الـمـجـاز الـعـقـلـي

بالحقائق ناطقين

تاريخ المدينة المنورة

 

الـمـجـاز الـعـقـلـي

ينفى البعض نسبة أفعال الخالق للمخلوق مثل زيادة ونقصان الإيمان وهبة الأبناء والهدى والضلال وما إلى ذلك ولكن تعالوا بنا نغوص في كتاب الله تعالى لكشف النقاب عن أشياء عجيبه: فالحق تبارك وتعالى هو الذى يزيد الإيمان وينقصه لكن نسبه إلى يوم القيامة فقال جل شأنه ﴿يوم يجعل الولدان شيبا﴾.

والحق تبارك وتعالى هو الهادى إلى صراطه المستقيم ولكنه قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم﴾.

والهدى والضلال من لدنه وبيده كل شئ وإليه مرجعنا ولكنه نسب الضلال إلى الأصنام فقال ﴿ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا﴾.

وسبحانه وتعالى واهب البنين والبنات ولكن نسبه لسيدنا جبريل عليه السلام فقال ﴿قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا﴾ ولم يقل (ليهب الله لك) !!

سبحانه وتعالى هو متوفى الأنفس ولكن نسبه لملك الموت فقال ﴿قل يتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم﴾.

وهذا كله لا يعد شركا، فالفاعل في الحقيقة هو الله ولكن يجرى الأسباب على يد من يشاء، من عباده سواء كانوا ملائكة أم من عباده الصالحين، ولا توجد أدنى شبهة للشرك

وكذلك عكس القضية، أى نسبة أفعال المخلوق للخالق، فيقول الحق تبارك وتعالى ﴿فإذا قرأناه فإتبع قرآنه﴾ مع أن سيدنا جبريل عليه السلام هو الذى يقرأ القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد نسب الحق تبارك وتعالى القراءة لنفسه.

ويقول الحق تبارك وتعالى ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ مع أن الذى رمى الأعداء رسول الله وسبحانه وتعالى نسبه لنفسه.

ويقول الحق تبارك وتعالى ﴿إنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا﴾ مع أن الأرض هى التى تنبت الزرع، وسبحانه وتعالى نسبه لنفسه.

ومن المجاز أيضا شكر المخلوق مع أن الفاعل في الحقيقة هو الله، ويدعى من لا يفقهون شيئا في كتاب الله أن شكر الرجل لأخيه معصية والشكر كله لله وإذا شكرك أحدا على معروف يقول لك يا أخى حرام عليك لا تشكرنى واشكر الله، فتعالوا بنا نحتكم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لنتبين الحقيقة.

فالحق تبارك وتعالى يأمرنا بشكر الوالدين حيث قال ﴿أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير﴾ ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرّفنا بأن من لم يشكر الناس فقد أخطأ في جناب الله حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من لا يشكر الناس لم يشكر الله).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم (أشكركم لله أشكركم للناس) البيهقى.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم (حب أبى بكر وشكره واجب على أمتى) الديملى.

كما يأمرنا صلوات ربى وسلامه عليه بأن نكافئ من يسدى إلينا معروفا فإن لم نسطيع فندعو له حتى نتيقن أننا كافأناه حيث قال في حديثه الشريف (من أسدى إليكم معروفا فكافؤه فإن لم تسطيعوا فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه).

