والفسوق كتلك التى تستثير فـي سامعها الرقص والخلاعة وتلك التى تستعمل فـي المنكرات المحرمات كالزار وأمثاله أو فوتت واجبا، قال جل شأنه ﴿ قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فـي الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون،قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون الأعراف،32-33 قال ابن العربى (أحكام القرآن ج - 2 ص 782) من معانى (زينة الله) جمال الدنيا فـي ثيابها وحسن النظرة فـي ملابسها وملذاتها قال تعالى ﴿ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث الأعراف،157 قال الشوكانى (نيل الأوطار ج - 8 ص 105) الطيبات فـي الآية تشمل كل طيب، والطيب يطلق بإزاء المستلذ، وهو الكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الظاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام، فتدخل أفراد المعانى الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر وهو الظاهر،وقد صرح ابن عبد السلام فـي دلائل الأحكام أن المراد فـي الآية بالطيبات المستلذات.

صور من مواكب
قبل الإسلام وبعده

أولاً: مواكب الأنبياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام.

وكان يوسف يركب فـي كل أسبوع مرة فـي موكب زهاء مائة ألف من عظماء قومه، فقيل لها: لو تعرضت له لعله يسعفك بشىء، ثم قيل لها: لا تفعلى، فربما ذكر بعض ما كان منك من المراودة والسجن فيسىء إليك، فقالت: أنا أعلم بخلق حبيبى منكم، ثم تركته حتى إذا ركب فـي موكبه، قامت فنادت بأعلى صوتها: سبحان من جعل الملوك عبيدا بمعصيتهم، وجعل العبيد ملوكا بطاعتهم، فقال يوسف: ما هذه؟ فأتوا بها، فقالت: أنا التى كنت أخدمك على صدور قدمى، وأرجل جمتك، بيدى، وتربيت فـي بيتى، وأكرمت مثواك، لكن فرط ما فرط من جهلى وعتوى فذقت وبال أمرى، فذهب مالى، وتضعضع ركنى، وطال ذلى، وعمى بصرى، وبعدما كنت مغبوطة أهل مصر صرت مرحومتهم، أتكفف الناس، فمنهم من يرحمنى، ومنهم من لا يرحمنى، وهذا جزاء المفسدين، فبكى يوسف بكاء شديدا، ثم قال لها: هل بقيت تجدين مما كان فـي نفسك من حبك لى شيئا؟ فقالت: والله لنظرة إلى وجهك أحب إلى من الدنيا بحذافيرها، لكن ناولنى صدر سوطك، فناولها فوضعته على صدرها، فوجد للسوط فـي يده اضطرابا وارتعاشا من خفقان قلبها، فبكى ثم مضى إلى منزله فأرسل إليها رسولا: إن كنت أيما تزوجناك، وإن كنت ذات بعل أغنيناك، فقالت للرسول: أعوذ بالله أن يستهزئ بى الملك! لم يردنى أيام شبابى وغناى ومالى وعزى أفيريدنى اليوم وأنا عجوز عمياء فقيرة؟! فأعلمه الرسول بمقالتها، فلما ركب فـي الأسبوع الثانى تعرضت له، فقال لها: ألم يبلغك الرسول؟ فقالت: قد أخبرتك أن نظرة واحدة إلى وجهك أحب إلى من الدنيا وما فيها، فأمر بها فأصلح من شأنها وهيئت، ثم زفت إليه، فقام يوسف يصلى ويدعو الله، وقامت وراءه، فسأل الله تعالى أن يعيد إليها شبابها وجمالها وبصرها، فرد الله عليها شبابها وجمالها وبصرها حتى عادت أحسن ما كانت يوم راودته، إكراما ليوسف عليه السلام لما عف عن محارم الله، فأصابها فإذا هى عذراء، فسألها، فقالت: يا نبى الله إن زوجى كان عنينا لا يأتى النساء، وكنت أنت من الحسن والجمال بما لا يوصف، قال: فعاشا فـي خفض عيش، فـي كل يوم يجدد الله لهما خيرا، وولدت له ولدين، إفراثيم ومنشا، وفيما روى أن الله تعالى ألقى فـي قلب يوسف من محبتها أضعاف ما كان فـي قلبها، فقال لها: ما شأنك لا تحبيننى كما كنت فـي أول مرة؟ فقالت له: لما ذقت محبة الله تعالى شغلنى ذلك عن كل شيءالقرطبى فـي شرح 55 يوسف

