عبير التاريخ

ما بين بن معين وبن حنبل

هو أبوزكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبدالرحمن المُرّى البغدادى رضي الله عنه،أحد حُفاظ الحديث المشهورين، ولد يحيى بن معين سنة 158هـ، وكان أبوه كاتبًا لعبدالله بن مالك، وحينما مات أبوه ترك له ألف ألف درهم أنفقها كلها فى الحديث، حتى لم يبق له نعل يلبسه وسُئل يحيى كم كتبت من الحديث؟ فقال كتبتُ بيدى هذه ستمائة ألف حديث، كما ترك كمًّا كبيرًا من الكتب، والمصنفات تربو الأحاديث فيها على الألف ألف وسبعمائة وخمسين ألف حديث، وقد روى عنه الحديث كبار الأئمة منهم: أبوعبدالله محمد بن إسماعيل البخارى وأبوالحسين مسلم بن الحجاج القشيرى، وأبوداود السجستانى، وغيرهم من الحُفَّاظ وكان بينه وبين الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه من الصُحبة، والأُلفة، والاشتراك فى الاشتغال بعلوم الحديث ما هو مشهور، وقال عنه: (كل حديث لا يعرفه يحيى بن معين فهو ليس بحديث) وقد كتب الإمام أحمد مسنده المشهور مع الزوائد وفيه ما يربو على أربع وخمسين ألف حديث إنتقاها بعلمه وخبرته وقرب عهده من الرسول صلى الله عليه وسلم وقال هذا المسند لازم لكل مسلم فقال له الناس إذا كان هذا الكتاب لازم للمسلم فكم يلزم المحدث؟ فقال قولوا فقالوا مائة ألف حديث؟ قال لا، قالوا مائتي ألف؟ قال لا، قالوا ثلاثمائة ألف؟ قال لا، قالوا أربعمائة ألف؟ قال رضي الله عنه (قد يكون محدثا) وقد قام الإمام الحافظ العراقي رضي الله عنه بمراجعة المسند والزوائد وقال كل الأحاديث صحيحة غير أن هناك ثمانية عشر حديث لا أعرفها، وكان ممن حضر مجلسه الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني فغضب من اعتراض شيخه على المسند وأرسل خطابا إلى الإمام المحدث العلامة القسطلاني رضي الله عنه وطلب منه أن يرسل له خطابا يسأل فيه عن الثماني عشرة أحاديث التي لم ينكرها الحافظ العراقي بل قال أنه لايعرفها، ولما وصل كتاب الحافظ القسطلاني ألف العسقلاني كتابا وعنونه (القول المسدد للذود عن مسند أحمد) صحح فيها الأحاديث التي قال عنها العراقي أنه لايعرفها، هكذا كان مسند الإمام أحمد بن حنبل في الزمن الأول الذي استمد أحاديثه من شيخ مشايخ الأحاديث سيدي يحيى بن معين وشيخ الثقات وكتب المسند الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة وراجعه الإمام عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ثم كتب الزوائد وبعد زمن طويل راجع المسند الإمام الحافظ العراقي وصححه ثم راجعه وصححه الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني والإمام الحافظ القسطلاني وكل هؤلاء قالوا أن أحاديث المسند صحيحه، وفي نفس الوقت عرض الإمام البخاري كتابه المسمى بالصحيح على الإمام أحمد بن حنبل فلما قرأه قال هذا الكتاب من أصح الكتب المصنفة، أي أن رتبة البخاري جائت من باب التصنيف والتصحيف وهذا لايعني أنه أصح من كتاب الإمام أحمد أستاذ البخاري، ولكن طلع علينا من يضعف ويكذب أحاديث المسند ويستند في تضعيفه على أدلة ظنية لاقطعية في الطعن في الرواه، وهذا جرح واضح في المصحح والقاعدة تقول لايقبل الجرح والتعديل ممن هو مجروح فيه، كما أن الطبعة الأخيرة من المسند تحتوى على ستة وعشرين ألف حديث فقط فأين ذهبت الأحاديث من المسند؟ ونعود إلى علماء الحديث ومشايخه الثقات لنسمع ما قال بن الرومي في بن معين

(ما سمعت أحدًا قط يقول الحق فى المشايخ غير يحيى بن معين، وغيره كان يتحامل بالقول). وقال يحيى بن معين: (مارأيت على رجل قط خطأً إلا سترته عليه وأحببت أن أٌبيّن أمره وما استقبلت رجلاً فى وجهه بأمر يكرهه، ولكنى أُبيّن له خطأه فيما بينى وبينه، فإن قبل ذلك وإلا تركته) وتوفى يحيى بن معين رحمه الله سنة (233هـ).

محمد صفوت جعفر


مسجد نصرتي - 1826م


المر كز الإسلامي - نيويورك