العادات الصوفية فى المائدة الرمضانيـة مع اهل الملة النبوية

شراب الوصــل



الشيخ محمد عثمان عبده

العادات الصوفية فى المائدة الرمضانية مع اهـل الملة النبوية

 

على مدار أيام السنة تستوقفنا بعض المناسبات الدينية والشهور الحرام والأيام العظيمة ومن بين هذه المناسبات أو الشهور شهر رمضان وهو من أهم المناسبات عند المسلمين على مرِّ التاريخ الاسلامى وعلى اختلاف طوائفهم وهو يتميز بزيادة فعالية النشاط فى العبادة وانتشار الوازع الدينى، وكثرت العادات والتقاليد فى كيفية استقبال شهر رمضان وكيفية قضائه واختلفت من بلد لاخر مع وجود بعض الطقوس الثابتة وأردنا ان نسلِّط الضوء على أهم الجوانب فى استقبال وقضاء شهر رمضان ولياليه لدى الاو لياء الصالحين من حيث العبادة والأكل والشرب وتدعيمها بوجهة النظر الفقهية والعلمية حتى يتسنى لنا معرفة كل ماهو مفيد للانسان وخافٍ عن الاذهان فى شهر رمضان وابتدرنا حديثنا بالتعرف على الشيخ اسماعيل الولى شيخ الطريقة الاسماعيلية بالسودان والتقينا بأحد أحفاده وهو الشيخ مكى أحمد يحي شيخ الطريقة الاسماعيلية بالنهود قائلا:كان الشيخ اسماعيل الولى مجتهدا فى كلِّ حياته وفى رمضان كان يدخل خلوة خاصة به يتلو فيها القرآن ويذكر الله كثيرا حتى أنه قال فى العهود ( كنت اشتغل بالقران مرة بالاسباع ثم مرة بالاثلاث ثم مرة بالالواح ثم اسهر أحيانا ليلة كاملة لأختم فيها القران) وكان يحثُّ مريديه بالإكثار من تلاوة القران فى شهر رمضان وكانت له مقولة شهيرة يكررها باستمرار فى شهر رمضان:

ولا تمــلأ ضلوعـك مـن طعـام           تكـن من جوع الاخرى فى سـلام

وكان يأكل القليل من الطعام.

وما زلنا نواصل مسيرة المعرفة ويستوقفنا المسير هذه المرة عند السادة العركيين أبناء الشيخ الصايم ديمة والتقينا بالمقدَّم خالد من الأبناء القدامى للطريقة العركية ليحكى لنا عن الشيخ دفع الله الشيخ وقيع الله الشهير بالصايم ديمة وقال لنا: كان الشيخ الصايم ديمة صائما كل أيام السنة ويفطر قبل شهر رمضان بأيام قليلة ويقوم بالإعداد الكامل من قبل 10 أيام ويأتى إلى مسجده بأمبدة ويقيم فيه حتى نهاية الشهر ومن المعروف عنه أنه يسافر باستمرار ويتجوَّل في الأنحاء المختلفة من السودان ويزورالأضرحة إلا فى رمضان فإنه يستقر بمسجده وكان يشرف على إعداد الطعام بنفسه لا يأكل حتى يطمئنَّ على كلِّ المريدين وكان لا يسرف في الأكل ويقتصر على لون واحد من الطعام فى رمضان ويبدأ بالتمر. وكان يكثر من قراءة القران، ويحثُّ مريديه على الإكثار من تلاوة القرآن فى شهر رمضان بالذات ويصادف فى أحيان كثيرة أن يختم القران 4 أو 5 مرات فى اليوم والآن ابنه الشيخ أحمد عبد الباقى يسير على نهج أبيه،وفَّقه الله وحفظه ذخرا للسالكين والمريدين.

وتستمر رحلة البحث لتقف بنا هذه المرة عند الطريقة السمانية الطيبية القريبية والتقينا بالشيخ عبد المحمود بن الشيخ الفاتح بن الشيخ قريب الله لكى يعكس لنا الجوانب الهامة عن حياة الشيخ قريب الله فى استقبال وقضاء شهر رمضان قائلا:كان الشيخ قريب الله يستعد لهذا الشهر الكريم من شهر رجب فيدخل خلوة للرياضة الروحية ويختم القرآن فى كل ليلة سبع ختمات أما عند دخول شهر رمضان فكان لا يغادر المسجد ويعتكف فيه ويقضى وقته فى تلاوة القران الكريم وكثرة الذكر وتدريس السنة المطهرة النبوية وإرشاد المريدين ولا يخرج من المسجد فى رمضان الا للضرورة فكان لا ينتهى من عبادة إلا وهو جاهز لعبادة اخرى، إن أولياء الله تركوا العادات واقبلوا على العبادات وكان لا يأكل إلا القليل من الطعام وكان يشرب اللبن ويأكل البلح والعسل وكان يشرب الشاى بالحليب فى السحور.وكان يحث المريدين على تلاوة القران والمداومة على الأذكار والتصفح فى كتب السنة النبوية والسابقة فى حفظ القرآن والآحاديث النبوية رضى الله عنه.

