يوم الوفاء
الشيخ مصطفى نور الدايم أصبح في نور الله الدايم

فى لحظة من أجمل اللحظات قابلت فيها واحد من أحب الأخوة، بل من أكثرهم خدمة فى طريق الله، إنه الأخ مصطفى نور الدايم وكان لى معه حديث بدايته عن انتشار الطريقة وكيفية أخذ عهدها، فبدأ حديثه قائلا: انتشرت الطريقة فى حلفا القديمة وعطبرة والخرطوم3 .. وقبل أن آخذ عهد الطريقة كنت أقرأ أوراد غير منتظمة وأنشد وأبحث حتى وجدت الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى وهو أيضاً كان ينشد وهذه كانت فرصة للأوراد والإنشاد معا، وكان الشيخ رضى الله عنه دائماً يحب المعانى العالية السامية ولا يريد الصفات الذاتية وذلك لأن الدين هو الإسلام والإيمان والإحسان، ودخلنا على الشيخ رضى الله عنه فوجدناه بسيطاً فى ملبسه، وسهلا فى حديثه، كريماً فى لقاءه، حسن الخلق، وكان يعامل الجميع معاملة حسنة حتى يظن الفرد بأن الشيخ يحبه أكثر من أى شخص آخر، فينادى على الفرد منا بكلمة (تعال يافلاح) ثم يهمس إليك فى أذنك ببعض الكلمات، وغيرها من الأشياء التى تدل على حبه وإحترامه لك، والشيخ رضى الله عنه لديه الملكة الروحية التى تجذبك له، ولم نكن نناقشه فى مسألة عن التصوف إلا وجدنا الحل، وإذا سألنا أسئلة بسيطة يقول لنا (تحكوا فارغ) أى أنه يريد العمق فى الحديث، وهذا ماجذبنى إليه، أيضاً كان صوته جميلاً فى إنشاده، فجذبنى وجعلنى ألازمه وأخرج معه كثيراً، وكان رضى الله عنه أثناء الإنشاد يتكئ على يدى، وفى بداية الحضرة نشعر بأنه مجهد، ولكن بمجرد أن تبدأ الحضرة ينشد ليس فقط بصوته ولكن ببدنه وكأنه شخص آخر لا نعرفه.

وعندما كنا نحدثه فى مسألة صعبت علينا، كان يقول لنا (لماذا لم تجتهد بنفسك معتقد أنك تستطيع أن تحلها) فيجعلك تجتهد وهو يجتهد لك، وهذا نوع من التربية لكى نعتمد على أنفسنا.

وكان أبناء الطريقة فى نشاط غير عادى، مجتهدين فى الأوراد والقراءات مثل الحزب السيفى بأعداده ونقرأ سورة الإخلاص بأعداد كبيرة، لدرجة أن المجاذيب يتجنبوا ابن الطريقة، وطبعا مهمة الأوراد هى غسل القلوب والنفوس وتزكيتها وطهارتها، فيقول الحق تبارك وتعالى {كلا بل ران على قلوبهم} فهذا الران لا يمكن أن ينجلى إلا بالذكر لأن عين البصر هى التى ترى بها الأجرام، أما عين البصيرة التى فى القلب ترى بها مالا يراه الناظرين، وهذا الران يكون عليها فلا يمكن إزالته إلا بالذكر، فكلما ذكرت بانتباه فى المراقبة انجلت هذه عين القلب أو كما يقولون البصيرة، وأصبحت كالمرآة ترى فيها كل شئ، فإذا وجهتها لأى شئ ترى بها، وترى بها السادة من أهل السلسلة، فعندما تقرأ الفواتح يأتوا إليك ليعطوك هديتك ويأخذوا منك ما أعطيتهم إياه، فإذا جاء أحدهم إليك ورأيته يذهب فاتبعه وإذا أمرك أن ترجع فارجع، لأن فى هذا الموقف يلزم الأدب حتى تكتسب قوة الكلام، لأنه ترقى فى الذكر.

