قصص
قصص وعبر
حكى عن الخليفة المنصور أنه كان قد صدر من عمه عبد الله بن على بن
عبد الله بن العباس أمورا مؤلمة لا تحتملها حراسة الخلافة ولا
تتجاوز عنها سياسة الملك، فحبسه عنده، ثم بلغه أيضا أن ابن عمه
عيسى بن موسى بن على وكان واليا على الكوفة ما أفسد عقيدته فيه،
وأوحشه منه، وصرف وجه ميله إليه عنه، فتألم المنصور من ذلك وساء
ظنه، وتأرق جفنه، وقل أمنه، وتزايد خوفه وحزنه، فساقه فكره إلى أمر
دبره وكتمه عن جميع حاشيته، ثم استحضر ابن عمه عيسى بن موسى وأكرمه
على العادة، ثم أخرج كل من كان بحضرته، وأقبل على عيسى وقال له: يا
ابن العم إنى مطلعك على أمر لا أجد غيرك أهلا له، ولا أرى سواك
مساعدا لى على حمل ثقله، فهل أنت فى موضع ظنى بك، فقال له عيسى بن
موسى: أنا عبد أمير المؤمنين ونفسى طوع أمره ونهيه، فقال: إن عمى
وعمك عبد الله قد فسدت بطانته، واعتمد على ما بعضه يبيح دمه، وفى
قتله صلاح ملكنا، فخذه إليك واقتله سرا، وعزم المنصور على الحج
مضمرا أن ابن عمه عيسى إذا قتل عمه عبد الله ألزمه القصاص، وسلمه
إلى أعمامه ليقتلوه به قصاصا، فيكون قد استراح من الاثنين عبد الله
وعيسى.
وقال عيسى: فلما أخذت عمى وفكرت فى قتله رأيت من الرأى أن أشاور فى
قضيته من له رأى، عسى أن أصيب الصواب فى ذلك، فأحضرت يونس بن قرة
الكاتب، وكان لى حسن ظن فى رأيه، وعقيدة صالحة فى معرفته، فقلت له:
إن أمير المؤمنين دفع إلى عمه عبد الله وأمرنى بقتله وإخفاء أمره،
فما رأيك فى ذلك وما تشير به؟ فقال لى يونس: أيها الأمير احفظ نفسك
يحفظ عمك وعم أمير المؤمنين، فإنى أرى لك أن تدخله فى مكان داخل
دارك وتكتم أمره عن كل أحد ممن عندك، وتتولى بنفسك حمل طعامه
وشرابه إليه، وتجعل دونه مغالق وأبوابا، وأظهر لأمير المؤمنين أنك
قتلته وأنفذت أمره فيه، وانتهيت إلى العمل بطاعته، فكأنى به إذا
تحقق منك أنك فعلت ما أمرك به، أمر بإحضارك على رؤوس الأشهاد، فإن
اعترفت أنك قتلته بأمره، أنكر أمره لك وآخذك بقتله وقتلك.
قال عيسى بن موسى: فقبلت مشورة يونس وعملت بها، وأظهرت لأمير
المؤمنين أنى أنفذت أمره، ثم حج المنصور، فلما قدم من حجه وقد
استقر فى نفسه أننى قد قتلت عمه عبد الله دس إلى عمومته أخوة عبد
الله، وحثهم على أن يسألوه فى أخيهم، ويستوهبوه منه، فجاؤوا إليه
وقد جلس والناس بين يديه على مراتبهم، فسألوه فى عبد الله فقال:
نعم إن حقوقكم تقتضى إسعافكم بحاجتكم، بل وفيها صلة رحم وإحسان إلى
من هو فى مقام الوالد، ثم أمر بإحضار عيسى بن موسى، فحضر لوقته
فقال: يا عيسى كنت دفعت إليك قبل خروجى إلى الحج عمى عبد الله
ليكون عندك فى منزلك إلى حين رجوعى، فقال عيسى: قد فعلت يا أمير
المؤمنين. فقال المنصور: وقد سألنى فيه عمومتك وقد رأيت الصفح عنه
وقضاء حاجتهم وصلة الرحم بإجابة سؤالهم فيه؟ فائتنا به الساعة، قال
عيسى: فقلت يا أميرالمؤمنين ألم تأمرنى بقتله والمبادرة إلى ذلك؟
قال: كذبت لم آمرك بذلك ولو أردت قتله لأسلمته إلى من هو بصدر ذلك،
ثم أظهر الغيظ، وقال لعمومته: قد أقر بقتل أخيكم مدعيا أننى أمرته
