مولده صلى الله عليه وسلم -
18
ذكر أن
علي بن أبي
طالب رضي لله
عنه أول ذكر
أسلم
قال ابن إسحاق: ثم كان أول ذَكَر من الناس آمن
برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معه وصدق بما جاءه من الله تعالى: علي بن أبي
طالب ابن عبدالمطلب بن هاشم، رضوان الله وسلامه عليه، وهو يومئذ ابن عشر سنين قال
ابن إسحاق: وحدثني عبدالله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر بن أبي الحجاج، قال: كان
من نعمة الله علي علي بن أبي طالب، ومما صنع الله له، وأراده به من الخير، أن قريشا
أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم للعباس عمه، وكان من أيسر بني هاشم، يا عباس: إن أخاك أبا طالب كثير العيال،
وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه، فلنخفف عنه من عياله، آخذ
من بنيه رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكلهما عنه، فقال العباس: نعم.
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا
نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا
تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام: ويقال: عقيلا وطالبا .
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا، فضمه
إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيا، فاتبعه علي رضي الله عنه، وآمن به وصدقه، ولم يزل
جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه قبل الإسراء.
أمر
الله له صلى
الله عليه
وسلم بمباداة
قومه
قال ابن
إسحاق: ثم دخل
الناس في
الإسلام
أرسالا من
الرجال والنساء،
حتى فشا ذكر
الإسلام
بمكة، وتحدث
به. ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه
منه، وأن يبادي الناس بأمره، وأن يدعو إليه، وكان بين ما أخفى رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين - فيما
بلغني - من مبعثه، ثم قال الله تعالى له:
﴿فاصدع بما تؤمر، وأعرض عن المشركين﴾. وقال
تعالى:
﴿وأنذر
عشيرتك
الأقربين. واخفض
جناحك لمن
اتبعك من
المؤمنين. وقل إني أنا النذير
المبين﴾.
ترسيخ
التوحيد
من
الثابت أن
الآيات التي
نزلت بمكة
كلها في العقائد
لأن العبادات
بدأت بفرض
الصلاة في
ليلة الإسراء
والمعراج أي
قبل الهجرة
بعام واحد ومن
الثابت أن
الوضوء قد فرض
بالمدينة وأن
العبادات في
بداية
الإسلام بمكة
بدأت بذكر
الإسم الله
فالأمر
الإلهي في
سورة(المزمل) وهي
أول ما نزل
بعد(إقرأ) وذلك
يعني أن الذكر
بالإسم
المفرد أول
عبادة أمر بها
الحبيب وهي
السبيل
الوحيد لترسيخ
التوحيد أي أن
الذي لايذكر
بالإسم المفرد
غير راسخ في
التوحيد
الصحيح فما
بالك بالذي
يحارب الذكر؟
عداوة
قومه له صلى
الله عليه
وسلم،
ومساندة أبي
طالب له
قال ابن إسحاق: فلما بادى رسول الله صلى الله
عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله، لم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه
- فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا خلافه
وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون، وحدب على رسول
الله صلى الله عليه وسلم عمُّه أبو طالب، ومنعه وقام دونه، ومضى رسول الله صلى الله
عليه وسلم على أمر الله، مظهرا لأمره، لا يرده عنه شيء.
فلما
رأت قريش، أن
رسول الله صلى
الله عليه وسلم
لا يعتبهم من
شيء أنكروه
عليه، من
فراقهم وعيب
آلهتهم،
ورأوا أن عمه
أبا طالب قد
حدب عليه،
وقام دونه،
فلم يسلمه
لهم، مشى رجال
من أشراف قريش
إلى أبي طالب
فقالوا: يا
أبا طالب، إن
ابن أخيك قد
سب آلهتنا،
وعاب ديننا،
وسفه
أحلامنا،
وضلل آباءنا،
فإما أن تكفه
عنا، وإما أن
تخلي بيننا
وبينه، فإنك
على مثل ما
نحن عليه من
خلافه،
فنكفيكه،
فقال لهم أبو
طالب قولا
رفيقا، وردهم
ردا جميلا،
فانصرفوا عنه
ثم إنهم مشوا
إلى أبي طالب
مرة أخرى،
فقالوا له: يا
أبا طالب، إن
لك سنا وشرفا
ومنـزلة
فينا، وإنا قد
استنهيناك من
ابن أخيك فلم
تنهه عنا، وإنا
والله لا نصبر
على هذا من
شتم آباءنا،
وتسفيه
أحلامنا،
وعيب آلهتنا،
حتى (2/ 101) تكفه
عنا، أو ننازله
وإياك في ذلك،
حتى يهلك أحد
الفريقين،
أوكما قالوا
له. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب
نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه.
ما دار
بين الرسول
صلى الله عليه
وسلم وأبي طالب
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن
المغيرة بن الأخنس أنه حُدث: أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة، بعث إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني، فقالوا لي
كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبقِ عليّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا
أطيق، قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله
ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه.
قال: فقال
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم: يا عم،
والله لو
وضعوا الشمس
في يميني،
والقمر في
يساري على أن
أترك هذا
الأمر حتى
يظهره الله،
أو أهلك فيه،
ما تركته. قال: ثم استعبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا ابن أخي،
قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي، فقل ما
أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبد.
|