أيضاً عليك مشاورة شيخك لأن المخاطبة هنا أصبحت روحية، والأوراد كأجزخانة روحية، فلكل ورد خصوصية معينة، مثلا نبدأ بالإستغفار وهو يختص بنظافة الفرد من الذنوب والمعاصى مصداقا لقوله تعالى {استغفروا ربكم إنه كان غفارا} ثم ينتقل للذكر بالتهليل هذا الذكر ينقل الفرد لأعمال الشريعة والتخلى عن الموبقات، بعدها تلزمك المحبة، محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الغر الميامين، وهذه المحبة لا تتأتى إلا بالذكر بالاسم المفرد (الله) ومن هنا يحدث ترقى من الذكر باللسان إلى الذكر بالقلب وهذا لا يحدث إلا بكثرة الذكر ومحاربة الخواطر بالإنتباه فى الذكر، لأن الشيطان يكثر من الخواطر فى الصلاة وفى أذكارك ومراقبتك، ولكى تحارب هذه الخواطر لابد من مخالفة إبليس، مثلا أتاك خاطر وأنت فى ذكرك بأن تذهب لتشرب فلابد أن تقول له: "أنا مازلت لا أحتاج إلى ماء ويمكن أن أصبر لمدة ساعة" وذلك حتى تتم ذكرك، وهذا يسمى بجهاد النفس أو بالجهاد الأكبر كما قال صلى الله عليه وسلم (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) وبذلك تستطيع أن تقلل من الخواطر وتنتبه فى الذكر حتى تسمع قلبك يذكر الاسم (الله) .. وثمرته الذكر دون انقطاع، ولأن القلب لسان حال الروح فينتقل الذكر بالكثرة والمداومة عليه من القلب إلى الروح، وبعدها تجد كل شعرة فى جسد وكل قطرة دم أو ماء فى جسدك تذكر وتقول (الله) ويقال أن فى جسم الإنسان مائة وأربعة وعشرون ألفا قطرة دم، ومثلهم ماء، فهذه هى مراتب السير وتوجد كثير من المراتب التى يترقى فيها المريد ويسترشد على شيخه فى ذكره.

ثم توجهت بسؤالى إليه عن كيفية الأدب مع الشيخ؟

فقال: توجد آداب للحضرة والإحترام للشيخ موجود، ولكن ليس الإحترام الذى يمنعك من السؤال، لأن الشيخ رضى الله عنه هو المربى الروحى، فإذا لم يسأل المرء أبيه فمن يسأل؟! وسؤالك هو ما يهم الشيخ، والطريقة لا تقيد المريد وفى زمن الشيخ محمد عثمان رضى الله عنه نجد الإخوان يرتدون ملابسهم المعتادة وكثيراً منهم كانوا موظفين يهتمون بالشكل والمظهر فلم يطالبهم الشيخ رضى الله عنه بلبس معين، فقط كأن يهتم بجانب النظافة، نظافة المريد فى هيئته واحترامه فى معاملة الآخرين، وسألناه يوماً ما عن الأدب فقال ببساطة: (قلة الأدب التى نعيشها معكم هذه خير من أدب المريد) ومعناها بلغة بسيطة إذا تكلف الشيخ فى معاملته مع مريديه، وكذلك بالغ المريد فى الأدب مع الشيخ، فلا يكون هناك راحة فى الحديث.

كيف كانت معاملته لكم؟

فقال: معاملته لا توصف، كان يحب الإخوان حبا شديدا، وترى فيه الأخ والأب والشيخ، أى يصلح لك أن تضعه فى أى موضع، وأيضاً كان يداعب الأحباب، ويداعب كل فرد على حدا، وأحيانا يسميه بلقب، وفى درس من دروسه جاء رجل (ليس ابن طريقة) مع أحد الإخوان، وكان يعمل برتبة لواء وهو تركى، وسأله صاحبه بعد إنتهاء الدرس وقال له: إن شاء الله يكون الشيخ قد أعجبك؟ فرد اللواء وقال: هو ده شيخ، ده عبارة عن مكتبة متحركة، وتشعر فى دروسه بأن الطريقة لها مددها الداخلى الذى يخدمها، وأتذكر عندما جاء الأخوة الألمان لأول مرة إلى السودان، وكان عددهم كبير ويتعاملون مع الأشياء بدقة حتى فى أسئلتهم، ودرس الشيخ رضى الله عنه لم يكن بالإنجليزية أو العربية الفصحى بل بالعامية السودانية، وهم جالسين فى الدرس تحدث إليهم د.سنهورى وهو يجيد لغتهم، وقال لهم سوف أترجم لكم حديث الشيخ رضى الله عنه حتى تفهموا الدرس، وبدأ يترجم لهم، وعندما انتهى الدرس سألهم وقال لهم:  إن شاء الله تكونوا قد فهمتوا الدرس، فقالوا له: لقد أفسدت علينا الدرس لأن كلام الشيخ كان يدخل قلوبنا مباشرة .

