مع ذا
النون المصري قال ذو النون المصرى: حججت سنة إلى بيت الله
الحرام فلما وقفت بعرفة رأيت شاباً عليه آثار الاصفرار والنحول والقلق والذبول،
فعلمت أن عنده من المحبة محصول، فسمعته يقول: سيدى كيف ألبيك بلسان عصاك أو قلب
جفاك، سيدى ما أجمل هذه الساعة إذ أنت تناجينى، وفى هذا الموقف تنادينى، قال ذو
النون: فتقدمت إليه فلما رآنى قال مرحباً يا ذا النون، فقلت له: ومن أين تعرفنى؟
قال: عرّفنى بك من عرّفنى وأخبرنى بك من آنسنى، ثم قال: يا ذا النون حبه تيمنى
وهجره أنحلنى فمتى أظفر بقربه، ويجود لى الحبيب برفع حجبه؟ قلت: من أين جئت؟ قال:
من بلد القلب، أقصد حضرة الرب، قلت: فبم تزودت؟ قال: بقطرة من شراب أنسه، أرجو أن
أصل بها إلى حضرة قدسه، قلت: فهل كانت لك مطية؟ قال: نعم، صفو النية والانقطاع عن
الدنيا بالكلية، والتنزه فى مقامات حضرته السنية، ثم قال: إليك عنى يا ذا النون فما
أقبح ساعة تمر فى غير طاعة، ثم تركنى ومضى، فلما جئت منَى رأيته ينظر إلى الناس وهم
ينحرون ضحاياهم، فجرت دموعه وتزايد ولوعه وعظم خوفه وخشوعه، ثم قال: سيدى كل أحد
تقرب إليك بنسكه وتقدم بملكه، وأنا ما أملك غير هذه النفس العاتية الغافلة الساهية
وإنى أقربها إليك بالذلة والمسكنة بين يديك، فإن تكرمت بقبولها فجد بوصولها وأسرع
فى تعجيلها، فأنت دليلها إلى سبيلها، ثم صاح وتأوه وسقط على الأرض ميتًا، فسمعت
قائلا يقول: يا لها من ركضة إلى الفردوس الأعلى، قال ذو النون: فوقفت عند رأسه ساعة
أتفكر فيه وإذا بعجوز قد أقبلت إليه وألقت نفسها عليه، ثم أجرت الدموع أسفا وأظهرت
حزنا وولها، ثم قالت: هنيئاً لك يا من كان دأبه النسك والوفاء، وما غفل عن خدمة
سيده ولا هفا، وطالما قام فى الليل برداء الطاعة متلحفا، يمسى كئيبا ويصبح مدنفا،
قال ذو النون: فقلت لها من يكون لك هذا الشاب؟ قالت: هو ولدى سائح فى الفلوات،
أجتمع أنا وهو كل سنة فى الموسم والميقات فلا أعود أراه إلى العام المقبل، فلما
وقفت فى هذه الساعة بعرفات طلبته على سالف العادات، فهتف بى هاتف أنه قد مات، وقد
رفعت روحه إلى أعلى الدرجات، ثم قالت: يا سيدى بما بينى وبينك فى خلوتى وبما أودعت
من محبتك فى مهجتى إلا ما خلصت نفسى العاتية من هذه الدار الفانية، وأوصلتنى مع
ولدى إلى الدار الباقية، قال ذو النون: ثم تنهدت وخرت ميتة إلى جانب ولدها رحمه
الله تعالى. من كتاب
الروض الفائق
أتعجب
من ضعيفة
اشتاقت إلى
بيت مولاها قال ذو النون المصرى رحمة الله عليه: كانت أم
دأب من كبار الصالحات إلى أن بلغ عمرها تسعين سنة وهى تحج فى كل سنة على قدميها من
المدينة إلى مكة، فكف بصرها، فلما حضر وقت الحج دخل عليها النساء يزرنها ويتغممن
لها فى كف بصرها، فبكت ثم رفعت رأسها إلى السماء وقالت: إلهى وعزتك لئن فقدت نور
بصرى بين يديك ما فقدت أنوار شوقى إليك، ثم أحرمت وقالت: لبيك اللهم لبيك وخرجت مع
