بـرهـانيــــــــــات

وَلِي نَظْمُ دُرٍ

تمــــيـيز الـمراتـــب


بـرهـانيــــــــــات

رواية ألف شيخ و... شيخي

خاف قلمي و سكت مرتبكا''، عندما سؤل عن قصتي مع طريقتي... كيف له أن يحكي؟ كيف له أن يبوح؟ وطريقتي احساس لا يعرفه نثر و لا شعر؟كيف لي أن أتجرأ، تلك البنت الطفلة البسيطة التي لمّا تبدأ الغوص في بحار مولانا بعد؟

كيف تجرؤ تلك البنت على وصف هالة نور ترافقها كيفما استدارت و أينما ذهبت؟

وجود شيخي الى جانبي في كل لحظة لا ينفكّ يصلني بأحبّ مخلوقات ربّي: نبيّنا و مولانا سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلّم)

أنظر حولي و أرى الناس يتخبطون، غارقين في خضمّ الدنيا، خائفين مما ينتظرهم في الأخرة... فأعجب لهذه الظواهر، و لكني أعود وأتذكر...

أنا ولدت برهانية، أتّكىء على شيخي، أعلم أنه يساندني في كل خطوة و في كل محنة و في كل بسمة و دمعة وساعة حزن أو ندم و في كل وقت شدة... يسمع ندائي و يشعر بألمي و يسعفني و يداوي كل جرح بمجرد أن يخطر لي الدعاء، أو حتى قبل ذلك.

 برهانيتي جعلت لي هوية خاصة، استطعت بموجبها الخوض في الحياة بأسلوب يختلف عن أساليب معظم الناس.

جمال طريقتي... في خفاؤها

فلا مانع اذا كافحت من أجل الدنيا و تعلمت و طمحت للعمل لجلب الماديات...

و لكن مولانا أضاف الى ذلك أجمل و أرقى خلطة، سرّها السير الى الله تعالى.

تلك هي طريقتي: اسلام، فايمان، فاحسان...

سحر البرهانية
(لبنان، بيروت)


وَلِي نَظْمُ دُرٍ

الحمد لله الذي فضل بعضنا على بعض وإليه الفضل والمنة أن جعلنا في خير الأمم على الإطلاق. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد الإنسان الكامل صلاة وسلاماً دائمين إلي يوم الدين.

كلنا يعلم أن جمال اللفظة  في غالب أحواله  لا يبدو ويظهر حينما تكون مفردة بل عندما تكون بين أخريات من بنات جنسها وبما تحمله من معنى قال الشاعر

انظر إلي صور الألفاظ واحدة  وإنما بالمعاني تُعشق الصور

و لنسأل القاري الكريم: ما قولك عن لفظتى (الذي) و(التي) في قول الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني في حديثه عن الشيخ إبراهيم رضى الله عنه.

ولديـه مفـتاح المعانـي جملـة           حاشـا يمـاري بالـذي أو بالــتي

أرى أن لهاتين اللفظتين معنى لا يكون إذا أفردناهما وفصلناهما عن بقية ألفاظ الكلام.(الذي)و(التي) كل منهما اسم معرفة يحتاج ويفتقر لما يتم به معناه فهو في ذلك شبيه بالحرف.

نقول وبالله التوفيق إن الشيخ محمد عثمان عبده رضي الله عنه يثبت في هذا البيت حقيقتين اثنين :

الأولى وهي في صدر البيت هى  أن الممدوح (لديه مفتاح المعاني) ولا يخفى عليه شيء مما يقال له.

والثانية وهى في عجز البيت وهى أن الممدوح نافذ الحجة لا يسكته خصم ولا يفحمه خطيب (ناقص).

ولنعرِّج بالقاري الفاضل إلي شواهد البلاغة ثم لنعود ونرى ما يحمله البيت من معانٍ لو فُرِّقت ألفاظها لما أعطت ماأعطت ولما كان لها ذاك السحر الخلاب.

إن من ضروب البلاغة ما يسمى بالاكتفاء وهو يدخل في باب البديع وهو حذف أواخر الكلم اكتفاء ببعض منها أو حذف حرف من كلمة اكتفاءً بما تبقى من أحرفها. يقول ابن الفارض في قصيدته (الفائية).

