قراءة القرآن على الأموات

ولي نظم در

الظلال (2)

 

قراءة القرآن على الأموات

يتردد على الألسنة سؤال: هل يجوز قراءة القرآن على الأموات؟ فهناك من ينكر قراءة القرآن على الأموات مشيرا إلى قول الحق سبحانه ﴿ لينذر من كان حي﴾ يس، فهذه الآية تخص تبليغ أحياء القلوب بالإسلام ويا العجب لأنه نسى أو تناسى آيات الرحمة التى تخص الأحياء والأموات فقالى تعالى ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين﴾ الإسراء، والرحمة هنا مطلقة أى للأحياء والأموات سواء، فأنى لنا أن نقيدها على الأحياء فقط؟

وقد أخرج أبو القاسم سعد بن على الزنجاتى فى فوائده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر ثم قال إنى وهبت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء إلى الله تعالى) وفى صحيح مسلم انه قيل لإبن مسعود رضى الله عنه: أتقرأ على الميت الفاتحة؟ فقال: فعله من هو خير منى ومنك) وورد فى صحيح البخارى أنه قيل لابن عباس رضى الله عنهما: أتقرأ على الميت الفاتحة؟ قال (فعله من هو خير منى ومنك) ويقصد فى الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأ الفاتحة على أهل البقيع، وأخرج الإمام أحمد عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (البقرة سنام القرآن وذروته نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واستخرجت لا إله إلا هو الحى القيوم من تحت العرش فوصلت بها -أو فوصلت بسورة البقرة- ويس قلب القرآن لا يقرأوها رجل يريد الله والدار الآخره إلا غفر له، واقرؤوها على موتاكم) انفرد به الإمام أحمد.

الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة ونفع الأحياء للأموات والأموات للأحياء

وكذلك مما يتردد أيضا على الألسنة هل يجوز الصلاة فى مسجد به ضريح؟ هناك أيضا من يدعى بأن الصلاة فى مساجد بها أضرحة باطلة وحجتهم فى هذا قوله صلى الله عليه وسلم (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فاللعنة تصب على اليهود لاتخاذهم ذات القبر وليس حول القبر كموضع للسجود ويحرم اتخاذ ذات القبر موضع للسجود لقوله صلى الله عليه وسلم (فرشت لى الأرض مسجدا طهورا إلا القبر والحمام) ولم يقل حول القبر أو حول الحمام أى أن كل الأرض مسجدا طهورا إلا ذات المقبرة وذات الحمام وإلا لما استطاع أحد أن يصلى فى بيته!! أم خلت منازلنا من الحمامات، كما أورد الإمام أحمد فى مسنده عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (جعلت لى كل الأرض مسجدا طهورا) وتجوز الصلاة حول القبر بالقياس كما تجوز حول الحمام، وعندما أشار سيدنا عمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإتخاذ مقام إبراهيم مصلى نزل قوله تعالى ﴿واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى﴾ فهذا أمر إلهى بالصلاة عند المقام ولم ينه عن الصلاة عند المقام وقد أمر الله نبيه ليلة الإسراء بالصلاة ببيت لحم حيث ولد سيدنا عيسى وبطور سيناء حيث كلم الله موسى، واتخاذ المساجد فوق قبور الصالحين قائم لقوله تعالى فى سورة الكهف ﴿قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجد﴾ قال السيوطى فى تفسيره ﴿عليهم مسجد﴾ أى حولهم مسجد يصلى فيه على باب الكهف، وقال صلى الله عليه وآله وسلم (بمسجد الخيف قبر سبعين نبيا) رواه الديلمى وذكره المناوى فى كنوز الحقائق، وفيما أخرجه البخارى فى كتاب الصلاة عند تأسيس المسجد النبوى أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقبور المشركين فنبشت، فإذا كان المسجد النبوى فوق قبور المشركين فهل يحرم بناء سائر المساجد فوق قبور الأولياء؟!! فلما وجد هؤلاء القوم أن حجتهم واهية قالوا لا تستقبل الضريح، فلماذا؟ هل المصلى ينوى استقبال الضريح أم استقبال القبلة؟ وهل يسجد لله أم لصاحب الضريح؟ وأين هم من حديثه صلى الله عليه آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وحديثه عندما كان صلى الله عليه وآله وسلم يصلى والسيدة عائشة معروضة أمامه كالجنازة وكانت رضى الله عنها تقبض رجلها عند سجوده، ولماذا نستعرض الميت أمامنا فى صلاة الجنازة، ولماذا لم يأمرنا الرسول بوضع الجنازة خلف المصلين إذا كان يخشى على الأمة من الشرك ولماذا نصلى فى الروضة الشريفة ما بين الروضة والمنبر عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (ما بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة ومنبرى على حوض)؟

نفع الأحياء بالأموات

فهل الحى ينفع الميت؟ إذا لم يكن الحى ينفع الميت فلماذا نصلى صلاة (الجنازة) على الأموات؟ ولماذا ندعو للميت بعد التكبيرة الثالثه؟ أليست صلاة المصلين شفاعة للميت؟ وعن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله عز وجل فيه).