والشاهد فيه ان الموكب سنه من سنن الانبياء قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ v قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا لا يَنبَغِى لأحد مِّنْ بَعْدِى إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب v فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِى بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ v وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ v وَآخَرِينَ مُقَرَّنِين فـي الأصْفَادِ v هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ سورة (ص) قال الإمام القرطبى فـي تفسير الآية: قوله تعالى: ﴿فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاء أى لينة مع قوتها وشدتها حتى لا تضر بأحد، وتحمله بعسكره وجنوده وموكبه، وكان موكبه فيما روى فرسخا فـي فرسخ، مائة درجة بعضها فوق بعض، كل درجة صنف من الناس، وهو فـي أعلى درجة مع جواريه وحشمه وخدمه، صلوات الله وسلامه عليه، وذكر أبو نعيم الحافظ قال: حدثنا أحمد بن جعفر، قال حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب، قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن وهب بن منبه، قال حدثنى أبى قال: كان لسليمان بن داود عليه السلام ألف بيت أعلاه قوارير وأسفله حديد، فركب الريح يوما فمر بحراث فنظر إليه الحراث فقال: لقد أوتى آل داود ملكا عظيما فحملت الريح كلامه فألقته فـي أذن سليمان، قال فنزل حتى أتى الحراث فقال: إنى سمعت قولك، وإنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه، لتسبيحة واحدة يقبلها الله منك لخير مما أوتى آل داود، فقال الحراث: أذهب الله همك كما أذهبت همى،

ثانياً: المواكب فـي الإسلام

عن ابن عباس قال: سألت عمر: لأى شيء سميت (الفاروق)؟ قال: أسلم حمزة قبلى بثلاثة أيام، ثم شرح الله صدرى للإسلام فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما فـي الأرض نسمة أحب إلى من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت أختى: هو فـي دار الأرقم بن أبى الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة فـي أصحابه جلوس فـي الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم فـي البيت: فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر بن الخطاب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثـيابى ثم نترنى نترة فما تمالكت أن وقعت على ركبتى فقال: ما أنت بمنته يا عمر! فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد فقلت: يا رسول الله! ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: بلى! والذى نفسى بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم! قلت: ففيم الاختفاء؟ والذى بعثك بالحق لتخرجن فأخرجناه فـي صفين: حمزة فـي أحدهما وأنا فـي الآخر، له كديد (الكديد: التراب الناعم، فإذا طيء صار غباره، أراد أنهم كانوا جماعة، وأن الغبار كان يثور من مشيهم، النهاية 4/،155 ب) ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، فنظرت إلى قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسمانى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ (الفاروق)، وفرق الله بى بين الحق والباطل.

(كنز العمال الإصدار للمتقى الهندى فضائل الفاروق )،

قال القشيرىّ: ضرب بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة، فهم أبو بكر بالزجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعهن يا أبا بكر حتى تعلم اليهود أن ديننا فسيح) فكن يضربن ويقلن: نحن بنات النجار، حبذا محمد من جار، وقد قيل: إن الطبل فـي النكاح كالدف، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث،

وفى تفسير القرطبى للآية رقم 6 سورة لقمان

فرح أهل المـدينة بقدوم النبى صلى الله عليه وسلم فرحاً شديداً وصعدت ذوات الخدور على الأسطحة، وعن عائشة رضى اللّه عنها، لما قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة جلس النساء والصبيان والولائد يقلن جهراً:

طلع البدر علينـــا        من ثنيات الــوداع

وجب الشكر علينــا        ما دعا للّـــه داع

أيها المبعوث فينــا         جئت بالأمر المطاع

كما ورد فـي كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية تأليف الشيخ أحمد بن محمد القسطلاني- الجزء الأول طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،ص158-186 ما نصه:

وفرح أهل المدينة بقدومه صلى الله عليه وسلم، وأشرقت المدينة بحلوله فيها، وسرى السرور إلى القلوب، قال أنس بن مالك: لما كان اليوم الذى دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، وصعدت ذوات الخدور على الأجاجير عند قدومه يقلن:

طلع البدر علينــا       من ثنـيات الوداع

وجب الشكر علينـا       ما دعــا لله داع

قلت: إنشاد هذا الشعر عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة رواه البيهقى فـي الدلائل، وأبو الحسن بن المقري فـي كتاب الشمائل له عن ابن عائشة، وذكره الطبرى فـي الرياض عن أبى الفضل بن الجمحى قال: سمعت ابن عائشة يقول - أراه عن أبيه- فذكره، وقال خرجه الحلوانى على شرط الشيخين، انتهى،

وفى شرف المصطفى وأخرجه البيهقى عن أنس: لما بركت الناقة على باب أبي أيوب خرج جوار من بني النجار بالدفوف يقلن:

نحن جوار من بني النجار      يا حبذا محمد من جار

فقال صلى الله عليه و سلم: أتحببنني، قلن: نعم يا رسول الله، و في رواية الطبراني في الصغير فقال صلى الله عليه و سلم الله يعلم أن قلبي يحبكم، و قال الطبرى: و تفرق الغلمان و الخدم في الطرق ينادون جاء محمد، جاء رسول الله.

 

هادية الشلالي
هدى عبد الماجد
إشراف الإستاذ
أحمد عبد المالك