السيدة فاطمة الزهراء
انتهت المقالة السابقة فى الحديث عن خصائصها ومزاياها رضى الله
عنها والميزة الثالثة أنها كانت لا تحيض أبدا
كما فى الفتاوى الظهيرية الحنفية.
قالت المولدات:
طهرت من نفاسها بعد ساعة لئلا تفوتها صلاة ولذلك سميت الزهراء!!
ومن جزم بذلك من أصحاب الشافعية:
المحب الطبرى وأورد فيه حديثين:
أنها حوارء آدمية طاهرة مطهرة، لا تحيض ولا يرى لها دم فى طمث، ولا
فى ولادة.
رواهما الحاكم وابن عساكر عن أم سليم زوج أبى طلحة.
الرابعة أنها كانت لا تجوع:
روى البيهقى فى الدلائل عن عمران بن حصين قال ﴿كنت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم
إذ أقبلت فاطمة فوقفت بين يديه فنظر إليها وقد ذهب الدم من وجهها،
وغلبت عليها الصفرة من شدة الجوع، فرفع يده حتى وضعها على صدرها فى
موضع القلادة، وفرج بين أصابعه ثم قال:
اللهم مشبع الجماعة، ورافع الوضيعة ارفع فاطمة بنت محمد﴾
قال عمران:
فسألتها بعد، قالت:
ما جعت بعد يا عمران!
وفى رواية أخرى عنه أيضا قال:
إنى لجالس عند النبى
صلى الله عليه وسلم
إذ أقبلت فاطمة فقامت بحذائه مقابلة،
فقال
﴿ادن
يا فاطمة﴾
فدنت دنوة، ثم قال
(ادن)
فدنت حتى قامت بين يديه.
قال عمران:
فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها، وذهب الدم، فبسط رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بين أصابعه ثم وضع كفه بين ثدييها، فرفع رأسه فقال
﴿الله
مشبع الجوعة، وقاضى الحاجة، ورافع الوضيعة، لا تجع فاطمة بنت محمد﴾.
فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها، وظهر الدم،
ثم سألتها بعد، فقالت
﴿ما
جعت بعد ذلك أبدا﴾
رواه الطبرانى فى الأوسط.
وروى أحمد عن أنس
﴿أن
بلالا أبطأ عن صلاة الصبح فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ما حبسك?
قال:
مررت بفاطمة تطحن، والصبى يبكى،
فقلت:
إن شئت كفيتك الرحى، وكفيتنى الصبى، وإن شئت كفيتك الصبى، وكفيتنى
الرحى?!
قالت:
وكفيتنى الرحى?!
قالت:
أنا أرفق بابنى منك!
فذلك الذى حبسنى.
وروى الطبرانى بسند حسين عن فاطمة أن النبى
صلى الله عليه وسلم
أتاها يوما فقال
﴿أين
ابناى?﴾
يعنى الحسن والحسين،
قالت:
أصبحنا وليس فى بيتنا شئ يذوقه ذائق فقال على:
أذهب بهما؛ فإنى أخاف أن يبكيا عليك وليس عندك شئ!
فذهب بهما إلى فلان اليهودى، فتوجه إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم
فوجدهما فى سربه بين يديهما فضل من تمر.
فقال يا على: ألا تنقلب بابنى قبل الحر?!
قال:
أصبحنا وليس عندنا شئ، فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة بعض
تمرات،
فجلس رسول الله
صلى الله عليه وسلم
حتى اجتمع لفاطمة شئ من تمر، فجعله فى حجره، ثم أقبل فحمل النبى
صلى الله عليه وسلم
أحدهما، وحمل على الآخر حتى أقبلها.
الخامسة يقال أنها لم تغسل بعد الموت وإنها غسلت نفسها:
ما رواه الإمام أحمد فى مسنده، وابن سعد فى طبقاته عن سلمى قالت
(اشتكت
فاطمة شكوها التى قبضت فيه!
فكنت أمرضها، فأصبحت يوما، وخرج على لبعض حاجته فقالت:
يا أمة، اسكبى لى غسلا، فسكبت لها غسلا فاغتسلت كأحسن ما رأيتها
تغتسل ثم قالت:
أعطينى ثيابى الجدد، فلبستها، ثم قالت:
قربى فراشى وسط البيت، فاضطجعت واستقبلت القبلة، وجعلت يدها تحت
خدها وقالت:
يا أمة:
إنى مقبوضة، وقد تطهرت، فلا يكشفنى أحد!
