مولده صلى الله عليه وسلم -
8
حرب الفجار
قال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة
أو خمس عشرة سنة، فيما حدثني أبو عبيدة النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء، هاجت حرب
الفجار بين قريش، ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان وكان الذي هاجها أن عروة الرحال
بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن،
أجار لطيمة للنعمان بن المنذر، فقال له البراض بن قيس، أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد
مناة بن كنانة: أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى الخلق كله. فخرج فيها عروة
الرحال وخرج البراض يطلب غفلته، حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية، غفل عروة فوثب
عليه البراض فقتله في الشهر الحرام، فلذلك سمي الفجار وشهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم بعض أيامهم، أخرجه أعمامه معهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت
أُنَبِّل على أعمامي: أي أرد عليهم نبل عدوهم إذا رموهم بها.
خروجه صلى الله عليه وسلم إلى التجارة بمال السيدة خديجة
قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف
ومال، تستـأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه، بشيء تجعله لهم، وكانت
قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها، من صدق
حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى
الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له
ميسرة، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها ذلك،
وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
حديثه صلى الله عليه وسلم مع الراهب
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من
الرهبان، فاطلع الراهب إلى ميسرة، فقال له: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟
قال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه
الشجرة قط إلا نبي.
ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما
أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلا إلى مكة ومعه ميسرة. فكان ميسرة - فيما يزعمون - إذا
كانت الهاجرة واشتد الحر، يرى ملكين يظلانه من الشمس - وهو يسير على بعيره - فلما
قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به، فأضعف أو قريب. وحدثها ميسرة عن قول
الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه.
خديجة ترغب في الزواج منه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل ابن أسد
بن عبدالعزى - وكان ابن عمها، وكان نصرانيا قد تتبع الكتب وعلم من علم الناس - ما
ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب، وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه،
فقال ورقة: لئن كان هذا حقا يا خديجة، إن محمدا لنبي هذه الأمة، وقد عرفت
أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه، أو كما قال
فجعل ورقة يستبطىء الأمر ويقول: حتى متى؟ فقال ورقة في ذلك:
زواجه بالسيدة خديجة
وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله بها من كرامته،
فلما أخبرها ميسرة مما أخبرها به بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له
- فيما يزعمون -: يا ابن عم، إني قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك في قومك وأمانتك
وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسه.
وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا،
كل قومها كان حريصا على ذلك منها لو يقدر عليه
وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي بن غالب بن فهر.وأمها: فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن
معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر.وأم فاطمة: هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن
عمرو بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عمر بن لؤي بن غالب بن فهر.وأم هالة: قلابة بنت
سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، فلما قالت ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبدالمطلب،
رحمه الله، حتى دخل على خويلد ابن أسد، فخطبها إليه وقام سيدنا أبوطالب خطيبا في
القوم فقال (الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إسماعيل وجعلنا على ملة إبراهيم حنيف...)،
فتزوجها قال ابن هشام: وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة، وكانت أول
امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت، رضي
الله عنه.
|