واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

أمثال وحكم

عذب الحديث

قصص

حكي أن الخيزران جارية الخليفة المهدي كانت أديبة وشاعرة، فعزم المهدي على شرب دواء، فأنفذت إليه جام بلور فيه شراب اختارته له مع وصيفة بكر بارعة الجمال وكتبت إليه تقول:

إذا خرج الإمام مـن الدواء�� ����� وأعقب بالسلامة والشفـاء

وأصلح حاله من بعد شرب����� ����بهذا الجام من هذا الطلاء

فينعم للتي قـــد أنفذته������ ����إليه بزورة بعد العشــاء

فسر بذلك المهدي ووقعت منه الجارية أعظم موقع وزار الخيزران وأقام عندها يومين.

 *********

العلم فـي غير أهله

لما دخل الإمام الشافعي مصر، أتَاه أصحاب الإمام مالك، وأَقبلوا عليه، فلمَّا أن رأوه يخالف مالكاً، وينقُضُ، جَفَوه وتنكَّروا لهُ. فأنشأ يقول:

أَأَنْثُرُ دُراً بَيْنَ سَارِحَةِ البَهـــــَمْ        وَأَنظُمُ مَنْثَورَاً لِرَاعِيَةِ الغَنــــَمْ

لَعَمْرِي لَئِنْ ضُيِّعْتُ في شــَرِّ بَلْدَةٍ       فَلَسْتُ مُضِيعاً فِيهمُ غُرَر الكَلـــِمْ

سَأَكْتُمُ عِلْمِي عَنْ ذَوِي الجهْلِ طَاقَتِي       وَلاَ أَنْثُرُ الدُّرَّ النَّفِيسَ عَلَى الغَنــَمْ

أَنَّهُمُو أَمْسَوا بِجَهـــــْلٍ لِقَدْرِهِ        فَلاَ أَنَا أَضْحَى أَنْ أطوقه البَهـــَمْ

لَئِنْ سَهَّلَ اللَّهُ العَزِيزُ بِلُطْفِــــهِ           وَصَادَفْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ ولِلْحِكـــَمْ

بَقَيْتُ مُفِيدَاً واسْتَفَدْتُ وِدَادَهـــُم            وَإِلاَّ فَمَكْنُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتـــــَمْ

وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْمَاً أَضَاعَــهُ         وَمَنْ مَنَعَ الْمسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلــَمْ

وَكَاتِمُ عِلْمِ الدِّينِ عَمَّنْ يـــُرِيدُهُ          يَبُوءُ بِإِثْمٍ زَادَ وَإِثْمٍ إِذَا كَتــــَمْ

 *********

أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالا صغارا، فقال له: ما أنت؟ قال: أنا قاف، قال: فما هذه الجبال حولك؟ قال: هي عروقي وما من مدينة إلا وفيها عرق من عروقي، فإذا أراد الله أن يزلزل مدينة أمرني فحركت عرقي ذلك فتزلزلت تلك الأرض؛ فقال له: يا قاف أخبرني بشيء من عظمة الله؛ قال: إن شأن ربنا لعظيم، وإن ورائي أرضا مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم به بعضها بعضا، لولا هي لاحترقت من حر جهنم وقال الشاعر وهو تبع اليماني:

قد كان ذو القرنين قبلي مسلمــا� �    ملكا تدين لـــه الملوك وتسجد

بلغ المغــارب والمشارق يبتغي       أسبـــاب أمر من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها        في عين ذي خلب وثأط حرمـد