وقد التقينا ببعض أصحاب الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني الذين صحبوه وعملوا في خدمته زمانا طويلا، وقد اتفقوا كلهم على حرص الشيخ على ألا يفطر وحده وكان حريصاً على أن يكون في صحبته وقت الإفطار أكبر عدد من الإخوان الذين كانوا يأتون من مختلف مدن السودان وكانوا يحرصون على تناول الإفطار معه في منزله بالخرطوم، والجمع للإفطار في رمضان مستحب لأن إفطار الصائم فيه زيادة الأجر والبركة في الطعام. ونسبة لحرارة الجو في السودان فإن الإخوان كثيراً ما يميلون إلى شرب الماء الكثير عند حلول وقت الإفطار، ولكنَّ الشيخ رضي الله عنه كان ينهاهم ويأمرهم بأن يبدأوا بالأكل قبل الشرب مذكِّرا بقوله تعالى  {كلوا واشربوا} فالمولى عزَّ وجلَّ قدّم الأكل على الشرب ولا يجوز لنا أن نخالف هذا النص الواضح، وجاء في السنة المطهرة أن على الصائم أن يفطرعلى تمرات أو رطبات أو حساء إذا لم يتوافر لديه الأكل. وكان يأمر أصحابه بالانتهاء من الإفطار قبل الصلاة وهذا من السنة أيضا وهو تعجيل الإفطار، والتعجيل يقتضي السبق على الصلاة التي لم يطالب بتعجيلها. وكان رضي الله تعالى عنه يستعد لاستقبال هذه الشهر قبل قدومه بزمن، ويوزِّع الصدقات على الفقراء والمساكين قبل حلول شهر رمضان بوقت كاف، ليستعينوا بها على قضاء هذا الشهر. وكان يقول: من أراد أن يفوز بليلة القدر فليدفع مهرها في السابع والعشرين من شهر رجب.وكان رضي الله تعالى عنه يأمر المريدين بالاجتهاد في الأوراد في شهر رمضان، لأن الأجر فيه مضاعف فيجب على المريد أن يجتهد في قراءة الأوراد خاصة في الليل.وكلُّ عمل فأجره مضاعف ولو كان سقياً لزرع أو مشيا في قضاء حاجة إنسان وليست مضاعفة الأجرقاصرة على العبادات.وكثرة الذكر وتلاوة القرآن ليست قاصرةً على رمضان عند أهل المعرفة،ولكن لأن شهر رمضان شهر تضاعف الأعمال وتكفر فيه الخطايا ويعتق فيه من النار رغِّب فيه بكثرة العمل الصالح.


الشيخ قريب الله

وعن السبق بالطعام قبل الشراب فى افطار رمضان تم الالتقاء مع الدكتور عوض عبد القادر استاذ الجراحة بالمستشفى الصينى بامدرمان واعرب عن رايه بقوله ان المعدة الخاوية اذا نزل عليها الماء أولا فانه يسبب اختلال فى الافرازات المعدية ولذا يستحب الطعام قبل الشراب.

ونختم حديثنا بلقاء البروفيسير المهدى محمد على استاذ الطب الباطنى والغدد الصماءوالسكرى بكلية الطب جامعة الخرطوم فافادنا بقوله ان المعدة الخاوية طوال اليوم بدرجة حرارتها العالية اذا نزل فيها الماء وخصوصا اذا كان باردا يؤدى ذلك الى انكماش المعدة واختلال افرازات الغدد للعصارات الهاضمة والمساعدة مما يسبب الاضطرابات المعدية وامراض الجهاز الهضمى.ورايات العز تقدم النصح لكل صائم ان يعجل بافطاره وان يبدا بالطعام قبل الشراب طاعة لامر الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم وانتهاجا لمنهج الصالحين بعلوم الاخرة وعملا بقول علماء الطب فيما يفيدالصحة والجسد.