ما للنوى ذنب ومن أهوى معـي           إن غـاب انسـان عيـني فهـو في

أى:إن غاب عن انسان عيني فهو في قلبي. فهو قد اكتفى بقوله (في).

وفي الحديث:قوله صلى الله عليه وسلم (كفى بالسيف شا) إى:كفى بالسيف شاهداً.

وفي القرآن: قوله تعالى {وإن كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكوننَّ من الجاهلين} (الأنعام 35). والتقدير كما يرى المفسرون: فان استطعت أن تبتغي نفقا في الارض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية (فافعل).

وقد أورد الشيخ محمد عثمان عبده الاكتفاء في ديوانه بقول:

كلامـي مشـرب الأرواح وصـلا          إذا لـم تشربــوا منـه فـأى

 أى:إذا لم تشربوا منه فأى شراب ستشربون ؟

لذا يكون لمن خلف الحجاب هنا تنوُّع في المرائي إن عجبت فلا

أى:إن عجبت فلا عجب أو فلا غرابة...

وفي قول الشيخ:

ولديـه مفـتاح المعانـــي جملـة         حاشـا يمـاري بالـذي أو بالتي

تأتي روعة المعنى في عجز البيت وهو يعني أن الشيخ إبراهيم حاشا أن يمارى ويجادل بما هو مفتقر دائما لما يتمُّ به معناه أى حاشا ان يجادل بالناقص (الذي والتي).

وكان الأولى بالناقص أن يكمِّل أولا. والمعروف أن الناقص لا يأتي به إلاّ ناقص.

وربما يظن أخي القاريء. لأوَّل وهلة. أنَّ بالبيت اكتفاء وأن الشيخ قد حذف ما حذف اكتفاء وربما ذهب مذهبا في التدليل على ذلك يراه منطقيا وهو أن لفظتى (الذي) و(التي)مبهمتان تحتاجان دائما لما يتم بهما المعنى.

ولكننا لا نرى بالبيت اكتفاء بل إنَّ كلَّ من لفظة (الذي) و(التي) تحمل معنىً يحتاج إلي شيء من التدقيق.

ونلاحظ في هذا الاستخدام لأسماء الموصول وبالرغم من كونها معرفة إلاّ أنها الوحيدة من المعارف ناقصة تحتاج وتفتقر لما يتمُّ معناها وقد استخدمها الشيخ محمد عثمان عبده بذات المعنى (النقص) فحملتا إضافة جديدة لم تكن لتؤديها لو انفردت.

اذن جمال اللفظة وما تحمله من دلالات يكون بحسن الاستخدام والتوظيفة.

الوسيلة إبراهيم


تمــــيـيز الـمراتـــب

 سُئل الإمام الشافعى عن أصل الدين ؟ فقال: أصل الدين الإجماع، فقالوا: وما أصل الإجماع ؟ قال: السنة، قالوا: وما أصل السنة ؟ قال: الكتاب، قالوا: وما أصل الكتاب ؟ قال:الأسماء الإلهية، قالوا: وما أصل الأسماء الإلهية ؟ فقال: الاسم الله وماوراء ذلك مرمى لرامٍ ولقد بدأ الإمام الشافعى قوله عن الدين بالتفصيل وتدرَّج إلى الإجمالى ثم ختم بالرمز وهذا هو حال العلماء.

وبعض شرابى أغـرق الكـل فى الهوى        ومنهجـى القــرآن والله وجهــتى

الأصـل عـندى سنـة مــن سنــة         هـو ذا لسانى قـد أفــاد وأخـبرا

إذاً لابد من تمييز المراتب وهو أهم المهم والخلط بين المراتب هو أصل المصائب والذى نقصده من تمييز المراتب هو مراتب الدين التى وردت فى الحديث الصحيح الذى رواه سيدنا عمر بن الخطـاب والذى نخلص منه أن الدين ثلاث مراتب هى: مرتبة الإسلام ثم مرتبة الإيمان ثم مرتبة الإحسان، والله يحب المحسنين،ولا يجب الخلط بين هذه المراتب {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم} (الحجرات 14) {ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحــــب المحسنين} (المائدة  93)،ولذا يجب عدم الخلط بين الآيات والأحاديث، ويجب وضع كلِّ آية أو حديث فى موطنه لأنك لو بنيت حكما شرعيا على آية أو حديث ليس هذا موطنه فهو خطأ وما بنى على خطأ فهو خطأ شرعا، أو لو قيس على حديث ليس موطنه فهو قياس مع الفارق فهو باطل شرعا.

