صفة خلق سيدنا آدم عليه السلام
جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها
بالماء حتى خلصت ولاطها بالبلة حتى لزبت فجعل منها صورة ذات
أحناء ووصول وأعضاء وفصول أجمدها حتى استمسكت وأصلدها حتى
صلصلت لوقت معدود وأمد معلوم ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا
ذا أذهان يجيلها وفكر يتصرف بها وجوارح يختدمها وأدوات يقلبها
ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل والأذواق والمشام والألوان
والأجناس معجونا بطينة الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة
والأضداد المتعادية والأخلاط المتباينة من الحر والبرد والبلة
والجمود واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم وعهد وصيته
إليهم فى الإذعان بالسجود له والخنوع لتكرمته فقال سبحانه
اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس اعترته الحمية وغلبت عليه الشقوة
وتعزز بخلقة النار واستوهن خلق الصلصال فأعطاه الله النظرة
استحقاقا للسخطة واستتماما للبلية وإنجازا للعدة فقال فإنك من
المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
ثم أسكن سبحانه آدم دارا أرغد فيها عيشه وآمن فيها محلته وحذره
إبليس وعداوته فاغتره عدوه نفاسة عليه بدار المقام ومرافقة
الأبرار فباع اليقين بشكه والعزيمة بوهنه واستبدل بالجذل وجلا
وبالاغترار ندما ثم بسط الله سبحانه له فى توبته ولقاه كلمة
رحمته ووعده المرد إلى جنته وأهبطه إلى دار البلية وتناسل
الذرية .
أحمق من جحا
جحا اسم لا ينصرف، لأنه معدول من جاح مثل عمر من عامر، يقال:
جحا يجحو جحوا إذا رمى، ويقال: حيا الله جحوتك، أى وجهك.
وهو رجل من فزارة، وكان يكنى أبا الغصن، فمن حمقه أن عيسى بن
موسى الهاشمى مر به وهو يحفر بظهر الكوفة موضعا، فقال له: مالك
يا أبا الغصن؟ قال: إنى قد دفنت فى هذه الصحراء دراهم ولست
أهتدى إلى مكانها، فقال عيسى: كان يجب أن تجعل عليها علامة،
قال: قد فعلت، قال: ماذا؟ قال: سحابة فى السماء كانت تظلها،
ولست أرى العلامة.
ومن حمقه أيضا أنه خرج من منزله يوما بفلس فعثر فى دهليز منزله
بقتيل، فضجر به وجره إلى بئر منزله فألقاه فيها، فنذر به أبوه
فأخرجه وغيبه وخنق كبشا حتى قتله وألقاه فى البئر، ثم إن أهل
القتيل طافوا فى سكك الكوفة يبحثون عنه، فتلقاهم جحا فقال: فى
دارنا رجل مقتول فانظروا أهو صاحبكم، فعدلوا إلى منزله
وأنزلوه فى البئر، فلما رأى الكبش ناداهم وقال: يا هؤلاء، هل
كان لصاحبكم قرن؟ فضحكوا ومروا.
الغــدر
وأما ما جاء فى الإخوان القليلى الموافاة العديمى المكافأة
الذين ليس عندهم صديق: فقال وهب بن منبه: صحبت الناس خمسين سنة
فما وجدت رجلا غفر لى زلة ولا أقالنى عثرة ولا ستر لى عورة.
وقال الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه: إذا كان الغدر
طبعا، فالثقة بكل أحد عجز.
وقيل لبعضهم: ما الصديق؟ قال: اسم وضع على غير مسمى وحيوان غير
موجود.
قال الشاعر:
ســمعنا بالصـديق ولا نـراه
وأحسبه محـــالا نـمقــوه |
|
على التحقيق يوجد فى الأنام
على وجه المجاز من الكلام |
وقال سيدى أبو الدرداء: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فصاروا
شوكا لا ورق فيه، وقال الإمام جعفر الصادق لبعض إخوانه: أقلل
من معرفة الناس وأنكر من عرفت منهم، وإن كان مائة صديق فاطرح
تسعة وتسعين وكن من الواحد على حذر.