هادية محمد الشلالي


شـراب الوصـــل

والله قـد كتـب الصـيام بفضـله            كـي لا تضيـق الـروح بالأبـدان

 أما قوله رضي الله تعالى عنه (كتب) إشارة إلى قوله تعالى {يا أيُّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} (البقرة 183) قال الإمام الرازي رضي الله عنه:في تفسيره هذه العبادة كانت مكتوبة واجبة على الأنبياء من لدن آدم إلى عهدكم ما أخلى الله أمةً من إيجابها عليهم وأمَّا قوله الصيام فهو صوم رمضان إن في الصيام تقريبا بين الروح والبدن وهو الصوم الذي تتجمَّع فيه العناصر الجوهريَّة لعقيدة الصوم:

إذا لم يكـن في السمع منِّي تصــاون         وفي بصـري غـضٌّ وفي منطقي صًمتُ

فحظيَ من صومي هو الجوع والصَّـدى         وإن قلت إني صمتُ يوماً فما صــُمتُ

وقال الإمام عل كرَّم الله وجهه يصف العارف بالله قد أحيا عقله وأمات نفسه حتَّى دقَّ جليلُه ورقَّ غليظُه ومنه قول الشيخ قريب الله رضي الله عنه: (وتملكُ شهوةً ملكتك دهرا). وقال يحي بن معاذ رضي الله عنه الجوع للمريدين رياضة وللتائبين تجربة وللزاهدين سياسة، وللعارفين تكرمة قال أبو طالب المكي رضي الله عنه الصوم مفتاح الزهد في الدنيا وباب العبادة للمولى والصيام أفضل الأعمال عنده وأحبُّها إليه لأن فيه خلقا من أخلاق الصمديَّة ولأنه من أعمال السر بحيث لا يطلع عليه إ لا هو.

أمَّا قوله (بفضله) لأن الله عزَّ وجلَّ إنما أوجب أحكامه على الخلق لينفعهم بها ليس وجوباً عليه ولكن منَّا منه وفضلا، وكذلك ينسب الفضل إلى رسول الله  {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله ورسوله من فضله} (التوبه 95) قال سيِّدي علي الوفا رضي الله تعالى عنه مبيِّناً فضل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:

وألهمتـنا الإسـلامَ ثـمَّ هديتـــنا         بواسطـةٍ مِــنَّا بـه قـد رحمتنــا

أجـلُّ رســولٍ قـد أتى بشريعـة           بديـنٍ قـويمٍ فهـو عصمـة أمرنــا

وقال الإمام البوصيري رضي الله عنه:

فإنَّ فضـلَ رسـولِ الِلـه ليس لـه          حـدٌّ فيعـربُ عنــهُ ناطـقٌ بفــمِ

وأمَّا قول الشيخ رضي الله تعالى عنه: كي لا تضيقَ الرُّوحُ بالأبدان

ففي سائر الأيَّام يكون الاهتمام بالجسد أكبر من الاهتمام بالروح فتكون للبدن السيادة على الروح فتضيق الروح بالبدن، فهي لطيفة والبدن كثيف، أمَّا الصوم بالمعنى الذي ذكره به العارفون فيجعل للروح الغلبة على البدن، وربَّما صارت النفس وهي الأمَّارة بالسوء بفضل المجاهدة في لطافة الروح؛ قال الشيخ عبد الغني النابلسي في شرح ابن الفارض رضي الله عنهما (إن النفس إذا ماتت بزوال غفلتها عن شهود ربها وتركت شهواتها عادت روحا والروح من أمر ربي) وقال بعض العارفين في الحديث عن سير المريد إنَّ سيره يكون بالجسم ما دام لم يصل والروح تكون بحكم التبع للجسم فإذا وصل يكون سيره بالروح، والجسم بحكم التَّبع للروح ومن هنا يأتي كلامهم:

وقـدِّم إماماً كـنت أنـت إمامــه         كـان الجســم إمامــا للــروح

 فصارت الروح إماماً له.

وقد تحدَّث الشيخ رضي الله تعالى عنه عن الروح فجعلها ثلاثة أقسام: روح الإيمان وروح التكريم والروح البهيمية. وسئل رضي الله عنه: كيف يتمُّ التَّزكِّي ؟فأجاب: روح الإيمان تزكِّي روح التكريم وروح التكريم تزكِّي الروح البهيمية والروح البهيمية تزكِّي الجسد كله.

د. عبدالله محمد أحمد