من عـظيـم جزاء الـذكـر

كلمة العدد

من كلام الإمام علي كرم الله وجهه

لـيـلـــة الـقــــدر

التطرف الديني - داءه ودواءه


مـن عـظيـم جـزاء الـذكـر

إن الله جلت قدرته قد أمر في كثير من آيات القرآن ولذا أمر النبي  في كثير من أحاديثه بالذكر وجعل الله للذاكرين عظيم الفضل على أن لبوا نداءه سبحانه وتعالى وأمضوا جلَّ وقتهم ولسانهم رطب بذكر الله ولعظمة هذا الجزاء الذي أعده الله لعباده الذاكرين فإنه يصعب بل قد يستحيل حصره ولكنا بفضل الله ورسوله  نتعرض بالإيضاح لبعض هذا الفصل.

اذا ذكرت الله ذكرك الله

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولذكر الله أكبر} قال: ولذكر الله لعباده إذا ذكروه أكبر من ذكرهم اياه،ومن جزيل فضل الله على الذاكرين أن جعل جزاءهم أن يذكرهم الله في الملأ الأعلى قوله (وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم) قال الإمام بن حجر العسقلاني عند شرحه للحديث: قال بعض أهل العلم يستفاد منه أن الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وإن ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى. فتح الباري للعسقلاني.

أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده.

وبهذا الذكر تطمئن قلوب الذاكرين بذكر الله تعالى لهم الآية {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} (البقرة 152)، وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله  يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)، وأخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس أن رسول الله  قال: (قال الله عز وجل: يا ابن آدم إذا ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة. أو قال: في ملأ خير منهم، وإن دنوت مني شبرا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك بهرولة)، وأخرج الطبراني عن معاذ بن جبل قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ذكره: لا يذكرني أحد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي، ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى، وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر والبزار والبيهقي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله: يا ابن آدم إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا، وإذا ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير من الذين تذكرني فيهم وأكثر).

ذكر الله أعظم أنواع الشكر

أخرج الطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أبي هرير عن النبي  (يقول الله يا ابن آدم إنك إذا ماذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني)،أخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم. أن موسى عليه السلام قال: يا رب أخبرني كيف أشكرك؟ قال تذكرني ولا تنساني، فإن ذكرتني شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.ذكرك الله يدخلك فى ظل الله يوم القيامه،وأخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه).

قال امام المتقين سيدنا على رضى الله عنه أن الله تعالى جعل الذكر جلاء للقلوب تسمع به بعد الوثره  الصمم  وتبصر به بعد العشوة وتنقاد به بعد المعاناه.

أحمدعبد المالك


كلمة العدد

نحن اليوم إذ نستقبل شهر رمضان بالترحيب والبشر فإنما نستقبل عيدا دينيا وقومياً يؤكِّد أسباب القرب بين المولى عزَّ وجلَّ وعباده في المظهر والجوهر. والصوم رياضة روحيـة كتبـها الله تعـالى عـلى جميع الأمم يقـول [ يا أيـُّها الذيـن آ منوا كُتبَ عليكم الصيامُ كما كُتبَ على الذين من قبلكم...] وتقوى الله ومجاهدة النفس هي الغاية القصوى من هذه الحكمة قال تعالى [ وأما من خاف مقامَ ربِّه ونهى النفسَ عن الهوى فإنَّ الجنَّة هي المأوى ]. أما قول من قال: إن حكمة الصوم هي أن يذوق الغنيُّ عذاب الجوع ليشفق على الجائع ويرأف بالفقير، فقول سطحي توحي به النظرة العابرة والفكرة السريعة؛ فإنَّ إجاعة الأغنياء ليشعروا بآلام الفقراء قد تكون معنىً من معاني الصوم، ولكنَّ حكمةَ الله من الصوم في رمضان أسمى وأجل. فإنَّ للجوع أثراً شديداً في تصفية النفوس وتلطيف الطباع، لأنَّ كدر النفس يكون في الأكثر من كدر الجسد وقيل  إ(إن البطنة تذهب الفطنة) لذلك اتخذَّ كثير من أئمة التصوُّف الجوع سبيلا إلى تهذيب النفوس وفي هذا تحقيق لقول الشيخ إبراهيم بن أدهم '' لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يغلق عن نفسه باب النعمة ويفتح عليها باب الشدَّة "غ  

