عاشوراء

بالحقائق ناطقين

من آداب الطريق

 

عاشوراء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .. أما بعد .. فيا معاشر المسلمين من المعلوم أن العبادات المشروعة كثيرة ومتنوعة بحسب زمانها ومكانها وأدائها، فمن العبادات ما هو يومى كالصلوات الخمس ومنها ما هو أسبوعى كصلاة الجمعة ومنها ما هو حولى كصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ومنها ما يكون معلقا بسبب كصلاة الخسوف والكسوف ومنها ما يكون مطلقا كالذكر بجميع أنواعه ... إلى غير ذلك من تنوع العبادات من حيث كونها فرضا أو نفلا.

ولما كانت الأزمنة والأمكنة ظرفا ومكانا للعبادة فى أصل الوضع فقد استثنى الشارع أزمنة مخصوصة وأمكنة مخصوصة خصها بمزيد من الفضل، فمثال تفضيل الأزمنة تفضيل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع وتفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتخصيص يوم عرفة بمزيد فضل على غيره من الأيام وعشر ذى الحجة وليلة القدر، ومثال تفضيل الأمكنة تفضيل حرمى مكة والمدينة على سائر بقاع الدنيا وشاهد المقال أن الزمان والمكان لا يكتسبان مزية تفضيل وتخصيص إلا بما حدث فيها.

وإن من الأزمنة التى خصها الشارع بمزيد فضل صيام يوم عاشوراء لما يتعلق بهذا اليوم من أمور يحسن التنبيه لها باختصار لتعم فائدتها:

الأمر الأول: الفضل الوارد فى صيام يوم عاشوراء فى صحيح مسلم عن أبى قتادة رضى الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن صيام عاشوراء فقال (احتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله).

الأمر الثانى: الحكمة من صيام هذا اليوم، وقد بين ذلك ما أخرجه البخارى عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: (قدم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بنى إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم) فصامه وأمر بصيامه.

الأمر الثالث: حكم صيام عاشوراء، اتفق العلماء أو جمهورهم على أن صيامه من المستحبات وليس من الواجبات لكن الخلاف وقع فى حكمه قبل فرضية رمضان، فمن قائل بأنه كان واجبا ومن قائل بأنه سنة، قال بعض أهل العلم ولعل الأظهر أن صومه كان واجبا قبل رمضان لورود الأمر بصومه قبل رمضان ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر الآكلين بالإمساك عن الأكل وهذا المذهب هو اختيار ابن تيمية.

الأمر الرابع: المفاضلة بين صوم عاشوراء وصوم يوم عرفة، ويفصل فى هذا قول النبى صلى الله عليه وسلم (صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده) وفى رواية أخرى (يكفر السنة الماضية والباقية) أخرجهما مسلم، وهذا يبين فضل صوم عرفة على صوم يوم عاشوراء لأن صوم عاشوراء يكفر سنة واحدة.

الأمر الخامس: ذكر الإمام ابن رجب أن للنبى صلى الله عليه وسلم فى صيام يوم عاشوراء أربع حالات:

الحال الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم واحتج بحديث السيدة عائشة عند البخارى قالت: كان عاشوراء يوما تصومه قريش فى الجاهلية وكان النبى صلى الله عليه وسلم يصومه.

الحال الثانية: أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له صامه وأمر بصيامه، والحديث فى الصحيحين عن ابن عباس رضى الله عنهما، وفى بعض الروايات أنه أكد عليهم صيامه وأمر من أكل أن يمسك.

 الحال الثالثة: عندما فرض صيام رمضان ترك النبى صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة والتأكيد عليهم بصوم عاشوراء والحديث فى الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما.

الحال الرابعة: أن النبى صلى الله عليه وسلم عزم فى آخر عمره على أن لا يصوم عاشوراء مفردا بل يضم إليه يوما آخر قبله مخالفة لأهل الكتاب فى صيامه والحديث فى صحيح مسلم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ولفظه (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع).