صواحباتها، فكانت تمشى بين أيديهن فتسبقهن فى المسير، قال ذو النون: فتعجبت من
حالها، فهتف بى هاتف: يا ذا النون أتعجب من ضعيفة اشتاقت إلى بيت مولاها فحملها
إليه بلطفه وقواها. من كتاب
الروض الفائق
طريق
الموحدين قال ذو النون المصرى: وصف لى عابدة من الزهاد
ذات علم واجتهاد فقصدتها، فإذا هى صائمة النهار قائمة الليل لا تفتر عن العبادة ولا
تمل من العمل، وهى مقيمة فى دير خرب، فلما جن الليل سمعتها تقول: سيدى لا ينام ولا
ينبغى له المنام، فكيف الجارية تنام والمخدوم لا ينام لا وعزتك وجلالك ليس لى فى
هذه الليلة منام، فلما أصبحت سلمت عليها فردت على السلام فقلت لها: يا جارية تسكنين
فى مساكن النصارى وأنت على هذه الحالة؟ فقالت: يا ذا النون لا تتكلم بمثل هذا
الكلام السقيم وأنت على هذا القدم العظيم، فلا يخطر غير الله فى بالك ولا تتوهم
غيره فى خيالك، فقلت لها: أما تستوحشين فى هذا الدير؟ فقالت: والذى ملأ قلبى من
لطيف حكمته وهيمنى فى محبته ما علمت فى قلبى موضعاً لغيره ولا فى جسدى عرقا إلا وهو
ملآن بمعرفته، فكيف لا أستأنس بذكره وأنا دائماً فى حضرته، فقلت لها: قد أرشدتنى
إلى الطريق فاسلكى بى مسالك القوم فإنى والله فى بحر ذنوبى غريق، فقالت: يا ذا
النون اجعل التقوى زادك والآخرة مرادك والزهد والورع مطيتك، واسلك طريق الخائفين
واترك طريق المذنبين تكتب فى ديوان الموحدين وتلق الله تعالى وليس بينك وبينه حجاب
ولا يردك عنه بواب، قال ذو النون: فأثر كلامها فى قلبى وكان سبب رجوعى إلى ربى ثم
تركتنى ومضت وهى تسوح. جمع
وتقديم محمد
رأفت رجب
كـظـم
الغــيــظ عن أبي
سعيد الخدري
رضي اللَّه
تعالى عنه قال:
قال رسول
اللَّه صلى
اللَّه عليه
وسلم إن الغضب
جمرة من النار
فمن وجد ذلك
منكم فإن كان
قائما
فليجلس، وإن
كان جالسا
فليضطجع قال: حدثنا
محمد بن الفضل
حدثنا محمد بن
جعفر. حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا المسيب عن محمد بن مسلم
عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّه تعالى عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال:
إياكم والغضب فإنه يوقد في فؤاد ابن آدم النار ألم ترَ إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمرّ
عيناه وتنتفخ أوداجه؟ فإذا أحس أحدكم بشيء من ذلك فليضطجع وليلصق بالأرض، وقال: إن
منكم من يكون سريع الغضب سريع القيء فأحدهما بالآخر يعني يكون أحدهما بالآخر قصاصاً
ومنكم من يكون بطيء القيء ويكون أحدهما بالآخر، وخيركم من كان بطيء الغضب سريع
القيء وشركم من كان سريع الغضب بطيء القيء. وروى
أبو أمامة
الباهلي رضي
اللَّه تعالى
عنه عن رسول
اللَّه صلى
اللَّه عليه
وسلم أنه قال
من كظم غيظا
وهو يقدر على
أن يمضيه لم
يمضه ملأ
اللَّه قلبه
يوم القيامة
رضا ويقال: مكتوب
في الإنجيل: يا
ابن آدم
اذكرني حين
تغضب أذكرك
حين أغضب، وارض
بنصرتي لك فإن
نصرتي لك خير
من نصرتك لنفسك.
