العد د السابع (اغسطس)

 

زاويــــــة بـاريس

بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن


 

زاويــــــة بـاريس

باريس بلد الجن والملائكة هكذا يقول الكتاب والأدباء وكنت لاأدري لماذا يطلقون عليها هذا الوصف وذات مرة كنت أستمع إلى مولانا سيدي فخر الدين رضي الله عنه وهو يتحدث عن فيثاغورث وقال أن لديه كتاب اسمه (البحرالزاخر) يتحدث فيه عن تأثير الأفلاك السبعة على الأرض فمثلا السودان يقع تحت تأثير كوكب زحل ولذا تكون المحاصيل فول سوداني وسمسم وتكون البشرة للبني آدم سمراء وتركيا تقع تحت تأثير عطارد ولذلك الناس أجسامهم ضخمة وعليهم جلال لأنهم أيضا في برج الأسد وباريس في برج الزهرة ولذلك عندهم الجمال والفن والملابس علي الموضة ، ولقد وجهت إلي دعوة من جامعة سان دوني لإلقاء محاضرة عن  (وحدة الوجود عند الصوفية) ورأيت الباريسيين كيف يتعشقون الكلام عن الروح والتصوف واحترامهم الشديد لابن عربي وآراءه الفلسفية - على حد تعبيرهم - ثم دعاني أحدهم لزيارة متحف اللوفر وغرقت بين آلاف اللوحات من الفن الإسلامي والقبطي على مر العصور ومن كل البلدان  في (بلد الجن والملائكة) ،وفي أحد زياراتي الخاطفة دعاني الأخ فتحي لإلقاء نظرة سريعة على الزاوية البرهانية بباريس لأن مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنه سوف يزور باريس قريبا لافتتاح الزاوية وعبر رحلة سريعة بالقطار الأرضي وصلت على المحطة الأخيرة وكان علي أن أعبر نهر السين لأ صل إلى الضفة الأخرى حيث تقع الزاوية قريبا من النهر ومرورا من على الكوبري ومنعطفا إلى الشارع الخلفى الذى يقع فيه الباب الرئيسي فإذا بالشارع يصعد بي إلى أعلى لأرى الخضرة تكسو المكان وتتكاتف مع الأشجار السامقة على النهرلترسم الإبهار في لوحة فنان مبدع وسرت خطوات متئدة تحت رزاز المطر وحال غروب الشمس في جو شاعري مبهر حتى وصلت إلى الباب الرئيسي ولمست جرس الباب برفق وأنا أصلح من حال معطفي وقبعتي وفتح الباب وهبطت الدرج رويدا خوفا من الإنزلاق لتبلل الدرج برزاز المطر ووصلت إلى باب الفيللا الذي يفتح في صالة واسعة مفروشة بالسجاد والمساند ذات الطراز العربى وتجد على يمينك سلما لأعلى وآخر مهبطا للدور الأرضى ثم غرفة مجهزة للمعيشة والنوم يقع بعدها مطبخ مفتوح كبير حيث جلست وتناولت الكافيه أوليه ساخنا ليعطيني بعض الدفئ في ذلك البرد واستجمعت قواي وصعدت الدرج لأجد غرفتين كبيرتين أعدت أحداها لضيافة الشيخ والأخرى للمرافقين معه وجهزت الغرف بالأسرة والمفروشات لزوم الزيارة القريبة وفي نهاية الممر الفاصل تقع الحمامات ، واستدرت لأهبط الدرج ونزلت إلى صالة الحضرة أسفل الزاوية حيث تم تجهيز المكان ليسع أكبر عدد من الأحباب للذكر والمديح  وإلى جوار صالة الذكر يوجد ممر خاص للأخوات بصالة منفصلة لمن أرادت الاستماع من النساء ، وتضطر للعودة للسلم صاعدا لتصل إلى نفس الصالة التي بدأت منها وتمر الى الباب المواجه للباب الذي دخلت منه فتجده يفتح على التراس المطل على الحديقة حيث تستطيع أن تجلس فيه صيفا لتحتسي بعض العصائر وتتمتع بالخضرة للأشجار والأزهار النامية على الماء على ضفاف السين وتملى عينك من الوجه الحسن لشيخك حفيد الحسين والحسن الذى قال أحسن الحسن تعم المشرقين طريقتي.

محمد صفوت جعفر 


بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

مازال حبل التواصل ممتداً بيننا يقودنا لمواصلة السفر الى الله من خلال المسير في مراتب الدين وتستوقفنا هذة المرة مرتبة الإحسان. الإحسان هو العلم الذى أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتمانه وهو علم الحقيقة ويعرف في المصطلح المصحفى بحق اليقين  والدليل من القرآن قال تعالى {ثم اتقوا وامنوا ثم اتقوا واحسنوا والله يحب المحسنين} وعن حق اليقين قال الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه:   

اذ كان من حق اليقين      فما أجـــلَّ المـــأرب

إنَّ مرتبة الاحسان مرتبة عالية جدا وفيها تتبدل صفات العبد بصفات الرب ومن هنا اتت تسميتها بمرتبة حق اليقين او علم الحقيقة وهنا نذكر الحديث القدسى الذى يتحدث فيه المولى عزَّ وجلَّ عن عن العبد السائر الى الله بالاجتهاد في العبادة بالنوافل (مازال عبدى يتقرَّب إلىَّ بالنوافل حتى أحبَّه فان أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ورجله التى يمشى عليها ويده التى يبطش بها...)فبما أنَّ العبد في هذه المرتبة يرى ببصر الله ويسمع بسمع الله فانه لايرى إلا حقَّاً ولا يسمع إلا حقاً لذلك عرفت مرتبة الاحسان بعلم الحقيقة ونستشهد هنا بحديث سيدنا حارثة بن عبيد بن فضالة عندما سأله سيدنا رسول الله :(ما حقيقة إيمانك؟) - وهى مرتبة إحسان لأنه لم يقل له: ما هو إيمانك ؟ - فأجاب: فاذا بعرش ربى بارزا وأرى أهل الجنة في الجنة يتزاورون وأهل النار في النار يضجون فقال له سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (عرفت فالزم). وذلك لأنه الحق وما بعد الحق إلا الباطل.

 والأعمال في مرتبة الإحسان تعرف بالعبودة لأن العبد فيها ينتقل من مرتبة العبادة القلبية (الإيمان) الى مرتبة العبادة الروحية ويكون القصد منها عبادة الله لأنه أهل للعبادة وتعبده كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك والذنب يكون بالغفلة عن المشاهدة والتوبة تكون بالرجوع اليها وهنا نستشهد بقصة سيدنا يونس عليه السلام عندما غفل عن الطاعة وكانت بالنسبة له غفلة عن المشاهدة فابتلعه الحوت وعندما تاب رجع الى المشاهدة قال تعالى متحدِّثا بلسان سيدنا يونس {... فنادى ألا إله الا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين} وكلمة أنت لا تكون الا للمشاهد. أما الذكر فيكون بالروح وتكون التقوى بشدة المعرفة بالله والاستمرارية فيها تعنى الاستقامة في مرتبة الاحسان.

كانت هذه نفحة من كتاب تبرئة الذمة الذى يحتوى على جزء من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى وهي المعين الذى لا ينضب وكما قال رضى الله عنه:

تالله مانضب المعين          ولا معينى ينضب

 وما زالت رحلة السير الى الله مستمرة ولنا عودة قريبة الى مراتب الدين في الأعداد القادمة.

هادية الشلالي