فقبضت مكانها، فجاء على فأخبرته فقال:
لا والله لا يكشفها أحد، فدفنها بغسلها ذلك) إسناده جيد، وله شواهد
وهو مرسل، وما رواه عبد الله بن محمد بن عقيل:
أن فاطمة لما حضرتها الوفاة أمرت عليا فوضع لها غسلا فاغتسلت
وتطهرت، ودعت بثياب كفنها، فأتيت بثياب غلاظ خشنة، فلبستها، ثم
أمرت ألا يكشفها أحد إذا قبضت، وأن تدرج كما فى ثيابها.
فقلت له:
هل علمت أحدا فعل ذلك?
قال: نعم كثير، ابن العباس، وكتب فى أطراف أكفانه:
يشهد كثير ابن العباس:
أنه لا إله إلا الله.
وقال كثيرون:
غسلها زوجها الإمام على كرم الله وجهه، وقيل أسماء بنت عميس، وصلى
عليها الإمام على ودفنها ليلا بوصية منها، فى محل فيه ولدها الحسن
تحت محرابها.
وكان موتها بعد المصطفى
صلى الله عليه وسلم
بستة أشهر على الصحيح، كما قيل أنها توفيت رضى الله عنها عن ثمانية
وعشرون عاما على الراجح.
أول من غطى نعشها فى الإسلام:
قال جمع:
هى أول من غطى نعشها فى الإسلام، فقد روى ابن سعد عن أم جعفر أن
فاطمة قالت لأسماء:
إنى أستقبح ما يصنع بالنساء!!
يطرح على المرأة الثوب فيصفها،
فقالت:
ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة?
فدعت بجريدة رطبة فحسيتها ثم طرحت عليها ثوبا.
فقالت فاطمة:
ما أحسن هذا!!
إذا أنا مت فغسلينى أنت وعلى، ولا يدخلن أحد علينا، ثم اصنعى بى
هكذا.
فلما توفيت صنع بها ما أمرت به.
محمد عادل
السيدة مريم
كما قدمنا ومن المنافقين من اتهمها بابن خالها يوسف بن يعقوب
النجار فلما ضاق الحال وانحصر المجال وامتنع المقال عظم التوكل على
ذي الجلال ولم يبق إلا الاخلاص والاتكال فأشارت إليه أي خاطبوه
وكلموه فإن جوابكم عليه وما تبغون من الكلام لديه فعندها قالوا من
كان منهم جبارا شقيا كيف نكلم من كان في المهد صبيا أي كيف تحيلينا
في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب وهو مع ذلك رضيع في مهده
ولا يميز بين محض وزبده وما هذا منك إلا على سبيل التهكم بنا
والاستهزاء والتنقص لنا والازدراء إذ لا تردين علينا قولا نطقيا بل
تحيلين في الجواب على من كان في المهد صبيا فعندها قال إني عبدالله
آتاني الكتاب
وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما
دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت
ويوم أموت ويوم أبعث حيا هذا أول كلام تفوه به عيسى بن مريم فكان
أول ما تكلم به أن قال إني عبدالله اعترف لربه تعالى بالعبودية وأن
الله ربه فنزه جناب الله عن قول الظالمين في زعمهم أنه ابن الله بل
هو عبده ورسوله وابن أمته ثم برأ أمه مما نسبها اليه الجاهلون
وقذفوها به ورموها بسببه بقوله آتاني الكتاب وجعلني نبيا فإن الله
لا يعطي النبوة من هو كما زعموا لعنهم الله وقبحهم كما قال تعالى
وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وذلك أن طائفة من اليهود في
ذلك الزمان قالوا إنها حملت به من زنا في زمن الحيض لعنهم الله
فبرأها الله من ذلك وأخبر عنها أنها صديقة واتخذ ولدها نبيا مرسلا
أحد أولي العزم الخمسة الكبار ولهذا قال وجعلني مباركا أينما كنت
وذلك أنه حيث كان دعا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونزه جنابه
عن النقص والعيب من اتخاذ الولد والصاحبة تعالى وتقدس وأوصاني
بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وهذه وظيفة العبيد في القيام بحق
العزيز الحميد بالصلاة والإحسان إلى الخليقة بالزكاة
وهي تشتمل على طهارة النفوس من الأخلاق الرذيلة وتطهير الأموال
الجزيلة بالعطية للمحاويج على اختلاف الأصناف وقرى الأضياف النفقات
على الزوجات والأرقاء والقرابات وسائر وجوه الطاعات وأنواع القربات
ثم قال وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا أي وجعلني برا بوالدتي
وذلك أنه تأكد حقها عليه لتمحض جهتها إذ لا والد له سواها فسبحان
من خلق الخليقة وبرأها وأعطى كل نفس هداها ولم يجعلني جبارا شقيا