سلـنى عن الديـن القـويم فإننــى        أدريـه أو سـلنى عـن الإيمــان

أما عن الإســلام فاعــلم أنــه         بيــت الأمـان ومـوئل التبيـان

أمـا عـن الإيمان فــهو مغيـَّـب          فـى طـى غور القلب والوجـدان

سـلنى عـن التوحـيد والتفريـد فى         رتــب الـفنا أوسـل عن الإحسان

أمـا عـن التوحيـد فاعلـم أنــه         ختـم المراتـب خصــة الإنسـان

وسنة النبى قول وفعل وحال وكل يأخذ منها حسب مرتبته وعلى سبيل المثال نأخذ سنة السحور فى رمضان فقد روى سيدنا أنس بن مالك عن النبى  أنه قال (تســحَّروا فإن فى السحور بركة) رواه الخمسة إلا أبو داود، وهذا هو القول الذى يجب للمسلمين اتباعه ولكن الصحابة رأوا أن رسول الله لا يتسحَّر، وهذا فعله، فقام بعضهم بالاقتداء به ولم يمنعهم رسول الله  ولذا كان الحكم بأنَّ السحور مندوب أما عن حال رسول الله  فإن الحديث التالى يوضحه عن أبى هريرة قال نهى رسول الله عن الوصال فى الصوم فقال له رجـــل: إنك تواصل يا رسول الله قال، وأيكم مثلى إنى أبيت عند ربى يطعمنى ويسقيني، متفق عليه، فإن السحور من كل هذا الذى تقدم قد يكون واجبا وذلك على من يتبع سنة رسول الله  القولية، وهم المسلمون ويندب السحور لمن يتبع أفعال رسول الله  وهم المؤمنون، أما الوصال فى الصيام بغير سحور ولا إفطار فهو حال رسول الله   الذى لا يتبعه فيه إلا من تخلق بأخلاق النبى  ، وبدأ يترقى فى أحواله وهذا يكون للمحسنين،وتمييز المراتب من أهم المهم لكى لا يظن البعض أنَّ القرآن والسنة يضرب بعضها البعض ولكن العكس هو الصحيح مع تمييز المراتب، وإذا رجعنا إلى الآيه الكريمة {ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا..} فما الفرق بين التقوى الأولى والتقوى الثانية أم هو تكرار لنفس الكلام ؟ والإجابة أنه ليس هناك تكرار ولكن كل مرتبة من مراتب الدين يلزمها نوع من التقوى يختلف عن النوع الثانى وإذا عُدنا إلى سنة الحبيب المصطفى لنسأل عن التقوى، كما سأله أحد الصحابة فأجاب(هب أنك تسير بطريق به شوك ماذا تصنع ؟ فأجاب الصحابى أجمع ثوبي وأتقى الشوك) وهذا ما يجب على المسلم أن يتقى شوك الطريق إلى الله وهو المحارم وما نهى الله عنه، وقد رُوى عن ابن عباس وعن حذيفة أن رسول الله  قال (من اتقى الشر وقع فى الخير) مسند أحمد، أى التقوى فى هذه المرتبة اجتناب النواهى والائتمار بالأوامر وهذا ما عناه الله سبحانه بقوله {وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله..} (الحشر7) وإذا انتقلنا إلى مرتبة الإيمان فإننا نجد أن الحديث عن التقوى يختلف {وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم} (آل عمران 179)، ولأن الإيمان قلبى وليس بدنياً فلابد من تزويد القلب بالتقوى حيث يقول عزَّ من قائل {وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة 197)، فقال (التقوى زاد المسافر) ودعا لأحد أصحابه بقوله (زوَّدك الله التقوى) الترمذى والدارمى، والتقوى هنا هى المداومة على الطاعات والنوافل، وذكر الله والصلاة على النبى  وتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى {ومن يعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب }(الحج 32)،فإذا وصلنا إلى مرتبة الإحسان وفيها يعبد العبد ربه كأنه يراه ويكون الله فى سمعه وبصره ويده تكون تقوى العبد هى المحافظة على المعية الإلهية من دوام المشاهدة وعـدم الغفلة {للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} (آل عمران 172) {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} (سورة النحل128)

وللحديث بقية

محمد صفوت جعفر