حـلـقــة
الـذكــر
حلقة الذكر جاءت فى كتاب الله تعالى والسنة
المطهرة، أما الكتاب العزيز ففى قوله تعالى ﴿والذاكرين الله كثيرا والذاكرات﴾ بطريق
الجمع فى كل الآى كما يؤخذ من بيان حضرة من أسند الله تعالى إلى حضرته البيان
والتبيين من قوله الشريف (ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله عز وجل يذكرون الله إلا
نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده) وفى
قوله صلى الله عليه وسلم (إن لله ملائكة يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا حلقة تداعوا
إليها هلموا إلى حاجتكم حتى يبلغوا العنان) ومن قوله الشريف صلى الله عليه وسلم حين
دخل مسجده فوجد حلقتين، حلقة علم وحلقة ذكر فجلس فى حلقة العلم وقال (إنما بعثت
معلما) والحديث القدسى من قوله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أنه قال (من ذكرنى
فى نفسه ذكرته فى نفسى ومن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منه) والمراد بالملأ
الجماعة.
الإنشاد
والمديح فى
الحضرة
النشيد
على الذكر من
باب تشجيع
الذاكر على الذكر
ليجمع همته
ويطرب قلبه
ويتعلق
بالمذكور فتتحرك
الروح فى
الجسد فيه
ليحصل له
الوجل إلى
الله تعالى
والخشية منه
تبارك وتعالى.
قال عز من قائل ﴿الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم
إيمانا وعلى ربهم يتوكلون﴾ وقوله تعالى ﴿يا أيها النبى حرض المؤمنين على القتال﴾
وفى قوله تعالى ﴿وعظهم وقل لهم فى أنفسهم قولا بليغ﴾ وكل ذلك فى معنى التحريض
والتشجيع والحث على فعل ما أمر الله تعالى عباده به.
وإليك
ما رواه
البخارى
وغيره فى
السنة المطهرة:
أن الأحابيش
كانوا يلعبون
بالدرك فى
مسجد رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
فقال صلى الله
عليه وسلم
للسيدة عائشة:
(تشتهين؟
فقالت نعم،
فقامت خلف
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم وجعلت
تنظر من على
كتفه الشريف
وهو يقول: هيه
دونكم بنى
أرفدة، فصار
يشجعهم حتى
قال لها حسبك؟
قالت: نعم). وفى قوله صلى الله عليه
وسلم لبنى إسماعيل (ارموا فإن أباكم كان راميا) تشجيعا لهم.
وفى
قوله فى حفر
الخندق:
اللهم
إن العيش عيش
الآخرة فاغفر
للأنصار
والمهاجـرة
فقالوا
مجيبين له:
نحن
الذين بايعوا
محمــدا على
الإسلام ما
بقينــا أبدا
ويقول
كان النبى صلى
الله عليه
وسلم ينقل التراب
فى يوم
الأحزاب
ويقول:
اللهم
لولا أنت ما
اهتدينا ولا
تصدقنا ولا
صلينـا
فانزلن
سكينـة علينــا وثبت
الأقدام إن
لاقينـا
إن
الأُلى قد
بغوا علينـا وان
أرادوا فتنة
أبينــا
وفى قوله صلى الله عليه وسلم لأنجشه سائق
الإبل التى تحمل النساء وهو يحدو عليها وهى تتحرك وتشتد فى سيرها لتحمسها بالنشيد،
فقال صلى الله عليه وسلم (رويدك أنجشه رفقا بالقوارير) وهكذا كان النشيد مشجعا فى
الجاهلة والإسلام حتى كان أكثره فى الحروب وفى الأفراح وفى الأعياد فهو سُنة قديمة
وعادة مستقيمة لئلا تفتر الهمم وتضعف عما هى بصدده.