وقيل لبعض الولاة: كم لك صديق؟ فقال: أما فى حال الولاية فكثير
وأنشد:
الناس إخوان من دامت له نعم |
|
والويل للمرء إن زلت به القدم |
ولما نكب الوالى على بن عيسى الوزير لم ينظر ببابه أحدا من
أصحابه الذين كانوا يألفونه فى ولايته، فلما ردت إليه الوزارة
وقف أصحابة ببابه ثانيا فقال:
ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها
يعظمون أخا الدنيا فإن وثبـت |
|
فكلما انقلبت يوما به انقلبـوا
يوما عليه بما لا يشتهى وثبوا |
وقال آخر:
فما أكثر الأصحاب حين نعدهم |
|
ولكنهم فى النائبــات
قـليل |
وقال البحترى:
إياك تغتـر أو تـخـدعـك بـارقة
فلو قلبت جمـيع الأرض قـاطـبة
لم تلق فيها صديقـا صـادقـا أبـدا |
|
من ذى خداع يرى بشرا وألطـافـا
وسرت فى الأرض أوساطا وأطرافا
ولا أخا يبذل الإنصاف إن
صـافـى |
وقال بعضهم فى المعنى أيضا:
خليلى جربت الزمان وأهـلـه
وعاشرت أبناء الزمان فلم أجـد |
|
فما نالنى منهم سوى الهم والعنا
خليلا يوفى بالعهـود ولا
أنــا |
وقال آخر:
لما رأيت بنى الزمان وما بهم
فعلمت أن المستحيل ثـلاثة |
|
خل وفى للشدائد أصطفـى
الغول والعنقاء والخل
الوفى |
وقال آخر:
إذا ما كنت متخذا خلـيلا
فإنك لم يخنك أخ أمـين |
|
فلا تأمن خليلك أن يخونا
ولكن قلما تلقى أمـينـا |
وقال آخر:
تحب عدوى ثم تزعـم أنـنى
وليس أخى من ودنى بلسـانـه
ومن ماله مالى إذا كنت معدمـا |
|
أودك إن الرأى عنك لـعـازب
ولكن أخى من ودنى وهو غائب
ومالى له إن أعوزته
النـوائب |
وقال آخر:
أخوك أخوك من يدنو وترجو
إذا حاربت حارب من تعادى |
|
مودته وإن دعى استجـابـا
وزاد سلاحه منك اقترابــا |
فيجب على الإنسان أن لا يصحب إلا من له دين وتقوى، فإن المحبة
فى الله تنفع فى الدنيا والآخرة وما أحسن ما قال بعضهم:
وكل محبة فى الله تـبـقـى
وكل محـبة فـيمـا سـواه |
|
على الحالين من فرج وضيق
فكالحلفاء فى لهب الحـريق |
ومن خير ما قيل فى هذا المعنى:
وكل خليل ليس فى الله وده |
|
فإنى به فى وده غير واثق |
فينبغى للإنسان أن يجتنب معاشرة الأشرار ويترك مصاحبة الفجار
ويهجر من ساءت خلته وقبحت بين الناس سيرته.
الفقــــر
وقال لقمان لابنه: يا بنى أكلت الحنظل وذقت الصبر، فلم أر شيئا
أمر من الفقر، فإن افتقرت فلا تحدث به الناس كيلا ينتقصوك،
ولكن اسأل الله تعالى من فضله، فمن ذا الذى سأل الله فلم يعطه،
أو دعاه فلم يجبه، أو تضرع إليه فلم يكشف ما به.
وكان سيدنا العباس رضى الله تعالى عنه يقول: الناس لصاحب المال
ألزم من الشعاع للشمس، وهو عندهم أعذب من الماء وأرفع من
السماء وأحلى من الشهد وأزكى من الورد، خطأه صواب وسيئاته
حسنات وقوله مقبول، يرفع مجلسه ولا يمل حديثه، والمفلس عند
الناس أكذب من لمعان السراب، وأثقل من الرصاص، لا يسلم عليه إن
قدم ولا يسأل عنه إن غاب، إن حضر أردوه، وإن غاب شتموه، وأن
غضب صفعوه، مصافحته تنقض الوضوء، وقراءته تقطع الصلاة.