 *********

كان الخليفة المنصور معجبا بمحادثة محمد بن جعفر بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم، وكان الناس لعظم قدره يفزعون إليه في الشفاعات، فثقل ذلك على المنصور، فحجبه مدة، ثم لم يصبرعنه فأمر الربيع أن يكلمه في ذلك، فكلمه وقال: إعف ياأمير المؤمنين لاتثقل عليه فـي الشفاعات فقبل ذلك منه فلما توجه إلى الباب إعترضه قوم من قريش معهم رقاع، فسألوه إيصالها إلى المنصور، فقص عليهم القصة فأبوا إلا أن يأخذها فقال: إقذفوها في كمي، ثم دخل على المنصور وهو في الخضراء مشرف على مدينة السلام وما حولها من البساتين، فقال له: أما ترى إلى حسنها ياأبا عبد الله؟ فقال له: ياأمير المؤمنين بارك الله لك فيما آتاك وهنأك بإتمام نعمته عليك فيما أعطاك، فما بنت العرب في دولة الإسلام ولا العجم في سالف الأيام أحصن ولاأحسن من مدينتك ولكن سمجتها في عيني خصلة، قال: وما هي؟ قال ليس لي فيها ضيعة، فتبسم وقال قد حسنتها في عينك بثلاث ضياع قد إقتطعتكها، فقال أنت والله ياأمير المؤمنين شريف الموارد كريم المصادر، فجعل الله تعالى باقي عمرك أكثر من ماضيه، ثم أقام معه يومه ذلك، فلما نهض ليقوم بدت الرقاع من كمه، فجعل يردهن ويقول: إرجعن خائبات خاسرات، فضحك المنصور وقال بحقي عليك ألا أخبرتني وأعلمتني بخبر هذه الرقاع؟ فأعلمه، وقال ما أتيت يابن معلم الخير إلاكريما، وتمثل بقول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر:

لسنا وإن أحبابنا كرمـت       يوما على الأحساب نتكل

نبني كما كــانت أوائلنا������ تبني ونفعل مثل ما فعلوا

وتصفح الرقاع وقضى حوائجهم عن أخرها، قال محمد فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت.

 

نفحات وعبر

نذر بعض الخلفاء على نفسه أن لا ينشد شعرا ومتى أنشد بيت شعر فعليه عتق رقبة، فبينما هو في الطواف يوما إذ نظر إلى شاب يتحدث مع شابة جميلة الوجه فقال له ياهذا إتق الله أفي مثل هذا المكان؟ فقال الشاب ياامير المؤمنين والله ماذاك لخني ولكنها إبنة عمي وأعز الناس على وإن أباها منعني من تزوجها لفقري وفاقتي، وطلب مني مائة ناقة ومائة أوقية من الذهب ولم أقدر من ذلك، قال فطلب الخليفة أباها ودفع إليه ما اشترطه على ابن أخيه ولم يقم من مقامه حتى عقد له عليها، ثم دخل الخليفة إلى بيته وهو يترنم ببيت من الشعر فقالت له جاريته أراك اليوم يامولاي تنشد الشعر أفنسيت ما نذرت أم نراك قد هويت فأنشد هذه الأبيات يقول:

تقـول وليـدتي لمـا رأتــني �� ������� طربت وكنت قد أسليت حينا

أراك اليوم قد أحدثت عهـــدا��� ������� وأورثك الهوى داء دفينـــا

بحقك هل سمعت لــها حديـثا��� ������� فشاقك أورأيت لـها جبينــا

فقلت شكا إلــــي أخ محب���� ������� كمثل زماننا إذ تعلـمينـــا

وذو الشجو القديم وإن تعـزى��� �������  محب حين يلقى الـــعاشقينا

ثم عدّ الأبيات فإذاهي خمسة أبيات، فأعتق خمس رقاب ثم قال لله درك من خمسة أعتقت خمسة وجمعت بين رأسين في الحلال.

 *********

أصل الغناء ومعدنه

قال أبو المنذر هشام: الغناء على ثلاثة أوجه النصب والسناد والهزج، فأما النصب فغناء الفتيان والركبان، وأما السناد فالثقيل الترجيع الكثير النغمات، وأما الهزج فالخفيف كله وهو الذي يستفز القلوب وهيج الحليم، وقيل كان أصل الغناء ومعدنه في أمهات القرى فاشيا ظاهرا وهي المدينة والطائف وخيبر وفدك ووادي القرى ودومة الجندل واليمامة، وهذه القرى مجامع أسواق العرب ويقال إن أول من صنع العود لامك بن قاين بن آدم، وبكى به على ولده، ويقال إن صانعه بطليموس صاحب الموسيقى، وهو كتاب اللحون الثمانية، وكان لهارون الرشيد جماعة من المغنيين منهم إبراهيم الموصلي وبن جامع السهمي وغيرهما وكان له زامر يقال له برصوما وكان إبراهيم إشدهم تصرفا في الغناء، وبن جامع أحلاهم نغمة فقال الرشيد يوما لبرصوما ماذا تقول في بن جامع؟ فقال ياأمير المؤمنين وما أقول في العسل الذي من حيثما ذقته فهو طيب قال فإبراهيم الموصلي؟ قال بستان فيه جميع الأزهار والرياحين، وكان بن محرز يغني لكل إنسان بمايشتهيه كأنه خلق من قلب كل إنسان، وغنى رجل في حضرة الرشيد:

