النفس الكاملة

بالحقائق ناطقين

إلع لمن نحب ونرضى

 

النفس الكاملة

عود على بدء حيث الحديث عن النفس (المرضية) ونبدأ الحديث عن النفس (الكاملة) والتى يقول عنها الإمام فخر الدين رضى الله عنه:

ثم التى قبلت على علاتـهـا
من بعدها يحيى المريد بفطرة

 

فى نحرها يبدو أجل فداء
ذاك الفطام وذا أتم عطاء

فاعلم أن صاحب هذا المقام عزيز، فقد كمل فيه كل شئ، فإذا رؤى ذكر المولى لرؤيته وكيف لا يكون ذلك وهو ولى لله، بل كان وليا وهو فى المقام الرابع إلا أن المقام الرابع مقام (العوام) والخامس مقام (الخواص) والسادس مقام (خواص الخواص) فلابد أن تعلم أن صاحب هذا المقام كثير الأوجاع وليس فى قلبه كراهية لمخلوق ولكن يظهر الكراهية لمن يستحق الكراهية، كما يظهر المحبة لمن يستحق المحبة، ولا تأخذه فى الله لومة لائم، يرضى فى عين الغضب، ويغضب فى عين الرضى لأن مراده انطوى فى مراد الله، فقد تبدلت الصفات النفسية بالصفات الإلهية مصداقا لقوله تعالى فى الحديث القدسى (كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به) إلى آخر الحديث، فيصير عبدا ربانى، وهذا هو السير إلى الله كما يسمونه، وفى ذلك يقول الإمام فخر الدين رضى الله عنه:

فيا مريدى لك البشرى إذا سلكت

 

بك  السبيل بفضل الله فاستقم

فعلى ما تقدم يتضح أن طريق (أهل الله) مبنى على صدق التوجه وملازمة النفس بالمجاهدة فلا تصطلح مع النفس أبدا، كما قال بعضهم:

وخالف النفس والشيطان واعصهما

 

وإن هما محضاك النصح فاتهم

واعلم أن من شأن المريد أن يصدق فى محبته لأن المحبة دليله فى السلوك ومن خالف دليله تاه وانقطع سيره وهلك، وانقطع عن حضرة الله عز وجل، فمن لم يتطهر من سائر الذنوب باطنا وظاهرا لا يصح له دخول حضرة الله، فحكمه حكم من دخل فى الصلاة وفى بدنه أو ملبوسه نجاسة، أو لم يصب بدنه شئ من الماء فإن صلاته باطلة، فقد تقدم القول بأن القواطع عن المهيمن أربع (النفس والشيطان والدنيا والهوى) فهؤلاء الأربعة لا يمكن الفصل بينهم، فهم أربعة من حيث التمييز ولكن عملهم متصل فيما بينهم دون انفصال، وإنما وقع التمييز لنعلم مدى خطورة الأمر الذى كُلفنا به، فمجاهدة النفس هى بعينها مجاهدة الشيطان وهى بعينها مجاهدة الدنيا، ولهم مملكة ومملكتهم (القلب) فإذا تصفى القلب من الأغيار وتبدلت عنده الصفات النفسية بالصفات الإلهية قد يتوهم أنه قد انتهى سيره فيأخذه شئ من الإطمئنان، وهنا يخشى عليه، فإذا كانت حالة توجهه تتسم بالصدق والإخلاص ففى هذه الحالة يرد عليه من الله قهر من الخوف فيرجع إلى حاله الأول فيستمر فى السير ولذلك يقول الإمام فخر الدين رضى الله عنه:

حتى إذا أمنوا تأذن ربهم

 

كرما يطمئنهم به ليخافا

والأمر المراد توضيحه هو تفنيد بقية القواطع ليعلم أنه مازالت عنده بقية فلا يقتصر الجهاد على جهاد النفس فقط وإنما هناك (الهوى والشيطان والدنيا) فلو ركن إلى التخلص من الأنفس فقط لرجع وتوقف سيره ويأخذ قلبه فى الإنسداد شيئا فشيئا كما أخذ فى الإنصباغ بنور الاسم (الله) ولذلك حذرنا الحق سبحانه وتعالى بقوله {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لما حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آيتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} وتدبر قوله تعالى {وقد كنت بصيرا} ولم يقل (وقد كنت مبصرا) فإذا حدث فناء للمريد فى الذكر بالمداومة عليه يصير القلب بيت الحق فيخرج الذكر من غير تدبر ولا قصد ولا كلفة ولذلك قالوا:

لازلت أقرب منه حتى صار لى
فإذا رأيـت فـلا أرى إلا بـه

 

بصرا وسمعا حيث كنت وساعدى
وإذا بطشت فلايزال مسـاعـدى

وفى هذه الحالة يخرج من ضيق (اذكرونى) إلى فضاء (أذكركم) فيزداد بالشرب عطشا وبالقرب من المذكور شوقا وفى هذا المقام تقول السيدة رابعة العدوية رضى الله عنها:

لقد حزت قربا ما ارتقاه مجاهدا
فكيف توانى الخلق عنك وقد بدا
فبعضهم اهتدى وبعضهم ارتدى

 

