مع مفتى الديار المصرية

المـروءة

الغضب

مع مفتى الديار المصرية

نستكمل الإجابة لفضيلة المفتى عن امكانية رؤية النبى صلى الله عليه وسلم يقظة ومناما فقد قال فضيلنه:

يقول ابن حجر الهيثمى رضى الله عنه: أنكر ذلك جماعة وجوزه آخرون وهو الحـق فقد أخبر بذلك من لا يتهم من الصالحين بل استدل بحديث البخارى (من رآنى فى المنـام فسـيرانى فى اليقظة) أى بعـينى رأسه وقيل بعين قلبه، واحتمال إرادة القيامة بعيد، على أنه لا فائدة من التـقييد حينئذ لأن أمته كلهم يرونه يوم القيامة، من رآه فى المنام ومن لم يره، وفى شرح سيدى ابن أبى جمرة رضى الله عنه للأحاديث التى انتقاها من البخارى ترجـيح بقاء الحديث على عمومه فى حياته ومماته لمن له أهلية اتباع السنة ولغيره، ثم قال ومن يدعى التخصيص بغير تخصيص من النبى صلى الله عليه وسلم فقد تعسف، ثم ألزم منكر ذلك بأنه غير مصدق بقول الصادق وبأنـه جاهل بقدرة الـقادر وبأنه منكر لكرامات الأولياء مع ثبوتـها بدلائل السنة الواضحة، ويقـول العلامة النفراوى المالكى رضى الله عنه: يجوز رؤيتـه عليه الصلاة والسلام فى اليقـظة والمـنام باتفـاق الحفاظ وإنما اختلـفوا هل يرى الرائى ذاته الشـريفة حقيقة أو يرى مثالا يحكـيها، فذهب إلى الأول جماعة وذهب إلى الثـانى الغزالى والـقرافى واليافعى وآخرون رضى الله عنهم، واحتج الأولـون بأنه سراج الهداية ونور الهدى وشمس المعارف كما يرى النور والسراج والشمس من بعد والمرئى جرم الشمس بأعراضه فكذلك البدن الشريف فلا تفارق ذاته القبر الشريف بل يخرق الله الحجب للرائى ويزيل الموانع حتى يراه كل راء ولو من المشرق والمغرب، أو تجعل الحجب شفـافة لا تحـجب ما وراءها، والذى جزم به القرافى أن رؤياه منـاما إدراك بجزء لم تحل به آفة النوم من القلب فهو بعين البصيرة لا بعين البصر بدليل أنه قد يراه الأعمى، وقد حكى ابن أبى جمرة وجماعة أنهم رأوا النبى صلى الله عليه وسلم يقظة ومنكر ذلك محروم لأنه إن كان ممن يكذب بكرامات الأولياء فالبحث معه ساقـط لتكذيبه ما أثبتته السنة وقد أشار إلى ذلك شيخ مشايخنا اللقانى فى شرح جوهرة التوحيد.

وقال ابن الحاج فى المدخل:

بل أن بعضهم يدعى رؤيته عليه الصلاة والسلام وهو فى اليقظة وهذا باب ضيق وقل من يقع له ذلك الأمـر إلا من كان على صفة عزيز وقلتها فى هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهم الله تعالى فى ظواهـرهم وفى بواطنهم.

بل أن الشيخ عليش رضى الله عنه تكلم عن أن رؤية النبى صلى الله عليه وسلم من أسباب تأييد آراء العلماء المجتهدين فقال:

سمعـت سيدى عليا الخواص يقول لا يصح خروج الشئ من أقوال الأئمـة المجتـهدين عن الشـريعة مع اطلاعـهم على مواد أقـوالهم فى الكتاب والـسنة وأقوال الصحابة ومع اجتماع روح أحدهم بروح رسول الله صلى الله عليه وسلـم وسؤاله عن كل شئ توقفوا فيه من الأدلة هل هذا قولك يا رسـول الله أم لا؟ يقظة ومشافهة وكذلك كانـوا يسألونه عن كل شئ من الكتاب والسنة قبل أن يدونوه فى كتبهم ويدينوا الله تعالى به ويقولون يا رسول الله قد فهمنا كذا من آية كذا وفهمنا كذا من حديثك كذا فهل ترضاه أم لا؟ ويعملون بمقتضى قوله وإشارته صلى الله عليه وسلم ومن توقف فيما ذكرناه من كشف الأئمة ومن اجتماعهم برسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث الأرواح قلنا له هذا من جملة كرامات الأولياء بيقين.

من العرض السابقٍ نرى أن رؤية الصالحين رضى الله عنهم للنبى صلى الله عليه وسلم فى اليقظة قد تحدث ولا يوجد مانع شرعى أو عقلى يمنعها، ولكن هذا باب عزيز ليس مفتوحا لكل واحد، وينبغى على من رآه أن لا يحدث من لا طاقة له بهذا حتى لا يكذب، فمخاطبة الناس على قدر عقولهم أولى .

مفتى الديار المصرية
فضيلة الدكتور على جمعة

المـروءة

روى عن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته) وقال ابن زياد لرجل من الدهاقين: ما المروءة فيكم قال: أربع خصال، أولها: أن يعتزل الرجل الذنب فإنه إذا كان مذنبا كان ذليلا ولم يكن له مروءة، والثانية: أن يصلح ماله ولا يفسده فإن من أفسد ماله واحتاج إلى مال غيره فلا مروءة له، والثالثة: أن يقوم لأهله فيما يحتاجون إليه فإن من احتاج أهله إلى الناس فلا مروءة له، والرابعة: أن ينظر إلى ما يوافقه من الطعام والشراب فيلزمه ولا يتناول مالا يوافقه فإن ذلك من كمال المروءة، وروى عن قيس بن ثابت بن ساعدة أنه كان يقدم على قيصر فيكرمه فقال له قيصر: ما أفضل العقل قال: معرفة المرء نفسه، قال: ما أفضل العلم قال: وقوف المرء عند جهله، قال: فما أفضل المروءة قال: استبقاء الرجل ماء وجهه، قال: فما أفضل المال قال: ما قضى منه الحق، وقال ربيعة الرأى: المروءة ستة: ثلاث فى الحضر وثلاث فى السفر، فأما التى فى الحضر: فتلاوة القرآن، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الإخوان فى الله، وأما التى فى السفر: فبذل الزاد، وقلة الخلاف لأصحابه، والمزاح فى غير معاصى الله، وقال بعض الحكماء: أفضل المروءة أن يكون صادقا فى قوله، وافيا فى عهده، باذلا لنفعه، وروى عن الحسن البصرى أن حجاما قص شاربه فأعطاه درهما فسئل عن ذلك فقال: لا تضيقوا فيضيق عليكم، وكان الحسن إذا سمع رجلا يتكلم بالدانق يقول: لعن الله الدانق ومن تكلم لدوانق فلا مروءة له، ولا دين لمن لا مروءة له، وقال محمد بن الحسن: ثلاثة أشياء من الدناءة: مشارطة أجر الحجام، والنظر فى مرآة الحجامين، واستقراض الخبز موازنة، ويقال الجلوس فى الطرقات وفى حوانيت الناس للحديث ليس من المروءة، وقيل لبعض الحكماء: ما المروءة قال: باب مفتوح، وطعام مبذول، وإزار مشدود: يعنى بالقيام فى حوائج الناس، وقال الحسن البصرى: من مروءة الرجل أربعة: صدق لسانه، واحتماله عثرات إخوانه، وبذل المعروف لأهل زمانه، وكف الأذى عن أباعده وجيرانه، وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال: أنا أعلم متى تهلك العرب، فقيل له: متى تهلك يا أمير المؤمنين قال: إذا ساسهم من ليس له تقى الإسلام، ولا كرم الجاهلية، قال الراوى: صدق أمين المؤمنين رضى الله عنه فما دام ساسهم الذين كان لهم تقى الإسلام مثل أبى بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم أجمعين لم يهلكوا، ومن له كرم الجاهلية مثل معاوية لم يهلكوا، فلما ساسهم مثل يزيد لم يكن له تقى الإسلام ولا كرم الجاهلية هلكوا، وقال بعض الحكماء: تمام المروءة فى شيئين: العفة عما فى أيدى الناس والتجاوز عما يكون منهم، وقال على لابنه الحسن رضى الله عنهما: ما المروءة قال: العفاف وملك النفس والبذل فى العسر واليسر، قال: فما اللؤم قال: إحراز أمر نفسه وبذل عشيرته وأن يرى ما فى يده شرفا وما أنفقه تلفا، ويقال: جماع المروءة فى قوله تعالى ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى﴾ وقال عبد الواحد بن زيد: جالسوا أهل الدين فإن لم تقدروا عليهم فجالسوا أهل المروءة من أهل الدنيا فإنهم لا يرفثون فى مجالسهم: يعنى لا يتكلمون بكلام الفحش، وقال الأحنف بن قيس: لا راحة لحاسد ولا مروءة لكاذب ولا خلة لبخيل ولا وفاء لمطول ولا سؤدد لسئ الخلق، ولا إخاء لملول.