محمد
عادل
ولي نظم
در
عدم
الناس مذاقا
سائغـــا عندما
القلب تغشّى
فاحتضر
الحمد
لله مظهر
النعم ومجرى
القلم ومنور
الظلم ومنه
إبطان الحِكم
وإمداد مداد
اللوح ما منه
انصرم وما فيه
أبرم،
وبالودود
تعشق الفلك بالنجم،
والكوكب ببرج
السدم، فظهرت
معادن الكرم
فى أرض العدم،
والصلاة
والسلام على
نبى الأمم فمن
تبعه سلم ومن
عصاه ندم،
وعلى الآل
والصحب السادة
القمم، وجبال
الذكر الشمم،
بهم رجب صار
أصب أصم
وبالخير فطم،
ولهم شعبان
يهدى من شم
ومن زكم، ولهم
رمضان قد تغشى
الروح
فناداها ألا
أيها النائم
قم. ونحن هنا
أمام استخدام
كلمة (تغشّى) ونذهب
إلى إجماع
علماء اللغة
على ما يتغشى
العين
فيحرمها
الرؤيا،
ويستخدم
الشيخ رضى
الله عنه هذا
التشبيه لحجب
القلب عن
العلم فيعدم
المفهوم من
الفهم حتى
يحتضر القلب
فيصير على
قلوب أقفالها
وتصير مواتا
تواريها
الحفر، ولذا
مهما سمع من
العلوم اللدنية
العذبة
المذاق
المتينة
السياق فإنه
لا يتذوقها
رغم أنها طعام
القلوب
وشرابها ولكن
السقم فى لسان
المريض يفقده
لذة الطعام
فيستوى طيبه
وخبيثه، كما
أن الظفرة
عندما تتغشى
على العين،
والظُفر
والظَفرة،
بالتحريك: داء
يكون فى العين
يتجللها منه
غاشية كالظُفر،
وقيل: هى لحمة
تنبت عند
المآقى حتى
تبلغ السواد
وربما أَخذت
فيه، وقيل: الظّفرة،
بالتحريك،
جُليدة تُغشى
العين تنبت
تلقاء المآقى
وربما قُطعت،
وإِن تركت غشيت
بصر العين حتى
تكل، وفى (الصحاح):
جُليدة تغشى
العين نابتة
من الجانب
الذى يلى الأَنف
على بياض
العين إِلى
سوادها، قال: وهى
التى يقال لها:
ظُفر. وقد
أمعن الشعراء
فى توظيف فعل
التغشى من كل
أبوابه ونورد
على سبيل
المثال بعض
الشعراء
القدامى وشبه المعاصرين
فى كيفية
استخدامهم
للفعل:
خليل
مطران
قد
تفتنُ
الأبصارَ
بهرجـةٌ وقد�������� تغشى البصائرَ
فتنةُ
الأبصـار
ابن
الرومى
كالشمسِ
لا تبدو
فضيلتُهـــا������� حتى
تَغَشِّى
الأرضُ
بالظلــمِ
أحمد
شوقى
وأَنَّ
الشمسَ فى
الآفاقِ
تغشى���� ���
حمى كسرى كما
تَغشى
اليبابا
فقد استخدمها مطران استخدام له ظاهر وله باطن
فقد شبه البصائر حين تطغى عليها غشية البهرجة كالعين تماما حينما تنساق وراء زينة
الحياة الدنيا، والمعنى فى كلا الحالتين واحد.
ولكن ابن الرومى قد استخدمها فى الفاضلة
ومعرفة الشئ بضده.
أما احمد شوقى قال أن التغشى يسود العمار
والخراب بميزان واحد وذلك يؤدى إلى تسطيح المعنى المراد.
ولكننا
نجد أن الشيخ
رضى الله عنه
قال إن تغشى
القلب بالجهل
يجعل الإنسان
ميت بين
الأحياء فلا
يتذوق طعما
للعلم ولكن
القلب الحى
يحسن التذوق
وهاهو ذا سيدى
العز بن عبد
السلام بعد أن
استمع لأول
مرة لسيدى أبو
الحسن
الشاذلى يخرج
حافى القدمين
يصرخ بين الناس
قائلا: والله
هذا العلم
قريب العهد من
الله. وأنت لا تدرى أمام أى أسلوب بلاغى أهو التشبيه أم
الاستعارة أم الكناية فقد اختلطت البلاغة لتنسج لوحة بريشة مطرب أم هى مشرط جراح
بيد فنان.