بقتله، وقد كذب على، قالوا: يا أمير المؤمنين فادفعه إلينا لنقتله
به ونقتص منه، فقال: شأنكم به، قال عيسى: فأخذونى واجتمع الناس
على، فقام أحد عمومتى إلى وسل سيفه ليضربنى به، فقلت له: يا عم
أفاعل أنت؟ قال: أى والله كيف لا أقتلك وقد قتلت أخى؟ فقلت لهم: لا
تعجلوا، وردونى إلى أمير المؤمنين، فردونى إليه فقلت: يا أمير
المؤمنين إنما أردت قتلى بقتله، والذى دبرته علىّ عصمنى الله من
فعله، وهذا عمك باق حى، فإن أمرتنى بدفعه إليهم دفعته الساعة،
فأطرق المنصور، وعلم أن ريح فكره صادفت إعصارا، ثم رفع رأسه وقال:
ائتنا به، فمضى عيسى وأحضر عبد الله، فلما رآه المنصور قال
لعمومته: اتركوه عندى وانصرفوا حتى أرى فيه رأيا، قال عيسى: فتركته
وانصرفت وانصرف إخوته وسلمت روحى وزالت كربتى، وكان ذلك ببركة
الاستشارة بيونس وقبول مشورته والعمل بها.
تظلم أهل الكوفة من واليهم، فشكوه إلى المأمون، فقال المأمون لهم:
ما علمت فى عمالى أعدل ولا أقوم بأمر الرعية وأعود بالرفق عليهم
منه، فقال رجل منهم: يا أمير المؤمنين ما أحد أولى بالعدل والإنصاف
منك، فإن كان بهذه الصفة فعلى أمير المؤمنين أن يوليه بلدا بلدا
حتى يلحق كل بلد من عدله مثل الذى لحقنا، ويأخذ بقسطه منه كما
أخذنا، وإذا فعل ذلك لم يصبنا منه أكثر من ثلاث سنين، فضحك المأمون
من قوله وعزله عنهم.
كيف ذبحت الشاة
قال سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لزوجته يوم حفر الخندق،
قد عرفت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم الجوع فهل عندك شيء؟ قالت
صاع من شعير فطحنته، وعناق فذبحته، فأصلحت طعاما فتوجه جابر إلى
الخندق والنبي صلى الله عليه وسلم ينقل التراب وكان له ولدان فقال
أحدهما للآخر ألا أريك كيف ذبحت الشاة فذبحه فما شعرت أمه إلا
والدم يسيل من الميزاب فصاحت أمه فهرب الصبي في التنور فمات
فأخذتهما وجعلتهما في البيت ودثرتهما بكساء، واشتغلت بطعامها لأجل
النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى بالمهاجرين والأنصار إلى دار جابر
وكانت الدار صغيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: يا جابر أتحب أن يوسع
الله دارك؟ قال نعم، فجثى صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ودعا، قال
جابر فوالذي بعثه بالرسالة إني نظرت إلى السقوف قد ارتفعت وإلى
الجدران قد تباعدت فسكب النبي صلى الله عليه وسلم الطعام بيده وقال
يا جابر ادع أولادك حتى آكل معهم، فذهب إلى زوجته لكى تحضر
الأولاد، فقالت إنهم نيام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك،
فقال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا آكل إلا معهم، فرجع
جابر إلى زوجته فقالت دونك وإياهم، فدخل البيت وكشف عنهما الغطاء
فوجدهما بالحياة متعانقين، فقعد أحدهما عن يمين النبي صلى الله
عليه وسلم والآخر عن يساره فأكلوا حتى شبعوا، فتبسم النبي صلى الله
عليه وسلم وقال يا جابر أخبرك بما أخبرني به جبريل؟ قال نعم،
فأخبره بما حدث وأمر ولديه، فتعجب من ذلك وقد حصل له ولزوجته الفرح
والسرور.