وسُئل الإمام الشافعى رضى الله عنه: ما المروءة قال: كتمان السر والبعد من الشر والكامل من عدت سقطاته.

أحمد مصطفى السعيد

الغضب

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الغضب جمرة من النار فمن وجد ذلك منكم فإن كان قائما فليجلس وإن كان جالسا فليضطجع)

ولأبى سعيد الخدرى أيضا رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والغضب فإنه يوقد فى فؤاد ابن آدم النار ألم تر إلى أحدكم إذا غضب كيف تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه، فإذا أحس أحدكم بشئ من ذلك فليضطجع وليلصق بالأرض) وقال أيضا صلوات ربى وسلامه عليه (إن منكم من يكون سريع الغضب سريع القئ فأحدهما بالآخر -يعنى يكون أحدهما بالآخر قصاصا- ومنكم من يكون بطئ القئ ويكون أحدهما بالآخر، وخيركم من كان بطئ الغضب سريع القئ وشركم من كان سريع الغضب بطئ القئ) وروى أبو أمامة الباهلى رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كظم غيظا وهو يقدر على أن يمضيه لم يمضه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا).

ويقال أنه مكتوب فى الإنجيل: يا ابن آدم اذكرنى حين تغضب أذكرك حين أغضب، وارض بنصرتى لك فإن نصرتى لك خير من نصرتك لنفسك. وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لرجل أغضبه: لولا أنك أغضبتنى لعاقبتك، أراد بذلك قول الله ﴿والكاظمين الغيظ﴾ وذكر أنه رأى سكران فأراد أن يأخذه فيعزره فشتمه السكران فلما شتمه رجع عمر، فقيل له: يا أمير المؤمنين لما شتمك تركته قال: لأنه أغضبنى فلو عزرته لكان ذلك لغضب نفسى ولا أحب أن أضرب مسلما لحمية نفسى. وروى عن ميمون بن مهران أن جارية له جاءت بمرقة فعثرت فصبت المرقة عليه فأراد ميمون أن يضربها فقالت الجارية: يا مولاى استعمل قول الله ﴿والكاظمين الغيظ﴾ فقال: قد فعلت، فقالت: اعمل بما بعده ﴿والعافين عن الناس﴾ قال: قد عفوت، فقالت: اعمل بما بعده ﴿والله يحب المحسنين﴾ فقال: ميمون أحسنت إليك فأنت حرة لوجه الله تعالى. وعن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يكن فيه ثلاث خصال لم يجد طعم الإيمان: حِلم يرد به جهل الجاهل، وورع يحرزه عن المحارم، وخُلق يدارى به الناس) وذكر عن بعض المتقدمين أنه كان له فرس وكان معجبا به، فجاء ذات يوم فوجده على ثلاث قوائم فقال لغلامه: من صنع هذا فقال: أنا، قال: لم قال: أردت أن أغمك، قال: لا جرم لأغمن من أمرك به: يعنى الشيطان: اذهب فأنت حر والفرس لك. وينبغى للمسلم أن يكون حليما وصبورا فإن ذلك