أول خطبة لرسول اللهفي أول جمعة بالمدينة

نار الحجاز

مـن رقائـق الصوفيـة

الرفـق بـالحيـوان

اشراقــات صوفيــة

فرحة المدينة بالنبي صلى الله عليه وسلم

 

أول خطبة لرسول اللهفي أول جمعة بالمدينة

خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاها بالمدينة فقال:

الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره، وأشهد به وأومن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرسل وقلة من العلم وضلالة من الناس وانقطاعٍ من الزمان ودنوٍّ من الساعة وقربٍ من الأجل، من يُطع الَله ورسولَه فقد رشد، ومن يعصمهما فقد غوى وفرط وضل ضلالاً بعيدا، وأوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحُضَّه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكرا، وأن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عونُ صدقٍ على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية لا ينوي بعد ذلك إلا وجه الله يكن له ذكراً في عاجل أمره وذخراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدَّم، وما كان من سوى ذلك يرد لو أن بينه وبينه أمداً بعيدا، ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد، والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول عزَّ وجل: {ما يُبدَّل القولُ لديَّ وَمَا أنا بظلَّامٍ للعَبيد} فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية فإنه من يتق الله يكفِّر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيما، وأن تقوى الله يوقي مقته ويوَقِّى عقوبته ويوقي سخطه، وأن تقوى الله يبيض الوجوه ويرضي الرب ويرفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تُفرِّطوا في جنب الله، قد علَّمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلِك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم فإن من يصلح ما بينه وبين الله يَكفِه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم.

صدق رسول الله   
صلى الله عليه وسلم

نار الحجاز

جاء في الصحيحين: لا تقوم الساعةُ حتَّى تظهرَ نارٌ بالحجاز، ولفظ البخاري: تخرج نار من أرض الحجاز تضيءُ أعناق الإبل ببُصرى قال القرطبي: قد خرجت نار الحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلةٌ عظيمة يوم الأربعاء بعد العتمة في الثالث من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة654 هـ، واستمرَّت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، تُرى مثل البلد العظيم، وتُرى رجالٌ يقودونها، لا تمرُّ على جبل إلا دكَّته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمروأزرق له دويٌّ كدويِّ الرعد، واجتمع من ذلك ردم حتَّى صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك كان يأتي المدينة نسيم بارد ، وشوهدَ لهذه النارُ غليانٌ كغليان البحر قيل وارتفع ضوءها حتَّى كأنَّ الحرمَ النبوي عليه نارٌ مشرقة، وصار نور الشمس على الأرض تعتريه صُفرة، وكانت النساء يغزلن على ضوءها بالليل وهنَّ على أسطح البيوت. وقيل رؤيت من مكة، ورآها أهلُ ينبع. وجاء في الأخبار أنها كانت تأكُل كلَّ ما مرَّت عليه من جبل وحجر ولا تأكل الشجر،.وقال الجمال المطري: أخبرني أحد عتقاء أمير المدينة قال: أرسلني مولاي الأمير عز الدين بعد أيام ، ومعي رجل من العرب، وقال لنا: اقربا من هذه النار، وانظرا هل يقدِرُ أحدٌ على القرب منها، فإنَّ الناس يهابونها لعِظمِها، قال: فخرجتُ أنا وصاحبي حتَّى دنونا منها، فلم نجد لها حرَّا، فنزلتُ عن فرسي،وسِرتُ حتَّى وصلتُ إليها، وهِي تأكلُ الصخر والحجر، فأخذتُ سهماً من كنانتي،فمددت به يدي إلى أن وصلتُ إليها، فاحترق النصل ولم يحترق العود، فأدرت السهم إلى الجهة الأخرى مكان الريش، فاحترق الريش ولم يحترق العود. وقال أيضا: وظهر لي في معنى ذلك أنَّه لتحريم النبيصلى الله عليه وسلم شجر المدينة، لوجوب طاعتِه صلى الله عليه وسلم على كلِّ مخلوق. ويُفسِّره أهل العلم بأنه بركان ولكن الله جعل ناره برداً وسلاماً على حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذامن معجزات المدينة وهي من جنسِ معجِزة سيدنا إبراهيم عليه السلام {قلنا يا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهيم} وهذا يؤيِّد ما ذهب إليه الإمام السيوطي أنه ما من معجزة ولا مزيَّة أُعطيها نبيٌّ من الأنبياء إلا أعطيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها أو أعظمَ منها.

