شـراب الوصـــل
والله قـد كتـب الصـيام بفضـله كـي لا تضيـق الـروح
بالأبـدان
أما قوله رضي الله تعالى عنه (كتب)
إشارة إلى قوله تعالى {يا أيُّها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما
كتب على الذين من قبلكم} (البقرة
183)
قال الإمام الرازي رضي الله عنه:في تفسيره هذه العبادة كانت مكتوبة
واجبة على الأنبياء من لدن آدم إلى عهدكم ما أخلى الله أمةً من
إيجابها عليهم وأمَّا قوله الصيام فهو صوم رمضان إن في الصيام تقريبا
بين الروح والبدن وهو الصوم الذي تتجمَّع فيه العناصر الجوهريَّة
لعقيدة الصوم:
إذا لم يكـن في السمع منِّي تصــاون وفي بصـري غـضٌّ وفي
منطقي صًمتُ
فحظيَ من صومي هو الجوع والصَّـدى وإن قلت إني صمتُ يوماً
فما صــُمتُ
وقال الإمام عل كرَّم الله وجهه يصف العارف بالله قد أحيا عقله وأمات
نفسه حتَّى دقَّ جليلُه ورقَّ غليظُه ومنه قول الشيخ قريب الله رضي
الله عنه: (وتملكُ شهوةً ملكتك دهرا). وقال يحي بن معاذ رضي الله عنه
الجوع للمريدين رياضة وللتائبين تجربة وللزاهدين سياسة، وللعارفين
تكرمة قال أبو طالب المكي رضي الله عنه الصوم مفتاح الزهد في الدنيا
وباب العبادة للمولى والصيام أفضل الأعمال عنده وأحبُّها إليه لأن
فيه خلقا من أخلاق الصمديَّة ولأنه من أعمال السر بحيث لا يطلع عليه
إ لا هو.
أمَّا قوله (بفضله) لأن الله عزَّ وجلَّ إنما أوجب أحكامه على الخلق
لينفعهم بها ليس وجوباً عليه ولكن منَّا منه وفضلا، وكذلك ينسب الفضل
إلى رسول الله {وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله ورسوله من فضله}
(التوبه 95) قال سيِّدي علي الوفا رضي الله تعالى عنه مبيِّناً فضل
رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
وألهمتـنا الإسـلامَ ثـمَّ هديتـــنا بواسطـةٍ مِــنَّا بـه
قـد رحمتنــا
أجـلُّ رســولٍ قـد أتى بشريعـة بديـنٍ قـويمٍ فهـو عصمـة
أمرنــا
وقال الإمام البوصيري رضي الله عنه:
فإنَّ فضـلَ رسـولِ الِلـه ليس لـه حـدٌّ فيعـربُ عنــهُ
ناطـقٌ بفــمِ
وأمَّا قول الشيخ رضي الله تعالى عنه: كي لا تضيقَ الرُّوحُ بالأبدان
ففي سائر الأيَّام يكون الاهتمام بالجسد أكبر من الاهتمام بالروح
فتكون للبدن السيادة على الروح فتضيق الروح بالبدن، فهي لطيفة والبدن
كثيف، أمَّا الصوم بالمعنى الذي ذكره به العارفون فيجعل للروح الغلبة
على البدن، وربَّما صارت النفس وهي الأمَّارة بالسوء بفضل المجاهدة
في لطافة الروح؛ قال الشيخ عبد الغني النابلسي في شرح ابن الفارض رضي
الله عنهما (إن النفس إذا ماتت بزوال غفلتها عن شهود ربها وتركت
شهواتها عادت روحا والروح من أمر ربي) وقال بعض العارفين في الحديث
عن سير المريد إنَّ سيره يكون بالجسم ما دام لم يصل والروح تكون بحكم
التبع للجسم فإذا وصل يكون سيره بالروح، والجسم بحكم التَّبع للروح
ومن هنا يأتي كلامهم:
وقـدِّم إماماً كـنت أنـت إمامــه كـان الجســم إمامــا
للــروح
فصارت الروح إماماً له.
وقد تحدَّث الشيخ رضي الله تعالى عنه عن الروح فجعلها ثلاثة أقسام:
روح الإيمان وروح التكريم والروح البهيمية. وسئل رضي الله عنه: كيف
يتمُّ التَّزكِّي ؟فأجاب: روح الإيمان تزكِّي روح التكريم وروح
التكريم تزكِّي الروح البهيمية والروح البهيمية تزكِّي الجسد كله.
د. عبدالله محمد أحمد |