وأذكر أيام الــحمى ثم أنثنـي� ������� علي كبدي من خشية أن تصدّع

فليست عشيات الحمى برواجـع��� �����عليك ولــكن خلي عينيك تدمع

بكت عيني اليسرى فلمـا نهيتها �������  عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معـا

فاستخف الرشيد الطرب فأمر له بمائة ألف درهم.

 

أمثال وحكم

احذر مجالسة العاجزفإنه من سكن إلى عاجز أعداه من عجزه وأمده من جزعه وعوده قلة الصبر ونساه ما في العواقب، وليس للعجز ضد إلا الحزم، وقال بعض العلماء من الخذلان مسامرة الأماني ومن التوفيق بغض التواني، وقال الإمام علي رضي الله عنه التواني مفتاح البؤس وبالعجز والكسل تولدت الفاقة ونتجت الهلكة ومن لم يطلب لم يجد وأفضى إلى الفساد.

كأن التواني أنكح العجز بنته��� ������� وساق إليها حين زوجّها مهرا

فراشا وطيئا ثم قال لها اتكي��� ������� فإنكما لابـــد أن تلدا الفقرا

 *********

من أمثال العرب
(جاوِرِينَا وَاخْبُرِينَا)

قال يونس: كان رجلان يتعشَّقان امرأةً، وكان أحدُهما جميلا وَسيما، وكان الآخر دَميما تقتحمه العين، فكان الجميلُ منهما يقول: عاشرينا وانظري إلينا، وكان الدميم يقول: جاوِرِينا واخْبُرِينا، فكانت تُدْنِي الجميلَ، فقالت: لأختبرنَّهما، فقالت لكل واحد منهما أن يَنْحَر جَزُورا، فأتتهما متنكرة، فبدأت بالجميل فوجَدَتْه عند القِدْرِ يَلْحَس الدسَم ويأكل الشحم، ويقول: احتفظوا كلَّ بيضاء لِيَهْ، يعني الشحم، فاستطعمته فأمر لها بِثَيْلِ الجَزور، فوضع في قصعتها، ثم أتت الدَّمِيم فإذا هو يَقْسِم لحم الجزور ويُعْطي كل مَنْ سأله، فسألته فأمر لها بأطايِبِ الجزور، فوضع في قصعتها، فرفعت الذي أعطاها كلُّ واحدٍ منهما على حِدَة، فلما أصبحا غَدَوَا إليها فوضَعَت بين يدي كل واحد منهما ما أعطاها، وأقصت الجميل، وقربت الدميم، ويقال: إنها تزوجته. يضرب في القبيح المنظر الجميل المَخْبَر.

 *********

من نوادر النحاة

كان لبعضهم ولد نحوي يتقعر في كلامه فاعيل الأب علة شديدة أشرف منها على الموت، فاجتمع عليه أولاده وقالوا له ندعو لك أخانا فـلانا؟ فقال الرجل لا فإنه إن جاءني قتلني بتقعره في النحو والصرف، فقالوا نحن نوصيه ألا يتكلم، فدعوه فلما دخل على أبيه قال له ياأبت: قل لاإله إلا الله تدخل بها الجنة وتفوز من النار، ياأبت والله ما أشغلني عنك إلا فلان فإنه دعاني بالأمس فأهرس وأعدس واستبذج وسكبج وطهــبج وأفرج ودجج وأبصل وأمضر ولوزج وافلوزج .

فصاح أبوه غمضوني فقد سبق أخوكم ملك الموت في قبض روحي .

وعاد بعض الناس نحويا فقال ماالذي تشكوه فقال النحوي (حمى جاسيه نارها حاميه من الأعضاء واهيه والعظام باليه) فقال له الرجل (لاشفاك الله بعافيه ياليتـها تكون القاضيه).