د. الوسيلة إبراهيم درار

مـن رقائـق الصوفيـة

قال الشيخ نجم الدين: الشريعةُ كالسفينة، والطريقة كالبحر، والحقيقة كالدر، فمن أراد الدرَّ ركبَ في السفينة، ثمَّ وصل إلى الدر فمن ترك هذا الترتيب لا يصلُ إلى الدر، فأوَّلُ شيءٍ وجب على الطالب فهو الشريعة والمراد منها ما شرعه الله ورسوله من الأوامر والنواهي، والطريقة هي الأخذ بالتقوى، وما يقرِّبك إلى الله زلفى من قطع المنازل والمقامات، وأما الحقيقة فهي الوصول إلى المقصد.

صحبة أهل الخير

صحبة أهل الخير حِصنٌ للمريد من الانقلاب والعودة إلى البطالة فإن البعد عن المعاصي يجعلها ثقيلةً على النفس، والقرب من الطاعات يهوِّن أمرها إلى النفس لذا قال سيدي بومدين:

ما لذة العيشِ إلا صحبــةُ الفقرا            هم السلاطينُ والساداتُ والأمـرا

فاصحبهمو وتأدّبْ في مجالسهـم              وخلِّ حظَّـك مهمـا قدَّموك ورا

وقال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: لا تنقل قدميك إلا حيثُ ترجو ثواب الله، ولا تجلسُ إلا حيثُ تأمنُ غالباً من معصية الله، ولا تصحب إلا من تستعين به في طاعة الله، ولا تصطفِ لنفسك إلا من تزدادُ به يقين.

الرفـق بـالحيـوان

الإنسان خليفة الله في الأرض كرَّمه وسخَّر له ما في الكون جميعاً من أحياء وجمادات ومن أكثر ما انتفع به الإنسان هو الحيوان، قال تعالى: {وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيم} وقال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِين}.

فاتخذ من أوبارها بيوتا، وصنع منها أثاثه، وحاك منها ملبسه، وحمل عليها أثقاله.

وقال تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُون} فذكر في هذه الآية أهم ما خلقت له الخيل والبغال والحمير من المنافع وهو الركوب، وفي الركوب راحة البدن، وسرعة الانتقال من مكان إلى مكان، والراحة من متممات الصحة، وسرعة الانتقال حفظ للوقت من أن يذهب في غير جدوى.

امتن الله تعالي على الإنسان بالأنعام والخيل وغيرها من ضروب الحيوان، ونبه على ما فيها من جمال وزينة، وفي هذا ما يرشد إلى أن يكون الاستمتاع بها في رفق ورعاية، المبالغة في تكليفها بالأعمال الشاقة يذهب قوتها وما فيها من جمال وزينة.

كان للعرب قبل الاسلام عادات جاهلية سنوا بها شرائع تحرمهم من الانتفاع ببعض أفراد الحيوان مع ما فيها من قوة وقدرة على النفع، ومن هذا النوع الناقة المسماة بالسائبة، ويحرم ركوبها يقول فيها الرجل: إذا قدمت من سفري، أو برئت من مرضى فهى سائبة، ويُحرِّم ركوبها ولبنها، والوصيلة وهى أن تلد الشاة ذكراً وأنثي فيقولون: وصلت أخاها، فلا يذبح من أجلها الذكر، والجمل المسمى بالحسام، وهو الفحل الذي ينتج من صلبه عشرة أبطن فكانوا يقولون: قد حمى ظهره ويمتنعون من ركوبه والحمل عليه، والبحيرة وهى الناقة التى تنتج خمسة أبطن آخرها ذكر، فإنهم كانوا يشقون أذنها، ثم يحرمون ركوبها ولبنه.

ثم جاء الاسلام فنهى عن هذا التعطيل الناشئ عن الجهل وسفاهة الرأى، فقال تعالي: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُون}.

وكان للعرب عادات يسومون فيها الحيوان سوء العذاب، ومن هذه العادات ما يفعلونه لموت كريم القوم إذ يعقلون ناقته أو بعيره عند القبر ويتركونها في حفرة لا تطعم ولا تسقي حتى تموت، ويسمونها البلية قال رجل يوصي ولده عند الموت:

أبنيَّ لا تنسَ البليَّة إنها لأبيك يوم نشوره مركوبُ

ومن هذا الباب شقهم لآذان الأنعام كما قصصنا عليك عادتهم في البحيرة، وهو ما أشار القرآن إلى قبحه إذ جعله مما يأمر به الشيطان فقال تعالي: {وَقَالَ لأتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه}.