ولي نظم در

يقول الإمام فخر الدين رضى الله عنه:

ما ضر لو بات المحب وقد عفا       إن التظالم بـؤرة الإظــلام

ما سر لو بات المحب مغاضبا         وعليه جفوة قاطعى أرحـامى

يتناول البيتان جانبا من الجوانب الأخلاقية والسلوكية التى يجب أن يرقى عليها المريد السالك، حيث التسامح وعدم الظلم، وقد جمعا من مظاهر الجمال اللغوى والتصويرى والموسيقى الكثير والكثير.

w فمن حيث الأسلوب:

جاء الأسلوب فى البيتين خبريا، وكأن مولانا الشيخ رضى الله عنه يريد أن يقرر حقيقة ثابتة لا تدع مجالا للشك، ومن أساليب التوكيد:

قد عفا باستخدام الحرف قد مع الفعل الماضى عفا للتوكيد والتحقيق وكذا إن التظالم باستخدام الأداة إن لتأكيد المعنى وتقريره فى النفوس، وكذا المقابلة بين البيتين، وتقديم الخبر عليه على المبتدأ جفوة للتخصيص والتوكيد.

w ومن جمال اللفظ:

- استخدام أداة النفى ما مع الفعل الماضى ضر، سر للدلالة على مطلق النفى، وشموله، وتحققه.

- استخدام أداة الشرط لو التى تفيد امتناع وقوع الجواب لامتناع وقوع الشرط، وكأن هذا السلوك قد يمتنع وقوعه من المحب.

- استخدام أداة التعريف ال فى المحب التى تفيد العهدية أى تعنى أن المحب المحب ليس كل محب وإنما تعنى وتخص المحبين فى الله.

- استخدام المصدر التظالم بدلا من الظلم، ليفيد المشاركة بمعنى حرص كل من المتظالمين على ظلم أحدهما الآخر إذ أن مادة التفاعل لا تقع إلا بين متعدد.

- استخدام الفعل بات مما يوضح أن الانفعالات والعواطف تكون أكثر اشتعالا وتوقدا بالليل.

w ومن المحسنات البديعية فى البيتين:

- الجناس الناقض بين ضر، وسر والتظالم والاظلام مما يعطى جرسا موسيقي.

- الطباق بين عفا والتظالم والمقابلة بين البيتين مما يبرز المعنى ويؤكده.

- ومن مظاهر الموسيقى الخارجية: استخدام بحر الكامل بتفعيلاته الموسيقية وقافيته التى تنتهى بحرف الميم.

w ومن مظاهر التصوير البيانى:

- الصورة المركبة فى قوله إن التظالم بؤرة الإظلام وفى هذا تجسيد للمعنى وإبرازه فى صورة محسوسة.

- والاستعارة أو الكناية فى قوله قاطعى أرحامى وفيها تجسيد للمعنى، مع وجود الدليل عليه.

w التأثر بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة:

فهذا يتضح فى معنى البيت الأول الذى يتماشى سياقه مع قوله تعالى ﴿والله لا يحب الظالمين﴾ الآية 75 من سورة آل عمران.

والحديث القدسى (يا عبادى إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته عليكم محرما فلا تظالموا)

وقوله صلى الله عليه وسلم (الظلم ظلمات يوم القيامة).

وفى البيت الثانى يبدو قوله تعالى ﴿وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله﴾ الآية 57 من سورة الأنفال.

وقوله تعالى ﴿فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾ الآية 22 من سورة محمد.

والحديث الشريف (الرحم شجتة من الرحمن من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله).