الأمر السادس: سبب تسمية عاشوراء بهذا الاسم كانت لأجل أن الله تعالى أكرم فى هذا اليوم عشرة من الأنبياء عليهم السلام، وقيل أن سفينة سيدنا نوح استوت على الجودى فى يوم عاشوراء، وفيه أيضا ولد سيدنا إبراهيم ونجى سيدنا يونس من بطن الحوت، وردّ على سيدنا يعقوب بصره ونجى فيه سيدنا موسى وقومه، وتيب على سيدنا آدم وأخرج سيدنا يوسف من الجب، ورفع سيدنا عيسى، وغفر لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

بالحقائق ناطقين

بم رفعك الله

قال تعالى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله﴾ 31 آل عمران، إن محبة العبد لله ولرسوله هى طاعته لهما واتباعه أمرهما، ومحبة الله للعباد هى إنعامه عليهم بالغفران، قيل: العبد إذا علم أن الكمال الحقيقى ليس إلا لله وأن كل ما يراه كمال من نفسه أو من غيره فهو من الله وبالله، لم يكن حبه إلا لله وفى الله، وذلك يقتضى إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه، وبذلك فسرت المحبة بإرادة الطاعة، وجعلت مستلزمة لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فى عبادته والحث على طاعته. وعن سيدنا الحسن قال: قال أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد إنا لنحب ربنا، فأنزل الله هذه الآية، وعن بشر الحافى رضى الله عنه قال: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام فقال: يا بشر أتدرى بم رفعك الله من بين أقرانك؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: بخدمتك للصالحين ونصيحتك لإخوانك، ومحبتك لأصحابك وأهل سنتى، واتباعك لسنتى. وقال صلى الله عليه وسلم (من أحيى سنتى فقد أحبنى، ومن أحبنى كان معى يوم القيامة فى الجنة) وقال الإمام الجنيد رحمه الله: ما يصل أحد إلى الله إلا بالله، والسبيل إلى الوصول: متابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال أحمد الحوارى رحمه الله: كل عمل بغير اتباع السنة باطل كما قال صلى الله عليه وسلم (من ضيع سنتى حرمت عليه شفاعتى) كذا فى (شرعة الإسلام) وحكى أن بعض الصالحين مر على جماعة، فإذا الطبيب يصف الداء والدواء، فقال: يا معالج الأجسام هل تعالج القلوب؟ فقال الطبيب: نعم صف لى داءه، فقال: قد أظلمته الذنوب فقسى وجفى، فهل له من علاج؟ فقال الطبيب: علاجه التضرع والابتهال والاستغفار آناء الليل وأطراف النهار والمبادرة فى طاعة العزيز الغفار والاعتذار إلى الملك الجبار، فهذه معالجة القلوب والشفاء من علام الغيوب.

محمود معروف متولى

من آداب الطريق

يقول سيدى عبد الوهاب الشعرانى فى كتاب الأنوار القدسية فى معرفة آداب الصوفية عن أحوال المريد مع شيخه:

ومن شأنه أن لا يفعل مع الشيخ شيئا يغضبه ويوحش قلب الشيخ منه، فإن الله تعالى يغضب لغضب الشيخ ويرضى لرضاه لأنه قد يكون أعظم حرمة من والد الجسم، وأن يصبر على جفاء شيخه وعدم الاحتفال بأمره، فربما فعل الشيخ معه ذلك ليريه عز الطريق ليدخل إليها بالتعظيم ولا يستهين بها، وربما لحن الشيخ فى كلامه العادى ليمتحن ذلك المريد إذا كان نحويا كما وقع لسيدى الشيخ أبى السعود الجرحى مع الشيخ محب الدين اللقانى فإنه لما جاءه يطلب الطريق قال له الشيخ:

يظن الناس بى خيرا وإنى        أشرَ الناسَ إن لم يعف عنى

وقد نصب كلمتى (الناس، أشر) ففارقه ساكتا وقال هذا لا يعرف الفاعل من المفعول فرأى رؤيا فيها تعظيم الشيخ فجاء يقصها عليه فأول ما رآه الشيخ قال: الصواب رفع (الناس وأشر) فقال الشيخ محب الدين: الله أكبر، فقال: على كل مخالف لآداب الطريق كيف تطلب آداب الطريق وتفر من نصبه؟ وتأتى برفعة، فتاب واستغفر، كما قال الإمام فخرالدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه:

ولا تك ذا خوفا وأنت بأمننا        ولا تك ذا أمن قبيل الأمانة

وكان أبو القاسم القشيرى رحمه الله يقول: يجب على كل من زار شيخا أن يدخل عليه بالحشمة والحرمة فضلا عن شيخ الإنسان (أى شيخك) ثم إن أهله الشيخ لشئ فى الخدمة عد ذلك من جزيل النعمة وليحذر من أن يقيم ميزان عقله الجائر على من يدخل عليه من الأشياخ فربما مقته ذلك الشيخ فلا يفلح بعدها أبدا، بل بعضهم تنصر ومات على دين النصرانية كما حكى.

