السيدة مريم

 

السيدة مريم

 

يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ذلك من أنباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم إذ يلقون اقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون إذ قالت الملائكة يا مريم ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوارة والإنجيل ورسولا إلى بني اسرائيل أنى قد

جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ان في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون ان الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم

يذكر تعالى أن الملائكة بشرت مريم باصطفاء الله لها من بين سائر نساء عالمي زمانها بأن اختارها لايجاد ولد منها من غير أب وبشرت بأن يكون نبيا شريفا يكلم الناس في المهد أي في صغره يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وكذلك في حال كهولته فدل على أنه يبلغ الكهولة ويدعو إلى الله فيها وأمرت بكثرة العبادة والقنوت والسجود والركوع لتكون أهلا لهذه الكرامة ولتقوم بشكر هذه النعمة فيقال إنها كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رضي الله عنها ورحمها ورحم أمها وأباها فقول الملائكة يا مريم ان الله اصطفاك أي اختارك واجتباك وطهرك أي من الأخلاق الرذيلة وأعطاك الصفات الجميلة واصطفاك على نساء العالمين يحتمل أن يكون المراد عالمي زمانها كقوله لموسى اني اصطفيتك على الناس وكقوله عن بني إسرائيل ولقد اخترناهم على علم على العالمين ومعلوم أن ابراهيم عليه السلام أفضل من موسى وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل منهما وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عددا وأفضل علما وأزكى عملا من بني اسرائيل وغيرهم ويحتمل أن يكون قوله واصطفاك على نساء العالمين محفوظ العموم فتكون أفضل نساء الدنيا ممن كان قبلها ووجد

بعدها لأنها إن كانت نبية على قول من يقول بنبوتها ونبوة سارة أم اسحاق ونبوة ام موسى محتجا بكلام الملائكة والوحي إلى أم موسى كما يزعم ذلك ابن حزم وغيره فلا يمتنع على هذا أن يكون مريم أفضل من سارة وأم موسى لعموم قوله واصطفاك على نساء العالمين إذ لم يعارضه غيره والله أعلم وأما قول الجمهور كما قد حكاه أبو الحسن الأشعري وغيره عن أهل السنة والجماعة من أن النبوة مختصة بالرجال وليس في النساء نبية فيكون أعلى مقامات مريم كما قال الله تعالى ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة فعلى هذا لا يمتنع أن تكون أفضل الصديقات المشهورات ممن كان قبلها وممن يكون بعدها والله أعلم وقد جاء ذكرها مقرونا مع آسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد رضي الله عنهن وأرضاهن

وقد روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عديدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن جعفر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبك من نساء العالمين باربع مريم بنت عمران وآسية

امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ورواه الترمذي عن أبي بكر بن زانجويه عن عبدالرزاق به وصححه ورواه ابن مردويه من طريق عبدالله بن أبي جعفر الرازي وابن عساكر من طريق تميم بن زياد كلاهما عن أبي جعفر الرازي عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد رسول الله وقال الإمام أحمد حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال كان أبو هريرة يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير نساء ركبن الابل صالح نساء قريش احناه على ولد في صغره وارعاه لزوج في ذات يده قال أبو هريرة ولم تركب مريم بعيرا قط وقد رواه مسلم في صحيحه عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبدالرزاق به وقال أحمد حدثنا زيد بن الجباب حدثني موسى بن علي سمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير نساء ركبن الابل نساء قريش احناه على ولد في صغره وأرأفه بزوج على قلة ذات يده قال أبو هريرة وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابنة عمران لم تركب الابل تفرد به وهو على شرط الصحيح ولهذا الحديث