سيد عبد اللطيف

الظلال (2)

إن زواج الجن بالإنس والإنس بالجن من الأمور المختلف فيها عند الفقهاء فهناك من جوزه عقلا لعدم وجود النص النقلي في المنع أو التحريم وهناك من جعله مكروها، ومن الذين جوزوه كسيدنا مجاهد استنادا إلى الحديث الشريف (إِنّ فيكم مُغَرِّبين.قيل: وما مُغَرِّبون؟قال: الذين يَشترِكُ فيهم الجن) سُمُّوا مُغَرِّبين لأَنه دخل فيهم عِرْقٌ غريبٌ، أَو جاؤُوا من نَسَبٍ بعيد،وغيره فقد استدلوا بقوله تعالى (وشاركهم في الأموال والأولاد) ولكن سيدنا مجاهد عاد فقال إن هذا يحدث إذا جامع الرجل زوجته بغير تسمية فإن شيطان الجن ينطوي على إحليل الرجل فيجامع معه وهذا ليس بزواج،وكتب أهل اليمن إلى الإمام مالك رضي الله عنه يسألونه قالوا إن عندنا فتاة يأتينا رجل من الجن يخطبها يقول أنه يريدها في الحلال فما قولكم؟ فقال الإمام مالك رضي الله عنه ماأرى بذلك بأسا ولكن أخشى أن يكثر الفساد فتوجد المرأة حاملا وتدعي أن زوجها من الجن.

وقال سيدي فخر الدين رضي الله عنه أن هذا الزواج يكره كراهة التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم (من تزيى بغير زيه، فقُتِل، ومن تطور بغير طوره دَمُهُ هَدْر) فالجن عالم مختلف تمام الإختلاف عن عالم الإنس وعندهم القدرة على التشكل والتأثير والإضرار ببني الإنسان، وظهور ماليس بجسد محسوس في صورة المحسوس أمر وارد وممكن وهذا ما يسميه الصوفية بالتجسد أو التمثيل كالملكين هاروت وماروت ببابل وظهور سيدنا جبريل للسيدة مريم عليها السلام وكذلك الإعرابي الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الإسلام والإيمان والإحسان.

والشيطان من الجن قد يتجسد في صورة إنسان وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: وكلني رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم. قال: إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة. فخليت عنه، فأصبحت فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رَسُول اللَّهِ شكا حاجة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. فقال: أما إنه قد كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فرصدته فجاء يحثو من الطعام، فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم. قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال لا أعود. فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رَسُول اللَّهِ شكا حاجة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله. فقال: إنه قد كذبك وسيعود فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود! فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك اللَّه به. قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من اللَّه حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رَسُول اللَّهِ زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني اللَّه بها فخليت سبيله. قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: ﴿اللَّه لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ وقال لي: لا يزال عليك من اللَّه حافظ ولم يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قلت: ل. قال: ذلك شيطان رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

والأمر الذي نريد أن نوضحه أن هناك تأثير في بعض الأشياء أو الممكنات إذا حدث اتصال وأنواع الممكنات لاتزيد عن ثلاث أعيان جسمانية وأوصاف وظلال، منها مايدرك بالحواس كاللون والحرارة ومنها مالايدرك إلا عقلا كالحياة وما يدرك بالتحريك كالهواء ومنها ما يدرك بالضوء كالكهرباء وهذا لايحتاج إلى إقامة دليل للتعرف عليه، ولكن ما يحتاج إلى دليل هو مفهوم معنى الظلال، ويقول الحق تبارك وتعالى ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَال﴾ 15 الرعد.

فالأعيان والأوصاف لاتحتاج إلى تحقيق لكن المشكلة الكبرى في فهم معنى الظلال ويقول المولى تبارك تعالى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا، ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِير﴾ الفرقان، وإياك أن تظن أن الظلال في الآيات هي ظلال الأشياء الحادثة لها من ضياء الشمس لأن الآية تقول من في السموات والأرض والملائكة في السماء ليست لهم ظلال شمسية والملائكة الحفظة والكرام الكاتبين أين ظلالهم الشمسية وهم يعيشون معنا على الأرض ويقول جل وعلا ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ﴾ الرعد.

وكذلك الملائكة السياحين في الأرض لايرى لهم أعيان ولاظلال فلابد أن تكون الإشارة إلى الظلال هنا ظلال غير التي نعرفها لأنها لوكانت لما صح عطفها (هم وظلالهم) لأن الشيء لايعطف على نفسه إلا أن يكون عطف أوصاف كما نقول الخالق والرازق وقال أهل الله:

أن تكن بالله قـائم لـم تكن بل أنت هو      أنت ظل الغيب من أسمائه والشمس هو

وإلى لقاء في معنى الظلال

محمد رشاد حسين