�شيخ
أبوه
الـمـحـبــة
المحبة معنى يدق عن الأفكار ويخفى عن الأسرار
فهى للخواص نور وللعوام نار، ما علق حب بقلب امرئ ولا حل إلا تلاشى واضمحل، فالحب
حرفان حاء وباء، فحاؤه حتف وباؤه بلاء، فهو فى الحقيقة داء، يستخرج لذائقه من صفو
رائقه دواء وشفاء، فأوله فناء وآخره بقاء، وظاهره تعب وعناء وباطنه سرور وهناء، هو
لمن جهله شقاء ولمن عرفه شفاء .
�وعبارات الناس عن المحبة كثيرة، وتكلموا فى أصلها
فى اللغة، فبعضهم قال الحب اسم لصفاء المودة لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان
ونضارتها حبب الأسنان، وقيل الحباب ما يعلو الماء عند المطر الشديد فعلى هذا المحبة
غليان القلب وثوراته عند العطش والاهتياج إلى لقاء المحبوب، وقيل انه مشتق من حباب
الماء وهو معظمه، فسمى بذلك لأن المحبة غاية معظم مافى القلب من المهمات، وقيل
اشتقاقه من اللزوم والثبات يقول أحب البعير وهو أن يبرك فلا يقوم فكان المحب لا
يبرح بقلبه عن ذكر محبوبه، وقيل الحب مأخوذ من الحَب والحَب جمع حَبة وحَبة القلب
ما به قوامه فسمى الحب حباً باسم محله، وقيل مأخوذ من الحِبة وهى بذور الصحراء فسمى
الحب حِباً لأنه لباب الحياة كما أن الحب لباب النبات.
هذا بعض ما قاله أهل اللغة فى الحب، أما ما
قاله الشيوخ فيه فقال بعضهم المحبة الميل الدائم بالقلب الهائم، وقيل المحبة إيثار
المحبوب على جميع المصحوب، وقيل موافقة الحبيب فى المشهد والمغيب، وقيل محو المحب
بصفاته وإثبات المحبوب بذاته، فالناس فى المحبة على أنواع وأجناس ومحبو الله هم
خلاصة الناس، قال تعالى ﴿والذين آمنوا أشد حبا لله﴾ قال ابن عباس: أثبت وأدوم، وذلك
أن المشركين كانوا إذا عبدوا صنما ورأوا شيئا أحسن منه تركوا ذلك الوثن وأقبلوا على
عبادة الأحسن، فالكافر يعرض عن معبوده فى وقت البلاء والمؤمن لا يعرض عن الله فى
السراء والضراء والرخاء والبلاء ولا يختار عليه سواه، والمحبة لله هى الغاية القصوى
من المقامات، والذروة العليا من الدرجات، فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة
من ثمارها وتابع من توابعها كالشوق والأنس والرضا وأخواتها، ولا قبل المحبة مقام
إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد وغيرها، وسائر المقامات إن عز
وجودها فلم تخل القلوب عن الإيمان بإمكانها، وأما محبة الله تعالى فقد عز الإيمان
بها حتى أنكر بعض العلماء إمكانها وقال لا معنى لها إلا المواظبة على طاعة الله
تعالى، وأما حقيقة المحبة فمحال إلا مع الجنس والمثال، ولما أنكروا المحبة أنكروا
الأنس والشوق ولذة المناجاة وسائر لوازم الحب وتوابعه، فاعلم أن الأمة مجمعة على أن
الحب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم فرض، وكيف يفرض ما لا وجود له وكيف
يفسر الحب بالطاعة والطاعة تبع للحب وثمرته، فلابد أن يتقدم الحب، ثم بعد ذلك يطيع
من أحب، ويدل على إثبات الحب لله تعالى قوله عز وجل ﴿يحبهم ويحبونه﴾ وقوله تعالى
﴿والذين آمنوا أشد حبا لله﴾ وهو دليل على إثبات الحب وإثبات التفاوت فيه وقد جعل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحب لله من شرط الإيمان فى أخبار كثيرة إذ قال
أبو رزين العقيلى: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أن يكون
الله ورسوله أحب إليك مما سواهما) وفى حديث آخر: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله
ورسوله أحب إليه مما سواهما) وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمحبة
فقال: (أحبو الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبونى لحب الله) وفى الخبر المشهور أن
سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لملك الموت إذ جاءه لقبض روحه: هل رأيت خليلا يميت
خليله؟ فأوحى الله تعالى إليه: هل رأيت محبا يكره لقاء حبيبه؟ فقال: يا ملك الموت
الآن فاقبض.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم فى دعائه: اللهم
ارزقنى حبك وحب من أحبك وحب ما يقربنى إلى حبك واجعل حبك أحب إلى من الماء البارد.