أسرة التحرير


من كلام الإمام علي كرم الله وجهه

قال الإمام علي رضي الله عنه: لقد علق بنياط هذا الإنسان بضعة هي أعجب ما فيه وذلك القلب فإن له أضداداً من الحكمة وخلافها. فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الرضا، وإن ملكه الأسى قتله الأسف، وإن عرض له الغضب استبد به الغيظ، وإن أسعده الرضا نسي التحفظ، وإن غاله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع به الأمر استلبته الغرة، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أصابته الفاقة شغله البلاء، وإن جهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضر وكل إفراط له مفسد.

قال رضي الله تعالى عنه: ولقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فما أرى أحداً منكم يشبههم ! لقد كانوا يصبحون شعثاً غبرا، وقد باتوا سجَّدا وقياما يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ! كأنَّ بين أعينهم ركب المِعزى من طول سجودهم.

 هل تزيدنا كثرة الأكل قوة

قال كرم الله وجهه  فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة همُّها علفها، وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا هو قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان. ألا وإنَّ الشجرة البرية أصلب عودا والرواتع الخضرة أرق جلودا. وما أبلغ كلامه رضي الله تعالى عنه فالشجرة في الخلاء لا تسقى الماء وقطعها صعب على من أراد قطعها ونبات الحدائق يسقى كلَّ يوم ومع هذا يستطيع الإنسان أن يقتلعه بيده من غير فأس.والذي يقوي الجسم إنما هو دخول الهداية في القلب قال الإمام البصيري رضي الله تعالى عنه:

وإذا حلَّـت الهدايـة قــلباً          نشطـت للعبــادة الأعضــاء


لـيـلـــة الـقــــدر

قال القطب الربَّاني الشيخ عبد القادر الجيلاني: إذا كانت ليلة القدر يأمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن ينزل إلى الأرض ومعه سكان سدرة المنتهي سبعون ألف ملك ومعهم ألويةٌ من نور، فإذا هبطوا إلى الأرض ركز جبريل عليه السلام لواءه، والملائكة عليهم السلام ألويتهم في أربعة مواطن؛ عند الكعبة وقبر النبي  ومسجد بيت المقدس ومسجد طور سيناء، ثم يقول جبريل عليه السلام: تفرَّقوا فيتفرقون، ولا يبقى دارٌ ولا بيتٌ ولا سفينةٌ فيها مؤمن أو مؤمنة إلا دخلته الملائكة عليها السلام، إلا بيتاً فيه خنزير أو كلب أو خمر أو جُنُبٌ من حرام أو صورة تماثيل، فيسبِّحون ويقدِّسون ويهللون ويستغفرون لأمة محمد ، حتى إذا كان وقت الفجر يصعدون إلى السماء الدنيا فيقول لهم سكان السماء الدنيا: من أين أقبلتم ؟ فيقولون: كنَّا في الدنيا لأنَّ الليلة ليلة القدر لأمة محمد  فيقول سكان السماء الدنيا: ما فعل الله بحوائج أمة محمد  ؟ فيقول جبريل عليه السلام: إنَّ الله تعالى غفر لصالحهم، وشفَّعهم في طالحهم، فترفع ملائكة السماء الدنيا أصواتهم بالتسبيح والتقديس والثناء على رب العالمين شكراً لما أعطى الله تعالى هذه الأمة من المغفرة والرضوان، ثم تُشيِّعُهم ملائكة السماء الدنيا إلى الثانية كذلك وهكذا حتى السابعة، ثم يقول جبريل عليه السلام: يا سكان السماوات ارجعوا. فيرجع سكان كلِّ سماء إلى مواضعهم، فإذا وصلوا إلى سدرة المنتهى يقول لهم سكانها: أين كنتم ؟ فيجيبونهم بمثل ما أجابوا به أهل السماوات، فيرفع سكان سدرة المنتهى أصواتهم بالتهليل والتسبيح، فتسمع جنَّةُ المأوى وجنَّة النعيم وجنة عدن والفردوس. ويسمع عرش الرحمن، فيرفع العرش صوته بالتهليل والتسبيح والثناء علي رب العالمين شكراً لما أعطى هذه الأمة ويقول: إلهي بلغني أنك غفرت البارحة لصالح أمة محمد  وشفَّعت صالحها في طالحها فيقول عز وجل:صدقتَ يا عرشي، ولأمَّة محمد عليه الصلاة والسلام عندي ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطرَ على قلب بشر.