أمثال
وحكم
ابنى لى عندك بيتا
لما علم فرعون بإيمان السيدة آسية رضي الله عنها أحضر الجزار وقال
له: اصنع بها كما تصنع بالشاة إذا ذبحتها، فقالت الملائكة ربنا قد
وقعت هذه المرأة في بلاء فرعون، فقال سبحانه: إنها قد اشتاقت إلى
لقائنا، فلما صارت إلى النزع قال الله تعالى يا جبريل إنها تحرك
شفتيها فاسمع ما تقول -وهو أعلم- فقال يارب إنها تطلب بيتا، فقالت
الملائكة بلاؤها شديد وصبرها كثير وسؤالها حقير، فقال تعالى فاسمع
منها في أي مكان هذا البيت وعند من تنزل، فقال يارب إنها تقول رب
ابن لي عندك بيتا في الجنة، فقالت الملائكة هذا سؤال عظيم وبيت
شريف لأنه في جوارك ومبني في دارك، فقال تعالى بنيته لها قبل
سؤالها، وكانوا يسلخونها وهي تنظر إلى البيت وتقول الله.
وقد ذكر البغوى أن فرعون قد أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما
أتوها بالصخرة وقالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فنظرت إليه وهو
من درة بيضاء وقد انتزعت روحها فألقوا الصخرة على جسد لا روح فيه.
وقال الحسن وغيره رفعها الله إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وقال نجم
الدين كانوا يعذبونها في الشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة.
وقال الثعلبي في كتاب العرائس أن موسى عليه السلام مر بها وهي في
العذاب فشكت إليه بإصبعها فدعا الله تعالى أن يخفف عنها فلم تجد
ألما فلما نظرت إلى البيت ضحكت فقال انظروا الجنون الذي بها تضحك
وهي في العذاب.
وقال القرطبي في قوله تعالى {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} كانوا
ستمائة ألف لم ينج منهم إلا آسية وابن عم فرعون والذي كتم إيمانه
واسمه حزقيل وقال خير.
وقال رجل للأوزاعي رأيت طيوراً بيضاء تخرج من البحر أفواجاً لا
يحجبهم إلا الله فيأخذون ناحية الغرب ثم يرجعون في الليل سودا، قال
تلك الطيور في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا
فترجع إلى أوكارها وقد احترق ريشها فينبت لها في الليل ريش أبيض ثم
تغلوا فيعرضون على النار وهكذا إلى يوم القيامة
النية
ذكر حجة الإسلام أبو حامد الغزالى فى الإحياء أن رجلا عابدا بلغه
أن قوما يعبدون شجرة فخرج لقطعها فقال له إبليس إن قطعتها عبدوا
غيرها فارجع إلى عبادتك، فقال لابد من قطعها فقاتله فصرعه العابد،
فقال له إبليس: أنت رجل فقير فارجع إلى عبادتك وأجعل لك دينارين
تحت رأسك كل ليلة ولو شاء الله لأرسل رسولا يقطعها وما عليك إذا لم
تعبدها أنت، قال نعم، فلما أصبح وجد دينارين، وفى اليوم الثانى لم
يجد شيئا فخرج لقطعها، فصرعه إبليس، فقال له العابد: كيف غلبتك
أولا ثم غلبتنى ثانيا؟ فقال لأن غضبك أولا كان لله وثانيا
للدينارين.
وذكر الدميرى فى حياة الحيوان أن آدم عليه السلام لما هبط إلى
الأرض جاءته وحوش الفلاة تسلم عليه وتزوره فكان يدعو لكل جنس بما
يليق به، فجاءته طائفة من الظباء فدعا لهن ومسح على ظهورهن فظهر
فيهن نوافج المسك، فسألتهن طائفة أخرى عن سبب ذلك، فقالوا زرنا آدم
فدعا لنا ومسح على ظهورنا، فساروا إليه فدعا لهن ومسح على ظهورهن،
فلم يجدوا شيئا، فقالوا قد فعلنا مثلكم فلم نر شيئا مما حصل لكم،
فقالوا نحن زرناه لله وأنتم زرتموه لأجل المسك.
وقال النسفى لما هبط آدم نزل معه أربع ورقات من التين، فقصده
الحيوانات ليهنوه بالتوبة، فسبق أربع وهى الغزالة فأطعمها ورقة
فصار منها المسك، والنحلة فأطعمها ورقة فصار منها العسل، والدودة
فأطعمها ورقة فصار منها الحرير، وبقرة البحر فأطعمها ورقة فصار
منها العنبر. |