وكلما اهتم الإنسان بما يملك طالت مدة انتفاعه به، ليس هذا فحسب ولكن الاسلام أرشد إلى أن الحيوان في نفسه حقيق بالعطف، فغرسَ له في القلوب عطفا عاما، واستدعى له الرحمة حتى من قوم لا ينتتفعون أو لا يرجون أن ينتفعوا به في حال، وجعل الرفق به من قبيل الحسنات التى تذهب السيئات، وتنال بها المثوبة عند الله.وثواب الله في الآخرة.

د.إبراهيم الدسوقي

اشراقات صوفية

تلك التوابعُ من نوابعِ جودها        خمرٌ يكون مزاجها تسنيمـا

سبحان من جذب خواص خلقه للسباحة في بحر العلوم بين عباده واختارهم للتبحر في لُجة قاموس تياره وأمواجه، وأظهر لهم أسراره ومعانيه ثمَّ اغترفوا من مدد إمداده وأطلعهم على حكم معلوماته، وكنه مدلولاته فهبَّت عليهم رياح العنايات مع تخصيص اجتبائه وبسط لهم بساط قربه على أنهار محبته فارتوت أنوار قلوبهم تشوفاً من زلال اشتياقه وأردفهم السعادات للكائنات في أزل الآزال من نعيم جزيل نواله. وخصَّهم بالمواهب الإلهيات والمعاني الربانيات. وأيقظهم لخدمته، وألهمهم بذكره ففاحت عليهم نسمات قربه ووداده وكشف لهم عن عالم الملكوت حين أشرقت أنوار قلوبهم لمشاهدة المعاني والأرواح الكريمة على صورة أحبابه وعاينوا أموراً برزخية بعيني البصيرة والبصر فمن ذلك رؤيتهم جهرةً لسيد أنبيائه. وهذا ممكن عقلاً وشرعاً ودليلنا الشرعي ما كان معجزة لنبي جاز ان يكون كرامةً لأوليائه.

استشرقت من هذه الدرر المنثورة كلمات وضاءة من كتاب عظيم وكلمات منتقاة بدقة متناهية. عند تلقيك لهذه الكلمات تدور في محور من نورٍ لأعظم الكُتاب وما خرجوا به من درر نفيسة لعل يستفاد بها أهل هذا الزمان.

كتاب (الكواكب الزاهرة في اجتماع الأولياء يقظة بسيد الدنيا والآخرة) صلى الله عليه وسلم. لسيد أبي الفضل عبد القادر بن الحسين بن مغزل الشاذلي رضي الله عنه. جاء في هذا الكتاب الكثير مما لا يدركه إلا القليل الأقِلَّة. منها - دليل رؤية الملائكة من السنة - سند التصوف - قطوف من الكرامات - حُكم من أنكر كرامات الأولياء - و الكرامة والاستقامة - من كرامات الصحابة والتابعين - صفات الأولياء - وكيفية الكشف عن القوم - الفراسة وأمثلة لها - الصلة بين التصوف والكتاب والسنة - ومن أوصاف المتصوفة - والكثير مما ليس له عد ولا حد.

رضي الله عن أوليائه الأكرمين الذي جعلهم في دار الفناء أهل قربه وطاعته فغرقت أوقاتهم في بحار وجوده وعبادته ثم تفتت قلوبهم شوقاً إلى الخطاب الأزلي القديم.

فوعدهم بالنظر إليه في دار البقاء على بساط قربه وعنايته فاشتد شوقهم وشغفهم حتى صارتأجسادهم في غلبة الشوق والحب كالقتلى بلا محالة. وصارت أرواحهم في حجب سائرة في الملكوت جوالة، ثم أتحفهم من دار الدنيا تلطفاً بهم وتجلَّى على قلوبهم بجمال الصفات فأصبحوا لما استنشقوا نسيم القرب في هذه الحالة فشاهدوا جمال الصفات دون سبحات جلال الذات، إذ لو تجلَّى ببارقه من جلال الذات لاحترق جميع الموجودات لكونها حادثة.

فاعلم أخي إذ لا بقاء لحادث كالظُلَم مع إشراق نور القوم.

غادة سليمان

فرحة المدينة بالنبي صلى الله عليه وسلم

روي عن أنس رضي الله عنه: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكَّة أظلم منها كلُّ شيء، فلما دخل المدينة أضاء منها كلُّ شيء، رواه بن ماجة بلفظ: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كلُّ شيء، فلما كان اليوم الذي تُوفي فيه، أظلم منها كلُّ شيء، ورواه أبو داؤود بلفظ لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ لعبت الحبشة بحرابِهم فرحاً بقدومِه، وما رأيتُ يوماً كانَ أحسنَ ولا أضوأَ من اليوم الذي دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاءَ مِنها كلُّ شيء.

الشيخ الحسين الشيخ محمد عثمان عبده
من معرض الحولية