علماء التلفاز على باب المدينة
إن ابتعاد الناس عن التاريخ وعبيره الذى يفوح من أرباب العلوم
جعلهم يستنشقون زكاما تهب رياحه خصوصا من وسائل الإعلام الفضائية،
فقد سمعنا من ينكر الشفاعة ظنا منه أن شهرة برنامجه كافية للإقناع
بوجة نظره، بل وشهدنا من أنكر خلق سيدنا آدم عليه السلام وقال أن
سيدنا نوح أول الخلق، وسمعنا لمن قال أن جنة آدم كانت على الأرض،
وزاد الطين بله من حذف وأضاف من وإلى الأسماء الحسنى، فأنكر الاسم
(المنتقم) والاسم (الضار) وهلم جرا .. ونحن هنا نطرق باب مدينة
العلم كرم الله وجهه، ليخبرنا عن صفات الحق وبداية الخلق، علّنا
تصيبنا نفحة من عبيره تشفى زكام العلوم المنتشر فى الأجواء بعد
تقدم علوم الفضاء وأوردناها بعلامات إعرابها كى لا يستشكل علينا
فهمها:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ،
ولا يُحْصِى نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ، ولا يُؤَدِّى حَقَّهُ
الْمُجْتَهِدُونَ، الَّذِى لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ، ولا
يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ، الَّذِى لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ
مَحْدُودٌ ولا نَعْتٌ مَوْجُودٌ ولا وَقْتٌ مَعْدُودٌ ولا أَجَلٌ
مَمْدُودٌ، فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ ونَشَرَ الرِّيَاحَ
بِرَحْمَتِهِ ووَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ، أَوَّلُ
الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ،
وكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وكَمَالُ تَوْحِيدِهِ
الإِخْلاصُ لَهُ، وكَمَالُ الإخْلاصِ لَهُ نَفْى الصِّفَاتِ عَنْهُ
لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ،
وشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ
وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، ومَنْ قَرَنَهُ
فَقَدْ ثَنَّاهُ، ومَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ، ومَنْ
جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ، ومَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ
إِلَيْهِ، ومَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، ومَنْ حَدَّهُ
فَقَدْ عَدَّهُ، ومَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ، ومَنْ قَالَ
عَلامَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ، كَائِنٌ لا عَنْ حَدَثٍ، مَوْجُودٌ
لا عَنْ عَدَمٍ، مَعَ كُلِّ شَىْءٍ لا بِمُقَارَنَةٍ، وغَيْرُ
كُلِّ شَىْءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ، فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى
الْحَرَكَاتِ والالَةِ، بَصِيرٌ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ
خَلْقِهِ، مُتَوَحِّدٌ إِذْ لا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ ولا
يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ، أنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً
وابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً بِلا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، ولا
تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، ولا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا، ولا
هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا أَحَالَ الأشْيَاءَ
لأَوْقَاتِهَا، ولامَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وغَرَّزَ
غَرَائِزَهَا وأَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا، عَالِماً بِهَا قَبْلَ
ابْتِدَائِهَا، مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وانْتِهَائِهَا، عَارِفاً
بِقَرَائِنِهَا وأَحْنَائِهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ
الأجْوَاءِ وشَقَّ الأرْجَاءِ وسَكَائِكَ الْهَوَاءِ، فَأَجْرَى
فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً، تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً، زَخَّارُهُ
حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ والزَّعْزَعِ
الْقَاصِفَةِ، فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ
وقَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ، الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ
والْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ، ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ
رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا، وأَدَامَ مُرَبَّهَا، وأَعْصَفَ
مَجْرَاهَا، وأَبْعَدَ مَنْشَأَهَا، فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ
الْمَاءِ الزَّخَّارِ وإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ، فَمَخَضَتْهُ
مَخْضَ السِّقَاءِ وعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ، تَرُدُّ
أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ وسَاجِيَهُ إِلَى مَائِرِهِ، حَتَّى عَبَّ
عُبَابُهُ ورَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ، فَرَفَعَهُ فِى هَوَاءٍ
مُنْفَتِقٍ وجَوٍّ مُنْفَهِقٍ، فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ،
جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً، وعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً
مَحْفُوظاً، وسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا ولا
دِسَارٍ يَنْظِمُهَا، ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ
وضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ، وأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً
وقَمَراً مُنِيراً، فِى فَلَكٍ دَائِرٍ وسَقْفٍ سَائِرٍ ورَقِيمٍ
مَائِرٍ، ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلا
فَمَلاهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ، مِنْهُمْ سُجُودٌ لا
يَرْكَعُونَ، ورُكُوعٌ لا يَنْتَصِبُونَ، وصَافُّونَ لا
يَتَزَايَلُونَ، ومُسَبِّحُونَ لا يَسْأَمُونَ، لا يَغْشَاهُمْ
نَوْمُ الْعُيُونِ ولا سَهْوُ الْعُقُولِ ولا فَتْرَةُ الابْدَانِ
ولا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ، ومِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ
وأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ ومُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وأَمْرِهِ،
ومِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ والسَّدَنَةُ لأَبْوَابِ
جِنَانِهِ، ومِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِى الأرَضِينَ السُّفْلَى
أَقْدَامُهُمْ، والْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا
أَعْنَاقُهُمْ، والْخَارِجَةُ مِنَ الأقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ،
والْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ، نَاكِسَةٌ
دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ، مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ،
مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ
وأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ، لا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ
بِالتَّصْوِيرِ، ولا يُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ،
ولا يَحُدُّونَهُ بِالأمَاكِنِ، ولا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ
بِالنَّظَائِرِ، ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الأرْضِ
وسَهْلِهَا وعَذْبِهَا وسَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ
حَتَّى خَلَصَتْ ولاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ، فَجَبَلَ
مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ ووُصُولٍ وأَعْضَاءٍ وفُصُولٍ،
أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ وأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ
لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وأَمَدٍ مَعْلُومٍ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ
رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وفِكَرٍ
يَتَصَرَّفُ بِهَا وجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وأَدَوَاتٍ
يُقَلِّبُهَا ومَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ
والْبَاطِلِ والأذْوَاقِ والْمَشَامِّ والألْوَانِ والأجْنَاسِ،
مَعْجُوناً بِطِينَةِ الألْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ والأشْبَاهِ
الْمُؤْتَلِفَةِ والأضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ والأخْلاطِ
الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ والْبَرْدِ والْبَلَّةِ
والْجُمُودِ، واسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ
وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ فِى
الاذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ والْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ، فَقَالَ
سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لآدَمَ، فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ
اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ وغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ
وتَعَزَّزَ بِخِلْقَةِ النَّارِ واسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ
فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ
واسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ
فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ
الْمَعْلُومِ، ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ
فِيهَا عَيْشَهُ وآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ
وعَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ
الْمُقَامِ ومُرَافَقَةِ الأبْرَارِ، فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ
والْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ واسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً
وبِالاغْتِرَارِ نَدَماً، ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ
فِى تَوْبَتِهِ ولَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ ووَعَدَهُ
الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ
وتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ.
محمد صفوت جعفر
|