إبـراهـيـم الـخـواص���� رضي الله عنه

لمَ الاختلاف والفرقة؟

 

إبـراهـيـم الـخـواص���� رضي الله عنه

إبراهيم بن أحمد الخواص أبو إسحاق، أوحد المشايخ، صحب أبا عبد الله المغربى، وكان من أقران الجنيد والنووى، مات بالرى سنة إحدى وتسعين ومائتين، وقيل مرض بالجامع وكان به علة القيام، وكان إذا قام يدخل الماء يغتسل ويعود إلى المسجد ويركع ركعتين، فدخل مرة الماء، فخرجت روحه فيه، وله رياضيات وسياحات وتدقيق فى التوكل، وكان لا يفرقه إبرة وخيوط، وركوة ومقارض، وقال: مثل هذا لا ينقص التوكل، لأجل الإعانة على ستر العورة، واذا رأيت الفقير بلا ذلك فاتهمه فى صلاته.

من كلامه:

w دواء القلب خمسة: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين.

w من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة إليه.

w ليس العالم بكثرة الرواية، إنما العالم من اتبع العلم واستعمله، واقتدى بالسنن، وان كان قليل العلم.

روى عنه أنه كان إذا دعى إلى دعوة فيها خبز بائت امسك يده، وقال: هذا قد منع حق الله فيه، إذ بات ولم يخرج من يومه.

w أعجب ما رأيت فى البادية، أنى نمت على حجر، فإذا بشيطان قد جاء وقال: قم من هنا، فقلت اذهب، فقال: انى أرفسك فتهلك؛ فقلت: افعل ما شئت، فرفسنى فوقعت رجله على كأنها خرقة، فقال: أنت ولى الله، من أنت؟

قلت: ابرهيم الخواص.

قال: صدقت!

ثم قال: يا ابرهيم .. معى حلال وحرام، فأما الحلال فرمان من الجبل الفلانى وأما الحرام فحيتان، مرت على صيادين، فتخاونا، فأخذت الخيانة، فكل أنت الحلال ودع الحرام.

وقال ممشاذ الدينورى: كنت يوما فى مسجدى بين النائم واليقظان، فسمعت هاتفا يهتف: إن أردت أن تلقى وليا من الأولياء فامض إلى (تل التوبة) قال: فقمت وخرجت، فإذا أنا بثلج عظيم، فذهبت إلى تل التوبة، فإذا إنسان قاعد مربع على رأس التل، وحوله خال من الثلج قدر موضع خيمة، فتقدمت إليه، فإذا هو إبراهيم الخواص، فسلمت عليه، وجلست إليه، فقلت: بماذا نلت هذه المنزلة؟! فقال: بخدمة الفقراء.

أحمد بن أبى الحواري

أحمد بن أبى الحوارى عبد الله بن ميمون، أبو العباس الدمشقى، صحب الدارانى وغيره، وكان الجنيد يقول فيه: إنه ريحانة أهل الشام.

كان والده صالحا عابد.

من كلامه:

w من نظر إلى الدنيا نظر ارادة وحب لها أخرج الله نور اليقين والزهد من قلبه.

w ما ابتلى الله عبدا بشئ أشد من الغفلة والقسوة.

واجتهد فى طلب العلم ثلاثين سنة، فلما بلغ الغاية أغرق كتبه،

w لم أفعله تهاونا ولا استخفافا بحقك، ولكن طلبنا الهداية فحصلت، فاستغنيت عنك به.

وقيل أنه أوصى بدفن كتبه، وكان قد ندم على أشياء كتبها عن الضعفاء، وقال: حملنى عليها شهوة الحديث.

وروى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبى، قال: أحسن ما سمعت عنه، أنه جاءه مولود، ولم يكن له شئ من الدنيا، فقال لتلميذ له: قد جاءنا البارحة مولود! خذ لنا دقيقا! فتعجب تلميذه من ذلك، وكان بعض التجار قد وجه متاعا إلى مصر، فنوى: إن سلم فلأحمد مائتا درهم؛ فسلم المتاع، فدفعها إلى غلامه، وقال: أخبر أحمد بذلك، ففرح تلميذه لذلك، ثم جاء رجل وقال: يا أحمد جاءنى البارحة ولد، أعندك من الدنيا شئ؟ فرفع رأسه إلى السماء وقال: يا مولاى هكذا بالعجل؟! ودفع الدراهم إليه، ثم قال لتلميذه: قم ويحك! جئنا بالدقيق.

وجاءه رجل مرة أخرى، فقال: ولد لى الليلة غلام وما عندنا شئ ننفقه! فقال: أصبحت لا أملك سوى هذين القميصين، فخذ أحدهما، فنظر أيهما أجد، فقال: السفلانى أجد، وهو يبلغ لك ثمنا جيدا، ثم تنحى فنزعه ولبس الفوقانى، ومضى الرجل، وخرج أحمد، فلما صار على المدرج لقيه رجل فسلم عليه، وقال له: عمير ابن جوصاء يسلم عليك ويقول: ثلاثون دينارا، انتفع بها، فقال أحمد: أعطيت قميصا فوجه إلى بثلاثين دينار.