إذاً المجاز العقلى لنسبة أفعال الخالق للمخلوق وأفعال المخلوق للخالق وشكر المخلوق أمر عادى قد أتى به القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بل منها ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجب المجادلة فيما ورد فيه نص. وكذلك لا يجب التكذيب بما جاء به الحبيب فمن العجيب في هذا العصر بأن هناك من إذا حدثته بحديث لا يوافق هواه فأول ما يتفوه به هذا الحديث مكذوب أو موضوع أو ضعيف أو لم يرد، أواثق هذا من نفسه بأنه حفظ كل كلمة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!! ألم يعلم بأن الحبيب عاش من عمر الرسالة ثلاث وعشرين عاما كل كلمة قالها حديث وكل فعل أتى به حديث وكل إشارة أتى بها حديث أحفظ كل هذا لدرجة أنه حينما يسمع حديثا ما يحكم عليه في الحال، إنه لشئ عجاب !!! أو لم يعلم هذا عاقبة ما يقول ألم يستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن من كذب بأحاديثه فليتبوأ مقعده من النار ألم يسمع قول الله تبارك وتعالى ﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ وتأمل معى قوله سبحانه بأن الويل للمكذبين وليس للكذابين لأن المكذبين أشد وطأ، وتعالوا بنا إلى قوله صلوات ربى وسلامه عليه في شأن المكذبين بأحاديثه الشريفة، فقد روى المقدام بن معد يكرب وأبو رافع والعرباض بن سارية وجابر بن عبد الله وابن عباس رضى الله عنهم أجمعين أنه قال صلى الله عليه وسلم (ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عنى وهو متكئ على أريكته ألا يوشك رجل شبعان على أريكته لا أعرفن الرجل منكم يأتيه الأمر من أمرى إما أمرت به أو نهيت عنه وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وإنى والله قد حرمت ونهيت ووعظت بأشياء انها لمثل القرآن أو أكثر وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله فمن بلغه عنى حديث فكذب به أو كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) أخرجه الترمذى والحاكم في المستدرك.

محمد سيد

بالحقائق ناطقين

دواء لكل داء

ابتلى رجل بالجذام وأجمع الأطباء حين أبصروه أن ما لهذا المرض دواء، فرآه رجل من بنى عفير يقال له سعد السعود وكان عنده إيـمان عظيم بأحاديث سيدنا رسول الله صلوات ربى وسلامه عليه، فقال: يا هذا لم لا تطبب نفسك؟ فقال له الرجل المجذوم: إن الأطباء قالوا: ليس لهذه العلة دواء، فقال: كذبت الأطباء والنبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أصدق منهم، فقد قال في الحبة السوداء إنها شفاء لكل داء، وهذا الداء الذى نزل بك من جملة ذلك ثم قال: علىّ بالحبة السوداء والعسل، فخلط هذا بهذا وطلى بهما بدنه كله ورأسه ووجهه إلى رجليه وتركه ساعة، ثم انه غسل ذلك عنه فانسلخ من جلده ونبت له جلد آخر وعاد إلى ما كان عليه، فتعجب الأطباء والناس من قوة إيمانه بحديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وكان هو يستعمل الحبة السوداء في كل داء يصيبه حتى إذا رمدت عينه اكتحل بها فيبرأ من ساعته. فالعقيدة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هى أصل التداوى من العلل الظاهرية والباطنية، أما التشكيك في الحديث وهو ديدن عصرنا هذا، ففيه فساد ديننا ودنيانا، ويكفينا أن نضرب مثلا واحدا ألا وهو مسند الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه حيث يحتوى بزوائده على 45 ألف حديث شريف ومرت عليه العصور حتى وصلنا فصدقنا منه 26 ألف ولم نصدق الباقى، ثم نغضب من الدنمركى لأنه لا يعرف قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل عرفنا نحن قدره وحاسبنا خطباء المساحد على ذكرهم الحبيب بقولهم (محمد بن عبد الله) وهل حاسبنا الذين يقدمون لعلمائهم بقولهم (سماحة الشيخ فلان) وحينما يقدمون للحبيب ماذا يقولون وبماذا يقدمونه...!!! رضى الله تبارك وتعالى عن صحابته الغر الميامين حينما كان ينادونه بقولهم الشهير (فداك أبى وأمى يا سيدى يا رسول الله).