أي لست بفظ ولا غليظ ولا يصدر مني قول ولا فعل ينافي أمر الله
وطاعته والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا وهذه الأماكن
الثلاثة التي تقدم الكلام عليها في قصة يحيى بن زكريا عليهما
السلام ثم لما ذكر تعالى قصته على الجلية وبين أمره ووضحه وشرحه
قال ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون ما كان لله أن يتخذ
من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون كما قال تعالى
بعد ذكر قصته وما كان من أمره في آل عمران ذلك نتلوه عليك من
الآيات والذكر الحكيم إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب
ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه
من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين إن
هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز
الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين ولهذا لما قدم وفد نجران
وكانوا
ستين راكبا يرجع أمرهم إلى أربعة عشر منهم ويؤول أمر الجميع إلى
ثلاثة هم أشرافهم وساداتهم وهم العاقب والسيد وأبو حارثة بن علقمة
فجعلوا يناظرون في أمر المسيح فأنزل الله صدر سورة آل عمران في ذلك
وبين أمر المسيح وابتداء خلقه وخلق أمه من قبله وأمر رسوله بأن
يباهلهم ان لم يستجيبوا له ويتبعوه فلما رأوا عينيها واذنيها نكصوا
وامتنعوا عن المباهلة وعدلوا إلى المسألة والموادعة وقال قائلهم
وهو العاقب عبد المسيح يا معشر النصارى لقد علمتم أن محمدا لنبي
مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم
نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وانها للاستئصال منكم ان فعلتم
فإن كنتم قد أبيتم الا الف بينكم والإقامة على ما أنتم عليه من
القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فطلبوا ذلك من
رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه أن يضرب عليهم جزية وأن يبعث
معهم رجلا أمينا فبعث معهم أبا عبيدة بن الجراح وقد بينا ذلك في
تفسير آل عمران وسيأتي بسط هذه القضية في السيرة النبوية إن شاء
الله تعالى وبه الثقة
والمقصود أن الله تعالى بين أمر المسيح قال لرسوله ذلك عيسى بن
مريم قول الحق الذي فيه يمترون يعني من أنه عبد مخلوق من امرأة من
عباد الله ولهذا قال ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى
أمرا فإنما يقول له كن فيكون أي لا يعجزه شيء ولا يكترثه ولا يؤوده
بل هو القدير الفعال لما يشاء إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له
كن فيكون وقوله إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم هو من
تمام كلام عيسى لهم في المهد أخبرهم أن الله ربه وربهم وإلهه
وإلههم وأن هذا هو الصراط المستقيم قال الله تعالى فاختلف الأحزاب
من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم أي فاختلف أهل الزمان
ومن بعدهم فيه فمن قائل من اليهود إنه ولد زنية واستمروا على كفرهم
وعنادهم وقابلهم آخرون في الكفر فقالوا هو الله وقال آخرون هو ابن
الله وقال المؤمنون هو عبدالله ورسوله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى
مريم وروح منه وهؤلاء هم الناجون المثابون المؤيدون المنصورون ومن
خالفهم في شيء من هذه القيود فهم الكافرون الضالون الجاهلون وقد
توعدهم العلي العظيم الحكيم العليم بقوله فويل للذين كفروا من مشهد
يوم عظيم
قال البخاري حدثنا صدقة بن الفضل أنبأنا الوليد حدثنا الأوزاعي
حدثني عمير بن هانىء حدثني جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبدالله ورسوله وكلمته
ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة
على ما كان من العمل قال الوليد فحدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر
عن عمير عن جنادة وزاد من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء وقد رواه
مسلم عن داود بن رشيد عن الوليد عن جابر به ومن طريق أخرى عن
الأوزاعي به |