هكذا كانت دروسه نحن نسأله وهو يجيب، ولم يقرأ أو يتحدث من كتاب أمامه، ولأن التصوف كان مهجوراً كنا نسأله عن كل الإتهامات التى ألصقت بالتصوف وعن التوحيد والفقه، فمثلاً سألناه عن معنى (مافى الجبة غير الله) فهذه العبارة التى قالها الشيخ الحلاج رضى الله عنه عندما كان فى المسجد الأموى ووجد بالخارج قطة ترتجف من البرد وأخذها ووضعها فى جبته، وعندما قال هذه العبارة أتهم بالكفر وقتل، فقال لنا الشيخ رضى الله عنه: "الشيخ عندما يذكر يكون فى تبدل الصفات من الصفات البهيمية إلى الصفات الربانية، فلا يرى إلا بنور الله، فينظر لكل اسم من الأسماء الإلهية فى صفة وأفعال ذلك الشئ، فتجده يرى أنك تبصر بالاسم (البصير) وتسمع بالاسم (السميع) وهكذا يرى أنك مخلوق بأفعال الأسماء الإلهية، فيكون معنى (مافى الجبة غير الله) أن مافى الجبة إلا مخلوق بأسماء وأفعال الله.

حدثنا عن كيفية الإنشاد فى تلك الفترة؟

دائما ما كان يبحث الشيخ رضى الله عنه عن المعانى العالية والصفات الكمالية، ولا يكترث بالوصف الشخصى أو الذاتى، حتى فى انتقاء القصائد فتجده يحب قصائد السير، وكان لديه ديوان الشيخ النابلسى رضى الله عنه، فيأخذ منه لأنه يتحدث عن الحقائق، وعندما يريد أن يختر قصيدة فى موسم المولد النبوى الشريف يجمعنا كمنشدين ويطلعنا عليها ويرويها لنا ونعتبر أنفسنا عبارة عن اسطوانات للشيخ رضى الله عنه.

وفى تلك الفترة دائما كنت أكون بجواره، ونسأل عن معانى الأبيات ويشرح لى معنى كل بيت ، وسألناه كيف نحفظ كل ما نسمعه منك يا مولانا فأجابنا قائلا: بعد الفواتح للمشايخ قولوا (اللهم احفظ هذه العلوم وردها وقت حاجتى) أيضا.

سألناه عن القصيدة التى تقول (أنت الظلام وضده) فقال رضى الله عنه: طبعا ضد الظلام النور، وهو من اهتدى بالنبى صلى الله عليه وسلم، والظلام هو فى ظل النبى صلى الله عليه وسلم، وفى هذه القصيدة توجد الحيرة، والحيرة شئ ملازم للإنسان فكلما رفع بصره لمعرفة التجليات الإلهية لا يصل لمعرفة كل مافى الوجود.

حدثنا عن الإخوان فى الطريقة؟

إذا نظرنا لأبناء الطريقة نعلم أنهم أربعة أصناف

أولاً: منا أخذ الطريقة بعد أن كان مريضاً ولم يستطيع أن يتعالج إلا بالطريقة فقرر مواظبة الأوراد والمداومة على الطريقة.

ثانياً: ومنا من أتى الطريقة بعد أن انبهر بمظهر أبناء الطريقة وتلاحظ أن سيدى إبراهيم القرشى الدسوقى قد ألبس أبنائه هيبة ووقار مما جعل كثير من الناس ينظرون إليهم نظرة خاصة، ويحدث ذلك فى المناسبات التى يذهب إليها البرهانية.

ثالثاً: ومنا من يأتى للبحث عن أغراض دنيوية كالذى يبحث عن وظيفة علماً بأن مجتمع الطريقة به فئات والشرائح الوظيفية فى شتى المجالات.

رابعاً: ومنا من أتى الطريقة من أجل العبادة والذكر وتجده يذكر وينخرط فى أعمال الطريقة بهمة غير مشغول بأحد، فمثل هذا هو الذى نسأل عنه ونحزن إذا افتقدته الطريقة، ونبحث عنه وعن أسبابه لأنه يعتبر فقد للطريقة.

كيف يستقيم الشخص الذى أتى الطريقة حديثا؟

فى كثير من الأحيان لا يأتى للمشايخ إلا العصاة، وأذكر أن امرأة جاءت إلى الشيخ رضى الله عنه وقالت له: يا مولانا جمعت كل الصعاليك حولك فلماذا لم تجمع ابنى فلان معك ألا تقدر عليه؟ وبالفعل جاء ابنها وأخذ الطريقة وفى فترة من الفترات أصبح يرشد الناس.

ومن أقواله رضى الله عنه: باب التوبة مفتوح لايعيب الفرد العصيان ولكن بالذكر ترجح كفة الحسنات بالسيئات ويستقيم الفرد والعصيان عبارة عن جلابية متسخة من تاب تاب الله عليه.