نفسى الفداء لقبر أنت ساكنــه       فيه العفاف وفيه الجود والكرم

هاديه الشلالي

تاريخ المدينة المنورة
المدينة وحركة الشريف حسين

شهدت المدينة أعنف الأحداث وأكثرها ألما في نهاية العهد العثمانى وخلال فترة الحرب العالمية الأولى فقد أحست الدولة العثمانية -التى دخلت الحرب مع ألمانيا ضد الحلفاءـ أن أمير مكة الشريف حسين وأبناءه ينوون الثورة عليها، فأرسلت ضابطا حازما لإدارة المدينة هو فخرى باشا وزودته بقوة ومعدات وذخائر كثيرة ورغم حيطة فخرى باشا استطاع ابناء الشريف حسين فيصل وعلى أن يستميلا بعض الأفراد وأفخاذ القبائل ويعدا للثورة واستخلاص المدينة من العثمانيين، وفى الموعد المحدد 4شعبان 1334 ـ 5حزيران 1916م هاجم الموالون للهاشميين بقيادة الأميرين فيصل وعلى مراكز الجيش العثمانى في أطراف المدينة، ولكن قوات فخرى باشا كانت مستعدة لهم فحصدت منهم العشرات وفشل الهجوم فشلا ذريعا وانسحب الناجون بعيدا عن المدينة.

وتكرر هجوم الهاشميين مرتين دون جدوى، ثم خرج فخرى باشا وجنوده يطاردون القوة الهاشمية وانسحب فيصل برجاله حتى وصل إلى ينبع النخل وحوصر فيها، وكاد العثمانيون أن يقضوا عليه ولكن بعض القبائل المجاورة أنجدتهم وهاجمت قوة فخرى باشا، كما أن البوارج الإنكليزية قصفت من قرب الشواطئ القوات العثمانية فانسحب فخرى باشا بجيشه عائدا إلى المدينة خشية أن تحتلها بعض القبائل من الحلفاء وأعاد تحصينها ووزع جيشه الكبير في أطرافها، وترك فيصل القتال حول المدينة لأخيه وسافر مع القوات المتجهة إلى الشام.

المدينة في الحصار

رابط الشريف على بن الحسين مع قواته في القرى القريبة لحصار المدينة من بعيد، كما بذل فخرى باشا جهودا مضنية في تعزيز المقاومة والصمود ومواجهة الحصار والاستعداد لأى هجوم محتمل ودحره، فبنى مراكز مراقبة عسكرية فوق الجبال والتلال وأحاط المدينة بخطوط دفاعية قوية ومد شبكة هاتفية بينها، ونظم الدوريات، وفى الوقت نفسه ضبط الأمن بحزم شديد داخل المدينة، وصادر معظم المواد الغذائية ولا سيما الحبوب وخزنها، كما استفاد من موسم التمر فأمر جنوده بجمعه وضغطه في قوالب صغيرة لتقاوم التسوس، ولتخفيف الضغط على المدينة وزيادة قدرة المقاومين فيها على الصمود بدأ فخرى باشا بترحيل العائلات إلى دمشق واستنبول بالقطار، كما نقل ذخائر المسجد النبوى ومكتبة عارف حكمت، وكان الترحيل اختياريا أول الأمر ثم صار اجباريا، وشتت العائلات وتحول الكثيرون إلى مهاجرين في الشام أو استنبول ومن لم يسافر انتقل إلى مناطق أخرى في الحجاز كينبع ومكة، وما لبث القطار أن توقف بعد أن نسف جيش فيصل والضباط الإنكليز بعض الجسور التى يمر عليها ودمروا مسافات من الخطوط الحديدية وجاء الشريف عبدالله بقوات إضافية وعسكر في منطقة العيص فاكتمل الحصار حول المدينة، ولم تستطع قوات الهاشميين التى تحاصر المدينة أن تقتحمها، ولم تقم أية معركة كبيرة مع قوات فخرى باشا المستعدةللمواجهة ولكن الحصار أثر على الباقين من أهل المدينة، وشحت المواد الغذائية وارتفعت الأسعار بشدة وفشت بعض الأمراض لنقص التغذية ولم يؤثر هذا على موقف فخرى باشا وضباطه، واستمروا في المقاومة وشجعوا من بقى من أهل المدينة على الرحيل ومرت بالمدينة ثلاث سنوات شديدة القسوة عانى فيها أهلها من الجوع والمرض والفقر أو الهجرة في الآفاق.

معجم البلدان للحموى
ومصادر أخرى