وسمعت سيدى محمد الشناوى رحمه الله يقول: مما أنعم الله تعالى به علىّ أنى ما دخلت قط على شيخ إلا وميزان عقلى مكسور وأرى نفسى تحت نعاله فلا أخرج من عنده إلا بمدد وفائدة.

وقد قال الإمام فخرالدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه:

يا من طرقت العقل بابا داخلا         ما العقل إلا خردل بفنائــى

رفقا بعقلك ذاك مـا حملتـه          كن راحماً فالخير للرحـمـاء

ومن شأن المريد إذا أقامه الشيخ فى خدمة سفرا أو حضرا دون أن يحضر مجالس الذكر أن لا يتكدر فإن الشيخ إنما يستعمله فيما يراه خيرا له من سائر الوجوه ومتى تكدر أو رأى أن اشتغاله بغير ذلك أفضل فقد نقض عهد شيخه فإن الشيخ أمين من جهة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على أمته وقد بلغنا أن سيدى إبراهيم المواهبى لما جاء إلى سيدى الشيخ أبى المواهب يطلب الطريق إلى مقدمة الأدب مع الله تعالى أمره أن يجلس فى الإصطبل يخدم البغلة ويقضى حوائج البيت وقال له احذر أن تحضر مع الفقراء قراءة حزب أو علم، فأجابه إلى ذلك فمكث سنين حتى دنت وفاة الشيخ فتطاول أكابر أصحابه للإذن لهم فى الخلافة بعده، فقال إئتونى بإبراهيم فـــأتوه به ففرش له سجادة وقال له تكلم على إخوانك فى الطريق فأبدى لهم العجائب والغرائب نظما ونثرا حتى انبهرت عقول الحاضرين فرجع الذين كانوا تطاولوا للإذن وتعجبوا من ذلك فكان سيدى إبراهيم الخليفة بعد الشيخ ولم يظهر من أولئك القوم شئ من أحوال الطريق فعلم أن معرفة الأمور التى يقع بها الفتح راجعة إلى الشيخ لا إلى المريد.

قال الإمام القشيرى: إذا أمر الشيخ المريد أن يخدم إخوانه كان على المريد أن يخلص نيته فى ذلك ويصبر على جفاهم له مع شدة خدمته له وعدم حمدهم له على ذلك وينبغى له أن يعتذر لهم ويقيم لهم العذر على نفسه ويقول: أنا الظالم الذى لم يعمل على مرادكم حتى جفوتمونى ويقر بالجناية على نفسه ولو علم أنه برئ الساحة مالم يكن فى ذلك تعزيز واجب فإن إقراره على نفسه بذلك فى غير أن يقع منه، ظلم للنفس وذلك حرام، ومن شأنه أن لا يشرك مع شيخه أحدا فى المحبة من سائر من لم يأمره الله تعالى بمحبته فيجعل محبة الله وسط قلبه ويجعل محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قريبة من ذلك وهكذا على اختلاف مراتب المحبوبين شرعا ممن تكون محبتهم إيمان، فمثل محبة هؤلاء لا تضر مع محبة الشيخ.

وكان سيدى على بن وفا رحمه الله يقول: محبة الأنبياء والأولياء وصالحى المؤمنين لا تضر محبة الشيخ، وكان يقول كثيرا: إياكم أن تشركوا فى المحبة مع شيخكم أحدا فى المشايخ فإن الرجال أمثال الجبال وهم على الأخلاق الإلهية المشار إليها بقوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (تخلقوا بأخلاق الله) فكما أن الله تعالى ﴿لا يغفر أن يشرك به﴾ فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها وكما أن الجبال لا يزحزحها عن أماكنها إلا الشرك بالله تعالى ما دام العالم باقيا، فكذلك الولى لا يزيل همته عن حفظه مريده من الآفات إلا الشرك، موضع خالص المحبة من قلبه قال تعالى ﴿تكاد السماوات والأرض يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا أن دعوا للرحمن ولد﴾ وهو -أى كلام الشيخ- يحتاج إلى تعقب فاطلب يا أخى من نفسك الصدق فى محبة أستاذك تنل ما تريد ولا تطلب منه أن تشغل قلبه بك وتهمل أنت أمر نفسك فإن ذلك لا يفيد.

ياسر محمد طه