صورة بين الشرق والغرب

بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن


صورة بين الشرق والغرب

جمعني الوقت بين يدي الشيخ ودخل أحد الأخوة للسلام عليه رجل بسيط المظهر والملابس مهندم ممتلئ البدن آدم البشرة يعلو بياض عينيه حمرة ظاهرة يخفى دموعه بكفيه كأنه قد أتى إلى الشيخ في أمر جلل ثم بدأ كلامه متلعثما والشيخ كعادته يلاطفه ويداعبه بكلمات لا يعرفها إلا أهل غرب السودان حيث أتى الفتى من بلاده بالقرب من حدود إفريقيا الوسطى مع السودان وتكابد المشاق ليعرض على الشيخ أمره الجلل وبدأ الفتى حديثه بقوله أنا يا مولانا من يوم ما دخلت الطريقة وأنا أقوم بإعداد الشاي للإخوان بعد الحضرة (النفحة) وأنا أريد من حضرتك أن تقرا لي الفاتحة إن ربنا يجعلني دائما في خدمة الأحباب ولا أحرم منها، انتهي كلام الفتى ولكن لم تنتهي دموعه وبصره الشاخص الذي ينتظر الرد من الشيخ ممزوجا بالخوف والرجاء، ورفع الشيخ رأسه مبتسما ورفع معها يديه ليقرأ له الفاتحة، انتهي الموقف وخرج الفتى مسرورا سعيدا كأنه قد حاز الدنيا وما فيها، تأثرت بالموقف ومن غرابة الطلب ومن غرابة حال الطالب الذي يظن من رآه أنه مكروب، كادت الأيام أن تمحو من ذاكرتي هذا الموقف ولكن تصادف وجودي مع الشيخ رضى الله عنه في إحدى زياراته لأوروبا وبالتحديد مدينة هامبورج في ألمانيا وبعد الإفطار دخل أحد الشباب الألمان يحمل صينية الشاي وبعد أن وضعها في المنضدة حمل كوب الشاي الخاص بمولانا الشيخ وقدمه في احترام شديد ووضعه أمام مولانا وقبل ان يهم الشيخ بشرب الشاي رفع الفتى ناظريه إلى الشيخ وقال مبتسما في لغة عربية ركيكة من الظاهر أنه قد تعب كثيرا لكي يحفظ تلك العبارة التي يحدث بها وغلبت دموعه بسماته ولكن الضحك لم يفارق شفتيه يا مولانا أنا عايز فاتحة علشان أنا بعمل شاي الحضرة وأريد منك أن تدعو لي لكي أستمر فيه ومع رفع يد الشيخ بالدعاء رفعت بصري لأدقق في ملامح الفتى وقفزت إلى ذهني الصورة السابقة من أعماق إفريقيا ورسم خيالي الصورتين معا ومزج بينهما فهذا الأوربي دقيق الملامح أحمر الوجه أخضر العينين أصفر الشعر وأنا أعلم أنه ميسور الحال(زاده الله خيرا) يقطن في فيلا من ثلاث طوابق يلفها حديقة غناء ورفع الشيخ يديه بالدعاء وهو منشرح الصدر بادي الفرح، ومن الغريب أن هذا الفتى وجد الناس منشغلين بتدريب مجموعات على الذكر والإنشاد والإرشاد فكون مجموعته للتدريب على الخدمة والطهي وإعداد الشاي للحضرة وللمناسبات

يا سبحان الله فمع اختلاف البلاد وتباعدها ومع اختلاف العادات والتقاليد ومع اختلاف الشكل والملامح والمستوى الإجماعي والمعيشي وتباين الطقس توحدت القلوب والمشاعر والأحاسيس والتقت الأرواح عند نقطة واحدة ألا وهى خدمة الأحباب

وكفــاك فخـرا أن رضـوك خويدمـا    إن الخـويدم حقــه لا يهضــم

إن الحرص على الخدمة إلى حد البكاء والتضرع في طلبها مع الخوف الشديد أن تفوته لشيء غريب في هذا الزمان الذي يحرص فيه الناس على المناصب والرئاسة وقد قال الحبيب المصطفى   (ما ذئبان ضاريان جائعان في زرائب غنم غاب عنها رعاتها بأشد فتك على دين المرء من جمع مال أو حب رياسة).