ويقول أيضا: الشريعة باب والحقيقة دار فلا يمكن أن نذكر فقط من غير فقه.

ولكى يشجعنا جعل فى كل زاوية أكبر كتب لفقه الإمام مالك رضى الله عنه، وكان يجلس معنا فى درس الفقه وكأنه طالبا، فيمسك بكتابه ويتابع معنا ويقول: قراءة الفقه ضرورة من الضروريات حتى ولو تقرأ أصغر الكتب، مما جعل كثير من الإخوان يتفقهوا بأنفسهم ويتبحروا فى الفقه.

ماذا كان يقول فى كرامات سيدى إبراهيم القرشى الدسوقى رضى الله عنه؟

كان يقول لا أحدثكم عن مكانته بين الرجال وكراماته حتى لا تحتقروا الآخرين، حتى عندما يظهر لنا الشيخ نفسه فى كرامة ونخبره يقول لك هذا سيدى إبراهيم رضى الله عنه، فكان رضى الله عنه يحب الخفاء حتى فى مظهره يكون عاديا سواء كان بالسودان أو بمصر، وكثيرا ما نطلب منه أن يرتدى عباءة وشال ولكنه يقول لنا: (أهو أنا لابس).

يقال أنه أعطاك عباءتين حدثنى عن ذلك؟

العباءة الأولى أعطانى إياها عندما كنا نريد أن نذهب للمجلس الصوفى قال لى: خذ هذه العباءة وارتديها، والمرة الثانية أعطانى عباءة وأمرنى أن أصبح إمام مسجد عبدالمنعم بأمدرمان لأن الإمام توفى وطلبوا من الشيخ رضى الله عنه إمام، فنادانى الشيخ وقال لى: يا مصطفى اذهب وصلى صلاة الجمعة، وكذلك أعطانى الشال والعمة والعباءة، وبالفعل كتبت الخطبة واعتليت المنبر وأديت الخطبة وكان ذلك فى بداية السبعينات، وكان المصلين معتادين على نوع معين من الخطب، وحدثتهم عن حب الرسول صلى الله عليه وسلم وحب الصحابة واستمريت لمدة أربعة شهور فى هذا العمل.

بالرغم من قدم الطريقة إلا أنها لم تكن منتشرة؟

الله سبحانه وتعالى يقول فى محكم تنزيله {وتلك الأيام نداولها بين الناس} فالدولة الباطينة هى التى تختار الدولة الظاهرية، فنجد هذه الطرق تتفرع من الأصل، فمثلا القادرية هى الأصل وفرعها الإسماعيلية، والختمية أصلها الإدريسية، والإدريسية أصلها الشاذلية، أيضا الختمية أخذت عنها الإسماعيلية، لهذا يكون هناك ظرف ولم يحن وقت الطريقة، ولكن يأذنوا لها بقراءة عدد كبير من الأوراد، فمثلا فى فترة الشيخ محمد عثمان رضى الله عنه كنا نقرأ أورادنا بكثرة وهمة، مما قد جعل الإيمان فى قلوب أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتهيئتهم لمرحلة قادمة، ونلاحظ الآن الظرف أفضل بكثير من عهد الإنجليز، فقديما لا يذهب للصلاة إلا كبار السن لأن سياسة الانجليز كانت التقليل من شأن الدين، والآن ترى أعداد كبيرة فى المساجد ونشاهد الشباب من الجنسين فى المسجد، وقد بدأ تعظم أهل القرآن وهذا كله علامات ناتجة من خدمة أوراد الطريقة لأمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأن لكل ورد ملك يخدمه وذلك مع اجتهادك واجتهاد المشايخ لك، ولما يريد الله خير ينشره على يد الصالحين، وهى نعمة من الله أن يصبح المريد مرشداً ويرشد المجتمع.

المراجعة

كيف نفوز بمحبة المشايخ؟

ربنا إذا لم يحبك لم يأتى بك إلى المشايخ، وأيضاً الإجتهاد فى الأوراد والفواتح يؤتى بالمحبة، حتى تصبح كل ما يمس الشيخ كأنه يمسك، لا تطلب الثمن ولا تقصده، فقط عامل كل الناس معاملة حسنة، واجتهد فى الأوراد واذكر، فى احدى المرات سئل الشيخ عن المعاملة الحسنة فقال تفقد اخوانك، وبالفعل كان يتفقدنا بالفرد، فكان يقول لأحدنا: لماذا ترتدى هذه العمامة القديمة خذ هذه، هكذا الحال كالوالد مع أولاده وأكثر من ذلك بكثير.