طرق أخر عن أبي هريرة وقال أبو يعلى الموصلي حدثنا زهير حدثنا يونس بن محمد حدثنا داود بن أبي الفرات عن علباء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربع خطوط فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ورواه النسائي من طرق عن داود أبي هند وقد رواه ابن عساكر من طريق أبي بكر عبدالله بن أبي داود سليمان بن الأشعث حدثنا يحيى بن حاتم العسكري نبأنا بشر بن مهران بن حمدان حدثنا محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبك منهن أربع سيدات نساء العالمين فاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم ومريم بنت عمران وقال أبو القاسم البغوي حدثنا وهب بن منبه حدثنا خالد بن عبدالله الواسطي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة أنها قالت لفاطمة أرأيت حين اكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت ثم ضحكت قالت اخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ثم اكببت عليه فأخبرني أني أسرع أهله

لحوقا به وأني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران فضحكت وأصل هذا الحديث في الصحيح وهذا اسناد على شرط مسلم وفيه أنهما أفضل الأربع المذكورات وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا عثمان بن محمد حدثنا جرير عن يزيد هو ابن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة الا ما كان من مريم بنت عمران اسناد حسن وصححه الترمذي ولم يخرجوه وقد روى نحوه من حديث علي بن أبي طالب ولكن في اسناده ضعف والمقصود أن هذا يدل على أن مريم وفاطمة أفضل هذه الأربع ثم يحتمل الاستثناء أن تكون مريم أفضل من فاطمة ويحتمل أن يكونا على السواء

في الفضيلة لكن ورد حديث ان صح عين الاحتمال الأول فقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر أنبأنا أبو الحسن بن الفرا وأبو غالب وأبو عبدالله ابنا البنا قالوا أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة أنبأنا أبو طاهر المخلص حدثنا أحمد بن سليمان حدثنا الزبير هو ابن بكار حدثنا محمد بن الحسن عن عبدالعزيز بن محمد عن موسى بن عقبة عن كريم عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون فإن كان هذا اللفظ محفوظا بثم التي للترتيب فهو مبين لأحد الاحتمالين اللذين دل عليهما الاستثناء وتقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت بواو العطف التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه والله أعلم

وقد روى هذا الحديث أبو حاتم الرازي عن داود الجعفري عن عبدالعزيز بن محمد وهو الدراوردي عن ابراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس مرفوعا فذكره بواو العطف لا بثم الترتيبية فخالفه اسنادا ومتنا فالله أعلم فأما الحديث الذي رواه ابن مردويه من حديث شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا ثلاث مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وهكذا الحديث الذي رواه الجماعة الا أبا داود من طرق عن شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسىالأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء الا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام فإنه حديث صحيح كما ترى اتفق الشيخان على اخراجه ولفظه يقتضي حصر الكمال في النساء في مريم وآسية ولعل المراد بذلك في زمانهما فإن كلا منهما كفلت نبيا في حال صغره فآسية كفلت موسى الكليم ومريم كفلت ولدها عبدالله ورسوله فلا ينفي كمال غيرهما في هذه الأمة كخديجة وفاطمة

فخديجة خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة خمسة عشر سنة وبعدها ازيد من عشر سنين وكانت له وزير صدق بنفسها ومالها رضي الله عنها وأرضاها وأما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها خصت بمزيد فضيلة على اخواتها لأنها أصيبت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبقية أخواتها متن في حيات النبي صلى الله عليه وسلم وأما عائشة فإنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يتزوج بكرا غيرها ولا يعرف في سائر النساء في هذه الأمة بل ولا في غيرها أعلم منها ولا أفهم وقد غار الله لها حين قال لها أهل الافك ما قالوا فأنزل برائتها من فوق سبع سموات وقد عمرت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا من خمسين سنة تبلغ عنه القرآن والسنة وتفتي المسلمين وتصلح بين المختلفين وهي أشرف أمهات المؤمنين حتى خديجة بنت خويلد أم البنات والبنين في قول طائفة من العلماء السابقين واللاحقين والأحسن الوقف فيهما رضي الله عنهما وما ذاك الا لأن قوله صلى الله عليه وسلم وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام يحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى المذكورات وغيرهن ويحتمل أن يكون عاما بالنسبة إلى ما عدى المذكورات

والله أعلم