وكان له ولد اسمه عبد الله، وكنيته أبو محمد، وكان زاهدا ورعا، عالما بالحديث، حدث عن أبيه، وصار من الأعيان، مات سنة خمس وثلاثمائة، ولأحمد أخ اسمه محمد كان أكبر منه، من قدماء المشايخ، صحب الفضيل، وروى عنه أخوه، قال: سمعته يقول: من أنس بغير الله فهو فى وحشة أبدا، وزوجة أحمد، واسمها رابعة بنت إسماعيل، كانت عابدة كرابعة العدوية بمصر. خطبت أحمد من نفسها، فكره ذلك لما كان فيه من العبادة، وقال: والله ما لى همة فى النساء، لشغلى بحالى، فقالت: وأنى لأشغل بحالى منك، ومالى شهوة فى الرجال، ولكنى ورثت مالا جزيلا من زوجى، فأردت أن أنفقه على اخوانى، وأعرف بك الصالحين، لتكون لى طريقا إلى الله، فتزوجها.

مات سنة ثلاثين ومائتين، كما قال السلمى والقشيرى وغيرهما والصواب سنة أربعين، كما نبه عليه ابن عساكر عن اثنتين وثمانين سنة.

أبو سعيد الخراز

أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز البغدادى، صحب ذا النون وغيره، وكان من جملة مشايخ القوم،

من كلامه:

w كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل

w مثل النفس مثل ماء واقف طاهر صاف، فإن حركته ظهر ما تحته من الحمأة، وكذا النفس، تظهر عند المحن والفاقة والمخالفة، ومن لم يعرف ما فى نفسه كيف يعرف ربه.

w ليس من طبع المؤمن قول: لا، وذلك أنه إذا نظر ما بينه وبين ربه من أحكام الكرم استحى أن يقول: لا.

w رأيت إبليس فى النوم، وهو يمر عنى ناحية، فقلت: تعال، فقال: ماذا أعمل بكم؟ أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس، قلت: وما هو؟ قال: الدنيا، قال: ورأيته مرة أخرى، وكان بين يدى عصا، فرفعتها حتى أضربه بها، فقال لى قائل: هذا لا يفزع من العصا، قلت له: من أى شئ يفزع؟ قال: من نور يكون فى القلب.

w قال فى قوله تعالى ﴿ولله خزائن السموات والأرض﴾ خزائنه فى السماء الغيوب، وفى الأرض القلوب.

w قال فى مـعنى قوله عليه السـلام (جـبلت القلوب على حب من أحسن أليها) واعـجبا ممن لـم ير مـحسـنا غير الله، كيف لا يـميل بكليتـه إليـه.

w قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت فقيرا عليه خرقتان يسأل شيئا، فقلت فى نفسى مثل هذا كَل على الناس، فنظر إلى وقال ﴿واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروه﴾ فاستغفرت فى سرى، فنادانى فقال ﴿وهو الذى يقبل التوبة عن عباده.﴾

w صحبت الصوفية ما صحبت، فما وقع بينى وبينهم خلاف، قالوا لم؟ قال: لأنى كنت معهم على نفسى.

ومن أصحابه أبو الحسن بن بنان، من كبار مشايخ مصر، ومن كلامه: علامة سكون القلب إلى الله تعالى أن يكون بما فى يد الله تعالى أوثق منه بما فى يده.

w اجتنبوا دناءة الأخلاق كما تجتنبون الحرام.

وقال الخراز: كنت بالبادية، فنالنى جوع شديد، فغلبتنى نفسى أن اسأل الله صبرا، فلما هممت بذلك سمعت هاتفا يقول:

ويزعم أنه منـا قـريـب        وأنا لا نضيع من أتـانـا

ويسألنا الفتى جهدا وصبرا        كأنا لا نـراه ولا يـرانـا

وقال: رويم بن أحمد: حضرت وفاة أبى سعيد فى آخر نفسه:

حنين قلوب العـارفيـن إلـى الذكـر      وتذكارهم وقت المـنـاجـاة للـسـر

أدريت كئوس المنـايـا عـلـيـهـم      أغفوا عن الدنيا كإغفـاء ذى السـكـر

أجسامهم فى الأرض تحيـى بـحـبه      وأرواحهم فى الحجب تحت العلا تسرى

ما عرسوا إلا بقرب مليكـهـــــم      لا عرجوا عن مس بؤس ولا ضــر

ومات رضى الله عنه سنة سبع وسبعين ومائتين، وقال السمعاني: سنة ست وثمانين.