وقال بعضهم: طلبت الراحة لنفسى فلم أجد لها أروح من ترك ما لا
يعنيها، وتوحشت فى البرية فلم أر وحشة أقر من قرين السوء،
وشهدت الزحوف وغالبت الأقران فلم أر قرينا أغلب للرجل من
المرأة السوء، ونظرت إلى كل ما يذل القوى ويكسره فلم أر شيئا
أذل له ولا أكبر من الفاقة، وقد قيل:
وكل مقل حين يغدو لحـاجـة
وكانت بنو عمى يقولون مرحبا |
|
إلى كل ما يلقى من الناس مذنب
فلما رأونى معدما مات
مرحـب |
وكان ابن مقلة وزيرا لبعض الخلفاء، فزور عنه يهودى كتابا إلى
بلاد الكفار وضمنه أمورا من أسرار الدولة، ثم تحيل اليهودى إلى
أن وصل الكتاب إلى الخليفة فوقف عليه، وكان عند ابن مقلة حظية
هويت هذا اليهودى، فأعطته درجا بخطه، فلم يزل يجتهد حتى حاكى
خطه ذلك الخط الذى كان فى المرج، فلما قرأ الخليفة الكتاب أمر
بقطع يد ابن مقلة، وكان ذلك يوم عرفة، وقد لبس خلعة العيد ومضى
إلى داره وفى موكبه كل من فى الدولة، فلما قطعت يده وأصبح يوم
العيد لم يأت أحد إليه ولا توجيم له، ثم اتضحت القضية فى أثناء
النهار للخليفة أنها من جهة اليهودى والجارية فقتلهما أشر قتلة
ثم أرسل إلى ابن مقلة أموالا كثيرة وخلعا سنية وندم من فعله
واعتذر إليه، فكتب ابن مقلة على باب داره يقول:
تحالف الناس والزمـان
عادانى الدهر نصف يوم
يا أيها المعرضون عـنى |
|
فحيث كان الزمان كانـوا
فانكشف الناس لى وبانوا
عودوا فقد عاد لى الزمان |
سبحان من يدوم ملكه وبقاؤه.
ذهب وآلاف الدنانير
حكى الرشيد بن الزبير فى كتابه الملقب بالعجائب والطرف: أن أبا
الوليد ذكر فى كتابه المعروف بأخبار مكة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لما فتح مكة عام الفتح فى سنة ثمان من الهجرة، وجد
فى الجب الذى كان فى الكعبة سبعين ألف أوقية من الذهب مما كان
يهدى للبيت، قيمتها ألف ألف وتسعمائة ألف وتسعون ألف دينار.
باع زهرة التميمى يوم القادسية منطقة كان قد قتل صاحبها
بثمانين ألف دينار، ولبس سلبه وقيمته خمسمائة ألف وخمسون ألفا،
وأصاب رجل يوم القادسية راية كسرى فعوض عنها ثلاثين ألف دينار،
وكانت قيمتها ألف ألف دينار ومائتى ألف.
وجد المستورد بن ربيعة يوم القادسية إبريقا مرصعا بالجوهر، فلم
يدر أحد ما قيمته، فقال رجل من الفرس: أنا آخذه بعشرة آلاف
دينار، ولم يعرف قيمته، فذهب إلى سعد بن أبى وقاص، فأعطاه إياه
وقال: لا تبعه إلا بعشرة آلاف دينار، فباعه سعد بمائة ألف
دينار.
لما أتت الترك إلى عبد الله بن زياد ببخارى فى سنة أربع وخمسين
كان مع ملكهم امرأته خاتون، فلما هزمهم الله تعالى أعجلوها عن
لبس خفها فلبست إحدى فردتيه ونسيت الأخرى، فأصابها المسلمون،
فقومت بمائتى ألف دينار.
