الإمام
الشافعي
ما أحوجنا إلى عبير التاريخ وخصوصا عندما
يختلط الحابل بالنابل فقد استمعت إلى حوار مع أحد الأدباء المشهورين في إحدى
الفضائيات حيث يتحدث عن فارق الثقافة الآن وفي العصر القديم فضرب المثال على ذلك
بقوله أنه شخصيا يجيد سبع لغات وقرأ من الكتب والمعلومات ما يزيد عما قرأه الأمام
الشافعي طوال حياته، ونحن هنا نود أن لانرد على قوله ولكني أرجو من القارئ العزيز
أن يأتي معي لنستنشق عبير تاريخ الشافعي الذي نجده في مجلس التعلم وهو لم يتعد
السابعة من عمره ونستمع إلى حوار قرنائه مع المعلم فهم غاضبون لأن المعلم يفضل
الشافعي عليهم ويقدمه ويحبوه بعناية ورعاية لايحظون بها ويسألون ما الفرق بين
الشافعي وبينهم ليميزه عليهم فقال لهم المعلم سوف ترون في الغد إن شاء الله، فلما
أن كان الغد جلس كل طالب في مكانه،وكان لكل منهم فروة (من فراء الخراف) يجلس عليها
فلما جلس الشافعي ظل يتقلق على فروته وينظر مرة إلى السقف ومرة إلى الأرض في تعجب
فسأله المعلم ما بك يابن إدريس؟ فقال لاأدري كأن السقف قد هبط إلى الأرض أو أن
الأرض قد ارتفعت إلى السقف ! فقال المعلم كم من المقدار تظن هذا الإرتفاع؟ فقال
الشافعي بمقدار فرخ من الورق، فقال المعلم قم وانظر تحت الفروة، فرفعها الشافعي
فوجدوا تحتها فرخ من الورق، قد وضعه المعلم ليختبر قوته على الملاحظة، فتعجب الطلاب
من قوة ملاحظته، ولما ذهب الشافعي لتلقي العلم من الإمام مالك سأله الإمام عن
مؤهلاته ليتلقى العلم عنده وكان الشافعي آن ذاك لم يبلغ السابعة عشر من عمره، فرد
قائلا بأنه حفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع ويعرف الناسخ من المنسوخ من الآيات وكذلك
المحكم والمتشابه منها وكيف يرد المتشابهات إلى محكماتها،كما أنه يعرف أسباب نزول
الآيات أين نزلت ومتى نزلت وفيمن نزلت كما أنه يعرف عامها وخاصها ومطلقها ومقيدها
كما أنه اعتذر ألى الإمام مالك بتقصيره في الحديث فهو لايحفظ سوى عشرة آلاف من
الأحاديث النبوية الشريفة ويعلم مواطنها وناسخها ومنسوخها ويعد أن يستمر في حفظ
المزيد، ومع كل هذا قال الإمام مالك الآن نقبلك تلميذا، وهذا الشافعي الذي كان يقرأ
الكتب بالنظر إلى الصفحة كاملة أي يقرأ الكتاب صفحة صفحة وليس كلمة كلمة وكان إذا
فتح الكتاب يغطي الصفحة اليسرى وينظر في اليمنى ثم يغطي اليمني كي ينظر في اليسرى
لأنه لو لم يفعل ذلك قرأ الصفحتين معا فتخلط المعلومات في داخله وهذا ما يعرف في
العلم الحديث بتخزين المعلومات في(الهارد ديسك) بطريقة (الإسكانر)، واشتهر الشافعي
بالحلم مع العلم ولما أراد الناس إختبار حلمه صنع له الخياط جلبابا قد طلبه الشافعي
فلما ذهب ليجربه وجد أن الخياط قد قصر الكم الأيمن إلى النصف وأطال الكم الأيسر مرة
ونصف، وجلس الناس ينظرون كيف يكون غضب الشافعي ! فنظر إلى الخياط وقال له إني كنت
على وشك أن أطلب منك هذا ولكن خفت أن تظن بي الجنون، فأنا حينما أكتب يسبقني الكم
الأيمن إلى المحبرة فقصرته لى وحينما أقرأ أود تغطية الصفحة التي لاأقرؤها بكمي
الأيسر فشكرا لك على صنيعك، وضاعف للخياط الأجرة وقال الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل
السنة والجماعة (إن الشافعي كالشمس للناس والعافية للبدن) وقد انتفع الملايين بعلم
الشافعي الذي وصفته نفيسة العلم وهي السيدة نفيسة بنت سيدي الحسن الأنور بن سيدي
زيد الأبلج بن الإمام الحسن السبط بقولها (رحم الله الشافعي فإنه كان يحسن الوضوء)
أي أن هذا مقدار علم الشافعي إلى علومها فأين أنت من هذه العلوم أيها الأديب يامن
درست آلاف الكتب واللغات ولكنه علم لاينفع وجهل لايضر.
محمد
صفوت جعفر
|