معوقات العلم

دور التصوف فى تكوين شخصية الأمة الإسلامية من خلال معنى الهجرة

شراب الوصل

 

معوقات العلم

لولا العلم لضل الناس طريق الحق, لذا فإن المولى تبارك وتعالى يرفع أهل العلم درجات لأنهم صاروا مصابيح الهدى وكواكب الدجى, وهذه رسالة إلى كل من يدعى أنه يعلم كل شئ أو يعرف كل شئ, وإلى كل من يدعى الصواب فى كل شئ, نقول لكل هؤلاء وغيرهم تواضعوا, فقد أغلقتم على أنفسكم بهذا القول باب العلم والمعرفة، وتذكروا قول القائل:

فما خاب عبد للمهيمن يخضع
لأشفى دواء للقلوب وأنـفـع

 

تواضع لرب العرش علّك ترفع
وداوى قلبـك بذكـر الله فإن
ـه

وحقا إن ذكر الله ينير القلوب فإذا استأثرت القلوب أصبحت وعاء نقيا ومحلا طاهرا لنفائس العلوم، فبغير هذا النور ترى المدعين يتخبطون فى ظلمات الجهل والإنكار والإستهانة بغيرهم من حملة العلم والمعرفة، فعلى كل من يطلب العلم والمعرفة تطهير قلبه وتزكيه نفسه وترك المعاصى، التى هى من العوائق الأساسية فى طريق طلب العلم وتحصيله، ورحم الله إمامنا الإمام الشافعى رضى الله عنه حيث قال:

فأرشدنى إلى ترك المعاصى
ونور الله لا يُهدى لعاصـى

 

شكوت إلى وكيع سوء حفظى
وأخبرنى بأن الـعلـم نـور

ومن المعوقات أيضا أن كل من عنده شئ من العلم أو قليل من العلم يكتفى بذلك ويتوقف عن طلب العلم، وقد قال رسولنا المعلم صلوات ربى وسلامه عليه (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) فهذا الحديث يحثنا دائما وأبدا على طلب العلم أو طلب الزيادة من العلم، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {وقل رب زدنى علما} مع العلم بأنه أعلم خلق الله على الإطلاق، ولكن الله طلب منه صلى الله عليه وسلم أن يطلب المزيد، لأن العلم لا يقف عند حد، لذا فهو صلوات الله عليه يُرغب كثيرا فى طلب العلم، فيقول (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع) كما قال صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يفقه فى الدين) وغير ذلك الكثير.

ومن المعوقات لطالب العلم أن يظن أنه بلغ من العلم ما جعله فوق غيره ولا أحدا أعلم منه، وهذا خطأ كبير، لقول الله عز وجل {وفوق كل ذى علم عليم}.

فهيا يا طالب العلم، اطلب العلم من منابعه الطيبة الطاهرة من أهل النسب الشريف والاعتقاد الصحيح بأهل القلوب الصافية ممن ثبتت لهم الأمانة وصحبتهم الكرامة وأجمعت الأمة على صدق ما قالوه وفعلوه, سواء كانوا من أهل التفسير أو الفقه أو أهل القرآن أو أهل الذكر والسير إلى الله, أو أهل الحديث، فلكل صنف من أصناف هذه العلوم أئمة معتمدين ومذكورين ومشكورين يُقتدى ويُهتدى بهم، فإن اقتدينا بهم سلكنا أسلم طريق، لما عندهم أوضح بيان وساطع البرهان، والدين كله علم وعمل ودليل وبرهان ولأجل هذه المبادئ السامية، وعندما انتشر الإنكار والإعتراض فى أيامنا هذه على كثير من أمور الدين بغير دليل ولا حجة

لأجل وحدة الصف، وتنقيه الفتاوى مما علق بها من شوائب، وإصلاح ما فسد، وإقامة من هدمه، وإحياء لتعاليم هذا الدين العظيم السمحة، وعلى الله قصد السبيل.

عوض عبد اللطيف

دور التصوف فى تكوين شخصية الأمة الإسلامية من خلال معنى الهجرة

ولا عيش إلا مع أناس قلوبهم   تحن للتقوى وترتاح للذكر

هل يمكن أن يكون لحياتنا طعم أو لون أو رائحة بغير ساداتنا أبى بكر وعمر وعثمان وعلى؟!! أو هل تطاق الحياة بغير الأئمة الجنيد والليث والبكرى وبشر والسقطى؟!! وهل يتذوق طعم الإيمان بغير الكرام أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد؟!! وهل تحيا علوم الحديث والسنة بغير ابن الصلاح والعسقلانى والهيثمى والسيوطى والسخاوى وغيرهم؟!! وهل تنشق عبق أريج القرآن بكرا كما تراها عند ابن عربى؟!! وهل نفهم ابن عربى وابن الفارض بغير الشعرانى والنابلسى؟!! وهل تعلم أن سلطان العلماء العز ابن عبدالسلام صار عالة على شيخه الشاذلى بعد أن أزال الله له ببركته حجب الران عن قلبه وهو آنذاك سلطان العلماء؟!! فكل من علمائنا الصالحين لابد لهم من سلوك طريق التصوف حتى يتم لهم أمر التمكين فى دينهم المرتضى، بل هل ذاق الناس بدونهم حلاوة الإيمان، فهم الإيمان وحلاوته .. وهم كما قال ناظمهم فى حقهم:

هم منة الله العلى لخلقه                    هم عاقلى هم ناظرى ولسانى

أطفى بهم حر اللظى وسعيرها              لولا محبتهم يقال بثانى

لولا هواهم فى القلوب وفى الحشا          ما ذاق قلب لذة الإيمان

بهم استبـان الحق حقا وانجلت             عـن كل مكروب هموم العانى

هؤلاء جميعا أهل بيت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهم العلماء العاملون المخلصون، الأولياء الصالحون نفعنا الله بهم، فبهم كان للأمة خير سلف وبهم وبأخلاقهم تخلق الناس وعرفوا مكارم أخلاق جدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم.

إن مقومات شخصية الأمة الإسلامية هى أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم المعبر عنها فى قول الله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} وعلى ذلك فإن الصوفى المتبع لجده المصطفى صلى الله عليه وسلم مجاهد ومهاجر على الدوام لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الهجرة لا تنقطع ما دام الجهاد) ورأس مال الصوفية الحب والطاعة وهما فى الهجرة أعظم ما كان بين النبى وصحابته الكرام، فكيف حال أمة الإسلام إذا سرت فيها رياح المحبة والطاعة فى الله ورسوله والمؤمنين.

والصوفى مهاجر يهجر المعاصى ومحافظ على الفرائض ويكثر من ذكر الله تعالى خاليا وفى ملأ أو جماعة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم لأم أنس رضى الله عنه (اهجرى المعاصى فإنها أفضل الهجرة وحافظى على الفرائض فإنها أفضل الجهاد وأكثرى من ذكر الله فإنك لا تأتين الله بشئ أحب إليه من كثرة ذكره) رواه الطبرانى فى الكبير والأوسط وهو ما ينبغى أن يكون ديدن هذه الأمة دائما.

والصوفى يجاهد نفسه دائما أبدا:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على     حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

وخالف النفس والشيطان واعصهما     وإن هما محضاك النصح فاتهم

فهو فى حالة مخالفة ومجاهدة للنفس عملا بقوله صلى الله عليه وسلم (أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه فى ذات الله عز وجل)

والصوفى يستر غيره من أهل لا إله إلا الله إذا ابتلى بشئ من المعاصى وهذا من سعة أخلاقه بعد التزكى عملا بهدى النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما (أن ماعزا جاء إلى رجل من المسلمين فقال: إنى أصبت فاحشة، فما تأمرنى؟ فقال له الرجل: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فأتى ماعز رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه أو قال: قوله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان معه: (أبصاحبكم مس؟( قال ابن عباس: فنظرت إلى القوم لأشير عليهم، فلم يلتفت إلى منهم أحد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعلك قبلتها؟( قال: لا، قال النبى صلى الله عليه وسلم (فمسستها؟. قال: لا، قال (ففعلت بها ولم تكن؟( قال: نعم، قال (فارجموه) قال: فبينا هو يرجم، إذ رماه الرجل الذى جاءه ماعز يستشيره، رماه بعظم، فخر ماعز، فالتفت إليه، فقال له ماعز: قاتلك الله إذ رأيتنى، ثم أنت الآن ترجمنى.‏

وفى رواية : فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فراره، فقال: هلا تركتموه لعله يتوب، ويتوب الله عليه؟ وفى رواية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك.

والصوفية من ألفهم إلى يائهم يعزرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوقرونه ويعلمون ذلك الخلق، فالصوفى يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحبب الناس فى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعظم شأنه ويوقره ويبجله ويزينه ويسوده وذلك من بصمات ومقومات شخصية الأمة الإسلامية منذ صدر الإسلام الأول فلم تكن العلاقة بين الرسول وصحابته إلا علاقة الحب والطاعة والاحترام.

 

إبراهيم الدسوقى بدور

شراب الوصل

حرام على قوم أكون إمامهم    ولاية قوم جاحدين لنعمتى

{ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ماهم منكم} 14 المجادلة { ومن يتولهم منكم فإنه منهم} 51 المائدة{ ياأيها الذين أمنوا لاتتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكافرون من أصحاب القبور} 13 الممتحنة، ولذلك نستطيع ان نقول إن هذا البيت هو بمثابة الآحاد من روايات الشيخ عن الحبيب وهو أن يحرم عليك أن تواد من حاد الله ورسوله وأولياءه وقال تعالى فى سورة المجادلة ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضواعنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون {22}‏ ولكن جحود النعمة لمن ذاقها أوعاش فيها ثم انقلب على عقبيه وهذه إشارة لما حدث من البعض ولما سوف يحدث من البعض الآخرأعاذنا الله، سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ولاتحويلا .

الحرام أى المحرم على قوم من قوم الرجل وهم جماعته، أكون إمامهم  الإمام الذى يقتدى به ولاية قوم:  من الموالاة وهى ضد المعاداة، جاحدين : من الجحود وهو الإنكار مع العلم، لنعمتى: وهى من النعمة وجمعها النعم وهى كل ما أنعم به عليك وهى كل ماأنعمت به عليك من نعمتى.

محمد صفوت