لما فتح قتيبة بن مسلم بخارى فى سنة تسع وثمانين وجد فيها قدر
ذهب، وهذا القدر كان ينزل إليها بسلالم.
دفع مصعب بن الزبير حين أحس بالقتل إلى زياد مولاه فصا من
ياقوت أحمر، وقال له انج به، وكان قد قوم ذلك الفص بألف ألف
درهم، فأخذه زياد ورضه بين حجرين وقال: والله لا ينتفع به أحد
بعد مصعب.
ذكر مصعب بن الزبير أن بعض عمال خراسان فى ولايته ظهر على كنز،
فوجد فيه حلة كانت لبعض الأكاسرة مصوغة من الذهب مرصعة بالدر
والجواهر والياقوت الأحمر والأصفر والزبرجد، فحملها إلى مصعب
بن الزبير، فخرج من قومها فبلغت قيمتها ألفى ألف دينار، فقال:
إلى من أدفعها؟ فقيل: إلى نسائك وأهلك، فقال: لا، بل إلى رجل
قدم عندنا يدا، وأولانا جميلا، ادع لى عبد الله بن أبى دريد،
فدفعها إليه.
لما صار موجود عماد الدولة فى قبضة أمير الجيوش وجد فى جملته
دملج ذهب فيه جوهرة حمراء كالبيضة وزنها سبعة عشر مثقالا،
فأنفذها أمير الجيوش إلى المستنصر، فقومت بتسعين ألف دينار.
وجد فى بستان العباس بن الحسن الوزير مما أعد له من آلة الشرب
يوم قتل، سبعمائة صينية من ذهب وفضة، ووجد له مائة ألف مثقال
عنبر.
لما قتل الأفضل ابن أمير الجيوش فى شهر رمضان سنة خمس عشر
وخمسمائة، خلف بعده مائة ألف ألف دينار، ومن الدراهم مائة
وخمسين إردبا، وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج ودواة من الذهب قوم
ما عليها من الجواهر واليواقيت بمائتى ألف دينار، وعشرة بيوت
فى كل بيت منها مسمار ذهب قيمته مائة دينار على كل مسمار عمامة
لونا، وخلف كعبة عنبر يجعل عليه ثيابه إذا نزعها، وخلف عشرة
صناديق مملوءة من الجوهر الفائق الذى لا يوجد مثله، وخلف
خمسمائة صندوق كبار لكسوة حشمه وخلف من الزبادى الصينى والبلور
المحكم وسق مائة جمل، وخلف عشرة آلاف ملعقة فضة وثلاثة آلاف
ملعقة ذهب، وعشرة آلاف زباية فضة كبار وصغار، وأربع قدور ذهبا،
كل قدر وزنها مائة رطل، وسبعمائة جام ذهبا بفصوص زمرد، وألف
خريطة مملوءة دراهم خارجا عن الأرادب فى كل خريطة عشرة آلاف
درهم، وخلف من الخدم والرقيق والخيل والبغال والجمال وحلى
النساء ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى، وخلف ألف حسكة ذهبا
وألفى حسكة فضة، وثلاثة آلاف نرجسة ذهبا، وخمسة آلاف نرجسة
فضة، وألف صورة ذهبا وألف صورة فضة منقوشة عمل المغرب،
وثلاثمائة تور ذهبا، وأربعة آلاف تور فضة، وخلف من البسط
الرومية والأندلسية ما ملأ به خزائن الإيوان وداخل قصر الزمرد،
وخلف من البقر والجاموس والأغنام ما يباع لبنه فى كل سنة
بثلاثين ألف دينار، وخلف من الحواصل المملوءة من الحبوب ما لا
يحصى.
وقد جمعت الملوك من الأموال والذخائر والتحف كنوزا لا تحصى،
وبعد ذلك ماتوا ونفدت ذخائرهم، وفنيت أموالهم، فسبحان من يدوم
ملكه وبقاؤه ...