حدثنا عن سفره إلى مصر؟

سافرت معه إلى مصر فى عام 1973 وقابلنا كثير من إخوان الطريقة وحضرت معه دعوة شيخ الأزهر وهو الشيخ أحمد حسن الباقورى واحتفلوا به فى الأزهر، وكان الشيخ لا يلقى محاضرة، بل يفتح الباب للسؤال فى التصوف وغيره من العلوم، وفى فترة الحلوليين والإتحاديين كانوا يسألون أسئلة فيها نوع من التحقير للتصوف، فقال لهم الشيخ رضى الله عنه: "كل من عنده أفكار سيئة فى رأسة يرمى به فى التصوف، أما تعلموا بأن الدين هو القائم على التصوف.

وكثيراً ماكان يسئل عن الكتب وكتابها هل متصوفين فيجيب بالتفصيل عن الكتاب والكاتب فيعطيهم كل المعلومات التى تتعلق بالكاتب وقال لهم: تقرأوا كتب مشايخنا وتحفظوها وتأخذوا منها شهادات وتأكلوا منها عيش وتنكروا فضلها".

لماذا العداء واضح تجاه الصوفية؟

من جهل شئ عاداه، أذكر واحد من كبار الشيوعيين فى الأربعينات واسمه حسن سلامة والذى كان يعتبر الرجل الثانى فى حزبهم، وأراد تجنيد أخ من اخواننا وهو الأخ محمد عبد الرسول، وقد جمعتهم زمالة فى الأُبيض ولكنه فشل فى ذلك، وبعد مدة طويلة رأى الأخ محمد عبد الرسول صديقه الشيوعى حسن وهو يدخل المسجد فتابعه محمد عبد الرسول من بعيد لأنه اعتقد أن حسن سلامة يريد أن يوزع منشورات، ولكن حسن صلى وخرج فنادى محمد عليه وقال له: ما الذى جاء بك إلى هنا يا حسن؟ ورد حسن عليه: بل أنت ماذا أتى بك هنا؟ وتعانقا وقال محمد لصديقه فلنذهب لصاحبى فى ذلك المكان التجارى حتى نستمتع ببعض الوقت وتعرف المزيد عن أخبارى، وزمان يا حسن كنت دائما تسأل عن أدلة فى التصوف فصاحب هذا المكان رجل برهانى يسمى مصطفى سوف تستفيد منه، وكانوا يقصدونى أنا، وبالفعل إلتقينا وشربنا عصير الليمون وبدأنا الحديث، فقال لى أريد أن آخذ منك الكتب لكى أقرأها وأناقشك، فأعطيته كتاب الأوراد الصغير وقلت له هذا هو كتابنا واحتمال لا تفهم فيه كثيرا، فقط اعمل به لمدة أسبوع وتعالى أخبرنى ماذا جرى لك، فقال لى فى لهجة استنكار ألا تعرفنى بأنى حسن سلامة وأفهم كل ما أقرأ؟ فقلت له: ولكن هذه المرة لا تفهم بل تتذوق، وضربت له مثلا وقلت له: عصير الليمون هذا إذا وصفته لك فهل يكون الوصف كالتذوق؟ فقال لا، فقلت: كذلك التصوف هو شراب روحى وتذوق وليس فهم، وبعد أسبوع جاءنى وقلت له: ماورائك يا حسن؟ قال لى: أريدك أن تعطينى المزيد من الأوراد، ولايزال برهانيا وهو رجل يحب القراءة والثقافة والإطلاع، وأيضا هو من أولئك الذين سعوا فى طباعة كتاب (إنتصار أولياء الرحمن على أولياء الشيطان) وقد وجد فى الشيخ رضى الله عنه بحر من العلوم.

يتحدث البعض عن استخدام الصوفية لكلمة الخمر كثيرا فما قولك؟

الخمر مفسد للعقل، ولكن الصوفية عندما يستخدموا هذه الألفاظ مثل لفظ أسماء النساء فى الأشعار فليس المقصود الجمال الذاتى فى المرأة ولكن يكون المقصود جانب الكمال فى المرأة، وكذلك الخمر، خامر الذكر أى يكون مصدوقا فى معانى الكمال فى ذات النبى صلى الله عليه وسلم، وكأنه يغيب عن الوعى وتسكره تلك المعانى.

والحمد لله أن الطريقة البرهانية لا يوجد فيها من ينجذب مهما استرشد ولا يوجد صاحب حال، وهذه بعض البنود التى طالب لها الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنه فى أبنائه ومنها أن لا يوجد مرض يصعب علاجه.

هذا الحديث أجرته الأستاذه هدى عبد الماجدمع الشيخ مصطفى نور الدايم قبل وفاته بأشهر قليلة