كما أن نظرة الشيخ لمشيخة الطريقة ليس للمشيخة والرئاسة على الأتباع والمريدين ولكن لخدمة دين المصطفى صلى الله عليه وسلم كما أشار سيدي فخر الدين رضي الله عنه بقوله

فليتكــم تعلمـوا أنـا لـه خــدم         وقـــد حبينـا أخوتنـا بخدمتنــا

وقال أيضا:

مواطنهــا مما عداهــا قـد خلـت         وإن عظيــم القـوم يخـدم قومهـا

هذه هي أخلاق من على يديه تعم المشرقين

محمد صفوت جعفر


بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

التوسل والوسيلة

نطلُّ عليكم أيها القراء الأعزاء من نافذة المعرفة البرهانية ونوا صل المسير معا في رحلتنا مع السير إلى الله  تتمةً لما شرعنا فيه من استعراض مراتب الدين وتعرفنا عليها وسافرنا من مرتبة الى اخرى واليوم عبر هذه الإطلالة ترسو بنا سفينة الرحلة على شاطئ المعين الذى لا ينضب وسيقتصر كلامنا هاهنا على التوسل والوسيلة.

الوسيلة هى الأداة الموصلة إلى الغاية المرجوة دنيا وأخرى لأنَّ كلَّ موجود للحق عزَّ وجلَّ لم يوجده إلا بالوسيلة ويتضح ذلك جليَّا اذا تأملنا بعين الفكر ونظرنا بمنظار الإيمان. والوسيلة نوعان وسيلة مادية (حسية) - وسيلة معنوية (روحية) وندعم حقيقة وجود الوسيلة بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} وفى هذا الموطن تحدَّث الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني عن كون آل البيت هم خير وسيلة له قائلا:-

توسلت بالأحـباب من أهل و صـلها           ولا سيِّمـا الزهـراء امـى وآلهــا

ونفصِّل قليلا فى أنواع الوسيلة ونبين أنها:

الوسيلة المادية: وهى كل ما يشاهد ويلمس بحاسة اللمس ولو للأعمى فى المكونات.

مثلا اذا تبادرت إلى أذهـاننا أسئلة نقـول من أى شئ وجدنا ؟ وبأىِّ شئٍ نعيش ؟ فى أىِّ شيءٍ نعمل ونقيم ؟ وما هـو الناشئ منا وعنَّا ؟ كلُّ سـؤال من هذه الأسـئلة عبارة عن وسيلة وعلى هذا يكـون المقياس فى كل حالة. قـال تعالى {وفى أنفسكم أفلا تبصرون} وعلى الوسيلة المادية تكون جميع التكاليف الشـرعية من امتثـال الأوامـر واجتناب النواهى.

ثانيا:- الوسيلة الروحية:هى ما لفت اللـه عزَّ وجلَّ نظر عباده إليه من حكمة إرسال الرسل وتوجيههم إلى الله عزَّ شأنه بالإيمان الذى هو معنىً من المعانى والذي لا يعرف بالصورة التى جعلها الله مقابلة لهذا المعنى الروحى إذ لايعرف إلا بها.

من هذا يتضح لنا أن الوسيلة بنوعيها المادي والروحي تبيِّن وتثبِّت كيفيَّة معاملة الخالق ومعاملة المخلوقين كما أمرالله جلَّ و علا. إذا يتضح من هذه المعاملات التى هى وسائل بنص الشرع عملا يستحق عليه الجزاء دنيا وأخرى لان العمل الباطنى الروحى ينشأ عنه العمل الظاهرى المادى المحسوس وهذا لايتوصل إليه إلا بالوسائل التى شرعها الله لعباده وجعل نسبة العمل إليها نسبة حقيقية وتضاف إليها الأعـمال وتنسب إليها إذ لا يترتب ا لثواب والعقاب عليها إلا بهذه النسبة ولنا لقاء في مواصلة تصفُّح هذا السِّـفر الجليل  انتصار أولياء الرحمن.

هادية الشلالي