لجنة التراث


التطرف الديني - داءه ودواءه

 عـن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله (هلك المتنطِّعــون) قالهـا ثلاثــا. (رواه مسلم). والمتنطعون هم المبالغون في الأمور المتكلفون المتشددون، وروي عنه  أنه قال:  ياعلي هلك فيك اثنان محب غالٍ ومبغض قالٍ نهج البلاغة للشريف الرضي.

وعن الإمام علي كرم الله وجهه قال: (خير الأمور النمط الأوسط)  المصدر السابق.

إذا افترضنا أن هذه الأقوال وغيرها كثير وكثير في بابها وصلت إلى مسامع غالب أمة الحبيب  فلم الإتيان بغير مقتضاها؟ والكلام في غاية الوضوح بعيد عن الإشكاليات الجدلية إذا أخذناه بحسِّ المسلم المنصف الراجي النجاةَ مع الله والرسول وأولى الأمر.

فالهلاك ضد النجاة والرسول يقول  (هلك  المتنطعون)، وفي قوله لزوج البتول : (هلك  فيك اثنان) هو أيضا ضد النجاة والهلكى في هذا الحديث صنفان أحدهما في أقصى اليمين وهو المحب المغالي في حبه مثل غلاة المتشيعين، وثانيها في أقصى الشمال وهو المبغض الممعن في بغضه مثل الخوارج ومن على منهجهم من المتعصبين، والمقصود طبعا هو الامام علي وأهل بيته فحبُّهم أو بغضهم هو السعادة أو الشقاء كما تقدَّم، ولكن من في الوسط؟ وما حــاله؟ فالجواب هو قول الإمام على كرم الله وجهه وهو معنى حديث للمصطفى  فالخير كل الخير في التوسط والاعتدال في الأشياء كلها سيما أمر الدين.

إذن فما يجعل المسلم يضع نفسه في مواضع الهلاك والعياذ بالله، أليس الله يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكه} (البقرة 195) بلى قد قــال.

والجواب كما سبق أن قدمنا في الباب الأول أن حكمة الله اقتضت أن يجعل للإنسان أعداء أربعة، ولكنه أعطاك من الآلات ما إنْ أحْسَنْتَ قيادتها وصيانتها لم تضرَّك هذه الأعداء.

وهذه الأربعة هي: الشيطان والنفس والدنيا والهوى، وكلها لا عمل لها إلاأن تقطع الإنسان عن الله وتكلم الرسول  عنها وتكلم القرآن وحذر منها وعرف عِلَلَهَا وحدَّد أدْويَتهَا.

- فالشيطان والعياذ بالله يقول فيه الله:

{ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} (يس 60).

{ولاتتبعوا خطوات الشيطان..} (البقرة 168).

وقال عمر: قام فينا رسول الله  مقامي فيكم فقال: (استوصوا بأصحابي خيرا، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشوا الكذب حتى ان الرجل ليبتدئ بالشهادة قبل أن يُسألها، فمن أراد منكم بحبوحة الجنة فليعزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، لايخلُوَنَّ أحُدكم بامرأةٍ فإن الشيطان ثـــالثهمـا، ومن سرَّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن). (رواه الترمذي والشافعي والحاكم).

- وفي النفس تقول الآية: {وما أبرئ نفس إن النفس لأمارة بالسوء} (يوسف 53).

ويقول الرسول  (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك).

- وفي الدنيا تقول الآية: {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} (الكهف 28).

{ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}   (الشورى 20).

ويقول الرسول : (حب الدنيا رأس كل خطيئة)  رواه البيهقي.

وللحديث بقية

د. إبراهيم دسوقي