لمَ الاختلاف والفرقة؟

تفرق الناس واختلفت طوائفهم مع أن المعلم والهادى واحد وأصبحوا حيارى تائهين بين مدعٍ للعلم وآخر والكل يدلى بدلوه ولكن الاختلاف قائم وظاهر للعيان لا ينكره أحد تحت شعار حديث شريف ألا وهو (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى) مرددين أنه صلى الله عليه وسلم تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، نعم كل هذا صحيح ولكن لماذا اختلفنا مادام الأمر هكذا؟ ذلك لأن كل منهم يفسر الكتاب والسنة على هواه معتقدا أنه على حق وواقع الحال أن المصطفى الهادى صلى الله عليه وسلم فى حال حياته بين الصحابة نطق بهذا الحديث فإن استشكل عليهم أمر من الأمور ذهبوا إليه صلى الله عليه وسلم فصحح لهم أمر دينهم، وهذا الحديث لم يرويه إلا الحاكم فى المستدرك، وهذا صالح فى زمان النبى صلى الله عليه وسلم فلا أحد يدانيه فى فهم الكتاب والسنة، وأما بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم فالكل يدعى أنه على الكتاب والسنة، لذلك حينما قرب موعد انتقال الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه فإلى من يلجأ الناس، والقرآن كما قال الإمام على كرم الله وجهه حمال ذو أوجه وفيه المحكم والمتشابه ومن الآيات ما تؤول ولا تفسر والقرآن عطاء إلى يوم القيامة، أين السبيل وقد احتار الناس بالفعل وقد اختلفوا وتباينوا وضعفوا وأصبحوا مطمعا للأعداء من كل جانب، لذلك لم يخف هذا الأمر على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى يقول ربه عز وجل فى كتابه ﴿وماهو على الغيب بضنين﴾ فقد أخبره بهذا علام الغيوب، فأورد لنا الأحاديث التى تنجى الأمة من الفتن والاختلاف والتناحر والتى تكون كقطع الليل المظلم يهتدى بها من أراد الله هدايته فى هذا الظلام الحالك من الجهل والضلال تكون له نورا كنور الشمس فى وضح النهار، تظهر له كل شئ على حقيقته فتنشله من الشكوك والأوهام إلى بر الأمان، ومن هذه الأحاديث حديث (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وعترتى أهل بيتى) الذى رواه الإمام مسلم فى صحيحه والإمام الترمذى فى السنن والإمام أحمد بن حنبل فى المسند حتى أن محمد بن عبد الوهاب جعله من أهم الأحاديث واعتبرها أصول التوحيد فى كتابه أصول الإيمان المطبوع بالرياض، وبالمقارنة من حيث الإخراج والإسناد فإن حديث (عترتى أهل بيتى) أصح سندا وأكثر إخراجا ولكن المتحدثون بلسان الإسلام آثروا الحديث الأول عليه إتباعا للهوى وإضلالا الناس عن مكانة أهل البيت وضرورة الإقتداء بهم وحبهم والولاء لهم، فكان الحديث كلمة حق أريد بها باطل، فنجد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى رواية الإمام أحمد يقول (إنى أوشك أن أدعى فأجيب، وإنى تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتى أهل بيتى، وإن اللطيف الخبير أخبرنى أنهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض يوم القيامة فانظروا فيما تخلفونى فيهما) فمن أراد أن ينجو من الاختلاف والفرقة والضلال والبعد عن حبل الله وهو القرآن ومعانيه التى تهدى الأمة وتجمعها على المحبة ووحدة الصف فعليه بالتمسك بأهل البيت سفينة النجاة القائل عنهم جدهم صلى الله عليه وسلم (مثل أهل بيتى فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) وفى رواية (غرق) وفى رواية (زج فى النار) رواه جماعة من أصحاب السنن عن عدة من الصحابة وذكره الإمام يوسف إسماعيل النبهانى فى كتابه الشرف المؤبد لآل محمد صلى الله عليه وسلم والمستدرك للحاكم حديث رقم 4720 عن أبى اسحق عن حسن الكنانى قال سمعت أبا ذر رضى الله عنه يقول وهو آخذ بباب الكعبة ثم قال: من عرفنى فأنا من عرفنى ومن أنكرنى فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ألا إن مثل أهل بيتى مثل سفينة نوح من قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) وعن أبى ذر سمعته صلى الله عليه وسلم يقول (اجعلوا أهل بيتى منكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس) ولا يهتدى الرأس إلا بالعينين، وروى الحاكم وصححه على شرط الشيخين (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتى أمان لأمتى من الإختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب إختلفوا فصاروا حزب إبليس) ومن هذا كله يتضح لنا أهمية أهل البيت الكرام وفى هذا الشأن يقول واحد من أعلام أهل البيت الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى:

ونلنا كل نيل من سخاء      وصرنا بعده سفن النجاة

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

محمد مقبول