التطرف الديني - داءه ودواءه
عـن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول
الله (هلك المتنطِّعــون) قالهـا ثلاثــا. (رواه مسلم). والمتنطعون
هم المبالغون في الأمور المتكلفون المتشددون، وروي عنه أنه قال:
ياعلي هلك فيك اثنان محب غالٍ ومبغض قالٍ نهج البلاغة للشريف
الرضي.
وعن الإمام علي كرم الله وجهه قال: (خير الأمور النمط الأوسط)
المصدر السابق.
إذا افترضنا أن هذه الأقوال وغيرها كثير وكثير في بابها وصلت إلى
مسامع غالب أمة الحبيب فلم الإتيان بغير مقتضاها؟ والكلام في غاية
الوضوح بعيد عن الإشكاليات الجدلية إذا أخذناه بحسِّ المسلم المنصف
الراجي النجاةَ مع الله والرسول وأولى الأمر.
فالهلاك ضد النجاة والرسول يقول (هلك المتنطعون)، وفي قوله لزوج
البتول : (هلك فيك اثنان) هو أيضا ضد النجاة والهلكى في هذا الحديث
صنفان أحدهما في أقصى اليمين وهو المحب المغالي في حبه مثل غلاة
المتشيعين، وثانيها في أقصى الشمال وهو المبغض الممعن في بغضه مثل
الخوارج ومن على منهجهم من المتعصبين، والمقصود طبعا هو الامام علي
وأهل بيته فحبُّهم أو بغضهم هو السعادة أو الشقاء كما تقدَّم، ولكن
من في الوسط؟ وما حــاله؟ فالجواب هو قول الإمام على كرم الله وجهه
وهو معنى حديث للمصطفى فالخير كل الخير في التوسط والاعتدال في
الأشياء كلها سيما أمر الدين.
إذن فما يجعل المسلم يضع نفسه في مواضع الهلاك والعياذ بالله، أليس
الله يقول {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكه} (البقرة
195)
بلى قد قــال.
والجواب كما سبق أن قدمنا في الباب الأول أن حكمة الله اقتضت أن يجعل
للإنسان أعداء أربعة، ولكنه أعطاك من الآلات ما إنْ أحْسَنْتَ
قيادتها وصيانتها لم تضرَّك هذه الأعداء.
وهذه الأربعة هي: الشيطان والنفس والدنيا والهوى، وكلها لا عمل لها
إلاأن تقطع الإنسان عن الله وتكلم الرسول عنها وتكلم القرآن وحذر
منها وعرف عِلَلَهَا وحدَّد أدْويَتهَا.
- فالشيطان والعياذ بالله يقول فيه
الله:
{ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا
الشيطان إنه لكم عدو مبين} (يس
60).
{ولاتتبعوا خطوات الشيطان..} (البقرة
168).
وقال عمر: قام فينا رسول الله مقامي فيكم فقال: (استوصوا بأصحابي
خيرا، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشوا الكذب حتى ان
الرجل ليبتدئ بالشهادة قبل أن يُسألها، فمن أراد منكم بحبوحة الجنة
فليعزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد،
لايخلُوَنَّ أحُدكم بامرأةٍ فإن الشيطان ثـــالثهمـا، ومن سرَّته
حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن). (رواه الترمذي والشافعي والحاكم).
- وفي النفس تقول الآية: {وما أبرئ
نفس إن النفس لأمارة بالسوء} (يوسف
53).
ويقول الرسول (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك).
- وفي الدنيا تقول الآية: {ولا تعد
عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} (الكهف
28).
{ومن كان يريد حرث الآخرة نزد له في
حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب}
(الشورى
20).
ويقول الرسول : (حب الدنيا رأس كل خطيئة) رواه البيهقي.
وللحديث بقية
د. إبراهيم دسوقي |