وقال
سفيان الثورى
للسيدة رابعة:
ما حقيقة
إيمانك؟ قالت:
ما عبدته خوفا
من ناره ولا
حبا لجنته
فأكون كالأجير
السوء بل
عبدته حبا له
وشوقا إليه،
وقالت فى معنى
المحبة نظما:
أحبك
حبين حب
الهــــوى وحبا
لأنك أهل
لــذاكـــا
فأما
الذى هـــو حب
الهوى فشغلى
بذكرك عمن
ســواكا
وأما
الذى أنت أهل
لــــه فكشفك
لى الحجب حتى
أراكا
فلا
الحمد فــى ذا
ولا ذاك لى ولكن لك
الحمد فـى ذا
وذاكا
وفى
كتاب تبرئة
الذمة فى نصح
الأمة مفهوم
جلى وواضح عن
معنى الحب
فيقول: اعلم
أن الحب على
الإطلاق له
تسعة مراتب فى
الخلق،
ومرتبتان فى
الحق:
المرتبة
الأولى فى
الحق تسمى (الحب)
باسمه، ما لم
تكن حركة
لظهور أثرها
فإذا حصلت تلك
الحركة سمى
الحب (إرادة) فالحب
الحقيقى
والإرادة
الحقيقية لله
تعالى،
ومراتب الحب
فى الخلق
أولها (الميل) وهو
انجذاب القلب
إلى المطلوب،
فإذا زاد سمى (رغبة)
فإذا زاد سمى (طلبا)
فإذا زاد سمى (ولها)
فإذا اشتد
ودام سمى (صبابة)
فإذا قوى
واسترسل
بالقلب فى
المعنى
والمراد سمى (هوى)
فإذا استولى
حكمه على
الجسد بحيث
يفنى المحب عن
نفسه سمى (شغف) فإذا
نما وظهرت
علاماته بحيث
أن يفنى المحب
عن نفسه وعن
فنائه سمى (غرام)
فإذا استحكم
وطفح وظهر
وتمكن تمكنا
أفنى المحب عن
نفسه وعن
حبيبه أيضا بحيث
يبقى الأمر
شيئا واحدا
وهو الحب
المطلق سمى (عشق)
وهذا آخر
مقامات الخلق
فيه، فيصير
المحب فى هذا
المقام حبيبا
والحبيب محبا
فيتلون كل منهما
بصورة الآخر
وذلك أن
العاشق قد
تمكنت روحه بصورة
المعشوق،
فتعلقت بتلك
الصورة
الروحانية
تعلق
التمازج،
فيستحيل الفك
والمفارقة
والانفصال
بينهما كما
قيل:
رق
الزجاج ورقت
الخمر فتشابها
فتشاكــل الأمر
فكأنما
خـمـر ولا قدح وكأنما
قدح ولا خـمـر
واعلم أيها القارئ أن من أحب غير الله لا من
حيث نسبته إلى الله فذلك لجهله وقصوره فى معرفة الله تعالى وحب الرسول صلى الله
عليه وآله وسلم محمود لأنه عين حب الله تعالى وكذلك حب العلماء والأتقياء لأن محبوب
المحبوب محبوب، ورسول المحبوب محبوب، ومحب المحبوب محبوب، وعندما نتكلم عن حب
الرسول نعنى أيضا حب آل بيته فلا فرق بين محبتهم ومحبته صلى الله عليه وآله وسلم.
أحمد
نور الدين
عباس
|