وَلِي نَظْمُ دُرٍ
الحمد لله الذي فضل بعضنا على بعض وإليه الفضل
والمنة أن جعلنا في خير الأمم على الإطلاق.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد الإنسان الكامل صلاة وسلاماً دائمين
إلي يوم الدين.
كلنا يعلم أن جمال اللفظة في غالب أحواله لا يبدو ويظهر حينما تكون
مفردة بل عندما تكون بين أخريات من بنات جنسها وبما تحمله من معنى
قال الشاعر
انظر إلي صور الألفاظ واحدة وإنما بالمعاني تُعشق الصور
و لنسأل القاري الكريم: ما قولك عن لفظتى (الذي) و(التي) في قول
الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني في حديثه عن الشيخ إبراهيم رضى الله
عنه.
ولديـه مفـتاح المعانـي جملـة حاشـا يمـاري بالـذي أو
بالــتي
أرى أن لهاتين اللفظتين معنى لا يكون إذا أفردناهما وفصلناهما عن
بقية ألفاظ الكلام.(الذي)و(التي)
كل منهما اسم معرفة يحتاج ويفتقر لما يتم به معناه فهو في ذلك شبيه
بالحرف.
نقول وبالله التوفيق إن الشيخ محمد عثمان عبده رضي الله عنه يثبت في
هذا البيت حقيقتين اثنين :
الأولى وهي في صدر البيت هى أن الممدوح (لديه مفتاح المعاني)
ولا يخفى عليه شيء مما يقال له.
والثانية وهى في عجز البيت وهى أن الممدوح نافذ الحجة لا يسكته خصم
ولا يفحمه خطيب (ناقص).
ولنعرِّج بالقاري الفاضل إلي شواهد البلاغة ثم لنعود ونرى ما يحمله
البيت من معانٍ لو فُرِّقت ألفاظها لما أعطت ماأعطت ولما كان لها ذاك
السحر الخلاب.
إن من ضروب البلاغة ما يسمى بالاكتفاء وهو يدخل في باب البديع وهو
حذف أواخر الكلم اكتفاء ببعض منها أو حذف حرف من كلمة اكتفاءً بما
تبقى من أحرفها.
يقول ابن الفارض في قصيدته (الفائية).
ما للنوى ذنب ومن أهوى معـي إن غـاب انسـان عيـني فهـو في
أى:إن غاب عن انسان عيني فهو في قلبي.
فهو قد اكتفى بقوله (في).
وفي الحديث:قوله صلى الله عليه وسلم (كفى بالسيف شا) إى:كفى بالسيف
شاهداً.
وفي القرآن: قوله تعالى {وإن كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي
نفقا في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم
على الهدى فلا تكوننَّ من الجاهلين} (الأنعام
35).
والتقدير كما يرى المفسرون: فان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو
سلماً في السماء فتأتيهم بآية (فافعل).
وقد أورد الشيخ محمد عثمان عبده الاكتفاء في ديوانه بقول:
كلامـي مشـرب الأرواح وصـلا إذا لـم تشربــوا منـه فـأى
أى:إذا لم تشربوا منه فأى شراب
ستشربون ؟
لذا يكون لمن خلف الحجاب هنا تنوُّع في المرائي إن عجبت فلا
أى:إن عجبت فلا عجب أو فلا غرابة...
وفي قول الشيخ:
ولديـه مفـتاح المعانـــي جملـة حاشـا يمـاري بالـذي أو
بالتي
تأتي روعة المعنى في عجز البيت وهو يعني أن الشيخ إبراهيم حاشا أن
يمارى ويجادل بما هو مفتقر دائما لما يتمُّ به معناه أى حاشا ان
يجادل بالناقص (الذي والتي).
وكان الأولى بالناقص أن يكمِّل أولا.
والمعروف أن الناقص لا يأتي به إلاّ ناقص.
وربما يظن أخي القاريء. لأوَّل وهلة.
أنَّ بالبيت اكتفاء وأن الشيخ قد حذف ما حذف اكتفاء وربما ذهب مذهبا
في التدليل على ذلك يراه منطقيا وهو أن لفظتى (الذي) و(التي)مبهمتان
تحتاجان دائما لما يتم بهما المعنى.
ولكننا لا نرى بالبيت اكتفاء بل إنَّ كلَّ من لفظة (الذي) و(التي)
تحمل معنىً يحتاج إلي شيء من التدقيق.
ونلاحظ في هذا الاستخدام لأسماء الموصول وبالرغم من كونها معرفة إلاّ
أنها الوحيدة من المعارف ناقصة تحتاج وتفتقر لما يتمُّ معناها وقد
استخدمها الشيخ محمد عثمان عبده بذات المعنى (النقص) فحملتا إضافة
جديدة لم تكن لتؤديها لو انفردت.
اذن جمال اللفظة وما تحمله من دلالات يكون بحسن الاستخدام والتوظيفة.
الوسيلة إبراهيم
|