وروى عن عمر
بن عبد العزيز
أنه قال لرجل
أغضبه: لولا
أنك أغضبتني
لعاقبتك أراد
بذلك قول اللَّه
تعالى
﴿وَالكَاظِمِينَ
الغَيْظ﴾ وذكر
أنه رأى سكران
فأراد أن
يأخذه فيعزره
فشتمه
السكران فلما
شتمه رجع عمر،
فقيل له يا أمير
المؤمنين لما
شتمك تركته؟
قال لأنه
أغضبني فلو
عزرته لكان
ذلك لغضب نفسي
ولا أحب أن أضرب
مسلماً لحمية
نفسي. وروى عن ميمون بن مهران أن جارية له جاءت بمرقة
فعثرت فصبت المرقة عليه فأراد ميمون أن يضربها فقالت الجارية يا مولاي استعمل قول
اللَّه تعالى
﴿وَالكَاظِمِينَ الغَيْظ﴾ فقال قد فعلت، فقالت اعمل بما بعده
﴿وَالعَافِينَ عَنْ النَّاس﴾ قال قد عفوت، فقالت اعمل بما بعده
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِين﴾ فقال ميمون أحسنت إليك فأنت حرة لوجه اللَّه
تعالى.� وروى عن
رسول اللَّه
صلى اللَّه
عليه وسلم أنه
قال من لم يكن
فيه ثلاث خصال
لم يجد طعم
الإيمان: حِلم
يردّ به جهل
الجاهل، وورع
يحرُزه عن المحارم،
وخُلُق يداري
به الناس. وذكر
عن بعض
المتقدمين
أنه كان له
فرس وكان معجبا
به، فجاء ذات
يوم فوجده على
ثلاث قوائم فقال
لغلامه من صنع
هذا؟ فقال
أنا، قال: لم؟
قال أردت أن
أغمك، قال لا
جرم لأغمنّ من
أمرك به: يعني
الشيطان: اذهب
فأنت حرّ
والفرس لك. ينبغي للمسلم أن يكون
حليما وصبورا فإن ذلك من خصال المتقين وقد مدح اللَّه تعالى الحليم في كتابه فقال
تعالى
﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَر﴾ يعني من صبر على الظلم وتجاوز عن ظالمه وعفا
عنه
﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُور﴾ يعني من حقائق الأمور التي يثاب فاعلها على
ذلك وينال أجرا عظيما وقال في آية أخرى
﴿لا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَة﴾ يعني لا تستوي الكلمة الحسنة والكلمة السيئة
يعني لا ينبغي للمسلم أن يكافئ كلمة حسنة بكلمة قبيحة ثم قال
﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن﴾ يعني ادفع الكلمة القبيحة بالكلمة التي هي
أحسن
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم﴾ يعني إنك إذا فعلت ذلك صار عدوّك صديقا لك
مثل القريب وقد مدح اللَّه تعالى خليله إبراهيم عليه السلام بالحلم فقال
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيب﴾ فالحليم المتجاوز والأواه الذي يذكر ذنوبه
ويتأوه، والمنيب الذي أقبل على طاعة اللَّه تعالى، وقد أمر اللَّه تعالى نبيه صلى
اللَّه عليه وسلم بالصبر والحلم وأخبره أن الأنبياء الذين كانوا من قبله كانوا على
ذلك فقال تعالى
﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ
مِنْ الرُّسُل﴾ يعني اصبر على تكذيب الكفار وأذاهم كما صبر
الأنبياء الذين أمروا بالقتال مع الكفار، وأولو العزم هم ذوو الحزم وهم الذين
يثبتون على الأمر ويصبرون عليه، وقال الحسن في قوله تعالى
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الجَاهِلُونَ قَالُوا
سَلاما﴾ يعني قالوا حلما وإن جهل عليهم حلمو. إبراهيم
عبد المجيد
فراقك أشد من فراق الروح للجسد