وأسقيت كأسا حل فيه شـراب
جمال به قد هامت الأـلبـاب
وها أنت كأس بل وأنت شراب

عصام مقبول / محمد رشاد

بالحقائق ناطقين

طيبت اسمى لأطيبن ذكرك

بشر الحارث الحافى .. لقب بذلك لأنه جاء إلى إسكافى يطلب منه شسعا لأحد نعليه، وكان قد انقطع، فقال له الإسكافى: وما أكثر كلفتكم على الناس، فألقى النعل من يده والأخرى من رجله، وحلف لا يلبس نعلا بعدها، وسبب توبته أنه أصاب فى الطريق رقعة فيها (اسم الله) وقد وطئتها الأقدام، فذهب بها إلى النهر فغسلها، وكان لا يملك إلا درهما، فاشترى به مسكا وماء ورد، وجعل يتتبع اسم الله ويطيبه، ورجع إلى منزله وجعلها فى شق حائط، فنام، فأتاه آت وقال: يا بشر كما طيبت اسمى لأطيبن ذكرك، وكما طهرته لأطهرن قلبك.

ومن كلامه رضى الله عنه: لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك، وكيف يكون فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك .. أول عقوبة يعاقب بها ابن آدم فى الدنيا مفرقة الأحباب .. من أراد أن يكون عزيزا فى الدنيا سليما فى الآخرة فلا يحدث ولا يشهد ولا يؤم قوما ولا يأكل لأحد طعاما.

وقد مات رضى الله عنه عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول.

هاديه الشلالي

إلع لمن نحب ونرضى

وآتيت إبراهيم من قبل رشده               فما هو إلا فلذتى وعطيتى

إلى الحبيب ابن الحبيب أبو الحبيب إلى عطاء الله إلى المصطفى من السيد البرهانى إلى صاحب الحمى .. إلى الأب الذى تعجز أى كلمات عن ذكر خصائصه ومعانيه .. إلى الإمام ابن الإمام أبو الإمام .. إلى مولانا الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنهم أجمعين .. وصدق الله العظيم حيث يقول فى كتابه العزيز {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين} فهو  رضى الله عنه  مولانا الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى الذى انعقد لواء الطريقة على يديه وأشرقت سائر بقاع العالم بنور الطريقة البرهانية بفضل هدايته وإرشاده ، وليس بمستغرب فهو الوارث من أبناء الدوحة المحمدية ميراث جده المصطفى صلى الله عليه وسلم كما قال سيدى فخر الدين :

وعلى كاهل الأمين متاعى      وعليه الأمان وهو الصريم

وظلت وصاياه ممتدة لمريديه فمنها : ضرورة التخلق بالأخلاق الكريمة والصفات الحميدة وإشاعة الصفاء والمحبة والسمو عن الخلافات الجانبية والشخصية ويتم ذلك من باب الأدب الرفيع تجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم وخدمة دينه0فهو رضى الله عنه  من أنيط به أن يحمل للعالم رسالة المحبة والصفاء ، كما قال الإمام فخر الدين رضى الله عنه  :

تصافحوا بل أميطوا السوء بينكم     بقربـة الود لا قربى القرابين
إذا اجتمعتم على حب ومرحمـة    فأيقنوا الوصل إن الله معطينى

ومع بداية هذا العام وأثناء زيارته  رضى الله عنه  إلى دول أوروبا شهدت الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية بداية عهد جديد لها وذلك مسايرة لركب التقدم التكنولوجى والتقنيات الحديثة أمر مولانا الشيخ إبراهيم  رضى الله عنه  على ربط زوايا الطريقة المنتشرة فى بقاع العالم وذلك عبر شبكة الإنترنت الأمر الذى وصفه مولانا الشيخ بأنه ( يجسد ضربة البداية للإنطلاق نحو آفاق المستقبل للإنطلاق فى مهمتنا التاريخية فى الحوار مع العالم وإرشاد الأمة وهى فترة طالما انتظرها الناس ) وقال سيدى إبراهيم الدسوقى  رضى الله عنه  :

ولا تنتهى الدنيا ولا أيامها                حتى تعم المشرقين طريقتى

  وقال الإمام فخر الدين رضى الله عنه  :

ولتنشروا رايات عزى بعدما         طلع النهار وتنشروا أعلامى

ومن أهم وصاياه رضى الله عنه  التى طالما أمرنا بها ألا وهى :

العمل الدؤوب على خدمة دين المصطفى صلى الله عليه وسلم ونكران الذات لما ورد فى كتاب ( جامع بيان العلم ) لإبن عبد البرأنه صلى الله عليه وسلم قال ( ما ذئبان ضاريان جائعان فى زريبة غنم غاب رعاها بأشد فتكا على دين المرء من حب لجمع مال أو حب لرئاسة)0

كما قال سادتنا أهل الله الصالحين :

حب الرئاسة للسلوك مناقـض       لا ترأسن أحـــدا ولا تتقدم
وكفاك فخرا أن رضوك خويدما      إن الخويـدم حـقـه لا يهضم

وأخيرا وليس بآخر لا يسعنا فى هذا المقام إلا قول مولانا الشيخ الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى  رضى الله عنه  فى حق خليفته  رضى الله عنه  فى ديوانه ( شراب الوصل ) : فذاك عطاء الله فامنن وإن تشا   تخص به قوما وقوما تباعد             

             وقال أيضا :

فاعلموا أن العطية من يمينى              فاعقلوها واشربوها شاكرين

أحمد جمال