من خصال المتقين وقد مدح الله الحليم فى كتابه فقال ﴿ولمن صبر وغفر﴾ يعنى من صبر على الظلم وتجاوز عن ظالمه وعفا عنه ﴿إن ذلك لمن عزم الأمور﴾ يعنى من حقائق الأمور التى يثاب فاعلها على ذلك وينال أجرا عظيما وقال سبحانه فى آية أخرى ﴿ولا تستوى الحسنة ولا السيئة﴾ أى لا تستوى الكلمة الحسنة والكلمة السيئة يعنى لا ينبغى للمسلم أن يكافئ كلمة حسنة بكلمة قبيحة ثم قال: ﴿ادفع بالتى هى أحسن﴾ أى ادفع الكلمة القبيحة بالكلمة التى هى أحسن ﴿فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم﴾ يعنى إنك إذا فعلت ذلك صار عدوك صديقا لك مثل القريب، وقد مدح الله خليله إبراهيم عليه السلام بالحلم فقال: ﴿إن إبراهيم لحليم أواه منيب﴾ فالحليم المتجاوز والأواه الذى يذكر ذنوبه ويتأوه والمنيب الذى أقبل على طاعة الله تعالى، وقد أمر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم بالصبر بالحلم وأخبره أن الأنبياء الذين كانوا من قبله كانوا على ذلك فقال ﴿فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل﴾ أى اصبر على تكذيب الكفار وأذاهم كما صبر الرسل الذين من قبلك، وأولوا العزم هم ذو الحزم وهم الذين يثبتون على الأمر ويصبرون عليه، وقال الحسن فى قوله: ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلام﴾ أى قالوا حلما وإن جهل عليهم حلمو. وروى عن وهب بن منبه رضى الله عنه قال: كان عابد فى بنى إسرائيل أراد الشيطان أن يضله فلم يستطع، فخرج العابد ذات يوم لحاجة وخرج الشيطان معه لكى يجد منه فرصة، فأتاه من قبل الشهوة والغضب فلم يستطع منه على شئ، فأتاه من قبل الخوف وجعل يدلى عليه صخرة من الجبل فإذا بلغته ذكر الله فنأت عنه، ثم جعل يتمثل بالأسد والسباع فذكر الله فلم يبال به، ثم جعل يتمثل له بالحية وهو يصلى فجعل يلتوى على قدميه وجسده حتى بلغ رأسه، وكان إذا أراد السجود التوى فى موضع رأسه من السجود يعنى وجهه فلما وضع رأسه ليسجد فتح فاه ليلتقم رأسه فجعل ينحيه حتى استمكن من السجود، فلما فرغ من صلاته وذهب جاء إليه الشيطان فقال أنا فعلت بك كذا وكذا فلم أستطع منك على شئ وقد بدا لى أن أصادقك ولا أريد ضلالتك بعد اليوم، فقال له العابد: لا اليوم الذى خوفتنى بحمد الله ما خفت منك ولا لى حاجة اليوم فى مصادقتك، فقال: ألا تسألنى عن أهلك ما أصابهم بعدك فقال: له العابد أنا مت قبلهم، فقال: ألا تسألنى عما أضل به بنى آدم قال: بلى أخبرنى بالذى تصل به إلى اضلال بنى آدم قال: بثلاثة أشياء: الشح والغضب والسكر.

محمد عادل