فبكى ثم كبر وصلى صلاة سلبت فؤادى ولبى، فلما فرغ جلس. وجلس الثلاثة بين يديه، فدنوت منهم، وقلت: السلام عليكم، فقال الشاب: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا سرى، يا صاحب الهاتف الذى هتف بك اليوم، وبشرك بأن لا يفوتك الحج فى هذه السنة، فكدت أن أصعق وامتلأ قلبى فرحا وسروراً، فقلت: نعم يا سيدى هتف بى هاتف قبل ورودكم بساعة، فقال: نعم يا سرى كنا قبل أن يهتف بك الهاتف بساعة فى بلاد خراسان قاصدين بغداد فقضينا حوائجنا وعزمنا على القصد إلى بيت الله الحرام، فأجبنا زيارة قبور الأنبياء بالشام ثم نقصد مكة شرفها الله تعالى وقد قضينا حقوقهم وزرناهم وأتينا إلى هاهنا نزور البيت المقدس، فقلت له: يا سيدى وما كنتم تصنعون بخراسان فقال لأجل الإجتماع بإبراهيم بن أدهم ومعروف الكرخى إخواننا فى الله عز وجل، فجئنا إلى بغداد نقصد البيت الحرام، فجئت أنا إلى بيت المقدس لأجل الزيارة وذهبا هما من طريق البادية.
قال الجنيد رضي الله عنه جلست يوماً بين
أصحابى نتذاكر عباد الله الصالحين فقال السرى: كنت يوماً جالساً فى بيت المقدس عند
الصخرة وكانت أيام العشر وأنا متحسر على التخلف عن الحج فى تلك السنة، فقلت فى
نفسى: إن الناس قد توجهوا إلى مكة ولم يبق إلا أيام قلائل وأنا هاهنا مقيم فبكيت
على فوات نصيبى وتخلفى، فسمعت هاتفاً يقول: يا سرى لا تبك فإن الله تعالى يقيض لك
من يوصلك إلى الحج، فقلت: وكيف يكون ذلك وقد بقى أيام يسيرة وأنا ببيت المقدس فقال:
لا تحزن إن الملك القدير يهون عليك العسير، فسجدت شكراً لله تعالى وجلست أنتظر صدق
الهاتف، وإذا بأربعة شباب قد دخلوا من باب المسجد كأن الشمس تطلع من وجوههم والنور
يلمع من جباههم، يقدمهم شاب عليه هيبة وجلالة وهم خلفه وعليهم لباس الشعر وفى
أرجلهم نعال الخوص، فدنوا من الصخرة ودعوا الله تعالى فامتلأ المسجد من أنوارهم
فقمت معهم وقلت يارب لعل هؤلاء الذين رحمتنى بهم ورزقتنى صحبتهم، فدخلوا القبة
والشاب أمامهم وهم خلفه، فصلى كل واحد منهم ركعتين والشاب قائم يناجى ربه فدنوت منه
لأسمع مناجاته، فبكى ثم كبر وصلى صلاة سلبت فؤادى ولبى، فلما فرغ جلس. وجلس الثلاثة
بين يديه، فدنوت منهم، وقلت: السلام عليكم، فقال الشاب: وعليك السلام ورحمة الله
وبركاته يا سرى، يا صاحب الهاتف الذى هتف بك اليوم، وبشرك بأن لا يفوتك الحج فى هذه
السنة، فكدت أن أصعق وامتلأ قلبى فرحا وسروراً، فقلت: نعم يا سيدى هتف بى هاتف قبل
ورودكم بساعة، فقال: نعم يا سرى كنا قبل أن يهتف بك الهاتف بساعة فى بلاد خراسان
قاصدين بغداد فقضينا حوائجنا وعزمنا على القصد إلى بيت الله الحرام، فأجبنا زيارة
قبور الأنبياء بالشام ثم نقصد مكة شرفها الله تعالى وقد قضينا حقوقهم وزرناهم
وأتينا إلى هاهنا نزور البيت المقدس، فقلت له: يا سيدى وما كنتم تصنعون بخراسان
فقال لأجل الإجتماع بإبراهيم بن أدهم ومعروف الكرخى إخواننا فى الله عز وجل، فجئنا
إلى بغداد نقصد البيت الحرام، فجئت أنا إلى بيت المقدس لأجل الزيارة وذهبا هما من
طريق البادية.
فقلت: يرحمك الله من خراسان إلى بيت المقدس
مسيرة سنة، فقال: ولو كانت الطريق ألف سنة العبيد عبيده، والأرض أرضه، والسماء
سماؤه، والزيارة لبيته، والقصد إليه، والإبلاغ عليه، والقوة والقدرة له، أما ترى
الشمس كيف تسير من المشرق إلى المغرب فى يوم واحد؟ أهى تسير بقوتها أم بقوة القادر
وإرادته؟ فإذا كانت الشمس وهى جماد لا حساب عليها ولا عقاب تقطع من المشرق إلى
المغرب فى يوم واحد، فليس بعجيب أن يبلغ عبد من عبيده من خراسان إلى بيت المقدس فى
ساعة واحدة، فإن الله تعالى له القوة والقدرة وخرق العوائد لمن يحب ويختار، يا سرى
عليك بعز الدنيا والآخرة وإياك أن تصل إلى ذل الدنيا والآخرة، فقلت: يرحمك الله
أرشدنى إلى عز الدنيا والآخرة، فقال: من أراد غنى بلا مال وعلما بلا تعلم وعزا بلا
عشيرة فليخرج حب الدنيا من قلبه، ولا يركن إليها ولا يطمئن بها، فإن صفوها ممزوج
بكدرها، وحلوها منغص بمرها، فقلت له: يا سيدى بالذى خصك بأنواره وأطلعك على أسراره
أين تقصد؟ قال: الحج إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر سيد الأنام عليه أفضل الصلاة
والسلام، فقلت: والله لا أفارقك فإن فراقك أشد من فراق الروح للجسد، فقال: بسم
الله، فخرجت معهم من البيت المقدس إلى البادية ولم نزل نسير حتى قال: يا سرى هذا
وقت الظهر أما نصلى؟ فقلت: بلى، فعزمت على التيمم بالتراب، فقال: إن هاهنا عين ماء،
فعدل عن الطريق وإذا بعين ماء أحلى من الشهد فتوضأت وشربت.
فقلت: والله لقد سلكت هذا الطريق مرارا ولم
يكن هاهنا عين ماء، فقال: الحمد لله على لطفه بعباده، فصلينا الظهر ثم سرنا إلى وقت
العصر، فبانت لنا أعلام الحجاز ولاحت لنا حيطانها، فقلت: هذه أرض الحجاز؟ فقال لى:
قد وصلت إلى مكة، فأخذنى البكاء والنحيب، ثم قال: يا سرى تدخل معنا؟ قلت: نعم،
فدخلنا من باب الندوة فرأيت رجلين أحدهما كهل والآخر شاب، فلما نظراه تبسما وقاما
فعانقاه وقال: الحمد لله على السلامة، فقلت: يرحمك الله من هؤلاء؟ قال: أما الكهل
فإبراهيم بن أدهم وأما الشاب فمعروف الكرخى، فصلينا صلاة المغرب والعشاء ثم قام كل
منهما إلى الصلاة فقمت أنا ووافقتهم بحسب طاقتى فغلبنى النوم فى السجود فلما انتهيت
لم أر أحدا منهم فبقيت كالمجنون الهائم وطفت عليهم فى المسجد وفى مكة وفى منى فلم
أجدهم فرجعت باكيا حزينا لتخلفى عنهم وفوت نصيبى منهم. مصطفى
أنور الميهي |
|